عشرون سؤالا عن الشيخ محمد اليعقوبي
حوار مع الكاتب إيليا إمامي
عشرون سؤالاً
حول الشيخ محمد اليعقوبي
أوراق مختصرة تناقش طريقة الشيخ اليعقوبي في التصدي للمرجعية
وصلى الله على المصطفى وآله الطاهرين
مقدمة:
عندما كنا ندرس موضوع العقائد في فترة الصبا.. قرأنا في كتاب عقائد الإمامية للشيخ محمد رضا المظفر قدس سره .. وصفه للاجتهاد بأنه (حظ عظيم) .. بقوله:
(ففي كل عصر يجب أن ينظر المسلمون إلى أنفسهم فإن وجدوا من بينهم من تبرع بنفسه وحصل على رتبة الاجتهاد التي لا ينالها إلاذو حظ عظيم وكان جامعاً للشرائط التي تؤهله للتقليد، اكتفوا به وقلدوه ورجعوا إليه في معرفة أحكام دينهم ...).
وعندما صرنا بعد سنوات نقرأ الكتب الفقهية والأصولية وتراجم العلماء .. صارت تتكرر أمام أعيننا سطور .. تصف التقليد بأنه أدنى مراتب العلم (الحضيض) أو القاع.. وتصف الاجتهاد بأنه القمة والأوج.
قال الشيخ البهائي في زبدة الأصول: ( وموضوعه -أي علم الأصول- دلائل الفقه من حيث الاستنباط، وثمرته الفوز بالسعادة الدينية، والترقي عن حضيض التقليد إذا استعمل فيما وضع لأجله...).
ونقل الكلباسي في الرسائل الرجالية عن المجلسي الأول .. وصف الشيخ البهائي الابن لوالده بأنه (المترقي عن حضيض التقليد إلى أوج الاستدلال الحسين ابن الفاضل الصالح عبد الصمد....).
وأما صاحب طرائف المقال فينقل طرفاً من إجازة بعض المعاصرين لوالده السيد محمد شفيع .. وجاء فيها (العالم العامل المقتدر لاستنباط الأحكام الشرعية بجده البليغ المترقى من التقليد إلى أوج الاجتهاد بسعيه الأنيق...).
وطالما رأينا في ثنايا كتب أعلامنا .. أن نيل الاجتهاد هو نيل للمنى والمراد.. وأن قدرة الاستنباط هي ملكة قدسية وليست أمراً عادياً ..!
فيصف صاحب أنوار الفقاهة الشيخ حسن ابن الشيخ جعفر الكبير كاشف الغطاء .. السيد جعفر السبزواري بقوله: (ولعمري لقد أنبأ كتابه عن ملكة قدسيّة وقوّة اجتهادية يستخرج بها الفروع من الأصول، والمدلول من الدليل..).
والسيد الخوئي قدس سره .. قال في إجازته لتلميذه السيد السيستاني (وقد حضر ابحاثي الفقهية والأصولية حضور تفهم وتحقيق وتعمق وتدقيق حتى أدرك -والحمد لله- مناه، ونال مبتغاه، وفاز بالمراد، وحاز ملكة الاجتهاد، فله العمل بما يستنبطه ...).
منذ ذلك الحين .. ومن أول الشباب .. ارتسمت في أذهاننا صورة كبيرة لمقام الاجتهاد .. وصار الحلم الأسمى لكل طالب علم أن يصل إلى هذه المرتبة .. كما لازم هذا الحلم مخيلة العلماء والطلبة الذين سبقونا عبر الأجيال.
إن الاجتهاد بوصفه القدرة على استنباط الأحكام الشرعية من القرآن والسنة والنظر في كلمات العلماء .. لا يشكل جاذبية روحية لطالب العلم لمجرد أنه زيادة في الذكاء.. حتى يقول الإنسان المتورع أن قيمتي في التقوى وليس الذكاء! ولايعني مجرد اتباع الناس للمجتهد.. حتى يقول المتورع أن اتباع الناس لي مسؤولية أخاف من تحملها!
بل تأتي جاذبيته (وشرفه الرفيع) في المقام الأول من كونك قادراً على تلمس نصوص الوحي والعصمة (الآيات والروايات) دون واسطة بشرية .. بل تتلقاها مباشرة لتفسرها وتستخرج منها الأحكام الشرعية.
الاجتهاد كما قرره أعلامنا هو (رد الفروع إلى الأصول) فأنت تنظر في المسألة الفرعية والحالات اليومية وتردها إلى أصولها الدينية.. وتصبح في مصاف الكبار الذين يمتلكون رأياً مستقلاً في المسائل.. غير تابع لأحد آخر .. فأنت بذلك تجلس في حلقات المعصومين من غير حجاب أو استئذان من شخص أخر.. وبالتعبير الحديث.. ستكون من (الدائرة المقربة) وتعبر عن كبار العلماء بعبارة (قال أصحابنا قدست أسرارهم) فأنت لهم صاحب لا تابع.. وحسبك بهذا لذة نفسية تفنى من أجلها الأعمار.
هذه هي الجاذبية الحقيقية للاجتهاد.. سواء أكان استنباط الأحكام لنفسك وللعمل بها.. أم كان للآخرين لتقليدك.. ومن هنا فمثل هذا الشرف.. سيبقى حلماً يرواد كل طالب علم.. مهما قادته ظروفه إلى مساحات بعيدة عن ذلك.. ومهما تشرف بوظائف دينية أخرى تقربه إلى الله تعالى.. ربما أكثر من الاجتهاد نفسه.
وبأزاء كل نعمة متاحة لأصحاب الاستحقاق .. هناك من يريد اقتناصها بدون استحقاق .. فمقام النبوة أبتلي بالمتسلقين والمدعين والكذابين الذين عجزوا عن نيله بجدارة .. ومقام الإمامة كذلك .. ومقام الاجتهاد والمرجعية ليس استثناءاً من هذا.
ومما يشهد على هذه الجاذبية حتى لغير المستحقين .. ما جاء في تقريرات بحث آية الله العظمى الشيخ حسين الحلي قدست نفسه .. بقلم تلميذه السيد الطهراني في كتابه الدر النضيد:
( وكان شيخنا الأستاذ النائيني قدس سره يقول على المنبر: يا أيها الطلاب! إن العالم النحرير الورع التقي الحاج ملا علي الكني رضوان الله عليه كان يشك -هو- في اجتهاده، حيث رجع الناس إليه وهجموا عليه للتصدي فـي القضاء ورفع المنازعات، فاجتمع جميع علماء البلد ونواحيه ممن كان يقر هو قدس سره باجتهادهم فشهدوا على اجتهاده؛ لكن أنتم الطلاب يشهد خمسون مجتهداً بعدم اجتهادكم ومع ذلك تدعون الاجتهاد وتنظرون إلى من أنكركم بنظر خفيف ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم).
وعلى جميع ما تقدم .. ومضافاً لاستغلال الخطاب الديني لدى الكثيرين من جهة.. والأجندات المدعومة بشكل سافر من جهة أخرى.. والتأثير والتشويش البالغ الذي خلفته وسائل التواصل اليوم من جهة ثالثة.. فلابد من قواعد وضوابط تكشف بوضوح هل أن الشخص المدعي لهذا المقام العظيم .. قد ناله بجدارة فعلاً.. أم هو مجرد متسلق أخر .. ممن يطمعون بقمم الجبال .. دون العضلات المؤهلة للصعود!!
فمن الذي يحكّم هذه القواعد ويطبقها؟ وهل الشيخ محمد اليعقوبي الذي عاد الحديث عن مسألة اجتهاده للواجهة مجدداً.. مؤهل فعلاً بحسب هذه القواعد؟ ومن الذي يقرر ذلك إن كان الجميع متهمين بإقصاء الآخر؟
هذه مجموعة أسئلة وأجوبة حول هذا الموضوع .. كتبتها خلال شهر رمضان المبارك لعام 1446 هــ سائلاً الله تعالى أن يكون قربه القصد .. ورضاه الهدف .. وأن يبعدنا عن المناكفات .. ولا يجعلنا من أهل المراء في الدين.
وأنبه على أن الأعلام حفظهم الله يحذرون أن تكون مسألة التقليد موجباً لاختلاف المؤمنين فكلنا شيعة آل محمد صلوات الله عليهم.. وإنما واجبنا بيان مكامن الخلل وتصحيح ما يقتضي التصحيح بلغة مهذبة وحسن ظن مهما أمكننا ذلك.. إبقاءً للمودة وحفاظاً على الألفة.. ليوم نقف فيه كتفاً على كتف دفاعاً عن مقدساتنا ومشتركاتنا.
ولقد كرهت -وحق الله- كل لحظة كتبت فيها هذه الأوراق.. وما كنت أرجو يوماً أنشغل فيه بالكتابة عن شخص معين بما يؤدي لإضعاف صورته أمام الناس!
ومع ما يورثه حب المراء من قسوة القلب وسلب البركة.. كم تمنيت أن يبقى جهدي منصباً على هجمات الخارج الشرسة.. وموجات تشويه الفطرة ومسخ الإنسانية القادمة من الغرب.
وكلما تخيلت صورة بعض المفلسين مثل عباس الزيدي وعبد الحليم الغزي وحسن الكشميري وأمثالهم ممن لا شغل لهم ولا بضاعة إلا هتك حرمات الآخرين.. بل وأعراض الآخرين.. حتى أصبحت خلاصة حياتهم وحصيلة أعمارهم مرتبطة بهذا المستنقع.. ولا نتاج لهم يُذكر في خدمة الدين!! فكلما تخيلت ذلك.. سألت الله العافية.. وأن لا أكون ممن سقط من عين ربه فصار شغله إسقاط غيره.. فليس لهذا خلقنا.
ولكن مثل هذا الموضوع الديني.. خطير لأنه يستهدف (قلب المفاعل) كما يقال.. لأن العبث بقواعد هذا المنصب الإلهي الخطير.. لن تبقى وراءها باقية.. فلا معنى لأن نعطي أولوية لهجمات الخارج بينما نرى العبث بمركز إدارة المذهب.. وكما يقولون (لا قيمة لأسوار القلعة إذا أنقلب الجنرال) ومن هنا اضطررت لتغيير وجهة الكتابة في هذا الشهر الكريم.. على خوف وحذر من انزلاق أقدامنا نحو المهاترات الفارغة.. وأسأله تعالى أن يعافينا من البقاء في هذه السجالات.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
الكاتب إيليا إمامي
النجف الأشرف
3 شوال 1446
قبل البدء .. دعونا نتابع حياة مجتهد من النشوء إلى الأوج .. في صفحتين:
* يفتح الصبي عينيه على الحياة .. بدراسة أوليات العلم كالقراءة والكتابة وتعلم القرآن الكريم والروايات الشريفة وبعض الأحكام الشرعية ومراحل الدراسة الابتدائية.. حتى يجد والده العطوف أن ولده مؤهل لدخول الحوزة.. وفي نفسه الشوق لذلك.. فيقدمه صدقة جارية .. وتجارة فيما بينه وبين الله تعالى.
* يبدأ الصبي بدراسة المقدمات وحفظ متونها.. ويترقى من المقدمات إلى السطوح ثم السطوح العالية.. وقد يستغرق خمس سنوات أو عشر لطي هذه المراحل.. حسب قابليته الذهنية أو ظروفه الحياتية .. حتى يصبح شاباً مسلحاً بالعلوم التي توصله إلى المقصد .. وهي ثمانية أو عشرة علوم على اختلاف النظر.. ويستعد لدخول المعترك الفعلي .. والمبدأ الحقيقي لحياة طالب العلم.. وهو البحث الخارج.
* متسلحاً بتجربته.. ونصيحة أساتذته.. ومعرفته بالجو العلمي في الحوزة.. يختار طالب العلم بمحض إرادته وتمام حريته.. تكوين جدوله الدراسي بنفسه.. فقد يلازم أستاذاً واحداً يحضر عنده بحث الفقه وبحث الأصول وبقية الأبحاث الأساسية (وقد يكون نفس أستاذه في مرحلة السطوح، ورافقه في بحثه الخارج) وقد يختار تشكيلة من الأساتذة.. فيحضر بحث الفقه عند سين .. وبحث الأصول عند صاد .. وبحثاً رجالياً عند عين .. وهكذا.
المهم أن يكون الاختيار بعيداً عن العواطف والمحبة الشخصية.. بل مبنياً على تحقق الاستفادة وشعور الطالب بأن الأستاذ يأخذ بيده نحو تعلم الفن.. وإتقان الصناعة.. وترويض ملكة الاستنباط.
* إلى هنا .. يتوقف الزمن عشر سنوات على الأقل .. فلا يوجد في حياة الطالب خلالها إلا الدرس عند أساتذته.. والمباحثة مع زملائه .. والتدريس لطلابه في المواد السابقة.. وهذا العقد الذهبي .. هو الذي يحدد طبيعة شخصية هذا الطالب .. وما إذا كانت سفينة السنوات العشر سترسو على ساحل التأهل للاجتهاد .. أم الأستاذية المرموقة في الحوزة .. أم غير ذلك.
* وخلال هذا العقد (والذي يليه طبعاً) سيتم تحديد ثلاث دوائر من العلاقات بالنسبة للطالب:
الأولى: علاقته بأستاذه .. حيث سيحدد الطالب أي أستاذ أفاده أكثر .. فيحرص على ملازمته كملازمة الشجرة بانتظار سقوط الثمرة منها.. وكملازمة الظل للشاخص.. فيقرر (يكتب) أبحاثه ويراجع كلماته ويناقش آراءه .. حتى يصبح مرآة عاكسة لمباني أستاذه .. على قدر ما تتسع هذه المرآة.
والأستاذ في المقابل.. سيعرف تلميذه جيداً.. ويحدد مدى قابليته.. ودقة نظره.. ورجاحة عقله.. وحسن سلوكه وتدينه.. مما يساعده في المستقبل على اتخاذ موقف مدروس .. بشأن اجتهاد تلميذه أو عدمه.
الثانية: علاقته بزملائه .. الذين قضى الوقت معهم .. يتباحثون ويتناقشون معاً .. ويسكنون ويأكلون ويشربون ويبيتون معاً .. مما يتيح لكل منهم معرفة زميله بشكل دقيق .. تاريخه وحاضره وملامح عن مستقبله .. ومستواه علمياً وعملياً وحتى نفسياً.. دون حاجة لوسائل الإثبات كالإجازات ونحوها.. بل حتى مع وجودها سيكون لهم تقييمهم الخاص نظراً للعمر والعشرة .
وهذه المعرفة الدقيقة والقديمة بين الزملاء.. ستنعكس على المستقبل.. عندما يتم الإعلان عن اجتهاد أحدهم بعد سنوات.. فستكون الصورة واضحةً جداً لدى بقية أقرانه .. وستكون مواقفهم مدروسة حول دعمه لخدمة الحوزة والمذهب .. أو منعه وعرقلته في حال عدم أهليته.. أو الصمت في حال وجود مصالح أعلى من مصلحة الكلام.
كما أن هذه المعرفة المترابطة بين الزملاء .. يستحيل معها اختراق الحوزة بشخصيات مجهولة لا تاريخ لها في هذه الحاضرة .. أو أسماء تم ترتيب سيرتها الذاتية بشكل ظاهري وشكلي .. تحاول فرض نفسها بدون استحقاق.
الثالثة: علاقته بطلابه .. فطالب البحث كلما تقدم في مراتبه العلمية .. كلما ترقت دروسه .. من تدريس المقدمات إلى تدريس السطوح إلى تدريس السطوح العالية .. فإذا بلغ الاجتهاد أمكنه غالباً الشروع بتقديم دروسه في البحث الخارج.
وخلال هذه المدة التي يلازم فيها أستاذه .. فإن طلبته يلازمونه أيضاً .. ويستفيدون منه .. وقد يلتزمون حضور درسه من المقدمات او السطوح إلى البحث .. فإذا تصدى للمرجعية مثلاً بعد سنوات .. كانوا أعضاداً وأعواناً له على تحمل هذه الأمانة الثقيلة.
والخلاصة .. إذا أعلن الشخص اجتهاده في الحوزة .. ستكون هذه الدوائر الثلاث محيطة به .. وعلى عاتقها مسؤولية عظيمة أمام الله .. وهي الفيصل والأساس في تحديد الموقف الشرعي وتأمين براءة الذمة .. لأن الناس ستقصدهم ولا تقصده هو.. فهو طرف الادعاء.. والإثبات على هذه الدوائر وبالذات الأولى والثانية.
وإذا ما تصدى للمرجعية (بعد عقدين أو ثلاثة) .. فإن مسؤولية هذه الدوائر ستتضاعف .. وهي تسلم مصير المجتمع بيد هذا الشخص المدعي لهذا المنصب.
هذه خلاصة رحلة المجتهد، والعملية الدقيقة لتكوين شخصيته، بكل بساطة واختصار.
فهرست الأسئلة
ت الموضوع صفحة
س1 حول حقيقة وجود حملة تسقيطية ضد الشيخ محمد اليعقوبي. ص9
س2 في بيان أن فتح هذا الموضوع وبهذا التوقيت ليس فيه خطر الفتنة والتفريق بين المؤمنين. ص10
س3 طلب الإثبات بأن نقدنا للشيخ اليعقوبي هو دفاع عن الاجتهاد والمرجعية.. وليس استهدافاً !! ص12
س4 شرح القواعد التي تثبت اجتهاد المجتهد.. والتأكد من مدى انطباقها على الشيخ اليعقوبي. ص13
س5 بيان مدى التزام الشيخ اليعقوبي بهذه المعايير في إثبات اجتهاده وعدم خروجه عنها. ص16
س6 معنى عدم جواز الطعن في الشيخ إذا كان يرى نفسه مجتهداً فيما بينه وبين الله. ص24
س7 في ذكر بعض الموارد التي حصل فيها تشكيك باجتهاد المجتهد، وكيف تعاملت الحوزة مع ذلك. ص26
س8 قبول طعن السيد الحائري باجتهاد الشيخ اليعقوبي.. ورد الشيخ على هذا الطعن بجوابين. ص27
س9 في ذكر الوصايا التي صدرت من السيد الصدر قدس سره بحق الشيخ ودلالتها على اجتهاده. ص29
س10 بيان جملة مما يردده الشيخ وأتباعه من قصص تمجد علميته.. ومدى نفعها في إثبات اجتهاده. ص39
س11 أسباب عدم حضور الفضلاء إلى مجلس بحث الشيخ. ص50
س12 رد القول أن مرجعية الشيخ مكتملة الأركان وهذا مانع من التشكيك فيها!. ص52
س13 تقييم مسلك التشدد في قبول الاجتهاد.. وهل يوجد مجتهدون في النجف في السنوات الأخيرة. ص55
س14 في ذكر بعض الوجوه المعروفة لحصول الأعلام على إجازات الاجتهاد. ص60
س15 بيان سبب الرد على الشيخ اليعقوبي دون الصرخي والبديري وأمثالهما. ص63
س16 نقد القول بأن النفي من مكتب السيد هو (خدمة للاستكبار العالمي). ص70
س17 ذكر بعض موارد المبالغات في كلام الشيخ. ص77
س18 رد الاتهام بأني أرسم صورة غير واقعية عن قداسة الحوزة ونقائها وكأنها المدينة الفاضلة. ص80
س19 ذكر طرف من تجاوزات الشيخ بحق للمرجعية الدينية العليا. ص85
س20 التعليق على قول بعض الإخوة بضرورة ترك الشيخ لآخرته وعدم فتح هذا الموضوع. ص98
س21 مناقشة في صحة استخدام كلمة (متمرجع) بحق الشيخ. ص107
الأسئلة:
السؤال (1): لماذا هذه الحملة التسقيطية ضد الشيخ محمد اليعقوبي؟
الجواب:
ما يسميه بعض إخوتنا من أتباعه: (حملة تسقيطية) أو (حسد للشيخ) أو (خوف على الامتيازات) أو غيرها من تأويلات للنوايا يكثرون من المديث عنها.. نسميه نحن وضعاً للنقاط على الحروف، وتمييزاً للمفاهيم الصحيحة من السقيمة.. ومساهمة في حفظ عنوان الاجتهاد والمرجعية الممتد لأكثر من 1000 عام.
شخصياً.. لا أجد قيمةً ولا معنى لأن أكرس وقتي وأبذل جهدي في الكتابة عن شخص بغرض (تسقيطه).. وأعتقد أن كل لحظة من عمر الانسان لها كرامة وقيمة ذاتية ويجب أن يكرمها بصرفها في الأمور النافعة كرد الشبهات عن الشباب وتعليم الناس.. ولايهينها بإتلافها في مناكفات ونزاعات عبثية.
وما أكتبه هنا.. أنظر إليه كجهد مبذول في تصحيح المفاهيم لا التسقيط.. وإلا فالكلام سهل.. ويستطيع أي شخص مستهدف أن يقول هذا تسقيط وأنا محسود.. ويظهر بمظهر المظلوم المدافع عن نفسه.
حتى المعصوم.. كالإمام الصادق عليه السلام.. تعرض لمثل هذا الاتهام عندما طلب منه عبد الله بن الحسن المثنى أن يبايع لولده محمد على أنه المهدي.. فقال الإمام عليه السلام: (إن كنت ترى أن ابنك هذا هو المهدي، فليس به ولا هذا أوانه ...).
فكان من عبد الله أن يغضب ويرد على الإمام بقوله: (لقد علمت خلاف ما تقول، ووالله ما أطلعك الله على غيبه، ولكنه يحملك على هذا الحسد لابني) !!
فإذا كان الإمام عليه السلام يقول لرجل (لست المهدي) فيتهمونه بالحسد.. فما أيسر أن تقول لرجل (لست مجتهداً) فيتهمك بعشرة أضعاف ذلك !!
وعلى العموم القضية لا تستحق كل هذا الضجيج .. ويمكن تلخيصها بسطر واحد:
المجتهد هو من لديه ملكة استنباط الأحكام الشرعية.. والسؤال هل الشيخ اليعقوبي لديه هذه الملكة لتكون في تقليده براءة الذمة.. أم لا؟
من يرى أنه مجتهد فهذا تشخيصه.. والأمر بينه وبين الله.. ومن لا يرى أنه مجتهد.. فهذا تشخيصه أيضاً.. وسيبقى هذا جوابه لمن يسأل.. ولن يتغير الجواب بطريقة (ليّ الأذرع) ولو بقينا ألف سنة .. حتى يموت الشيخ .. أو ينال درجة الاجتهاد بالفعل.
أما هذا الصخب الذي نسمعه .. والقتال المستمر على مواقع التواصل .. والتخويف بوقوع الفتنة إذا تكلم أحد في اجتهاد الشيخ .. ومحاولة وضعه في مصاف المراجع الكبار بشتى الطرق.. فهذه كلها لن تغير من الواقع شيئاً.. ولن تجبر علماء الحوزة على تغيير جوابهم العلمي.. أو السكوت تحت ضغط الإحراج.. لأن الموقف الشرعي لا يتغير بهذه الأساليب.
وإذا أردنا تصحيح سؤالك بشكل دقيق.. فإن حملة التسقيط الكبرى هي ما صدر من الشيخ اليعقوبي نفسه -بكل أسف وعتب- بحق المراجع الكرام منذ سنوات وحتى الأن.. كما ستلاحظ بنفسك في الأوراق القادمة.
السؤال (2): ولكن ألا ترى الدخول في هذا الموضوع وبهذا التوقيت الحرج فيه خطر الفتنة والتفريق بين المؤمنين؟!!
الجواب:
هذه دعوى .. يمكنك تقديمها لإغلاق أي موضوع لا يعجبك.
لاحظ أنه ما من حقيقة تريد توضيحها وبيانها .. إلا وتحيط بها مجموعة محاذير.
في الكلام عن ولاية أمير المومنين عليه السلام .. يمكنك القول أنها طائفية خطرة!
في الكلام عن انتقاد الأداء الحكومي .. يمكنك القول أنه إضعاف للحكم الشيعي لصالح الأعداء!
في الكلام عن التطبير (تأييداً أو رفضاً) يمكنك القول أن فتح الموضوع تفريق للمؤمنين!
بالتالي .. جميع ملفاتنا معرضة لهكذا كلام .. فهل نترك بيان مفاهيمنا وأحكامنا؟
النتيجة أن هذه فكرة غير دقيقة.. فليس كل كلام يزعج شريحة من إخوتنا .. يعني تفرقة للمؤمنين!!
نعم أنا شخصياً .. أقدس قاعدة مهمة عندي في الحياة وهي (لا تسببوا هرب الشباب من الدين بشحن الأجواء بالصراعات) .. وأريد البقاء على هذه القاعدة .. ولكن هذا لا يعني التغاضي عن قول الحق إذا اقتضت الضرورة.
روى الشيخ المفيد في الاختصاص .. عن عبد العظيم الحسني .. عن أبي الحسن الرضا عليه السلام قال: (يا عبد العظيم أبلغ عني أوليائي السلام وقل لهم ان لا يجعلوا للشيطان على أنفسهم سبيلا، ومرهم بالصدق في الحديث وأداء الأمانة، ومرهم بالسكوت وترك الجدال فيما لا يعنيهم واقبال بعضهم على بعض والمزاورة فان ذلك قربة إلى ولا يشتغلوا أنفسهم بتمزيق بعضهم بعض فاني آليت على نفسي، أنه من فعل ذلك وأسخط وليا من أوليائي دعوت الله ليعذبه في الدنيا أشد العذاب ...).
فالجميع من الناحية النظرية يقول لك أنا ملتزم بالرواية أعلاه.. ولا أريد الطعن في الآخرين.. وتمزيق المؤمنين.. ولكن من الناحية العملية يذكّر الآخرين بذلك وينسى نفسه.. والشيخ اليعقوبي يوم وصف المرجع الأعلى ببعض الأوصاف السيئة.. وفي أوقات حساسة -كما سيأتي- ألم يكن الخوف من الفتنة وارداً؟
وعلى كل حال .. مناقشة موضوع اجتهاد الشيخ باحترام وهدوء .. ليس فيه تمزيق أو تسقيط لا سمح الله.. وينبغي أن لا يكون الحديث ثقيلاً عليه أو على إخوتنا من أتباعه.. إذا وفقنا الله للالتزام بالحديث العلمي وتجنب توهين المقابل.. فهذا أمير المؤمنين عليه السلام في نهج بلاغته.. ينصح من حوله بقول الحق في محضره .. فيقول:
(لا تخالطوني بالمصانعة. ولا تظنوا بي استثقالاً في حق قيل لي ولا التماس إعظام لنفسي. فإنه من استثقل الحق أن يقال له أو العدل أن يعرض عليه كان العمل بهما أثقل عليه. فلا تكفوا عن مقالة بحق أو مشورة بعدل، فإني لست في نفسي بفوق أن أخطئ، ولا آمن ذلك من فعلي إلا أن يكفي الله من نفسي ما هو أملك به مني)
وقال الصادق عليه السلام وقد ذكر عنده الجدال في الدين - وهو أخطر من موضوعنا هذا- وأن رسول الله صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام قد نهوا عنه - فقال الصادق عليه السلام:
(لم ينه عنه مطلقا، ولكنه نهى عن الجدال بغير التي هي أحسن... إلى قوله: وهل يؤتى بالبرهان إلا في الجدال بالتي هي أحسن؟..).
فمن يريد اعتبار كلامنا تمزيقاً فهذا شأنه .. ولكن الله عالم بالنوايا .. وما نقوله تصحيح وتوضيح مبني على براهينه.. بدافع صيانة عنوان الاجتهاد.
سؤال (3): وما هو المثبت بأن نقدكم للشيخ اليعقوبي هو دفاع عن عنوان المرجعية؟ وليس استهدافاً شخصياً !!
الجواب:
في مثل هذه الأمور يجب على الإنسان أن يعود إلى القواعد .. بعبارة أخرى عندما يكون لدينا قول في مقابل قول .. ودعوى في مقابل دعوى .. فالحكم هو القواعد.
كمثال للتوضيح .. عندما يتنازع شخصان على قطعة أرض .. وكل منهما يدعي أنها أرضه .. سيكون لدينا ادعاء في مقابل ادعاء .. وكلام في مقابل كلام .. فهنا يكون أول موقف للحاكم الشرعي .. ليس الرجوع إلى أيهما أفصح وأذكى في بيان حجته .. بل موقفه هو الرجوع إلى القواعد .. مثل (قاعدة اليد) التي تعني أن اليد أمارة الملكية .. وأن وجود الأرض تحت يد أحدهما علامة أنها ملكه.
فلا بد أن نعود في كل نزاعاتنا إلى القواعد .. وليس للعواطف والإعجابات .. وإلا تحولت الحياة إلى مسرح تمثيلي .. ومن يستعطف الجمهور بأسلوبه أكثر .. يحصل على تأييدهم .. بعيداً عن موازين الحق والباطل !!
إذن .. جواب سؤالك هو بالعودة إلى القاعدة التي تحدد كيف يثبت اجتهاد المجتهد .. وهي جارية على أعاظم أعلامنا كالشيخ الأنصاري .. وصولاً إلى أبسط طلبتنا .. وهي التي تكشف لك .. هل ما نقوم به هو استهداف للشيخ.. أم تقييم علمي لحقيقة اجتهاده الذي يدعيه ؟!
هذا هو الاتجاه الشرعي في حسم الجدل.. في مقابل اتجاه آخر لا يريد الرجوع إلى القواعد.. بل يريد منح كل إنسان الحق في ادعاء ما يريد.. دون اعتراض أو تقييم من الآخرين.. وكأننا نجلس في ركن السياسة في هايد بارك.. وليس في الحوزة المبنية على الدقة والضوابط!!
وسأذكر لك شاهدين على هذا الاتجاه الذي يقول: أتركوا الناس تدعي ما تريد ولا تعارضوهم!
الأول: قول فاضل البديري دفاعاً عن تصدي محمود الصرخي للمرجعية .. في مقابلة على قناة الفحياء: (بعد استشهاده -أي السيد الصدر- رضوان الله عليه، كل طالب وكل صاحب فضل في الحوزة العلمية يرى في نفسه شيء، فهو حر في إخراجه وإبرازه إلى الخارج بأي مظهر كان، منهم من يظهره بتدريس .. منهم من يظهره بتصدي لمرجعية أو قيادة ...)
الثاني: قول الشيخ محمد اليعقوبي في أحد اللقاءات: ( أكفونا شركم .. لا تتعرضوا لأحد بما تعلمون من الكلمات التي تحاول أن تقلل وربما تسقط .. هذا قتل للنبوغ .. قتل للإبداع .. كل إنسان مبدع ومنتج يحب أن يجد كلاماً يعبر عن هذا الذي حصل عليه وتوصل إليه وهذا حقه الطبيعي..).
وهنا أمر عجيب .. فالشيخ يفترض أن كل شخص يحب أن يسمع مدحاً لعلمه ومنجزه .. يجب أن نُسمعه هذا المدح ونعطيه ما يريد!!
فالخلاصة أيها السائل .. أننا وفق القواعد الشرعية يجب أن نكون من أصحاب الاتجاه الأول (أبناء الدليل) أما التخوين والاتهام لكل من يعترض بأنه غير منصف أو قاتل للإبداع أو أو .. فهذا اتجاه لم تعترف به الحوزة يوماً .. ولم تثنها أصوات المشككين عبر تاريخها الطويل.
السؤال (4): فما هي القواعد التي تثبت اجتهاد المجتهد .. لنتأكد من انطباقها على الشيخ اليعقوبي؟
الجواب:
القواعد التي يجب اعتمادها لاكتشاف أن هذا مجتهد وذاك مجرد مدعي .. هي ثلاث .. ذكرها العلماء جميعاً في رسائلهم العملية بألفاظ مختلفة:
* قال السيد اليزدي في العروة الوثقى (مسألة ٢٠: يعرف اجتهاد المجتهد بالعلم الوجداني، كما إذا كان المقلد من أهل الخبرة وعلم باجتهاد شخص، وكذا يعرف بشهادة عدلين من أهل الخبرة إذا لم تكن معارضة بشهادة آخرين من أهل الخبرة ينفيان عنه الاجتهاد، وكذا يعرف بالشياع المفيد للعلم..).
* وقال السيد الخميني في تحرير الوسيلة (مسألة ١٩ - يثبت الاجتهاد بالاختبار وبالشياع المفيد للعلم وبشهادة العدلين من أهل الخبرة، وكذا الأعلمية، ولا يجوز تقليد من لم يعلم أنه بلغ مرتبة الاجتهاد وإن كان من أهل العلم)
فهناك ثلاث وسائل لإثبات الاجتهاد:
الأولى: وسيلة يستخدمها أصحاب الخبرة .. وهي الاختبار أو ما يسمى العلم الوجداني .. وهي بأن يحضر الخبير بعض البحوث مباشرة أو يطلع عليها مطبوعة أو مسموعة .. ويقيم من خلالها مستوى صاحب البحث.
ومن المهم التأكيد أن الغرض الأهم هو تحقق العلم الوجداني .. بأن يتأكد صاحب الخبرة من حقيقة الموقف بنفسه.. ويكون هو على بينة من أمره ويبني قناعته للشخصية والذاتية .. وليس بالضرورة أن يعلن هذه القناعة للجميع.
الثانية: وسيلة يستخدمها عامة الناس .. وهي العمل بشهادة (عدلين) أي شخصان لديهما عدالة وتقوى مانعة من معصية الله.. فلا يكذبان أو يشهدان الزور حول حقيقة اجتهاده .. ويشترط في شهادتهما أمران:
1. أن يكونا من أهل الخبرة والقدرة على تشخيص المجتهد.. لتكون شهادتهما عن علم وجداني ذاتي وليس نقلاً عن الأخرين.
2. أن لا تتعارض شهادتهما باجتهاده.. مع شهادة أشخاص آخرين من أهل الخبرة يقولون بعدم اجتهاده .. وأما في حال تعارض الشهادتين.. فنأخذ برأي أكثرهم خبرة.
الثالثة: وسيلة عامة ومشتركة يستفيد منها أصحاب الخبرة وعامة الناس.. وهي الشياع المفيد للعلم.. (وأبسط منه المفيد للاطمئنان).. بمعنى أن يبلغ أمر اجتهاده من الشهرة والتعارف في المجتمع الحوزوي مبلغاً واضحاً.. ويكون أمراً معروفاً ومتقبلاً في الأوساط العلمية.. وحيثما سألت فيها سيكون الجواب.. فلان مجتهد بلا شك .. بحيث تعلم النفس (أو تطمئن) باجتهاده مع هذه الشهرة والوضوح.. حتى بالنسبة لمن لم يطلعوا على بحوثه.
فعامة الناس إذا ذهبوا إلى مساجد الحوزة ومدارسها وسألوا أساتذة البحث الكبار والفضلاء في حلقات الدرس الكبرى.. وأتاهم الجواب باجتهاده .. يحصل لهم الاطمئنان.. ويقولون: ما دام أصحاب الخبرة شهدوا فنحن نصدق.
وحتى أصحاب الخبرة ممن لم يطلعوا على البحوث والاستدلالات يقولون: ما دام أقراننا من أهل الخبرة قد أطلعوا وحكموا باجتهاده (والمفروض أننا نثق بخبرتهم ونحسن الظن بصدقهم) فيمكن حمل دعوى اجتهاده على الصحة.. والتعامل معه كمجتهد.. حتى نطلع شخصياً ونحكم بأنفسنا.
هذا هو المسار الطبيعي الذي درجت عليه الحوزات العلمية عبر التاريخ.. فمن جانب لا إجحاف في حق أحد وظلمه قبل الاطلاع على بحوثه.. ومن جانب آخر لا تساهل ومنح ألقاب بالمجان.
وتبقى 3 ملاحظات حول أصحاب الخبرة:
1. ربما تسأل من هم أصحاب الخبرة الذين يحكمون بالاجتهاد أو عدمه .. ويجيب السيد السيستاني دام ظله بقوله: (أهل الخبرة لتشخيص الاجتهاد هم المجتهدون أو من يدانيهم في العلم والفضيلة).
والشيخ اليعقوبي بنفسه ذكر ذلك -كما سيأتي- في كتابه سبل السلام .. الذي قدمه كرسالة عملية .. مما يعني أن المدار على وجود أهل الخبرة من المجتهدين أو الفضلاء القريبين من الاجتهاد.. وليس على أي أحد.
2. وربما تسأل.. إذا تعارضت شهادات أهل الخبرة وتخالفت .. فكيف نحدد أكثرهم خبرة؟.
والجواب: بنفس الطريقة السابقة، وهي الاعتماد على قوة الحضور العلمي والمعروفية الواضحة في الأوساط العلمية.
فمثلاً .. لو شهد أحد طلبة الشيخ باجتهاده .. وفي المقابل شهدت قامات كبيرة بعدم اجتهاده.. كالسيد أحمد المددي في قم المقدسة (مثلاً).. أو الشيخ هادي آل راضي في النجف الأشرف (مثلاً) فهل من شك في الأوساط العلمية .. أن السيد والشيخ أخبر وأعرف من هذا الطالب ؟! إن الشاك في ذلك لا يطلب الحقيقة.
وقال السيد السيستاني دام ظله في تعليقته على العروة (ومع المعارضة يؤخذ بقول من كان منهما أكثر خبرة بحد يوجب صرف الريبة الحاصلة من العلم بالمخالفة إلى قول غيره).
ولاحظ دقة تعبير السيد مد ظله.. فإن الاختلاف حول اجتهاد شخص ما يوجب حصول (ريبة في اجتهاده) فيجب أن تكون الشهادات باجتهاده متكاثرة وقوية إلى حد القضاء على هذه الريبة وصرفها.
3. ما يشاع من كلام حول شرطية وجود (اجازة الاجتهاد) أغلبه غير دقيق .. فالاجازة في حقيقتها هي كاشف من قبيل شهادة أهل الخبرة .. ولكن إثبات الاجتهاد لا ينحصر بوجودها .. فإذا حصل العلم الوجداني بالنسبة لأهل الخبرة.. أو الشياع المفيد للاطمئنان بالنسبة لعامة الناس.. كفى بلا حاجة لشهادة عدلين محددين.. وبالضمن فلا حاجة للاجازة.
وحول هذا.. أجاب السيد الصدر قدس سره جواباً تم تأويله بألف تأويل رغم وضوحه.. فقد قال في كتاب مسائل وردود.. رداً على سؤال (المجتهد أو مرجع التقليد يحتاج إلى إجازة من الفقهاء الاخرين يشهدون باجتهاده؟ أم الفقه الاستدلالي كافٍ لإثبات ذلك؟
بسمه تعالى : الاجازة انما هي لتعريف الناس بالاجتهاد والا فهي لا دخل لها بوجود الاجتهاد حقيقةً، فاذا كان الاجتهاد ثابتاً بطرق اخرى كالفقه الاستدلاليّ كفى).
ومن الواضح في الجواب أن الإجازة ليست موجدة للاجتهاد بل كاشفة عنه، وعلى هذا فلا أحد يطلب إجازة بقدر طلبنا لبحوث استدلالية متينة.. حتى إذا اطلع عليها أصحاب الخبرة قالوا: (هذا بحث مجتهد).
أما عندما يتم التعامل مع مجموعة بحوث عادية لا ترقى للاجتهاد .. على أنها أعظم من شق القمر.. ونهاجم من يقول أنها عادية.. ونقول بأن المشكلة في (نفسيات) أصحاب الخبرة الذين لا يعترفون بقوتها.. بل ويصل الافتتان إلى حد تطبيق آية (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ ) على الفضلاء المحترمين في الحوزة لأنهم لا يرون بحوث الشيخ مؤهلة للاجتهاد!!.
والخلاصة: أي أسم سمعت به .. ومهما أعجبك قوله .. ومهما تعاظمت خدماته للدين .. تبقى هذه الوسائل الثلاث هي الوحيدة المثبتة لاجتهاده .. وهي السبيل الوحيد لبراءة الذمة أمام الله تعالى.
السؤال (5): ولكن الشيخ اليعقوبي قد التزم بكل هذه المعايير في إثبات اجتهاده ولم يخرج عنها !
١) فمن جهة الاختبار والعلم الوجداني أنتم لم تختبروه واختبره غيركم وحكم باجتهاده، مثل آية الله الشيخ محمد علي الكرامي، وآية الله الشيخ محمد الصادقي الطهراني.
٢) ومن جهة الشياع يوجد الكثير من طلبة البحث الخارج يستطيعون التمييز ويشهدون باجتهاده.. وفضلاء أخرون يشيدون بعلمه.
٣) ومن جهة شهادة عدلين من أهل الخبرة فهي حاصلة من خلال الكثير من الفضلاء و طلبة العلم، مضافاً للشيخين المذكورين.
الجواب:
هنا تقع المشكلة الحقيقية لدى الإخوة من أتباع الشيخ في التعاطي مع الموضوع .. لأنهم يتصورون مجرد الإعلان عن وجود هذه العناوين كاف لإثباتها.. ومستكمل لحقيقتها.. بدون أن يفككوها ويلاحظوا هل وجودها فعلي وواقعي أم صوري وشكلي.
ولشدة (شكليتها) وعدم واقعيتها.. فإن الرجل بنفسه لم يكتف بها.. وراح يحشد الشهادات والمؤيدات والأقوال الأخرى التي تثبت علميته ولو بالإشارة.. كما سنرى الكثير من الشواهد في السطور القادمة.
فليست كل معرفة بالأحكام تعني أن صاحبها مجتهد حقاً وواقعاً.. وكما يقول الشيخ الأصفهاني قدس سره في هداية المسترشدين ( وأما مجرد تحصيل الظن بالأحكام عن ظواهر الأدلة فمما يمكن حصوله لغير البالغين إلى درجة الاجتهاد مطلقاً، مع عدم عده من الاجتهاد قطعاً...).
وتعال معي أولاً .. لندرس مدى تحقق هذه الوسائل الثلاث في حالة الشيخ اليعقوبي.. ونرى هل يوجد انطباق حقيقي أم (صورة أنطباق) فقط؟!
أولاً: الاختبار والعلم الوجداني لاجتهاد الشيخ.
إن دعوى الشيخ بوجود اختبار لاجتهاده ينتهي بتحصيل إجازة فعلية.. قائمة بأصلها وأساسها وكلها وأولها وآخرها.. على شخصين فقط .. وبحث واحد فقط.. فالشخصان هما الشيخ محمد علي الكرامي.. والشيخ محمد الصادقي الطهراني.. والبحث هو (القول الفصل في أحكام الخل).
والحق والإنصاف أن البحث الواحد كاف من الناحية العلمية.. لإثبات دعوى الاجتهاد من عدمه.. في نظر الخبير الحاذق.
بل كان بعض علمائنا الكبار.. يستكشف ملكة الاجتهاد في الشخص.. بأبسط المناقشات والمباحثات.
إذن يوجد لدى الشيخين علم وجداني باجتهاد الشيخ بعد اختباره.. وهو حجة عليهما أمام الله.. ولا كلام لنا في ذلك.. ولكنه ليس حجة على بقية المكلفين كما لا يخفى.
نعم.. عندما نصل إلى شهادة العدلين سندرس شهادتهما للشيخ اليعقوبي كحجة علينا ونناقشها.
ولن أتطرق في هذه المرحلة.. للكلام المعروف في حوزة قم المقدسة حول حقيقة اجتهاد الشيخين ذاتهما!! وحقيقة ما ينسب من إجازة اجتهاد للسيد الخوئي قدس سره بحق أحدهما.. وبعض ما يؤشر على مسلكهما الإفتائي.. بل المسلك العلمي عموماً.. وسأترك القضايا الجانبية ما تركها الشيخ اليعقوبي نفسه.. فإذا دخل فيها (كما سنلاحظ) دخلنا نحن أيضاً.
الحوزة لا تتكلم دون علم:
يبقى أمر مهم.. وهو دعوى أن (أنتم لم تختبروه) ولست أدري ما حجة القوم في ذلك؟ وما أدراهم أن أهل الخبرة لم يطالعوا بحوث الشيخ وهي متوافرة لمن طلبها ؟ وأين حمل المسلم على الصحة؟!
فأنت عندما ترى شخصاً مفطراً في شهر رمضان .. وتشك هل أن إفطاره عن عذر شرعي أم معصية .. تأتيك قاعدة الحمل على الصحة .. لتقول لك احمله على الصحة فربما كان معذورا! فكيف بعلماء الحوزة العدول.. وهل يصح ظننا فيهم بأنهم حكموا على الرجل بأنه فاقد لملكة الاستنباط بدون مراجعة بحوثه .. ولا معرفة حاله ؟!!.
توجد طريقة سائدة ومتعارفة جداً في الحوزة .. وأصبحت مفصلاً مهماً في حركة المجتمع الحوزوي وهي الاستعداد لكل سؤال يأخذ بالانتشار في الشارع .. فإذا طُرح سؤال حول حكم التسوق الشبكي مثلاً .. ودار في الشارع لمرة أو مرتين .. وجدت كل فاضل وكل طالب .. فضلاً عن المراجع .. راح يبحث المسألة ويستكشف حالها .. ليكون على بينة إذا ما طرق بابه السائلون.
في مذكراته المطبوعة حديثاً .. يقول آية الله الشيخ الآصفي في وصف أستاذه الشيخ صدرا البادكوبي قدس سرهما: (أذكر عندما اجتاحت العراق موجة الأفكار الماركسية، ذهب مع كبر سنه وحصل على الكتب الفلسفية لـ(ماركس) و(فريدريك أنجلز) وفلاسفة ماركسيين آخرين وطالعها جميعاً).
وهذا حال الحوزة في المبادرة والاستعداد من أبسط الأحكام الشرعية التحديات.. إلى أعظمها.
فلا ينقضي عجبي لمن يفترض أن سؤالاً بقي يدور في الشارع لسنوات .. عن شخص يدعي المرجعية بكل ضخامتها .. ولم يبادر الفضلاء لقراءة بحوثه والتأكد من حقيقة الأمر .. إذا أتاهم السائلون!!
ثانياً: الشياع المفيد للاطمئنان وعدم تحققه في الشيخ.
وهذا الأمر للأسف غير متحقق للشيخ اليعقوبي .. لأننا نسأل:
هل الشياع المقصود .. هو الشياع بين طلبته فقط؟ أم الشياع في الحوزة عموماً؟
إن كان بين طلبته فقط (كما يتوهم بعض) فنسبتهم لا تتجاوز الواحد بالألف من حلقات الحوزات العلمية في النجف وقم.. وأي شياع في ذلك ؟ وفي الحوزات من الحلقات ما يفوق عدد طلابها أضعاف حضار درس الشيخ.. ولم نسمع أحدهم يحتج بعدد طلابه على اجتهاده.
وإن كان المقصود الشياع بين طلبة الحوزة وأساتذتها وعلمائها عموماً (كما هو الصحيح) فهذا غير متحقق للشيخ.
وليس المهم هنا.. أن يكون بعض طلبة الأستاذ وحضار بحثه يقولون باجتهاده .. فهذا أمر حاصل في الكثير من البحوث المعقودة.. لأن التلميذ إنما اختار هذا الأستاذ من الأساس لثقته بعلمه.. فلا يستبعد القول باجتهاده بالنسبة له.
بل المهم أن يكون القول باجتهاده شائعاً في البحوث الأخرى.. وهذا ما سارت عليه الحوزة طيلة تاريخها.
مثلاً.. كان طلبة بحث السيد الخوئي مع شدة ملازمتهم لدرسه وانقطاعهم إليه واكتفائهم به.. يرون اجتهاد بقية العلماء كالسادة الخميني أو السبزواري أو الگلبايكاني وغيرهم قدست أرواحهم.. لأنه كان فوق الشياع.. بل وشاع اجتهاد بعض زملائهم ممن كانوا معهم في بحث السيد.. كالشهيدين البروجردي والغروي.. والسيد البهشتي والسيد الروحاني قدست أرواحهم جميعاً.
هذه الأسماء وغيرها كثير.. كان الشياع فيها محصلاً لدى طلبتهم وطلبة غيرهم.. بل من قبل زملائهم أيضاً.
ولذا فوجود بعض الطلبة من حضار بحثه ممن يقولون باجتهاده.. لا يشكل شياعاً في الأوساط العلمية .. لا نوعاً ولا كماً.
أما نوعاً.. فهو بنفسه قال في كتابه سبل السلام ( أهل الخبرة والاختصاص وهم فضلاء وأساتذة الحوزة العلمية الشريفة القادرون على فهم بحوث المجتهدين والتمييز بينها فضلاً عن مجتهديها، أمّا غيرهم فليس لهم بيان الرأي في هذا الموضوع ولا اعتبار لقولهم مهما كان عددهم كبيراً..)
فقوله (فضلاً عن مجتهديها) يعني أن المجتهدين مقدمون في التمييز.. وهم الأجدر بتقييم البحوث.. ومع ذلك لا نرى من عشرات المجتهدين من يشهد له.. إلا شخصان.. على القول باجتهادهما.
وأما الفضلاء.. فكما قلنا سابقاً.. إن معرفة هؤلاء الفضلاء والأساتذة تكون بالاعتماد على قوة الحضور العلمي والدرسي.. والمعروفية الواضحة والعامة في الأوساط العلمية.. وجولة صغيرة في حلقات الحوزة الكبيرة تكشف عدم وجود أساتذة بهذا المستوى يشهدون للشيخ اليعقوبي بالاجتهاد.
وأما كماً.. فكما قلنا إن عدد طلاب بحث الشيخ.. لا يشكلون واحداً بالألف من طلبة البحث الخارج.
كلام صاحب الفصول حول تقليد المشكوك باجتهاده:
فما تقدم.. ينفي بلا شك وجود الشياع المفيد الاطمئنان.. ويضع أصل اجتهادالشيخ في زاوية المشكوك.. والمشكوك ليس مثبتاً بنفسه.. فكيف يكون موجباً لظن الناس واحتمالهم أنه مجتهد.. فضلاً عن تيقنهم بذلك .. وترتيب آثار الحجية!! وكما يعرف المتفقهون فإن الأصل في الأشياء العدم.. إلا أن يثبت بدليل.
يقول الشيخ محمد حسين الحائري قدس سره في الفصول الغروية (فالاجماع منعقد على جواز الرجوع إلى من اتصف بالاجتهاد الواقعي واقعا وعدم جواز الرجوع إلى من لم يتصف به كذلك وحينئذ فلا سبيل إلى التمسك بأصالة عدم اشتغال الذمة بتحصيل ما زاد على الظن بالاجتهاد لانتقاضه بأصالة عدم البراءة مما علم اشتغال الذمة به واقعا من الاحكام أو الرجوع إلى المجتهد الواقعي (وأما الثاني) فلان لزوم العسر والجرح منفي في المقام بأن الغالب إمكان معرفة المجتهد بأحد الطرق القطعية وفرض تعذر تلك الطرق بالكلية بالنسبة إلى جميع مجتهدي العصر بعيد...)
وبلغة مفهومة لك أيها القارئ الكريم.. فقد ذكر الشيخ الحائري قدست نفسه، نقطتين:
1. أذا كان هناك من يقول: إن تكليفنا هو تقليد من نظن ونحتمل اجتهاده.. وليس بالضرورة أن نكون متأكدين تماماً من بلوغه درجة الاجتهاد.. والشارع المقدس لم يطلب منا أكثر من ذلك.
فالجواب: إن وجود أحكام شرعية مطلوبة منك بشكل يقيني.. يتطلب أن تبرئ ذمتك منها بشكل يقيني أيضاً.. وتقليد الشخص الذي (نحتمل) بلوغه درجة الاجتهاد يعني أننا (نحتمل) براءة الذمة بتقليده ولسنا على يقين.. وهذا غير كاف.
2. قد يقال أن البحث عن المجتهد المؤكد صعب أو متعسر.. وعليه فالرجوع إلى الشخص المشكوك باجتهاده ممكن من باب دفع الحرج والعسر.. وهذا غير صحيح.. ففي كل زمان يوجد أعلام مجتهدون ليس اجتهادهم محل تساؤل أو شك.
إذاً مهما كانت الاحتمالات .. لا يوجد طريق لتحقق الشياع المفيد للاطمئنان والصارف للريبة والشك عن اجتهاد الشيخ اليعقوبي.
ثالثاً: شهادة العدلين بين الشيخين.. والفياض والحائري.
بحسب ما نعرفه من تاريخ الحوزة .. فعادة ما تكون شهادة العدلين أمراً متأخراً عن العلم الوجداني والشياع.. وهي بمنزلة تحصيل حاصل.. فالاختبار الشخصي والعلم الوجداني يحصل بالتراكم والاحتكاك العلمي بين الأساتذة عبر سنوات.. ثم يخلق حالة من الشياع ويجعل أصحاب ملكة الاستنباط أسماء معروفة ومشخصة لدى المجتمع العلمي في الحوزة.
وحسن ظننا بهذا المجتمع العلمي.. أنهم ممن يريدون الخير لمدرسة الإمام الصادق عليه السلام.. ويفرحون بوجود أهل الجدارة.. ولو ثمة من يعتقدون بكفايته فهو يوم سعدهم.. ولن يترددوا في دفعه إلى الصدارة.
فشهادة العدلين (ومنها إجازة الاجتهاد).. أشبه بوضع حبة التوت على الطبق.. فهي أمر تكميلي جداً.. قد لا يحتاجها المجتهد طيلة حياته.. لشهرة أمره واتساع دائرة بحثه.. وهذا هو الحال مع كثير من الأعلام الذين قلدهم العالم الشيعي بشطره الأعظم.
وبعد أن خسرنا عناصر العلم الوجداني والشياع في إثبات مرجعية الشيخ.. نبقى برغم ذلك مع (شهادة العدلين) بما هي وسيلة إثبات شرعية.. ونرى هل تحققت له أم لا؟
والشهادة الواضحة باجتهاد الشيخ منحصرة كما ذكرنا مسبقاً.. في الشيخين الكرامي والطهراني ولا ثالث لهما.
ولقد تعودنا في السنوات الماضية على قوائم طويلة ينشرها الإخوة من أتباع الشيخ بعنوان (الشهادات بحق الشيخ اليعقوبي) وعندما تدقق فيها تصيبك الحيرة لشدة (الغموض والكلام في العموميات) ولا تدري بماذا يشهد هؤلاء بالتحديد؟ إن كان باجتهاد الشيخ فلم نر شهاداتهم الصريحة.. وإن كان بمدح الشيخ وعقليته وأعماله مثلاً.. فما علاقة هذا بالاجتهاد؟
كما قلنا.. مهما نزلت قوائم وصعدت أخرى.. يبقى الأمر الوحيد القابل للمناقشة العلمية هو شهادة الشيخين.
وننقل نص المقطوعة الوحيدة التي تذكر هذا الموضوع من سيرته الذاتية المنشورة في موقعه:
(وحين أعلنَ اجتهاده في خطبتي صلاة الجمعة في الكاظمية المقدسة في صفر عام 1424هـ الموافق نيسان 2003 وشهد له بالاجتهاد عدد من مراجع الدين والعلماء والفضلاء بعد الاطلاع على بحوثه الاستدلالية سنة 1424هـ/ 2004م منهم سماحة آية الله الشيخ محمد علي الكرامي (دام ظله الشريف) (المجاز بالاجتهاد من قبل سماحة آية الله الشيخ المنتظري (قدس سره))، وسماحة آيـة الله الشيخ محمد الصادقي الطهراني (قدس سره) (المجاز بالاجتهـاد منِ قبَـل السيد الخوئي (قدس سره) عام 1386هـ).
وأكرر .. أن هذه المقطوعة هي الدليل العلمي الوحيد الذي يمكن التعامل معه كشهادة اجتهاد على الموازين .. والبقية خطابات فقط.
بمعنى.. أن كل ما يردده الشيخ وأتباعه من قصص وكلمات ووصايا تمجد علميته وتشيد به.. إذا وضعت على محك النقد وكفة الميزان العلمي.. لن تنفع في إثبات اجتهاده.. ودورها الحقيقي هو تكثيف الجو النفسي لصالحه لا أكثر.. أما الشيء الوحيد الذي ينفعه فهو شهادة الشيخين.
وحتى على مستوى التعبير المستخدم في الموقع.. فهو تكثيف نفسي لا أكثر.. فقولهم (وشهد له بالاجتهاد عدد من مراجع الدين والعلماء والفضلاء بعد الاطلاع...) فهنا نسأل من هم (المراجع والعلماء والفضلاء) الذين شهدوا باجتهاده؟ وأين العدد؟ ولماذا لا نرى سوى إسمين فقط ؟ إن كان لهذا (العدد) شهادات صريحة فينبغي ذكرهم.. وإن كان قد صدر منهم مدح فقط للشيخ دون الشهادة الصريحة باجتهاده .. فالتعبير المذكور بأنهم شهدوا.. مجرد تكثيف نفسي لا أكثر.
وعلى العموم سنذكر بعض شواهد التكثيف النفسي بعد الانتهاء من الحديث العلمي الخالص.
وعلمياً .. نعود الآن إلى شهادة الشيخين.. وقد عرفت أن شهادة العدلين مشروطة بأن لا يعارضها مثلها.. ومع المعارضة يؤخذ بقول أكثرهم خبرة.. والشيخ الفياض والسيد الحائري قد صدرت منهما شهادات معارضة لشهادة الشيخين ومسقطة لها.
وهنا يأتي السؤال .. الذي يمكن لأي مكلف يخاف على آخرته .. أن يحمله ويطرق باب الأوساط الحوزوية العامة.. أعني أساتذة حلقات البحث الكبرى.. بل وحلقات السطح الكبرى.. ويسأل (بحسب معرفة الأوساط الحوزوية بالشيخين الگرامي والطهراني من جانب.. ومعرفتها بالشيخ الفياض والسيد الحائري من جانب آخر.. هل يمكن عقد أدنى مقارنة بين علمية وخبروية الجانبين ؟)
ولا أستطيع خدمتك أيها القارئ الكريم بأكثر من هذا التوضيح.. فيجب أن تجرب بنفسك وترى..
تخير ما شئت من حلقات العلم الكبرى في حوزتي النجف أو قم.. واطرح هذا السؤال.. وسترى وضوحاً كبيراً.. وجزماً أكيداً.. بسقوط هذه المقارنة من أول لحظة.. فالشيخ الفياض والسيد الحائري لهما طلاب وبحوث وتقريرات وآراء مشيدة منذ سنوات.. لا تقارن بالأداء المتواضع (والمشكل أحياناً) للشيخين الگرامي والطهراني.. وهذا أمر لا ينكره حتى الشيخ اليعقوبي نفسه.. وأظن الرجل لو تم سؤاله بشكل صريح ومحدد.. عن خبرة هذا الجانب ومقارنتها بذاك.. لما استطاع إنكار تفوق الشيخ الفياض والسيد الحائري.
ومن هنا فمعارضة الشيخ والسيد لشهادة الشيخين .. مسقطة لها تماماً.
قال الشيخ الفياض دام ظله.. عند سؤاله عن الشيخ اليعقوبي: (إن وظيفة المرجع شرعاً بيان الأحكام الشرعية للناس لا بيان حالات الشخص من الفسق والعدل والإجتهاد وعدمه، نعم لا يجوز تقليده شرعاً).
وقال السيد الحائري دام ظله (لايجوز تقليد الشيخ محمد اليعقوبي ولايجوز تسليم الحقوق إليه بعنوان مجتهد ولايمكن الاعتماد على فتاويه لأنّه غير مجتهد).
ظهور الإرباك في موقع الشيخ الرسمي:
وحسبك شاهداً على ضعف الشيخين الشاهدين .. أن الموقع نفسه لم يجد بداً من الاشارة إلى مسألة اجتهادهما والإشكالات المثارة حولها .. عندما حاول إثبات اجتهادهما بالحديث عن إجازات الاجتهاد الممنوحة لهما من السيد الخوئي والشيخ المنتظري قدس سرهما.
هل قرأت من قبل مثل هذه الطريقة في التعبير؟ -في الموقع ذاته أو في غيره- بأنهم عندما يذكرون أحد العلماء يقولون (فلان.. المجاز بالاجتهاد من فلان) ؟
هل جاءت كتعريف لهما فقط ؟ كلا هذا ليس تعريفاً .. وإنما إشارة إلى اللغط حول إجازتيهما بالاجتهاد.
ولست في صدد نفي إجازات اجتهادهما أو إثباتها لأن معارضتها برأي السيد والشيخ تكفي.. وإنما أريد القول أن عبارة (في المجيز والمجاز نظر) جارية هنا .. لأن من في اجتهاده كلام يشهد لمن في اجتهاده كلام !! مقابل مراجع التقليد العظام!!.
وحسبك شاهداً آخر على ضعف الشيخ.. ما ذكرناه في المقدمة من أن الطالب تحيط به ثلاث دوائر وهي التي تشهد له عند التصدي وتعينه على الأمانة.. ولكن الشيخ أتى بالشهادة من حاضرة قم.. ولم يشهد له أحد في النجف رغم نشأته العلمية فيها.. مما يعني أحد احتمالين.. الأول أنه عجر عن كسب قناعتهم باجتهاده فهو ليس مجتهداً في نظرهم.. والثاني أنهم جميعاً تحالفوا ضده.. وهو يرجح الثاني ويصرح به في مواطن كثيرة للأسف (راجع مقدمة خطاب المرحلة ج3).
وأما ماسمعته من بعضهم من تفسير جواب الشيخ الفياض دام ظله بأنه لا يقصد نفي الاجتهاد عن الشيخ !! فأنزه قلمي عن الهبوط إلى النقاش في هكذا واضحات.
وإلى هنا فقد تم الجواب لذوي البصائر وطالبي الحق .. وتبين أن لا سبيل من الثلاثة .. كاف لإثبات اجتهاد الشيخ اليعقوبي وجواز تقليده.
السؤال (6): وهل يجوز الطعن في الشيخ إذا كان يرى نفسه مجتهداً فيما بينه وبين الله؟
أليس قطعه باجتهاده كاف لبراءة ذمته؟
الجواب:
أولاً.. لم يطعن به أحد بمعنى أراقة ماء وجهه.. ولا توجد مصلحة دينية في ذلك لا سمح الله.
وما نشب بين أتباعه وغيرهم من المؤمنين من خلافات واشتباك لفظي هو شأن حوارات الناس في كل زمان ومكان.
وثانياً .. لا مشكلة لدينا في ظن الشيخ باجتهاده.. فضلاً عن قطعه بذلك.. رغم الخلل الواضح في مقدمات هذا القطع.
لكن المشكلة .. هي عندما يشهد العلماء بعدم اجتهاده -كما لاحظت - ويبقى مصراً.. ليس على القول باجتهاده فحسب.. بل على أنه أعلم العلماء.. وكأننا -مع الاعتذار- في جلسة مفاوضات .. يرفع من خلالها سقف المطالب إلى الأعلمية.. لينال الاعتراف بالسقف الأدنى وهو الاجتهاد!
هذه هي الفكرة من الاصرار المستمر على أعلميته .. لدرجة المباهاة ببحوثه رغم ان كتب علمائنا ممتلئة بانواع البحوث.. ومستوى بحوث الرجل لا يتناسب أبداً مع حجم الدعاية لها.
في سنة 2004 كانت قد بدأت مجموعة لافتات بالانتشار .. مكتوب عليها بالنص (ولي أمر الأمة آية الله العظمى الشيخ محمد اليعقوبي) .. وقد اختفى هذا اللقب وتم سحبه من الشوارع بعد أشهر من هذه الحملة .. ولعل غيري يتذكرون ذلك.
يومها دار نقاش بيني وبين أحد الأصدقاء ممن اصطفاهم الله بالشهادة بعدها بعشر سنوات .. تحت راية فتوى الدفاع المقدسة .. فقال صاحبي وقلت .. أنه من غير المعقول لشخص أعلن اجتهاده قبل سنة واحدة فقط .. أن يعلن في السنة التالية أنه ولي أمر الأمة والأعلم من الفقهاء !!
وكان من الواضح لدينا أن هذه محاولة لأخذ الناس بعيداً لتجنب السؤال عن أصل اجتهاده!
إن من الغريب حقاً .. تجاهل الشيخ لهذه التقييمات الحوزوية .. التي أطبقت على عدم اجتهاده .. بل إصراره على زيادة الحديث عن علمه ونبوغه .. كما سيأتي.
والعجيب أن هذه الإصرار على تجاهل تقييمات العلماء.. يأتي في نفس الوقت الذي نسمع فيه الشيخ ينصح طلابه في أحد اللقاءات العلمية في شهر رمضان .. المنشورة على موقعه:
(ولا يفوتني هنا أن اعظ نفسي بما نقل عن المرحوم الشيخ الأنصاري (قده) أنه دخل المسجد يوماً فوجد استاذاً يدرّس كتابه المكاسب وهو يشرح المطالب بعيداً عن مراد مؤلفه الأنصاري فجلس ناحية يبكي ولما سُئل عن السبب أجاب ان هذا الأستاذ حينما ناقش مطالبي فلأنه لم يفهمها فلعلي أنا حينما ناقشت الفقهاء العظام لم أكن أفهم مرادهم فتكون اساءة بحقّهم.
ويكمل الشيخ اليعقوبي: أقول : ولكن عذري امام الله تعالى وامام فقهائنا العظام أنني اردت أن استفيد منهم واستنطق علمهم واوصل ذلك كله الى الفضلاء من طلبة العلم ليستفيدوا وليرتقوا ...).
فالشيخ أراد أن يستفيد ويستنطق العلماء بحسب قوله أعلاه .. وعندما نطقوا بأن بحوثه المحترمة لا ترقى لمستوى الاجتهاد الذي يتوقعه.. أنكر عليهم ذلك واتهمهم بعدم الإنصاف وفقدان البصيرة!!
وعلى كل حال.. فإن كان الشيخ قاطعاً باجتهاده بناء على نتائج سليمة .. فذاك بينه وبين ربه .. ويبقى على مقلديه أن يدرسوا حجتهم في تقليده.
وإن كان شاكاً في اجتهاده .. فمثله جدير بأن يكون اطلع على ما أفاده أحد أكبر أعلامنا وهو الشيخ حسين الحلي قدس سره .. في تقريرات بحثه الشريف (الدر النضيد) .. قال:
( تنبيه: حكم مدعي الاجتهاد وعقابه : واعلم إنه ربما يدعي بعض الناس نيلهم درجة الاجتهاد، مع أنهم لا يكونون مجتهدين، فإن كان ادعاؤهم عن شك واحتمال، فلاريب في بطلان ادعائهم هذا وحرمته، لوجوب عرض أنفسهم على الخبراء الماهرين حتى يتضح لهم الأمر، فإن لم يعرضوا أنفسهم على أهل الفن والخبرة صاروا فاسقين بلا إشكال، لأن ادعاءهم مع عدم علمهم بذلك كذب بلا ريب ..).
السؤال (7): ألا يوجد بعض المجتهدين الذين ثمة من ينفي اجتهادهم؟ ومن ذا الذي اتفقت الحوزة كلها على اجتهاده؟ فلماذا ترون المشكلة مع الشيخ اليعقوبي فقط؟
الجواب:
ما تقوله صحيح.. ليس بعض المجتهدين فحسب.. بل حتى بعض المراجع الكبار كان هناك من يهمس معترضاً بأنه لا يرى اجتهادهم.
وبما أننا في حاضرة علمية منفتحة على حرية الرأي.. والأهم (أمانة الرأي) حيث لا خوف ولا مجاملة من إبداء الأفكار.. فستجد اختلافاً في وجهات النظر حول مستويات الأشخاص.
فالاختلاف أمر طبيعي.. ولكن مرة أخرى أقول لك.. ركز على الوسائل الثلاث المذكورة في الرسالة العملية.. ولا تبعد نظرك عنها.. لأن فيها براءة الذمة.
وبالتركيز .. سترى الفرق كبيراً جداً.. بين مجتهد متحصل على هذه الوسائل الثلاث ومستكمل لها.. ومع ذلك يوجد من يخالف ولا يقول باجتهاده.. وشخص خالٍ من هذه الوسائل الثلاث برمتها.. ومع ذلك يوجد من يخالف ويقول باجتهاده.
ولتصور الفرق.. دعنا نأخذ مثالين:
الأول: الشيخ محمد مهدي الآصفي قدس سره.. فكلنا نعرفه وكبرنا على كتبه ومحاضرته ونحن نرى لقب (آية الله) ملتصقاً به.. ولم نسأل يوماً عن حقيقة اجتهاده.. ولم نسمع يوماً أحداً يشكك بذلك.. لينشأ لدينا فضول السؤال.
الجميع كان يحترمه.. ويقتبس من كتبه.. وكانوا يوصوننا بقراءة مقدمته الرائعة على كتاب اللمعة الدمشقية واغتنام فوائدها.. وبالتالي لم يكن يخطر على مخيلتنا مناقشة مسألة اجتهاده لأنها أمر مفروغ منه.
هذه أمور لا أستطيع وضعها لك في عدة نقاط أو قواعد .. هذه أمور تحصل بالمعاشرة والفهم التدريجي للجو العام في الحوزة.
وأنت الآن لو سألتني.. كيف بنيت على اجتهاد الشيخ الآصفي؟ سأقول لك (بالشياع الذي وجدته مشيداً أمامي).. فلا أنا من أهل الخبرة.. ولا شهد عندي عدلان باجتهاده.. ولكن الشياع الذي رأيته كفاني لحصول الاطمئنان وزيادة.
ثم في مرحلة ما.. قبل وفاته بفترة.. سمعت من بعض الطلبة أن فلاناً من أصحاب الخبرة لايرى اجتهاده.
وصلني هذا الخبر طائراً على أجنحة القيل والقال.. ممن لا شغل لهم إلا الخوض في هذه المسائل وعزمت أن أسأل عنه كبار أعلامنا للتأكد.. ولكن الموت سبقني وكشف عن الجواب بأبلغ تعبير.
فقد تطابق الشياع الذي أعرفه.. مع موقف أعلامنا الذين أصدروا نعي وفاته ببياناتهم.. وكلهم يسميه (آية الله).. ومنهم مثلاً المراجع السادة السيستاني والحائري والمشايخ الفياض والسبحاني دامت ظلالهم جميعاً، والهاشمي قدس سره.
ما أريد قوله.. أن لا يستهين الإنسان بالشياع في الأوساط العلمية والحوزوية.. ومعاذ الله أن يتآمر الجميع على محاربة الحق بعد معرفتهم به!! ولما هذا؟ فقط لمنع الشيخ اليعقوبي من التصدي؟ وما الخطر في تصديه لو كان على الموازين؟ وهل في تصديه خطر على الحوزة أكثر مما رأته في ألف عام ؟!!
فهذا نموذج لقناعة فاضل من أصحاب الخبرة.. بعدم باجتهاد عالم معين.. مع عدم إضرار قناعته بثبوت اجتهاد ذلك العالم.. لأن هناك -في مقابل هذه القناعة- تحصيل حقيقي ومتيقن للوسائل الثلاث من قبل عموم أصحاب الخبرة الآخرين.
الثاني: نموذج معاكس.. حيث تعمل كل الوسائل الثلاث ضد القول باجتهاده وبإجماع أصحاب الخبرة وهو مع ذلك متمسك بشهادتين يتيمتين لشخصين لم يثبت اجتهادهما.. والكثير من القصص الأخرى التي لا ربط لها بالموضوع.
وإلى هنا أرجو أن يكون اتضح الفرق بين الحالتين .. فليس كل عالم وجدنا من يشكك في اجتهاده سقط عن الاعتبار.. وليس كل شخص وجدنا من يقول باجتهاده صار مجتهداً.. ففي الحالتين الوسائل الثلاث هي بيضة القبان.
السؤال (8): كيف نقبل طعن السيد الحائري باجتهاده .. والشيخ اليعقوبي رد على هذا الطعن بجوابين:
أولاً: السيد الحائري طعن سابقاً باجتهاد السيد محمد الصدر قدس سره .. فلنا أسوة بأن يطعن باجتهادنا.
ثانياً: لم يذكر لنا السيد الحائري ماهي البحوث التي قرأها وفي أي صفحة وما هي إشكالاته عليها لنرى مدى دقة هذه الاشكالات!
الجواب:
لن أطيل الحديث في هذه النقطة لأنها لا تعدو كونها مغالطة - مع شديد الاعتذار للشيخ - وجوابها الآتي:
1. أنكر السيد الحائري قوله بعدم اجتهاد السيد الصدر .. وأصدر بياناً يتبرأ فيه من هذه التهمة.
وقد رأيت بعض الإخوة من أتباع الشيخ يأبون تصديقه .. ويصرون -كعادتهم- أن هناك فيلماً بوليسياً في المسألة.. وأن السيد تراجع تحت الضغوط والخوف وو.
ومن هنا أذكرهم بالرواية الشريفة عن محمد بن الفضيل، عن أبي الحسن الأول عليه السلام:
(قلت له: جعلت فداك الرجل من إخواني يبلغني عنه الشيء الذي أكرهه فأسأله عن ذلك فينكر ذلك وقد أخبرني عنه قوم ثقات!
فقال لي: يا محمد كذب سمعك وبصرك عن أخيك فإن شهد عندك خمسون قسامة، وقال لك قولاً فصدقه وكذبهم، لا تذيعن عليه شيئا تشينه به، وتهدم به مروءته...).
2. لو فرضنا جدلاً أن السيد الحائري أنكر اجتهاد السيد الصدر بالفعل.. ولكن ما علاقة هذا بما نحن فيه؟
لقد عرفت أن كل تعويل الشيخ اليعقوبي على شهادة يتيمة.. فإذا سقطت مقابل شهادة السيد الحائري.. فما شأننا ببقية مواقف الحائري من السيد الصدر أو غيره؟ ما دام الملاحظ هو جانب فقاهته.
3. ماهو الحاصل العلمي من الجواب الأول للشيخ اليعقوبي؟ وأرجو التركيز معي (ماهو الحاصل العلمي) أعني عندما يقول إذا أنكرتم اجتهادي فإن لي أسوة بالسيد الصدر.. ماهي المقدمة التي تصلح للبرهان في كلامه؟
إن كان يريد نفي اجتهاد السيد الحائري - ولا أظنه يقصد ذلك - فستكون كلمته في مقابل كلمة السيد الصدر الذي أثبت اجتهاده .. فإن كان الشيخ يرى نفسه أعلم من أستاذه الصدر فليصرح بذلك!
وأن كان يقر باجتهاد السيد الحائري .. فليقبل بحكمه عليه.. ولا حاجة لإقحام السيد الصدر في الرد والاحتماء خلفه تحت ذريعة الأسوة.
4. إن كان الشيخ اليعقوبي يشير إلى تساهل السيد الحائري في نفي اجتهاد الآخرين.. فبنفس المنطق يمكن القول أن الشيخ محمد علي الكرامي يتساهل في منح الإجازات للأخرين.. سواء إجازات الرواية أم الاجتهاد.. فقد أجاز العميل الصهيوني المنحرف محمد علي الحسيني .. بعد انحرافه (سنة 2023).
وأنا ملتفت إلى ما يمكن أن يثار على هذه الفكرة من أن بعض الأشخاص المحترمين في العراق أو إيران زاروا السعودية وكان هذا المنحرف حاضراً معهم.. أو منحته جهات محترمة أخرى بعض الاجازات.. وأقول لا بأس.. سلمنا بخطأ ذلك.. ولكنه خروج عن محل الإشكال العلمي.. ومدار الدليل أن الكرامي متساهل.. فلا يحتج به أحد.
5. ما المعنى من طلب الشيخ اليعقوبي معرفة الإشكالات ورقم الصفحة وو ؟؟
إن كان للنظر في إشكالات السيد الحائري التي وجهها للشيخ.. فمن ينظر فيها؟
إن كان الشيخ اليعقوبي نفسه.. فهذا دور صريح.
وإن كان شخص آخر.. فإن كانت له حجية ومقام علمي يؤهله لرد إشكالات السيد الحائري علمياً.. فهو أولى من الشيخين الگرامي والطهراني بالشهادة للشيخ اليعقوبي بالاجتهاد.. لأن كلا الشيخين أقل خبرة من السيد الحائري.. فمن هذا الذي ينقض شهادة السيد الحائري ولا يشهد هو بنفسه للشيخ اليعقوبي.. والأغرب أننا معاشر الطلبة لا نعرفه؟!
والخلاصة .. الأمر لا يعدو مغالطة في الجواب.. لا تصمد أمام الوسائل الشرعية.
السؤال (9): وماذا عن الوصايا التي صدرت من السيد الصدر قدس سره بحق الشيخ؟ ألا تعتبر كافية لإثبات اجتهاده؟
قبل الجواب عن سؤالكم .. أود أن نلقي نظرة سريعة على فكرة (الوصية) في الحوزة العلمية ونظام المرجعية.
من المعروف والشائع أن الشيخ صاحب الجواهر محمد حسن النجفي المعروف بالجواهري قدس سره أوصى قبل وفاته بالرجوع في التقليد إلى الشيخ مرتضى الأنصاري قدس سره.
وملخص الواقعة التي حدثت قبل 180 سنة تقريباً (1266هـ).. أن الشيخ الجواهري الذي كان الزعيم المطلق للشيعة في عصره.. أرسل في أيامه الأخيرة.. بطلب جميع العلماء في حوزة النجف الأشرف.. فحضر الكل باستثناء الشيخ مرتضى الأنصاري.. وعندما افتقده الشيخ الجواهري من بين الحضور أرسل من يبحث عنه.. وعثروا عليه في حرم أمير المؤمنين عليه السلام يدعو للشيخ الجواهري.. وعندما دخل المجلس.. أدناه الشيخ الجواهري إلى فراشه.. وأوصاه بالتصدي للتقليد وقال هذا مرجعكم من بعدي.. ويقال أن الجواهري وضع يده على قلبه وقال الآن ارتاح قلبي.
وتطرح هذه القصة تساؤلاً.. حول مشروعية الوصية ودورها في تعيين المرجع!!
هناك من يتبنى فكرة مفادها: أن وصية مرجع التقليد السابق هي بمثابة شهادة بالأعلمية للمرجع اللاحق الموصى به .. وعليه فكل مقلدي المرجع السابق يجب عليهم تقليد اللاحق التزاماً بالوصية.. لكون الأعلم أعرف بتشخيص الأعلم من بعده.
ومن هذا الباب فإن وصية السيد الصدر بالرجوع إلى السيد الحائري.. نافذة في حق جميع مقلديه.
هذا ملخص الفكرة التي يتبناها بعض الإخوة.. والحقيقة أنها (نصف صحيحة).
والنصف الصحيح منها أن شهادة المرجع السابق هي بالفعل نوع من أنواع شهادة العدول.. ولها مساهمة كبيرة في تهيئة الأجواء للمرجع اللاحق.. وتسليط الضوء عليه.
لكن النصف الذي يحتاج تصحيحاً منها.. أن مقلدي المرجع الموصي ليسوا ملزمين بتقليد المرجع الموصى به.. لمجرد الوصية .. لأن الحاكم على اختيار الناس يبقى هو إعمال الوسائل الثلاث لثبوت الاجتهاد (والأعلمية) كما كانت نفس هذه الوسائل حاكمة من قبل.. على تقليد المرجع السابق.. وهي التي قادتنا إليه.
فرغم أننا نرى المرجع السابق هو الأعلم.. وشهادته من أرقى شهادات أصحاب الخبرة.. لكن لو قادتنا الوسائل الثلاث -بطريقة ما- إلى خلاف رأيه.. لم يجب الالتزام به.
ولعل سؤالين يدوران الآن في ذهنك..
الأول: إذا لم تكن وصية الشيخ الجواهري هي من أوصلت الشيخ الأنصاري إلى المرجعية العليا.. فكيف وصلها؟
والثاني: إذا لم تكن وصية الشيخ الجواهري ملزمة.. وكانت خلاف الطريقة الحوزوية المتعارفة.. فلماذا قام بهذه الخطوة غير المألوفة؟
جواباً على الأول: فإن الشيخ الأنصاري وصل بجدارته الذاتية واستحقاقه.. وسواء مع الوصية أو بدونها كانت الأمور ستنتهي إليه.. فنحن لو كنا نتحدث عن أي عالم من العلماء في عصره.. لأمكن القول أن الوصية هي علة وصوله إلى المرجعية.. ولكننا هنا أيها السادة نتكلم عن (الشيخ الأعظم) الذي مازال العلماء حتى اليوم يسيرون على ضوء شعلة هو أوقدها.. ويتعلمون في مدرسة هو بناها.. ويتسابقون لابتكار أقوى الأفكار الأصولية.. عسى أن تشق غباره .. أو تدرك مساره.
إن الشيخ الانصاري بما أحدثه من ابتكارات علمية ومنهجية فريدة.. أصبح معجزة دهره بكل معنى الكلمة.. وقد كانت حلقة درسه أعظم حلقات الحوزة كماً ونوعاً.. حتى قبل وصوله إلى سدة المرجعية.. ولا مبالغة في القول أن تحقق الوسائل الثلاث لإثبات المرجعية في حالة الشيخ الأعظم.. تخطت ذروتها المعتادة.
أما كماً.. فقد تجاوز عدد طلبته من الفضلاء والمجتهدين في مسجد الهندي 400 طالب .. وهو رقم كبير قياساً بأعداد ذلك الوقت.. رغم أن الكم كما قلنا لا موضوعية له.
وأما نوعاً.. فحسبك أن فيهم من أعلام الطائفة وعظمائها.. أمثال السيد المجدد الميرزا محمد حسن الشيرازي.. والشيخ الآخوند الخراساني.. والشيخ حبيب الله الرشتي.. والشيخ محمد حسن المامقاني.. وكل واحد من هؤلاء -وغيرهم- كان مدينة حصينة في علمه وتقواه.. وبركته على المذهب.. قدس الله أرواحهم جميعاً.
وأظن القارئ الكريم لن يسأل عن اجتهاد الشيخ الأنصاري أو أعلميته.. لو عرف أن كتبه الأصولية والفقهية.. كانت وما زالت بوابة مدينة الاجتهاد.. والطلبة منذ عصره حتى اليوم يأتون البيوت من أبوابها.
وجواباً على الثاني.. فلو ألقينا نظرة سريعة على أحداث السنوات التي سبقت هذه السنة.. أعني حادثة الوصية.. وهي سنة 1850م.. ربما سنفهم دوافع الشيخ صاحب الجواهر للقيام بمثل هذه الخطوة غير المألوفة.
يبدو والله العالم.. أن الحوزة في ذلك الوقت لم تكن تتحمل المرور بمرحلة انتقالية طويلة (مع ما يصاحب الفترات الانتقالية في أي قضية.. من حالة اللاإستقرار.. والغموض.. واللامركزية) وأراد تسريع الخطوات التي كان يعلم نتائجها مسبقاً.. ولم يكن يرغب أن تأخذ الحوزة وقتها -كالعادة- في تداول الأسماء المطروحة .. وإرجاع الناس بالتدريج إلى المراجع المؤهلين.. وحاول اختصار العملية ودفعها للأمام.. لتكون الحوزة مستقرة داخلياً في وجه التحديات الكثيرة..
وبنظرة سريعة للواقع الاجتماعي والسياسي المحيط بالحوزة .. سنفهم سر الحرص على الاستقرار السريع.. والإصرار على وضع المنصب بيد رجل حكيم وأمين.
ففي آخر 25 سنة سبقت هذه الحادثة كانت الحوزة تعيش ظروفاً مشحونة بالتحديات.. ومنها:
* هجمات الوهابية على مدينة النجف الأشرف .. وما تركته من شعور بالتهديد الوجودي لدى الأهالي. امتد لسنوات.
* الفتن المستمرة بين مجموعتي الزگرت والشمرت .. والاشتباكات المسلحة التي كانت تعصف بمدينة النجف من الداخل .. وكانت حساسة جداً لتداخل أفرادها مع عموم المجتمع النجفي .. وفي نفس سنة الوصية أعدم الملا يوسف حاكم النجف مجموعة منهم فوقعت فتنة عظيمة.
* غزوات الروس المستمرة لشمال إيران .. مما أوجب نفير مجموعة من علماء العراق منهم صاحب المناهل السيد محمد المجاهد قدس سره .. وهو أستاذ الشيخ الأنصاري أيضاً.
* الضغط الأمني المستمر من الدولة العثمانية الظالمة .. والتي أسست فيلقاً خاصاً للقضاء على التمرد وهو الفيلق السادس .. وكانت النجف في سنة الوصية تعيش موجة شعبية من الرفض للعثمانيين.. مما جر عليها بلاء الحملات العسكرية المتتالية في الأعوام اللاحقة.. وكانت حملات الولاة العثمانيين محمد رشيد باشا ونامق باشا على النجف.. في أول سنوات مرجعية الشيخ الأنصاري.. وبذل الشيخ جهداً في ضبط الأوضاع.
* وكانت المدينة وما حولها تعاني أثر الطاعون المتكرر.. وراح ضحيته الشيخ حسن كاشف الغطاء أستاذ الشيخ الأنصاري.. وجملة كبيرة من العلماء وأهل المكانة الاجتماعية.
* وفي هذه السنة أُعدم زعيم الحركة البابية علي محمد الشيرازي المعروف بالباب.. والذي كانت حركته من أكبر الفتن العقائدية التي عصفت بالشيعة.. فكان على الحوزة أن تتصدى لما تصاعد من حركات جماعته بعد اعدامه.. والتي انتهت في بعض صورها إلى دين مستقل تماماً هو الدين البهائي.
* وكانت الحركة الإخبارية أيضاً تعيش حالة من الترنح وتحاول العودة إلى الحياة.. فكانت الحوزة بحاجة لمن يقف في طريق استفحال هذه الحركة مرة أخرى.. ولم يكن هناك أجدر من جبل الأصول.. الشيخ الأنصاري.
فلا يتصور القارئ الكريم.. أن ذلك المجلس الذي اجتمع فيه العلماء بأمر الشيخ الجواهري.. كان في ظروف هادئة وأحوال مستتبة .. بل كان وسط عواصف سياسية واجتماعية وعقائدية من كل اتجاه.
هل كان الأنصاري من حاشية الجواهري؟
وألفت عناية القارئ.. أنه ربما يخطر على بال مريضٍ مستهلكٍ بسوء الظن بالناس في كل شيء.. أن الشيخ الجواهري إنما أوصى للأنصاري لعلاقة بينهما.. وأنه من (حاشيته)!
فيجب التنويه هنا أن الشيخ الأنصاري لم يلازم درس الجواهري ولا كان من دائرته المقربة على الإطلاق.. بل كان محسوباً على أساتذته من آل كاشف الغطاء (الشيخ حسن والشيخ علي) ومن دائرة عنايتهم.. وهذا دليل إضافي أن (الوصية) التي أتت من دائرة أخرى .. كانت حاكية عن استحقاق الأنصاري وجدارته التي فرضت نفسها على الحوزة بلا منازع.
إلى هنا أرجو أن نكون أعطينا لمحة مختصرة عن موضوع (الوصية) وعرفنا أنها ليست بديلاً عن الوسائل الثلاث المذكورة في الرسالة العملية.. بل هي نصيحة إرشادية يقدمها زعيم الشيعة لأصحاب الشأن الذين يبقون من بعده.. وحرصه على اختصار المرحلة الانتقالية ما دام يعرف إلى أين ستؤول الأمور.. بحكم معرفته التفصيلية بالحوزة التي يتزعمها.
والأن نعود إلى سؤالكم المتقدم.. حول وصية الشهيد الصدر قدس سره بالشيخ اليعقوبي.. وماهو مفادها؟.. وهل لها دور في إثبات اجتهاده؟.. وهل تمكن مقارنتها بوصية الجواهري للأنصاري؟ فنقول:
منذ ما قبل إعلان الشيخ اليعقوبي عن اجتهاده.. وحتى اليوم.. لا ينفك الرجل يردد مجموعة كلمات صدرت من السيد الصدر بحقه.. وأشهرها ثلاث.. وسأقوم بترتيبها من الأقدم بحسب تاريخ صدورها بالميلادي:
الأولى: (شهر9 سنة 1997) من رسالة جوابية من السيد إلى الشيخ في مقدمة كتاب قناديل العارفين:
(انت تعلم انني كنت ولا زلت اعتبرك افضل طلابي واطيبهم قلباً واكثرهم انصافا للحق بحيث لو دار الامر في يوم من الايام المستقبلية بين عدة مرشحين للمرجعية ما عدوتك لكي تبقى المرجعية في ايدي منصفين...).
الثانية: (شهر1 سنة 1998) من تقريظ السيد الصدر لكتاب المشتق .. بقلم الشيخ اليعقوبي:
(فقد التزم دروسنا في علم الأصول وأنالها العناية الكافية فهماً وكتابةً ومدارسةً، وها هو يقدم لنا في هذا الكتاب نموذجاً من جهوده وليالي تفكيره ... إلى قوله: و لاشك انه بهذا الجهد الجهيد يسير بخطو حثيث نحو الاجتهاد ومعرفة السداد. أتمنى له المستقبل الزاهر في خدمة العلم والعمل وان يكون من المراجع المخلصين والقادة الطيبين...).
الثالثة: (شهر 9 سنة 1998) قول السيد الصدر في أحد اللقاءات المسجلة صوتياً:
(والآن أستطيع أن أقول .. وإن كان المسألة كلش بعدها من وكت.. أنه المرشح الوحيد من حوزتنا هو الشيخ محمد اليعقوبي.. إذا كان الله تعالى أمد لي العمر إلى وقت الذي شُهِد باجتهاده فإذاً أنا لا أعدو عنه .. أنه هو الذي ينبغي أن يمسك الحوزة بعدي ...)
هذه هي خلاصة كلمات السيد بحقه.. وطالما تمسك بها الشيخ ليستميل قلوب الخط الصدري ويثبت لهم أنه الأولى بخلافة أستاذه.. وهذا أمر مختلف عن محل بحثنا.. ولكن السؤال الذي نطرحه.. هل تثبت هذه الوصايا اجتهاد الشيخ اليعقوبي؟
بل نسأل أقل من ذلك .. هل تعطي هذه الكلمات تلميحاً ولو بسيطاً بأن الشيخ سيبلغ درجة الاجتهاد في وقت محدد؟
لعلك لاحظت أيها القارئ.. أني رتبت الكلمات الثلاث بالتاريخ الميلادي.. ليسهل عليك أن ترى بوضوح .. أنها جميعاً صدرت في سنة واحدة (من شهر 9 إلى شهر 9).
وسوف تسألني: وماذا في ذلك؟ وأجيب: لاحظ أن هناك عنصرين مشتركين بين هذه الكلمات على اختلاف تاريخها:
أولاً: أن السيد الصدر تكلم دائماً عن المستقبل .. وهذا يعني أن الأمر المتيقن أنه لم يكن يراه مجتهداً حتى صدور آخر كلمة من الثلاث.. بل صرح في الأخيرة نصاً بأن حديثه عن المستقبل البعيد بقوله (وإن كان المسألة كلش بعدها من وكت) وهي الكلمة الموجودة في التسجيل الصوتي ويمكنكم مراجعتها.. والشيخ لم يذكرها يوماً.. ولا موقع الشيخ قام بتفريغها.. بل دائماً ما ينقلوها بدون هذه الكلمة.. ومع إضافة كلمة (جناب) أمام اسم الشيخ.. رغم أن السيد لم يقلها.
وعلى العموم إن التدقيق فيها يكشف ما في نفس السيد قدس سره.. فهو حتى آخر كلمة صدرت منه ويمكن الاحتجاج بها.. لم يكن يراه مجتهداً.. بل كان يرى الوقت مبكراً لذلك.
ثانياً: إذا جمعت الكلمات الثلاث سترى أن السيد الصدر كان عندما يتكلم عن توقعاته المستقبلية حول مقام تلميذه.. كان يتوقع ذلك في حال حضوره هو.. واستمراره في بحثه.. واستمرار حضور الشيخ اليعقوبي لديه .. لا في غيابه وانقطاع بحثه!!
فقوله (لو دار الامر في يوم من الايام المستقبلية بين عدة مرشحين للمرجعية ما عدوتك).. يعني أن يبقى السيد حتى الوقت الذي يرشحه هو بنفسه.
وقوله (لاشك انه بهذا الجهد الجهيد يسير بخطو حثيث نحو الاجتهاد ومعرفة السداد) يعني أنه يتقدم علمياً من خلال ملازمته لدرس أستاذه .. وليس بوحي منزل من السماء .. ودرس الأستاذ مشروط ببقائه في الحياة.
وقوله (إذا كان الله تعالى أمد لي العمر إلى وقت الذي شُهِد باجتهاده فإذاً أنا لا أعدو عنه) يعني أن الشهادة باجتهاده ستكون في وقت حياة السيد.. وهذا مشروط ببقاء بحثه وتدريسه.
فإذا لاحظنا هذه الكلمات بدقة .. سنرى بأن السيد كان يتوقع لتلميذه مستقبلاً كبيراً إذا استمر في دراسته على يديه.
ولكن الغريب أن الموقع الرسمي يقول أن السيد أوصى بالرجوع إليه حتى قبل أن يشهد له بالاجتهاد.. قال: (لذا أمر (قدس سره) بالرجوع بعده إلى سماحة الشيخ قيادةً إلى أن يُشهد له بالاجتهاد فيكون الرجوع إليه قيادة وتقليداً وهذا كله موثق بصوت السيد الشهيد الصدر الثاني قدس سره).
والموثق بالصوت هو ما قرأته أعلاه.. لا ما ذكره الموقع.
فإذا كان السيد استشهد.. والشيخ لم يكمل عنده حتى (نصف ربع) دورة أصولية.. فكيف أكمل الباقي؟ وكيف وصل إلى المقام الذي يدعيه؟
هل أكمل الشيخ اليعقوبي نصف ربع دورة أصول؟
ولعلك أيها القارئ تستغرب كلامي.. وقد كنت في مكانك يوماً ما.. فقبل سنوات طويلة قال السيد مقتدى الصدر في مقطع فيديوي منتشر.. أن الشيخ اليعقوبي لم يكمل عند الوالد ربع دورة أصولية!!
استغربت في وقتها من هذا الكلام.. لأن الشيخ لا يدعي الاجتهاد فحسب بل ويرى نفسه مرجعاً.. بل المرجع الأعلم.. ويروج لذلك ويتحدى باستمرار ويكرر هذه بحوثي وهذه كتبي وهذه وهذه .. فهل من المعقول أن يدعي بكل هذه الثقة ولم يكمل ربع دورة عند أستاذه؟
ولكن بمجرد النظر للأرقام سترى صحة ما قاله السيد مقتدى وأكثر من ذلك.. وأظن أيها القارئ الكريم.. لو كان يعينك على المطالعة طالب علم درس علم الأصول.. سيشرح لك الكارثة التي نتحدث عنها.
يقول الموقع الرسمي للشيخ اليعقوبي في فصل سيرته الذاتية: (التحق ببحوث الخارج برغبة من السيد الشهيد الصدر (قدس سره) فحضر بحث الأصول اللفظية عنده (قدس سره) من شوال 1414 حتى استشهاده في ذي القعدة /1419هـ، وطبع من تقريراته مبحث المشتق في جزئين) ..
هل تعرف ما يعني هذا الكلام؟
يعني أن الشيخ لم يحضر عند السيد إلا شطراً قليلاً من مباحث الألفاظ.. التي هي بحث واحد من قسم واحد من أربعة أقسام أساسية لعلم الأصول.. وسأثبت لك بالأرقام:
إعلم أن مباحث الأصول الأساسية أربعة.. بحسب تقسيم الشيخ محمد حسين الأصفهاني قدس سره.. واخترناه كما اختاره الشيخ المظفر قدس سره .. لسهولة فهمه للقارئ:
1. مباحث الألفاظ.. وتتكلم عن دلالة الألفاظ.. وهي القوالب الخارجية لصدور الأوامر والنواهي
2. المباحث العقلية.. وتبحث عن الملازمة العقلية بين أمرين ليمكن التوصل منها إلى حكم شرعي.
3. مباحث الحجة.. يبحث فيها عما يصلح دليلاً وحجة على الحكم الشرعي.
4. مباحث الأصول العملية.. وتبحث الخطوات المتبعة للفقيه عند فقد الدليل على الحكم الشرعي.
واعلم.. أن الدورة الأصولية الواحدة قد تستغرق سبع سنوات إذا أسرع بها الأستاذ كثيراً (كالدورة الأخيرة للشيخ النائيني قدس سره ..1345/ 1352).. وقد تتجاوز العشر سنوات أو خمس عشرة سنة.
و(بحث المشتق) في علم الأصول.. هو أحد الأبحاث متوسطة الحجم.. من قسم (مباحث الألفاظ) و ولا يشكل فيها اكثر من 5٪.
والذي قرره (أي كتبه) الشيخ اليعقوبي من دروس أستاذه هو بحث المشتق فقط.. وإن كان قد ذكر مطالب أخرى لكنها لم تخرجه عن هذا الموضوع.. وقد استغرق 195 محاضرة في سنة واحدة تقريباً كما يقول الشيخ (من 2 ذق 1414 إلى 24 ذح 1415).
يعني أنه من المستحيل أن يكون الوقت قد أسعف السيد الشهيد في هذه الدورة الأخيرة لإكمال مباحث الألفاظ كلها في الأعوام الثلاثة التالية ما قبل استشهاده.. مع هذا التوسع في المطالب والسير المتأني.. ومع اشتداد حركته الجماهيرية بما يرافقها من انشغالات.
وبهذا الحساب لا يمكن أن يكون الشيخ أكمل عنده أكثر من نصف مباحث الألفاظ .. وعلى هذا قس دراسته عند الشيخ الفياض في قسم الأصول العملية.
ويا للأسى على أعمار عشرات آلاف الطلاب.. كيف تتم مقارنتها بهذا القفز على الدورس!!
فأين 190 درساً .. من آلاف الدروس التي يقررها الطالب الطبيعي!!.. أين السنة الواحدة والأربع سنوات من العقد والعقدين والثلاثة التي يفنيها الطالب من حياته.. فلا تسمع له همساً بادعاء الاجتهاد فضلاً عن المرجعية بل فضلاً عن الأعلمية!!
190 درساً ؟ أربع سنوات ؟ أهذه - بحق الله - أرقامٌ تصنع أستاذاً قديراً في الكفاية والمكاسب؟ فضلاً عن مرجع أعلم ؟! أين أعلامنا الماضين عن هذه الأرقام!!
ثم يأتي الشيخ ويقول بكل ثقة في إحدى كلماته (ألم يقل السيد الشهيد (قدس سره) بأني أسير بخطو حثيث نحو الاجتهاد ومعرفة السداد وكان ذلك عام 1418 هـ ألا تكفي ست سنوات لكي يبلغ السير الحثيث مداه وهدفه المنشود...).
لا والله وبالله تالله.. لا والضحى والليل إذا سجى.. إنها لا تكفي لصنع أستاذ مقتدر في اللمعة أو المكاسب.. فضلاً عن مجتهد.. فضلاً عن مجتهد أعلم !! وألقى الله بهذا السطر.. ولكن الناس لا يعلمون شيئاً عن طبيعة المراحل في الحوزة ومددها الزمنية.. فما أسهل تقبلهم لهذا الكلام العاطفي!!.
وهل تعلمون من يشاركني في هذا الرأي.. ويخالف كلام الشيخ اليعقوبي في أن ست سنوات لا تكفي؟ إنه الشيخ اليعقوبي نفسه!! الذي قال في لحظة حقيقة.. وفي فيديو صادر عن مكتبه الإعلامي بعنوان (النور69) يتكلم فيه عن عملية الاجتهاد والشهيد الصدر:
(علينا أن نتهيأ، لا نتصور أنه بزوال العالم نحن نبذل جهداً ونصير، ما يمكن بين عشية وضحاها تصير عالماً وتسد هذا الفراغ، السيد الصدر لم يصبح السيد الصدر إلا بعد ثلاثين عاماً على الأقل إذا لم نقل أكثر من ذلك وهكذا العلماء السابقون، فليس هي مكينة أدخل فيها من هنا مواد أولية وأطلع من هنا عالم مجتهد!! وإنما هذه حصيلة جهود مظنية وعقود عشرات من السنين)!!!
وقال في فيديو منشور بعنوان (لماذا يستهدفون المرجعية الدينية) خلال لقائه بأحد الوفود ما نصه:
(إن الصفات المطلوبة في المرجع لا يمكن لأحد أن يتقمصها..أو يأتي بانقلاب ليقول أنا مرجع.. لأن ما يحرز اجتهاده إلا بعد خمسطعش سنة على الأقل من الدراسة والتدريس والتحصيل والتأليف، على الأقل خمسطعش سنة يالله يثبت اجتهاده، ثم كذا سنة يالله تثبت أعلميته، وقضية العدالة نشترط بيها معاشرة اجتماعية وإلا فكيف تعرف عدالة الإنسان؟ فإذاً بعد شگد عبقات وصعوبات ومعاناة، حينئذٍ نؤيد مرجعية شخص...).
أكتفي بهذا التناقض لإثبات الواقع.
وليت شعري إذا كانت الأمور تقاس بالسنين .. وكان يحتج علينا بست سنوات .. للوصول إلى الاجتهاد والتصدي والأعلمية .. فماذا عن ستين سنة قضاها غيره من الأعلام في الدراسة ؟ وقد نال المرجع الأعلى إجازة الاجتهاد قبل أن يولد الشيخ اليعقوبي.. وكان عمره 30 سنة .. وبقي محتفظاً بها بصمت لمدة 33 سنة قبل أن يطرحوا اسمه للمرجعية بعمر 63 سنة.. مكتفياً بالنشاط العلمي والتدريسي خلال هذه العقود.
فكيف -يا لله- سار الشيخ بسرعة ضوئية ليفوق الجميع في هذه المدة القصيرة؟ فينال الاجتهاد في سنتين ويعلن مرجعيته في الثالثة.. وأعلميته في الرابعة!! وكأن الزمن متوقف عند الكل.. وهو وحده السابح المتحرك في الوقت؟
استشراف مستقبل التلميذ لا يعني اجتهاده الفعلي.
وتعال معي أيها القارئ الكريم.. لتتأكد من أن السيد الصدر لم يكن بصدد تعيين (مجتهد أو مرجع) في تلك الفترة.. فمن أقواله المعروفة في المرحلة الأخيرة من حياته: (يحتاج الشعب العراقي إلى قيادة لا تمثل التقليد يقلدون شخصاً ويأتمرون بأمر شخص آخر بعنوان الوكالة أو بأي عنوان آخر إلى أن يقول: ((فإن أمد الله تعالى في عمري وبقيت عدة سنوات أخرى)) فيوجد بالتأكيد هناك من طلابي ممن أتوخى منهم الإخلاص والتعب على نفسه والاجتهاد..).. فهل بعد هذا الوضوح من وضوح ؟! سبحانك تسمع وترى.
وخلاصة القول: أن العلماء قد يستشرفون المستقبل العلمي لتلاميذهم.. فيكتبون مثل هذا الاستشراف لتشجيعهم على المواصلة.. ولكنه لا يعني شهادة اجتهاد فعلية!!
ومن أوضح مصاديق ذلك ما كتبه السيد الخوئي قدس سره تقريظاً لكتاب محاضرات في الفقه الجعفري بقلم تلميذه السيد علي الشاهرودي.. وجاء فيه ( وبعد، فقد لاحظنا هذه (المحاضرات) التي كتبها العلّامة الحجّة المحقّق الورع التقي السيّد علي الشاهرودي (تغمّده اللَّه برحمته وأسكنه فسيح جنّته) تقريراً لأبحاثنا الفقهية في المعاملات فوجدناها في غاية الجودة والاتقان والضبط والبيان، إلى قوله: ولا غرو فقد كان رحمه الله ممّن تنعقد عليه الآمال أن يكون أحد المراجع العظام، برعم بالدراسة العلمية في مستقبل الأيّام، لكنه يؤسفنا جدّاً أن عاجله المنون وهو في ريعان شبابه...).
فالسيد كان يتوقع أن يكون تلميذه من المراجع العظام لا مجتهداً فحسب.. لكن وافته المنية في شبابه رحمه الله.. فالسؤال: هل يمكن القول أن هذه شهادة اجتهاد من السيد بحق تلميذه؟ لأنه لو بقي بعد هذه الكلمة لست سنوات مواصلاً تحصيله العلمي لوصل إلى ما كان يتمناه أستاذه السيد الخوئي؟!!
وهل ثمة مؤمن حريص على دينه سيقلد السيد الشاهرودي قدس سره بناء على هذه المعادلة؟
وهل يمكن اعتبار ما تمناه أستاذ الفقهاء لتلميذه كأنه شهادة اجتهاد مستقبلية يحتج بها لو بقي حياً؟ أم سيطلب المؤمن المراقب لآخرته شهادة فعلية ؟ أترك الجواب أمانة عند عقل القارئ ودينه وإنصافه.. فوالله ما كان الشيعة يعملون بهذه الطريقة منذ خلقهم الله.
إلى هنا أكون قد أنهيت كلامي حول هذه النقطة.. تاركاً خلفي أسئلة كثيرة أعلم أن القارئ لن يطيل النظر معها أو يتحملها..
فمنها سؤال .. هل شهادة الشيخين الگرامي والطهراني أقوى أم كلمات السيد الصدر؟
سيقولون شهادة الشيخين أقوى؟ فنقول لماذا ؟ لعلهما أعلم من السيد الصدر؟ وسيأتيك الجواب: كلا ولكن لأن شهادتهما بالاجتهاد فعلية ومنجزة (منجزة بمعنى حان وقتها) وشهادة السيد الصدر تقديرية.
ونقول أن هذا بحد نفسه دليل.. أن كلمات السيد الصدر لا تنفعه في إثبات الاجتهاد.. ولا يجب الاحتجاج بها.. وإلا لقدموها على شهادة الشيخين.
ومنها .. أن الشيخ الأعظم مدحه أساتذته الكبار .. فقال صاحب المستند الشيخ أحمد النراقي قدس سره (كل تلاميذي أفادوا مني إلا الشيخ مرتضى فإنني أفدت منه).
وأستاذه الشيخ علي بن الشيخ الكبير جعفر كاشف الغطاء قدس سرهما كان يقول (كل شيء سماعه أعظم من عيانه.. إلا الشيخ مرتضى الأنصاري عيانه أعظم من سماعه).
فهل استفاد الشيخ الأنصاري من كلمات المدح هذه وراح يروج لها؟ وهل نفعته في شيء؟ أم كان المدار كل المدار على مكاسبه ورسائله؟ ومنبر تدريسه؟ وتلاميذه العظماء.. الذين أثبتوا عظمة مدرستهم وأستاذهم الكبير!
وخلاصة القول حول فكرة (الوصية).. أن للمرجع السابق دوراً في إبراز وإظهار فضيلة من يتوقع خلافته.. كأن يعينه لصلاة الجماعة في محرابه .. أو يوصي بصلاته على جنازته.. أو يختار أولياء المتوفى ذلك.. ولكن هذا كله بعد ثبوت اجتهاده بالوسائل الثلاث وليس بغيرها.. وبغير هذه فلن ينتفع بتعيينه لألف صلاة.. ولا جعله مديراً لألف مدرسة.. لأن باب الاجتهاد هو الوسائل الثلاث المقررة في الرسالة العملية.
(وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ).
السؤال (10): قلتم ضمن كلامكم (أن كل ما يردده الشيخ وأتباعه من قصص وكلمات ووصايا تمجد علميته وتشيد به.. إذا وضعت على محك النقد وكفة الميزان العلمي.. لن تنفع في إثبات اجتهاده.. ودورها الحقيقي هو تكثيف الجو النفسي لصالحه لا أكثر) فهل يمكن ذكر شواهد إضافية على هذا الادعاء.. غير كلمات السيد الصدر؟
الجواب:
مرة أخرى أجدني مضطراً للتأكيد أن المقصود بالميزان العلمي هو الوسائل الثلاث.
وأن كل ما كان يمكن أن ينفع في مقام إثبات اجتهاد الشيخ.. هو تلك المقطوعة اليتيمة في سيرته الذاتية.. التي تتضمن شهادة الشيخين.. وتقدم ذكرها والجواب عنها في السؤال (5).. ولم يعد شيء بعدها يغير من صورة المشهد.
وأما الجواب عن سؤالكم: نعم يوجد الكثير من هذه الشواهد التي يذكرها الشيخ باستمرار وإخوتنا من محبيه يزيدونها أضعافاً.. حتى أصبح هذا الطابع من أهم الملامح الواضحة لخطاباته مثل (خطاب المرحلة) و (حديث الروح) وغيرها.. ولم تسلم حتى سيرته الذاتية المنشورة على موقعه من كثرة الدفاع عن النفس.. وذكر القصص عن نبوغه وتحدي الآخرين!!
وقبل أن أذكر الشواهد.. أريد الإشارة بشكل سريع إلى ثلاث مقدمات تبين سبب ذكرنا لهذه الشواهد:
المقدمة الأولى: الاجتهاد هو بذل الجهد العقلي الخالص.
ثمة نقطة مهمة ذكرها أستاذ الفقهاء والأصوليين الشيخ محمد حسين الأصفهاني قدس سره، في نهاية الدراية قائلاً: (فان الاجتهاد - بمعنى " استفراغ الوسع في تحصيل الحجة على الحكم " ممكن الحصول للعادل، والفاسق والمؤمن والمنافق، لتسببه عن اعمال القوة النظرية الحاصلة من اتقان العلوم النظرية الدخيلة في تحصيل الحجة على الحكم، من دون حاجة إلى قوة قدسية الهية أو قذف نور منه تعالى في قلب المستنبط، وإن كان كل قوة وكمال علمي أو عملي منه تعالى.
وتفاوت أرباب العلوم النظرية في جودة الاستنباط وسرعته من ناحية جودة الفهم واتقان المقدمات).
ومراده قدست نفسه .. أن التوفيق الإلهي أمر مهم .. لكن وجوده ليس ضرورياً لحصول ملكة الاستنباط وتحقق الاجتهاد .. لأنها جهد عقلي يمكن أن يحصل للبر والفاجر .. ومن هنا فالاجتهاد بما هو هو .. أمر يعتمد على القوة العقلية .. والمهارة الصناعية .. وليس على التدين.
مع تنبيه مكرر أننا نعتبر الاجتهاد حظاً عظيماً وتوفيقاً كبيراً من الله.. لكن إذا جردناه من ذلك ونظرنا لتكوينه الفني.. فليس من الممتنع أن يتمكن الفاسق من إتقان عملية الاستنباط.
والغرض من هذا الكلام أن ننبه على قياس أولوية مهم: إذا كان مفهوم الاجتهاد محدداً بحدود واضحة ورياضية جداً .. إلى درجة أن التدين والإخلاص بما له من أهمية في مصير الإنسان .. ليس دخيلاً في تكوينه الفني.. فما بالك بأمور أخرى.. يريد منها الشيخ إثبات اجتهاده ؟! وهي خارجة تماماً عن هذا التكوين.. وفاقدة لقابلية الإثبات؟! بالتأكيد ستكون أبعد عن المراد!
ومن هنا.. أسأل الشيخ: هل لهذه القصص والمقارنات التي تذكرونها ويذكرها إخوتنا من أتباعكم أثر شرعي في إثبات اجتهادكم؟ إن قلتم نعم.. فلماذا لم تذكروها في كتابكم (سبل السلام) كوسيلة من وسائل ثبوت الاجتهاد؟
وإن قلتم لا.. فلماذا تذكرونها في كل مناسبة.. ولا تتركون فرصة إلا وتسردون بعضها.. وتقدمونها وكأنها حجج في إثبات اجتهادكم؟
أترك هذا السؤال برسم الشيخ .. وأنتقل للمقدمة الثانية.
المقدمة الثانية: بين دقة المجتمع العلمي وتسامح العوام.
عندما كان عمري 14 سنة سمعت من أحد آبائي المربين أن الشيخ أحمد الوائلي رحمه الله كان يقول بأنه عندما يجلس بجوار السيد محمد باقر الصدر قدس سره.. يشعر بأنه قزم بجوار عملاق!!
ولم أكن قادراً على تجرع هذه الكلمة وتصديقها.. ترى كيف يكون الشيخ الوائلي العظيم الذي نراه كالأسد على المنبر .. ونعتبره مثلنا الأعلى.. أقل علماً من شخص لا نعرفه ولا نراه على أشرطة الفيديو.. ويقولون أنه من علماء النجف.. وهل في النجف أساساً من هو أعلم من الشيخ الوائلي؟ وهل في مراجعها من يقاس بعلم الوائلي؟!
هكذا بالضبط كنا ننظر للأمور .. من زاوية بسطاء الناس.. وهكذا ينظر العوام للإعلام .. فيقدسون من هو أمامهم فقط .. ولا يعرفون شيئاً عن المحيطات العظمى وراء الكواليس.
فرحمة الله على الشيخ الوائلي والشهيد الصدر وجميع أعلامنا الكرام.
وما أريد قوله من هذه المقدمة .. أن هناك فرقاً بين المجتمع العلمي وعامة الناس.. فالعوام ينبهرون بما يرونه ويسمعونه أمامهم.. ويصدقونه لمجرد إعجابهم العاطفي البسيط .. بينما المجتمع العلمي تجده رصيناً تحكمه القواعد وليس الانبهارات الساذجة.
مثلاً.. تجد الناس كلهم يعرفون ستيفن هوكينغ كأفضل فيزيائي في العالم.. لأنه خاطب عامة الناس بكتابه الشهير (تاريخ موجز للزمن).. وتعاطف معه الجميع بسبب إعاقته البدنية.. وأنتجت هوليود فيلم سيرة ذاتية عنه.. وحصل على عدد من الجوائز والميداليات التقديرية.. والتقى بالرئيس الأمريكي أوباما.. وأصعدوه محمولاً إلى الفضاء.. والخلاصة أنهم ما تركوا فرصة لترميزه والاحتفاء به عالمياً.
لكن هل تعلم.. أنه مع كل هذا.. لم يحصل على جائزة نوبل للفيزياء.. التي لا يمنحها المجتمع العلمي إلا بناء على (منجز حقيقي وملموس) وليس مجرد نظريات وترميز إعلامي.
ونفس هذه الشعوب المنبهرة بهوكينغ.. لا تعرف شيئاً عن جون هوبفليد المخترع الأمريكي الذي حصل العام الماضي (2024) على جائزة نوبل في الفيزياء.. بعد سلسلة من الاختراعات والاكتشافات الممتدة إلى اكثر من نصف قرن.
بالنسبة للمجتمع العلمي.. لا يمكن مقارنة وزن هوكينغ العلمي مع كل شهرته الجماهيرية.. بوزن هوبفيلد الذي قدم منجزاً علمياً واضحاً.
وفي مثال أخر.. نجد اليوم شخصاً مشهوراً على مواقع التواصل تحت مسمى (دكتور بيرج) يتكلم عن الحياة الصحية للفرد.. ورغم الشهرة الواسعة والتأثر الشديد به من قبل الناس.. وفائدته في لفت الأنظار إلى الاهتمام بالطعام الصحي.. ولكن لا تجد جامعة واحدة منحته شهادة دكتوراه حقيقية.. لأن المجتمعات العلمية لا تحكمها المشاعر العامة للناس حول شخص معين.. بل منجزه العلمي الحقيقي والمحدد.. الذي يمكن تعريفه وتقييمه.
وبناء على ما تقدم.. أرجو أن يدرك القارئ الفرق الواضح بين معلومة تعجبه.. ومعلومة ترشده.. فالشواهد المذكورة ربما تعجبك.. ولكن هل ترشدك إلى المجتهد أو الأعلم بحسب تقييم المتخصصين؟
ستجد دائماً.. أن المجتمع العلمي الذي تحكمه القواعد العلمية يقدر الجهود الحقيقية.. وليس الاستعراضية التي يمكنها التأثير على عامة الناس بسهولة.
المقدمة الثالثة: لايوجد تاريخ انتهاء صلاحية لتصريحات الإنسان.
ما سنذكره بعد قليل من شواهد.. يحاول بعض الإخوة من أتباع الشيخ.. التبرير له بأن هذه الكلمات صدرت منذ زمن طويل وفي ظروف مختلفة.. وقال بعضهم ما نصه: (تواصل الجيوش الإلكترونية المأجورة استهدافها لسماحة المرجع اليعقوبي "دام ظله الشريف" فتغوص في بحار عطائه العلمي والفكري والأخلاقي مقتطعة أجزاء من محاضرات ألقاها في مناسبات شتى وظروف مختلفة بعضها يعود إلى ما يزيد على عقدين أو حتى ثلاثة عقود من الزمن غايتهم من هذا التربص المقيت ليست سوى البحث عن زلةٍ أو كلمةٍ تُسوّغ لهم عداءهم تجاه هذا العالم الرباني)
وبعيداً عن الاتهام بأن كل ناقد هو (مأجور) حيث لا يتصور الإخوة أن هناك من يكتب ويتحدث في سبيل الله وحفاظاً على مقام الاجتهاد والمرجعية الشيعية.. والكل في نظرهم يقبض الأموال بأزاء ما يكتب وينشر!!
بعيداً عن هذا.. نبقى في الجو العلمي أفضل وأسلم لقلوبنا من المراء والمهاترات.. فأقول:
إن كل عالم قد يخطئ أو يسهو أو ينسى أو يشتبه.. فنحن في النهاية ومهما بلغنا من القوة العلمية نبقى أيتام آل محمد.. وكلنا- بعلمائنا وعوامنا - لاشيء أمام عصمتهم صلوات الله عليهم.. ولولا تسديدهم في زمن الغيبة الصعب.. لما استطعنا الاستمرار.
لذا من الطبيعي أن يخطئ هذا العالم في نقل رواية.. أو يشتبه ذلك الفاضل في تلاوة آية.. أو ينسى ذاك المرجع فتوى من فتاواه بحيث يحتاج إلى مراجعة رسالته.. ولا بأس في ذلك كله ولا حيف للمرة أو للمرتين.
ومن هنا وضعوا شرطاً في مرجع التقليد وهو (أن لا يقل ضبطه عن المتعارف) وهذه الكلمة تعني أن هناك هامشاً مسموحاً ومتعارفاً من الاشتباه والخطأ للإنسان غير المعصوم.. وسيقع في بعضه مهما بلغ من العبقرية والتوفيق.. على أن لا تكثر هذه الأخطاء وتتكرر إلى حد الإضرار بحالة الضبط العلمي والعملي.
لكن المشكلة هي أن يكرر الشخص نفس المعنى ونفس المضمون في عدة مناسبات (كما سنلاحظ) مما يكشف أن الأمر ليس مجرد خطأ أو اشتباه.. بل منهج مستمر.. وحالة مستقرة في نفسه.. تدفعه لمدح الذات وتوهين الآخرين بما يخالف صريح الروايات الناهية عن ذلك.. وإعطاء تقييمات غير حقيقية لكتبه والإصرار أنها تكشف عن ملكة استنباط حتى لو أنكر أصحاب الخبرة ذلك!
ونحن نسأل الأخ كاتب السطور أعلاه.. ما تقول أننا نتصيده من كلام الشيخ القديم.. سواء قاله قبل سنة أو خمسين سنة.. هل يكشف عن طريقة تفكيره ومستواه العلمي والأخلاقي حتى اليوم أم لا؟
بعبارة أخرى هل نبني على ما قاله وفعله قبل 15 سنة أم (نصفر العداد) ونبدأ من جديد؟!
إن قلتم أن القديم هو نفسه الجديد.. فهذا اعتراف مريح وصريح.. وما ظلمناه باقتباس كلماته القديمة.
وإن قلتم أن أطروحاته ومستواه تغير.. فما أدرانا بما تغير وما هو باق ؟
فلا حاجة للتبرير بمثل هذه الأعذار الضعيفة.. لأنها تعني أن على الشيخ توضيح رأيه الجديد إن كان فعلاً تراجع عما قاله.
ولكي تتأكد أن القديم هو نفسه لم يتغير.. حسبك ما قاله الشيخ اليعقوبي نفسه في مقابلة مع قناة العراقية في برنامج دولة الإنسان سنة 1435 .. متحدثاً عن سلسلة إصدارات (خطاب المرحلة) قائلاً: (أريد أن أوظف المرحلية في الاستراتيجية، فلذلك أسميتها خطاب المرحلة، لا يعني هذا على أن كل خطاب هو خاص بزمنه فإذا زالت ظروفه انتهى..) !! وليت الإخوة من أتباع الشيخ يكون لهم الإلمام الكافي بمقولاته ومؤداها.
وبعد هذه المقدمات الثلاث.. أذكر سبعة فقط.. من الشواهد التي تخلق جواً نفسياً لدى عوام الناس.. بأن الشيخ العيقوبي أعلم علماء العصر.. لكنها ليست ذات قيمة على الميزان العلمي.
هذا وقد تجرعنا حالة (الأنا) المؤسفة.. ومدح الذات والإطراء على النفس.. ولست أدري هل أتاك أيها القارئ الكريم.. حديث الكم الهائل من الروايات.. الناهية عن مدح النفس؟!!
فلو كان الكاتب أحد طلبته لجاز له مدح أستاذه كيفما شاء فهذا جزء من الوفاء للأستاذ.. ثم لينشرها الموقع أينما شاء.. لكن الكارثة أن المادح هو نفسه الممدوح.. في أغلب الشواهد المذكورة !!
الشاهد الأول:
قياس غريب طرحه الشيخ لتقبل فكرة اجتهاده.. وذكره في خطاب المرحلة رقم (10) المنشور في موقعه.. قال:
(ثم ألا يوجد ارتكاز متشرعي بأن الإمام لا يصلي عليه إلا إمام، وأن المرجع لا يصلي عليه إلا مرجع أو قريب من ذلك، وقد وفقني الله تبارك وتعالى للصلاة عليه (قدس سره) دونهم جميعاً ...).
ويعلم الله أن أصابعي ترتجف من الذهول وأنا أحاول التعليق على هذه الفكرة.. وأتساءل كيف للشيخ أن يتساهل ويطرح هكذا قياس وهو في مدرسة النجف الأشرف.. بأصولها المتينة وأفكارها العريقة!!
الشاهد الثاني:
قياس أغرب وأعجب.. ذكره في خطاب المرحلة (1) ضمن حديثه المستمر عن نفسه:
(وكنت أرى أن التصدي لهذه المسؤولية منحصراً بي، حيث ارتعدت فرائص الآخرين من الخوف .. إلى قوله: وقد اقترن هذا الإحساس بتكليفي بحمل هذه الأمانة بقرائن وجدانية من خلال ما أفاض الله تعالى علي من الطمأنينة وقوة القلب ورباطة الجأش واستصغار الدنيا والطامعين فيها وعبدة الطاغوت - مهما كان جبروتهم - والحكمة في التصرف، مما لم أكن أعهده من قبل، وفهمت بالوجدان ما روي عن الإمام الهادي عليه السلام، حينما قال لجلسائه يوماً وهو في المدينة الآن توفي أبي الجواد عليه السلام، قيل: وكيف علمت يا ابن رسول الله وأبوك في بغداد؟ فقال عليه السلام: لقد داخلني من الهيبة لله تبارك وتعالى ما لم أكن أحسه من قبل، فعلمت أنني أصبحت الإمام. ثم قال الشيخ: فانضم هذا الإحساس الوجداني إلى ما أعلنه الشهيد الصدر وفي أكثر من موطن...).
ولا تعليق عندي حول رؤيته بأن التصدي ( منحصر به) ولا إكثاره من تشبيه أحواله بالأئمة عليهم السلام.. فالانقلاب عليه كانقلاب الناس على بيعة الغدير وأمير المؤمنين عليه السلام.. وصلاته على المرجع كصلاة الإمام على الإمام .. وانقلاب الخط الصدري عليه كانقلاب الواقفة على الإمام الرضا عليه السلام.. وشعوره بثقل المرجعية كشعور الهادي عليه السلام بثقل الإمامة.. وهكذا دواليك.
وإنما أقول لو كان هذا الكلام مجرد ذكرى يسردها لأمكن التغاضي عنها.. لأن الكثير من علمائنا يتكلمون عن أحوالهم المعنوية أحياناً.
ولكن ضمها إلى وصايا السيد الصدر.. واستخدام الحديث عن الحالات الروحية كوسيلة لإثبات الأهلية.. مما لم تعهده الحوزة من علمائها طيلة تاريخها.. حتى خلت أن المتكلم هو أحد حروف الحي.. وليس شخصاً يتسنم مقام المرجعية!!
الشاهد الثالث:
ما ذكره الموقع الرسمي من كلمات حول بيان علميته.. حيث قال: ( وقد وصل صدى مرجعيته المباركة إلى الأمم المتحدة حيث أُشير إليها في الإصدارين الذين نشرتهما منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو) عن مدينة النجف، فقد ورد في الإصدار الأول المُعنَون (النجف بوابة الحكمة) ما نصّه (ولقد التحق بهؤلاء المراجع الأربع الكبار مرجع جديد يفوقهم حداثة والتزاماً بالأمور السياسية وهو الشيخ محمد اليعقوبي ).
ولا أعرف ماهو المحصل النهائي من ذكر هذه المعلومة؟ وهل الأمم المتحدة تصلح شاهداً لتوضيح علمية الرجل للناس؟ وهل صارت من أصحاب الخبرة ؟! إن لم يكن هذا مجرد تكثيف نفسي للإيحاء بمرجعية عالمية.. فماذا يكون؟
الشاهد الرابع:
يقول الشيخ في خطاب المرحلة (10) متحدثاً عن نفسه ما نصه:
( وأما المستوى العلمي فقد كان النبوغ واضحاً منذ البداية، وصدر في عامي ١٤١٨-١٤١٩ (١٩٩٨م) كتابان مهمان حظيا بالثناء والإعجاب ...).
ولست أدري عندما يقول الرجل عن نفسه أن النبوغ كان واضحاً.. ماذا يقصد؟ واضح عند من ؟
وأقسم عليكم بحق أمير المؤمنين.. هل رأيتم من قبل أحد علماء الشيعة يتكلم عن نفسه بهذه الطريقة؟.
الشاهد الخامس:
قال في خطاب المرحلة (ج1) عند حديثه عن كتابه القول الفصل في أحكام الخل: (وكانت محاولة فريدة في توظيف علم الكيمياء في علم الاستنباط الفقهي، وكان بحثاً مبدعاً وإن لم نتعمق فيه كثيراً.. الى قوله: وشد هذا الكتاب إنتباه الحوزة العلمية علماء وفضلاء وأساتذة، وأيقنوا أن علم الشيخ اليعقوبي لا يقاس بعدد سنوات تحصيله في الحوزة العلمية).
هكذا تحدث عن نفسه !! ومرة أخرى ينكسر القلم أمام هذا الكم من الثناء على النفس!! وهل المجتمع العلمي القائم على دقة الأصول ومتانة الفقه في استنباط الحكم الشرعي.. يمكن خداعه بسهولة.. بإضافة بعض المواد الكيمائية إلى عملية الاستنباط؟!
ومما يكشف عدم دقة الشيخ فيما يقول.. هو قوله ( علم الاستنباط الفقهي) !! وأعلم أنك أيها القارئ الكريم إن كنت لم تدرس العلوم الدينية فستقول: وماذا في ذلك؟! وماذا لو قال علم الاستنباط؟
ولكنه لطالب العلم كارثة.. فإن الاستنباط قد يوصف بأنه (ملكة) وتعني كيفية نفسانية فيقال (ملكة الاستنباط).. وقد يوصف بأنه (قوة) كامنة في النفس فيقال (قوة الاستنباط).. وقد يوصف بأنه (عملية) بمعنى (معالجة) ذات خطوات يجريها الفقيه فيقال (عملية الاستنباط).. وهذه كلها درجت عليها كتب علمائنا ودروسهم..
لكنه مهما قيل عنه.. لايوصف أبداً بأنه (علم) حتى تسامحاً.. لأن (العلم) له مشخصاته كالتعريف والموضوع والغاية وغيرها.. وهي مجموعة اعتبارات يسمونها قديماً (الرؤوس الثمانية) ولابد من الأخذ بها وبلورتها -على اختلاف بينهم في مجموعها- لنتعامل مع أي موضوع على أنه علم.
وأستدعي هنا.. ما قاله آية الله العظمى الشيخ محمد علي الكاظمي قدس سره.. في كتابه الرائع فوائد الأصول (وهو من أهم تقريرات درس ملاذ المجتهدين الشيخ النائيني قدس سره):
(ولما كان داب أرباب العلوم عند الشروع في العلم ذكر موضوع العلم ، وتعريفه ، وغايته ، فنحن أيضا نقتفي أثرهم. وينبغي قبل ذلك بيان مرتبة علم الأصول وموقعه ، إذ لعله بذلك يظهر تعريفه وغايته)
وإلى هنا.. فهو يقرر حقيقة أن كلمة (العلم) لا تطلق جزافاً.. ثم يكمل في بيان أن الاستنباط هو حصيلة الإحاطة بمجموعة علوم على مستويات متفاوتة.. وليس علماً بنفسه كما يتصور الشيخ اليعقوبي.. فيقول:
(فنقول: لا اشكال في أن العلوم ليست في عرض واحد ، بل بينها ترتب وطولية ، إذ رب علم يكون من المبادئ لعلم اخر ، ولأجل ذلك دون علم المنطق مقدمة لعلم الحكمة ، وكذلك كان علم النحو من مبادئ علم البيان ، ومن الواضح ان جل العلوم تكون من مبادئ علم الفقه ومن مقدماته حيث يتوقف الاستنباط على العلوم الأدبية : من الصرف ، والنحو ، واللغة ، وكذا يتوقف على علم الرجال ، وعلم الأصول ، ولكن مع ذلك ليست هذه العلوم في عرض واحد بالنسبة إلى الفقه ، بل منها ما يكون من قبيل المقدمات الاعدادية للاستنباط ، ومنها ما يكون من قبيل الجزء الأخير لعلة الاستنباط. وعلم الأصول هو الجزء الأخير لعلة الاستنباط بخلاف سائر العلوم ، فإنها من المقدمات...).
هذا.. وإذا كان الشيخ اليعقوبي يستكثر الجهد الذي بذله في دراسة بعض النظريات الكيميائية من غير تخصصه.. والاستفادة منها في كتابه.. فنذكره بأن بذل الجهد بحد نفسه ليس دليلاً على تحقق عملية الاستنباط.. ولا كاشفاً عن القدرة على رد الفروع إلى الأصول.. وهو الوصف المبسط للاجتهاد.
يقول آية الله العظمى الشيخ محمد تقي الأصفهاني قدس سره في حاشيته على المعالم (هداية المسترشدين): (أن مجرد ممارسة الفقه مع عدم المعرفة بالأدلة وكيفية إجرائها والاقتدار على رد الفروع إلى الأصول غير كاف في المقام، بل هو بمنزلة المنطقي الصرف في عدم الاعتداد باستفراغه، وعدم كونه اجتهاداً بحسب الاصطلاح، وعدم اندراج المستفرغ المذكور في عنوان المجتهد..).
الشاهد السادس:
يقول الشيخ ضمن حديثه في خطاب المرحلة (1) عن كتاب الرياضيات للفقيه: (وثانيهما كتاب (الرياضيات للفقيه) وهو فريد في بابه لذا نال إعجاب المراجع والعلماء بما تضمن من تحقيقات فقهية وأصولية ورياضيات معمقـة لا يوجد من يجمعها...)
ولا أدري ما يعنيه بقوله (تحقيقات فقهية وأصولية) بينما كان يستعرض المسائل بشكل موجز جداً بشكل لا يمكن وصفه بأنه تحقيق.. وحسبك -إن كنت طالب علم- أن المكتوب على غلاف الكتاب هو عبارة ( الرياضيات للفقيه / استدلالات رياضية معمقة على بعض المسائل الفقهية والأصولية) !!
وعجباً.. إن كان ما يعنيه بقوله (لايوجد من يجمعها) ؟ أن الله لم يخلق من يمكنه فعل ذلك!!
على كل حال لا يسعني إلا القول: قرأت هذا الكتاب سنة 2000 في مكتبة الإمام الحكيم قدس سره في محلة الحويش (وكان بإهداء الشيخ إلى المكتبة) .. وملخص فكرته.. هو أن الشيخ حيث درس الهندسة المدنية فهو يرى نفسه قادراً على التعاطي مع الرياضيات الحديثة بحدود اختصاصه الهندسي.. وحيث درس الفقه فهو يرى نفسه مدركاً لمكامن الحاجة إلى الرياضيات في كتبنا الفقهية وموضوعاتها.. فقد تقدم لهذه المهمة.. حيث يقول في مقدمة الكتاب ( إن كاتب هذه السطور ممن أتيحت له الفرصة لتحصيل قسط من كلا العلمين الرياضيات والفقه وهذا ما يجعله قادراً بعون الله وتوفيقه أن يفهم حاجة الطالب ويقدمها بالشكل الذي ينفعه).
فكما تلاحظ من كلامه.. يتمحور ما قام به في هذا الكتاب بثلاث خطوات:
الخطوة الأولى: استعراض مجموعة من المواضيع الرياضية مع شرح مبسط ومختصر لها.
الخطوة الثانية: بيان وجه الاستفادة من كل موضوع منها في أقسام الفقه وموضوعاته.
الخطوة الثالثة: ذكر بعض الأمثلة والتطبيقات العملية للمسألة الرياضية على المسألة الفقهية.
والكتب الفقهية التي اعتمدها لاستعراض الفروع الفقهية.. هي (اللمعة الدمشقية) و (شرائع الإسلام) و (المكاسب للشيخ الأعظم).
فهو -مثلاً- يستعرض مسألة رياضية مثل النسبة المئوية وكيفية استخراجها.. ومن ثم يشير إلى وجه الحاجة إليها في مسائل الفقه كاحتساب الميراث وقسمة الشركة وكتاب القضاء.. ثم يعطي أمثلة لذلك من اللمعة أو المكاسب.
بل وينتقل أحياناً إلى موضوع فيزيائي.. مثل الكثافة وتحويل الوزن إلى الحجم.. ويذكر أن هذا البحث ينفعنا في تحديد مقدار الكر.. ويأتي بكلمات اللمعة أو الشرايع.. وهكذا.
والإنصاف أن الكتاب نافع لطلبة المقدمات أو السطوح كدليل مساعدة.. لأنه يختصر عليهم فهرست المسائل الرياضية المطلوبة.. وتبويبه جيد ويعتبر فكرة ناضجة في وقتها.
لكن لم أجد فيه شيئاً من النبوغ الذي يمدح به نفسه مراراً وتكراراً.. فلا المسائل الرياضية تجاوزت مستوى الاستعراض والتبسيط حتى توصف بالمعمقة (ودونكم أساتذة الرياضيات في الجامعات يخبرونكم) ولا المسائل الفقهية تجاوزت ذكرها وتعدادها لنقول أن الكتاب يكشف عن قدراته الاستدالالية بما يعنيه الاجتهاد (رد الفروع إلى الأصول) (ودونكم أساتذة البحث فاسألوهم).
وأشهد أن حديثه عن شد انتباه الحوزة مبالغة لا أكثر.. فقد سمع الطلبة بهذا الكتاب كسماعهم بأي كتاب يستنسخه (علاء زعيم الاستنساخ) .. الذي كان يهرّب الكتب عن السلطة ويستنسخها ويبيعها للطلبة.. والرجل ما زال حياً ويمكن سؤاله.. بل أن احتفاء الطلبة والأساتذة بانتشار كتاب المقرر في شرح منطق المظفر للسيد رائد الحيدري في وقتها.. كان أكبر بمراحل من الرياضيات للفقيه.
والخلاصة أننا لا نعرف.. على ماذا يدل هذا التفاخر المستمر بكتاب الرياضيات للفقيه؟!
هل يدل على قوة الفقاهة ؟ أم قوة الرياضيات ؟
إن كان يدل على قوة الفقاهة.. فالأمر ليس كذلك.. كما يجب أن يظهر ذلك في بحوثه الاستدلالية الأخرى.. وهي اليوم موجودة وتحت متناول أساتذة الحوزة وفضلائها ومع ذلك لا يقولون باجتهاده.
وإن كان يدل على قوة الرياضيات.. فهنيئاً له .. لكن هذا أمر تقيمه الجامعات الأكاديمية وليس الحوزة.
معضلة الملك العريان.
إن المعضلة الحقيقية تكمن في أن الناس لا تفرق بين الاستدلال والاستعراض.. ويأخذون الكلام على ظاهره.. فعندما يقال هذا بحث معمق لا يستطيعون التمييز.. وهنا تصيبك الحيرة كيف تفهمهم.. ونقع في معضلة الملك العريان!!
كنت يوماً في صحن المولى أمير المؤمنين عليه السلام.. وجاء أحد أتباع الممسوخ (الصرخي) ممن أعرفهم وقال: لماذا كل علمائكم خائفون من فكر السيد الحسني؟ لماذا لا يردون على كتابه الفكر المتين؟ فقلت له يا أخي والله وبالله أن هذا الكتاب لا يصلح أن يكون حتى ورقاً للف (الكرزات المحمصة).. وأنا شخصياً أرتجف كلما قرأت لصاحبكم أو سمعته.. ولكن أرتجف من الضحك.
فزعل مني.. فقلت له يا أخي المشكلة كيف أقنعك وأنت لا تملك الأسس التي يُقاس الأمر عليها.. هذا الذي تعتبره فكراً يستحق المناظرة هو عبارة عن ضحك على الذقون لا أكثر.. وأعمدة الطبخ في الجرائد (قديماً) خير منه.. فذهب مغاضباً.. وتذكرت قول أحمد الكيواني:
قد يورثُ التعنيفُ إصراراً وقد يتكسرُ المعوجُ بالتقويمِ
هل تنجحُ الآدابُ عند معاشرٍ مع زهدهم بالعلمِ والتعليمِ
كم حكمةٍ عند الغبي كأنها ريحانةٌ في راحةِ المزكومِ
بسمتْ محاسنُها لوجهٍ كالحٍ ما أضيعَ المرآةَ عندَ البومِ
لا أقول أن كتاب الشيخ اليعقوبي كذلك.. بالعكس هو كتاب جميل للمبتدئين.. ولكن أكاشف هو عن الاجتهاد أو حتى أولياته؟؟ كلا ورب البيت.
ويبقى سؤال.. هل وصل الشيخ اليعقوبي إلى مستوى السيد أبو القاسم الخوانساري (قدس سره) الذي كان أعجوبة في الرياضيات وتوظيفها في بحوثه الفقهية؟.. وكان يقصده الأساتذة من جامعة بغداد وغيرها؟ المطلع من أساتذة الرياضيات على بساطة المسائل المعروضة في كتابه يجزم بالعدم.
مع ذلك لم يدّعِ السيد الخوانساري المرجعية فضلاً عن الاعلمية.. لأن التفوق في جانب من الجوانب شيء.. وقوة الاستنباط التي تقود إلى الاجتهاد شيء آخر.
(ولما كان داب أرباب العلوم عند الشروع في العلم ذكر موضوع العلم ، وتعريفه ، وغايته ، فنحن أيضا نقتفي أثرهم. وينبغي قبل ذلك بيان مرتبة علم الأصول وموقعه ، إذ لعله بذلك يظهر تعريفه وغايته)
وإلى هنا.. فهو يقرر حقيقة أن كلمة (العلم) لا تطلق جزافاً.. ثم يكمل في بيان أن الاستنباط هو حصيلة الإحاطة بمجموعة علوم على مستويات متفاوتة.. وليس علماً بنفسه كما يتصور الشيخ اليعقوبي.. فيقول:
(فنقول: لا اشكال في أن العلوم ليست في عرض واحد ، بل بينها ترتب وطولية ، إذ رب علم يكون من المبادئ لعلم اخر ، ولأجل ذلك دون علم المنطق مقدمة لعلم الحكمة ، وكذلك كان علم النحو من مبادئ علم البيان ، ومن الواضح ان جل العلوم تكون من مبادئ علم الفقه ومن مقدماته حيث يتوقف الاستنباط على العلوم الأدبية : من الصرف ، والنحو ، واللغة ، وكذا يتوقف على علم الرجال ، وعلم الأصول ، ولكن مع ذلك ليست هذه العلوم في عرض واحد بالنسبة إلى الفقه ، بل منها ما يكون من قبيل المقدمات الاعدادية للاستنباط ، ومنها ما يكون من قبيل الجزء الأخير لعلة الاستنباط. وعلم الأصول هو الجزء الأخير لعلة الاستنباط بخلاف سائر العلوم ، فإنها من المقدمات...).
هذا.. وإذا كان الشيخ اليعقوبي يستكثر الجهد الذي بذله في دراسة بعض النظريات الكيميائية من غير تخصصه.. والاستفادة منها في كتابه.. فنذكره بأن بذل الجهد بحد نفسه ليس دليلاً على تحقق عملية الاستنباط.. ولا كاشفاً عن القدرة على رد الفروع إلى الأصول.. وهو الوصف المبسط للاجتهاد.
يقول آية الله العظمى الشيخ محمد تقي الأصفهاني قدس سره في حاشيته على المعالم (هداية المسترشدين): (أن مجرد ممارسة الفقه مع عدم المعرفة بالأدلة وكيفية إجرائها والاقتدار على رد الفروع إلى الأصول غير كاف في المقام، بل هو بمنزلة المنطقي الصرف في عدم الاعتداد باستفراغه، وعدم كونه اجتهاداً بحسب الاصطلاح، وعدم اندراج المستفرغ المذكور في عنوان المجتهد..).
الشاهد السادس:
يقول الشيخ ضمن حديثه في خطاب المرحلة (1) عن كتاب الرياضيات للفقيه: (وثانيهما كتاب (الرياضيات للفقيه) وهو فريد في بابه لذا نال إعجاب المراجع والعلماء بما تضمن من تحقيقات فقهية وأصولية ورياضيات معمقـة لا يوجد من يجمعها...)
ولا أدري ما يعنيه بقوله (تحقيقات فقهية وأصولية) بينما كان يستعرض المسائل بشكل موجز جداً بشكل لا يمكن وصفه بأنه تحقيق.. وحسبك -إن كنت طالب علم- أن المكتوب على غلاف الكتاب هو عبارة ( الرياضيات للفقيه / استدلالات رياضية معمقة على بعض المسائل الفقهية والأصولية) !!
وعجباً.. إن كان ما يعنيه بقوله (لايوجد من يجمعها) ؟ أن الله لم يخلق من يمكنه فعل ذلك!!
على كل حال لا يسعني إلا القول: قرأت هذا الكتاب سنة 2000 في مكتبة الإمام الحكيم قدس سره في محلة الحويش (وكان بإهداء الشيخ إلى المكتبة) .. وملخص فكرته.. هو أن الشيخ حيث درس الهندسة المدنية فهو يرى نفسه قادراً على التعاطي مع الرياضيات الحديثة بحدود اختصاصه الهندسي.. وحيث درس الفقه فهو يرى نفسه مدركاً لمكامن الحاجة إلى الرياضيات في كتبنا الفقهية وموضوعاتها.. فقد تقدم لهذه المهمة.. حيث يقول في مقدمة الكتاب ( إن كاتب هذه السطور ممن أتيحت له الفرصة لتحصيل قسط من كلا العلمين الرياضيات والفقه وهذا ما يجعله قادراً بعون الله وتوفيقه أن يفهم حاجة الطالب ويقدمها بالشكل الذي ينفعه).
فكما تلاحظ من كلامه.. يتمحور ما قام به في هذا الكتاب بثلاث خطوات:
الخطوة الأولى: استعراض مجموعة من المواضيع الرياضية مع شرح مبسط ومختصر لها.
الخطوة الثانية: بيان وجه الاستفادة من كل موضوع منها في أقسام الفقه وموضوعاته.
الخطوة الثالثة: ذكر بعض الأمثلة والتطبيقات العملية للمسألة الرياضية على المسألة الفقهية.
والكتب الفقهية التي اعتمدها لاستعراض الفروع الفقهية.. هي (اللمعة الدمشقية) و (شرائع الإسلام) و (المكاسب للشيخ الأعظم).
فهو -مثلاً- يستعرض مسألة رياضية مثل النسبة المئوية وكيفية استخراجها.. ومن ثم يشير إلى وجه الحاجة إليها في مسائل الفقه كاحتساب الميراث وقسمة الشركة وكتاب القضاء.. ثم يعطي أمثلة لذلك من اللمعة أو المكاسب.
بل وينتقل أحياناً إلى موضوع فيزيائي.. مثل الكثافة وتحويل الوزن إلى الحجم.. ويذكر أن هذا البحث ينفعنا في تحديد مقدار الكر.. ويأتي بكلمات اللمعة أو الشرايع.. وهكذا.
والإنصاف أن الكتاب نافع لطلبة المقدمات أو السطوح كدليل مساعدة.. لأنه يختصر عليهم فهرست المسائل الرياضية المطلوبة.. وتبويبه جيد ويعتبر فكرة ناضجة في وقتها.
لكن لم أجد فيه شيئاً من النبوغ الذي يمدح به نفسه مراراً وتكراراً.. فلا المسائل الرياضية تجاوزت مستوى الاستعراض والتبسيط حتى توصف بالمعمقة (ودونكم أساتذة الرياضيات في الجامعات يخبرونكم) ولا المسائل الفقهية تجاوزت ذكرها وتعدادها لنقول أن الكتاب يكشف عن قدراته الاستدالالية بما يعنيه الاجتهاد (رد الفروع إلى الأصول) (ودونكم أساتذة البحث فاسألوهم).
وأشهد أن حديثه عن شد انتباه الحوزة مبالغة لا أكثر.. فقد سمع الطلبة بهذا الكتاب كسماعهم بأي كتاب يستنسخه (علاء زعيم الاستنساخ) .. الذي كان يهرّب الكتب عن السلطة ويستنسخها ويبيعها للطلبة.. والرجل ما زال حياً ويمكن سؤاله.. بل أن احتفاء الطلبة والأساتذة بانتشار كتاب المقرر في شرح منطق المظفر للسيد رائد الحيدري في وقتها.. كان أكبر بمراحل من الرياضيات للفقيه.
والخلاصة أننا لا نعرف.. على ماذا يدل هذا التفاخر المستمر بكتاب الرياضيات للفقيه؟!
هل يدل على قوة الفقاهة ؟ أم قوة الرياضيات ؟
إن كان يدل على قوة الفقاهة.. فالأمر ليس كذلك.. كما يجب أن يظهر ذلك في بحوثه الاستدلالية الأخرى.. وهي اليوم موجودة وتحت متناول أساتذة الحوزة وفضلائها ومع ذلك لا يقولون باجتهاده.
وإن كان يدل على قوة الرياضيات.. فهنيئاً له .. لكن هذا أمر تقيمه الجامعات الأكاديمية وليس الحوزة.
معضلة الملك العريان.
إن المعضلة الحقيقية تكمن في أن الناس لا تفرق بين الاستدلال والاستعراض.. ويأخذون الكلام على ظاهره.. فعندما يقال هذا بحث معمق لا يستطيعون التمييز.. وهنا تصيبك الحيرة كيف تفهمهم.. ونقع في معضلة الملك العريان!!
كنت يوماً في صحن المولى أمير المؤمنين عليه السلام.. وجاء أحد أتباع الممسوخ (الصرخي) ممن أعرفهم وقال: لماذا كل علمائكم خائفون من فكر السيد الحسني؟ لماذا لا يردون على كتابه الفكر المتين؟ فقلت له يا أخي والله وبالله أن هذا الكتاب لا يصلح أن يكون حتى ورقاً للف (الكرزات المحمصة).. وأنا شخصياً أرتجف كلما قرأت لصاحبكم أو سمعته.. ولكن أرتجف من الضحك.
فزعل مني.. فقلت له يا أخي المشكلة كيف أقنعك وأنت لا تملك الأسس التي يُقاس الأمر عليها.. هذا الذي تعتبره فكراً يستحق المناظرة هو عبارة عن ضحك على الذقون لا أكثر.. وأعمدة الطبخ في الجرائد (قديماً) خير منه.. فذهب مغاضباً.. وتذكرت قول أحمد الكيواني:
قد يورثُ التعنيفُ إصراراً وقد يتكسرُ المعوجُ بالتقويمِ
هل تنجحُ الآدابُ عند معاشرٍ مع زهدهم بالعلمِ والتعليمِ
كم حكمةٍ عند الغبي كأنها ريحانةٌ في راحةِ المزكومِ
بسمتْ محاسنُها لوجهٍ كالحٍ ما أضيعَ المرآةَ عندَ البومِ
لا أقول أن كتاب الشيخ اليعقوبي كذلك.. بالعكس هو كتاب جميل للمبتدئين.. ولكن أكاشف هو عن الاجتهاد أو حتى أولياته؟؟ كلا ورب البيت.
ويبقى سؤال.. هل وصل الشيخ اليعقوبي إلى مستوى السيد أبو القاسم الخوانساري (قدس سره) الذي كان أعجوبة في الرياضيات وتوظيفها في بحوثه الفقهية؟.. وكان يقصده الأساتذة من جامعة بغداد وغيرها؟ المطلع من أساتذة الرياضيات على بساطة المسائل المعروضة في كتابه يجزم بالعدم.
مع ذلك لم يدّعِ السيد الخوانساري المرجعية فضلاً عن الاعلمية.. لأن التفوق في جانب من الجوانب شيء.. وقوة الاستنباط التي تقود إلى الاجتهاد شيء آخر.
الشاهد السابع: ما ورد في الموقع في فصل سيرته الذاتية: (وكان المرجع الراحل المرحوم السيد محمود الهاشمي الشاهرودي (قدس الله سره) يرى في سماحة الشيخ مرجعية قوية واعده - بحسب ما رواه اثنان من العلماء المقربين إليه - ووجهّ رئيس تحرير مجلة فقه أهل البيت (عليهم السلام) التي يشرف سماحته عليها بنشر الأبحاث الفقهية الاستدلالية لسماحة المرجع في قسم البحوث الإجتهادية التي تنشر أبحاث المراجع الكبار ووصفها بأنها رصينة ودقيقة).
وكالعادة.. عبارة غامضة تحتمل أكثر من تفسير.. السيد كان يعتبره مرجعية واعدة.. والراوي اثنان من العلماء المقربين (لانعرفهم) والسيد قال لرئيس تحرير المجلة ما معناه (أنشر أبحاث الشيخ اليعقوبي في قسم البحوث الاجتهادية لكي تفهم الناس بذكائها وفطنتها أنني أعتبره مجتهداً!!!).
بالله عليكم ما هذا؟ هل هذا دليل؟ هل هذا حجة نقدمها أمام الله؟ هل براءة الذمة من الأحكام الشرعية صارت بتقليدٍ يأتي بهذه الطريقة التلميحية؟ وما الذي منع السيد الشاهرودي من الشهادة باجتهاده؟ بورقة أو محاضرة أو أي شيء؟ هل يسع الإخوة اتهام السيد الشاهرودي أيضاً بأنه كان خاضعاً لتأثير مكتب السيد السيستاني كما اتهموا الشيخ محمد الجواهري؟ لا أعرف أين تنتهي سلسلة الاحتمالات والأسئلة!!
يوجد نظير للشيخ اليعقوبي.
وفي ختام هذه الشواهد.. أقول: يوجد اليوم في لبنان شخص آخر يدعي الاجتهاد اسمه (آية الله العظمى محمد جميل حمود العاملي) سألوه هل يوجد لديك اجازة اجتهاد خطية؟ فأجاب بكلمات سأنقلها لك بالنص.. ثم وأنت تقرأ هذه الكلمات.. سترى حجم التطابق بينها وبين ما يقوله الشيخ اليعقوبي.. قال:
(نعم لدينا إجازة خطية... من أحد المجتهدين... ممن نالوا درجة الإجتهاد... من بعض الفقهاء في إيران... كما لدينا العديد من الإجازات الشفهية التي نوهت باجتهادنا بفضل الله تعالى والحجج الأطهار (سلام الله عليهم) من قبل فقهاء في العالم الشيعي كقم والنجف وكربلاء وبيروت كالشيخ العلامة حسن طراد عندما أبهره بحثنا الفقهي في حرمة الغناء في العرس ووصفنا (وأنا كلب آل محمد يلحس قصاعهم العلمية ) بنابغة الزمان لأننا حللنا اللغز الذي حار فيه فقهاء الشيعة منذ عصر الطوسي إلى يومنا هذا..كما أنه قد أطبقت شهرتنا الفقهية في الحاضرة العلمية الشيعية من دون منازع، والفضل لله تبارك اسمه ولحججه الأطهار (سلام الله عليهم) ... إذا لم يثبت لديك اجتهادنا وفقاهتنا فلماذا تتعب نفسك باستفتائنا والتفقه بالدين من خلالنا..؟!).
ولا أعرف ما هي أفضلية الشيخ اليعقوبي على هذا الشيخ إذا كان المنطق واحداً؟ والطريقة واحدة والحجج واحدة.. ولماذا يجب تقليد هذا وليس ذاك .. إذا كان الجميع يسطر الادعاءات؟.
السؤال (11): لماذا لا تحضرون بحثه وتتأكدوا من مستواه.. وتردون عليه في مجلس درسه؟
الجواب:
هذه دعوة صريحة لفتح حلبة ملاكمة.. وإذا كان هذا هو المطلوب فالسؤال الذي يجب أن نسأله نحن هذه المرة.. هل يدرك الذين يقترحون هذه الأمور أنهم يحرجون الشيخ أكثر من إحراجهم للآخرين؟!
لأنك اذا كنت تعتقد بأن الطريقة الوحيدة لتقييم البحوث هي الحضور المباشر.. فقد أسقطت جميع الشهادات والمدائح التي تلقاها الشيخ اليعقوبي ممن لم يحضروا عنده!!
وعلى كل حال يمكن الجواب بثلاث نقاط.. وأتصور أنها كافية لمن يريد الحفاظ على وقار الحوزة واحترامها:
أولاً: إذا كان الهدف بيان ضعفه العلمي وعدم أهليته للإفتاء (وليس إراقة ماء وجهه والعياذ بالله) فهذا يحصل من خلال متابعة دروسه ومطالعة بحوثه ولا حاجة لأكثر من ذلك (وهو حاصل).
ثانياً: نعوذ بالله أن تتحول بحوثنا وحلقات دروسنا إلى ساحات مواجهة !! ولو فتح الأساتذة المحترمون هذا الباب لكان ذلك مبرراً لكل شخص أن يرسل جماعته لبحوث الآخرين ويصنع فوضى بينما الحوزة بحمد الله تقدس مساحات الدروس.. ولا أحد يقترب منها.. لكي يبقى الكل يشعر بالاطمئنان عند إلقاء بحثه.
ثالثاً: إن حضور الطلبة والفضلاء لدى شخص بدافع كشف ضعفه العلمي.. يحتاج بعض الأيام من الحضور المتواصل بينما يوضح مبناه ومراده بشكل كامل.. فإن المسألة الواحدة قد تستغرق شهراً كاملاً .. ومن الظلم الاعتراض عليه قبل بيان مراده الكامل (على الأقل هذا ما ربانا عليه الشيخ الأعظم في مكاسبه).
وخلال هذه المدة .. سيشاع لدى الجميع حضور الفاضل فلان .. لدى فلان الذي يدعي الاجتهاد (خصوصاً وبعضهم لديه مكتب إعلامي يصور وينشر حتى دبيب النملة ) ولن يكون الغرض الأصلي من الحضور محفوظاً في أذهان الناس.. بل سرعان ما ينسون .. وهذا يوجب الاشتباه واختلاط الأمر على البسطاء ويعزز شرعية المدعي في نظر بعضهم .. وهو أمر غير ضروري مع وجود التسجيلات والمطبوعات.
في النهاية.. الأمر يتعلق بمدى ثقتك بالعالم الذي تعتبره من أصحاب الخبرة.. فإن كنت تظن أنه شخص ورع ولا يتكلم بدون علم.. ستعرف أنه راجع وبحث وتأكد قبل إبداء رأيه.
السؤال (12): هل تشاركني صعوبة التصور.. أن مرجعية مكتملة الأركان مثل هذه لا يكون لها أساس من الصحة؟
هل اطلعت على الأرقام التي ذكرها الموقع؟
1. يحضر بحثه ألان أكثر من (200) من فضلاء وأساتذة الحوزة العلمية.
2. صدر اثنا عشر مجلداً (لحد الان) من فقه الخلاف.
3. عشرات المؤلفات ومئات الخطب والمحاضرات.
4. عشرات المشاريع والمؤسسات.
5. مكاتب وممثليات في أكثر من 30 دولة.
ثم نأتي وننسف كل هذا ونقول أن مرجعيته غير شرعية؟
الجواب:
من المؤسف التفكير بهذه الطريقة الميكافيلية.. وكأنه يُراد للحوزة الاستسلام لمبدأ الواقعية السياسية! والقبول بالأمر الواقع بقطع النظر عن شرعيته المستمدة من المعصوم عليه السلام.. واتفاقه مع القواعد والأصول الثابتة!!
منذ متى كانت كثرة الخدمات المقدمة باسم الدين.. تحدد عنوان صاحبها؟ أو تحدد شرعيته؟
الصرخي أيضاً كان شكل مرجعيته مكتمل الأركان وفيها من العمائم والمكاتب والرواتب الكثير.. فهل نهاب القول أن مرجعيته غير شرعية؟ وهل يقبل الشيخ مقارنة نفسه به؟
لقد تعلم الشيعة دروساً قاسيةً في وقت مبكر.. فأشخاص مثل علي بن أبي حمزة البطائني.. وابن أبي العزاقر الشلمغاني.. وأحمد بن هلال العبرتائي.. هؤلاء وغيرهم كانوا من المقدمين ووجوه أصحاب الأئمة عليهم السلام.. وكانت كتبهم في كل بيت شيعي.. وكان فقراء الشيعة يأكلون في بيوتهم.
لكن الحسد والأنا قضت عليهم.. وكفروا بعد إيمانهم.. وكان سبب سقوطهم المكرر هو الطمع بالمال أو اعتراضهم على تولي مناصب الوكالة من قبل أشخاص يرونهم أقل منهم (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ).
ولك أن تتخيل مكانتهم الاجتماعية الكبيرة.. إلى درجة أن الأخير منهم صدر فيه (تحذير) من الإمام ولي العصر روحي فداه.. ولكن بوصفه دون ذكر اسمه الصريح.. ومع ذلك فقد تردد الشيعة في قبول هذا التحذير وشككوا في نسبته إلى الإمام عليه السلام.. كما شككوا في أن يكون المقصود صاحبهم الذي يعرفونه ويقدسونه.. واضطر الإمام عليه السلام في النهاية إلى رسالة صريحة وشديدة اللهجة ليتضح لهم الأمر.
ويشبه ذلك.. حالة خادم الإمام ونائبه.. سماحة السيد السيستاني دام ظله.. فطالما حاول تجنب ذكر الأسماء الصريحة.. ولكن ذهنية المجتمع البسيطة وماكنة الآخرين القوية.. تضطره في النهاية إلى التسمية الصريحة.
قال العلامة المجلسي في البحار: (وكان ابتداء ذلك أن كتب عليه السلام إلى قوامه -وكلائه- بالعراق: (احذروا الصوفي المتصنع).
قال: وكان من شأن أحمد بن هلال أنه قد كان حج أربعاً وخمسين حجة عشرون منها على قدميه، قال: وكان رواة أصحابنا بالعراق لقوه وكتبوا منه.
فأنكروا ما ورد في مذمته، فحملوا القاسم بن العلا على أن يراجع في أمره.
فخرج إليه (أي خرج توقيع من الإمام):
(قَدْ كَانَ أَمْرُنَا نَفَذَ إِلَيْكَ فِي الْمُتَصَنِّعِ ابْنِ هِلَالٍ لَا رَحِمَهُ اللَّهُ، بِمَا قَدْ عَلِمْتَ لَمْ يَزَلْ لَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذَنْبَهُ وَ لَا أَقَالَهُ عَثْرَتَهُ يُدَاخِلُ فِي أَمْرِنَا بِلَا إِذْنٍ مِنَّا وَ لَا رِضًى، يَسْتَبِدُّ بِرَأْيِهِ، فَيَتَحَامَى مِنْ دُيُونِنَا، لَا يُمْضِى مِنْ أَمْرِنَا إِلَّا بِمَا يَهْوَاهُ).
فلاحظ كيف كان الجواب الثاني قوياً وواضحاً.. ولو أن الشيعة فهموا من أول الأمر لما احتاج الإمام إلى هذا المتمم.
ولكن ما يستحق الثناء من الشيعة هو موقفهم الحازم بعد أن اتضح الأمر.. ولو كانوا في ذلك الوقت يخضعون للواقعية السياسية.. ولا إرادة لديهم في مواجهة الخطأ لأنه (فرض نفسه وأصبح واقعاً) لانتهى المذهب الشيعي منذ تلك المرحلة.. ولأصبحت الحوزة مطية للسلطة.. ولما سمعنا بأشخاص مثل محمد باقر الصدر.. وعوائل مثل آل الحكيم وآل بحر العلوم.. وقفوا في وجه الخطأ ودفعوا ثمناً باهظاً لذلك.
وأنا هنا لا أقارن الشيخ اليعقوبي بمثل هذه الأخطار.. فهو حتى الآن لم يأخذ الناس باتجاه انحراف عقائدي في أصول الدين.. رغم هجومه المستمر على المرجعية وهتك حرمتها.. كما أن حجمه لا يشكل تهديداً من هذه الناحية.
لكن ما أريد التأكيد عليه.. هو أننا مدرسة شيدتها تضحيات الأئمة عليهم السلام.. ويأبى الله لها الخضوع والقبول بالخطأ بعنوان أنه (مكتمل الأركان وصار واقعاً).
ومهما كان مقدار الخدمات التي يقدمها الشخص.. ومهما اتسعت دائرته.. سيضل هذا أمراً منفصلاً تماماً عن شرعيته أو عدم شرعيته.
الوسائل الثلاث أم جميع العلماء.
المهم ان يفكر الإنسان بجوابه يوم القيامة.. إذا ما خالف شرطاً أو ترك شطراً مما كُلف به.. فالله يعبد من حيث يريد لا من حيث تريد.. وما دام الثابت أن قول المجتهد هو الحجة في زمن الغيبة .. ولا قول لسواه.. فلا شيء يمكن أن يكون بديلاً عن ذلك مهما طاوعه الواقع وواتته الظروف.
مئات المحاضرات للشيخ الوائلي لن تجعله مجتهداً .. دون أن يسلك الوسائل الثلاث.
عشرات المؤلفات لم تعط لقب آية الله للشيخ باقر شريف القرشي أو الشيخ محمد جواد مغنية أو الشيخ عبد الحسين الأميني.. دون سلوكهم الوسائل الثلاث.
عشرات المشاريع العملاقة والنوعية للسيد جواد الشهرستاني لن تمنحه لقب آية الله إلا بسلوك الوسائل الثلاث.
حلقات من 700 طالب من حضار دروس بعض مشايخنا الكرام .. لن تنفعه في إثبات الاجتهاد دون الوسائل الثلاث.
وكل مؤسسات السيد الخوئي قدس سره.. وكل مدارسه.. وألوف الطلاب الذين درسهم .. لا تعادل صفحة واحدة من تقريراته (أجود التقريرات) التي صعد بها وبأمثالها سلم الاجتهاد في أبكر أيامه.
هذه هي الحقيقة .. الله تعالى كلفنا بأمر محدد وسيسألنا عن ذلك الأمر المحدد.. ومن دون تكبيرة الإحرام لن تنفع ألف ألف ركعة.. ولن تسمى صلاة.
والوسائل الثلاث لإثبات الاجتهاد.. هي تكبيرة إحرام المرجعية والتصدي للتصرف بأموال الناس وأعراضهم وأرواحهم.
أما الانبهار والاعجاب بكثرة الخدمات.. والنظر لاكتمال الأركان الظاهرية للمرجعية.. فليس هو نجاة للإنسان.
ولا أنكر أن الشيخ اليعقوبي لديه محاضرات جيدة.. والشواهد التي يذكرها في محلها.. وعرضه للفكرة وتوضيحها جيد.. فهو على كل حال ابن الخطيب البارع الشيخ موسى اليعقوبي.. وحفيد شيخ الخطباء الشيخ محمد علي اليعقوبي رحمهما الله.. ولا غرابة أنه ورث بعض مهارتهما في عرض الفكرة وربما أضاف.. لكن الاجتهاد يحتاج إلى دليل.. فليس كل مفوه مجتهد!!
ويمكن القول أن حال الشيخ اليعقوبي في ذلك حال الشيخ حبيب الكاظمي.. أو السيد هادي المدرسي.. وغيرهم من المحاضرين الذين يقدمون عرضاً ممتازاً في محاضراتهم.. بغض النظر عن الملاحظات هنا وهناك.. ولكن الكلام في الإطار الفني.
وإذا كان الإعجاب بالشيخ من جهة طرحه لمسائل أكاديمية في محاضراته.. فلعمري والشهادة لله أن محاضرات الشيخ مرتضى فرج والشيخ محمد السند أفضل بمراحل من هذه الناحية.. وهما من خريجي جامعات لندن المعروفة بمستواها الجيد.
ومع ذلك فكل هذه الأسماء لم تدع معشار ما ادعاه الشيخ من الأعلمية وولاية الأمة.. فالإعجاب بالمحاضرات والتأثر بالكلام ليس عذراً يُقدم لله تعالى.
وكيفما كان .. لعل في قصة (درهم شطيطة) ما يعطي الإنسان لمحة لفهم طريقة الدين.. وأنه يركز على النوعية الصادقة.. وليس الكمية المبنية على أساس غير شرعي.. مهما كبر حجمها.
(إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
السؤال (13): ولكن هل هذا التشدد في قبول اجتهاد الآخرين صحيح؟ على مقاييسكم هذه فلا يوجد مجتهد في النجف إلا بعض المراجع !! فهل من المعقول أن حوزة عمرها ألف سنة.. عقمت عن إنجاب المجتهدين منذ ثلاثين سنة ؟!
الجواب:
أول الأمر.. دعني أنقل لك مقاطع مما قاله الشيخ اليعقوبي حول هذا الموضوع .. ثم نعود لمناقشته: (أسجل هذه الشقشقة المؤلمة، أكثر من ثلاثين عاماً مرت على الحوزة النجفية لم نسمع أنها منحت أجازة اجتهاد، فهل عقمت الحوزة النجفية عن إنتاج مجتهد؟ خو خل تعلن إفلاسها وتقول نحن فاشلون.... إذن المسألة فيها شيء من علامات الاستفهام وعدم الإنصاف وعدم الموضوعية.... الأجيال السابقون كانوا منصفين.... هل من المعقول أن تعقم حوزة النجف عن إنجاب مجتهدين منذ أكثر من ثلاثين عاماً؟.. أم أن دوافع نفسية وراء ذلك ؟! ...)
ولديَّ هنا خمس ملاحظات:
أولاً: (كالعادة.. الاتهام سيد الموقف)!
التفسير الوحيد لدى الشيخ اليعقوبي دائماً هو سوء الظن ( علامات استفهام.. عدم إنصاف.. عدم موضوعية.. دوافع نفسية..).. ولا يوجد مجال لحسن الظن بأن يكون (حرص على الحوزة.. دقة علمية.. عدم مجاملة على حساب الحق).. هذه كلها لا تخطر على بال سماحته!!
منطق الرجل بكل بساطة.. إما أن تعطوني إجازة اجتهاد.. أو أنتم كذا وكذا.. بهذه الطريقة وهذه الهجومات المتتالية يريد الشيخ أن ينتزع الاعتراف به !! ولا يزداد بذلك إلا بُعدا.
يعلم الله أني في بعض الأحيان أصدم ولا أستطيع استيعاب ما أراه!! لماذا يحرص رجل معمم على تغذية عقول الشباب الذين يصدقونه ويثقون به.. بأن هناك طاقات وإبداعات في الحوزة يحاول المجتمع العلمي قمعها وإفشالها؟
لمصلحة من؟ يرسم هذه النظرة السوداوية عن الحوزة في أفكار الناس؟ كل هذا ليبرر عجزه عن إنتاج بحوث لائقة بدرجة الاجتهاد!
كل هذا.. ليقول وصلتُ ولكنهم منعوني ولم يعترفوا بي؟
هل نبيض وجوهنا بسواد وجه الحوزة ؟ وهي عرضنا وشرفنا وكرامتنا وبيت إمام زماننا نحن طلبة العلم!!!
ثانياً: (وجود المجتهد مرهون بالموارد البشرية).
ثم اعلم.. أنه لايوجد وعدٌ الهي بوجود مجتهد كل سنة أو عشر سنوات أو ثلاثين سنة .. وليس هذا بالضرورة منوطاً بالمناهج الدراسية والظروف التعليمية وحدها لنقول أن عدم الانتاج يعني دليل فشلها.
بل هو منوط -بدرجة أكبر- بوجود قابليات واستعدادات الطلاب .. فإذا تفاعل المجتمع وضخ الطاقات البشرية في الحوزة.. ودرس وتفوق من به القدرة والكفاية منهم.. أنتجت الحوزة مجتهدين بمختلف المستويات.. وإذا أحجم المجتمع وفقد نظرته القدسية وتوقف عن إرسال أولاده الأذكياء إلى الحوزة.. -ربما- بسبب تشكيك بعض الناس بالحوزة والهجوم المتكرر عليها بأنها بلا إنصاف ولا موضوعية.. وأنها فاشلة (ولا يأتيها إلا الفاشل دراسياً باستثناء خطنا) فمن الطبيعي أن يتقلص وجود الطلبة عموماً.. فضلاً عن المجتهدين.. بصنيع هذا الهجوم المستمر.
ثالثاً: (عن أي ثلاثين سنة نتحدث؟).
أريد في هذه النقطة أن أندب مصاب الحوزة وآلامها.. وأكون صريحاً في كلامي مع الشيخ.
عن أي ثلاثين سنة تسألون يا شيخنا؟ عن ما بعد سنة 1980 ؟؟ أم سنة 1990 ؟؟ ألم تكن في بغداد وتتابع أخبار كل ذلك النزيف؟ ألم تكن النجف تعج بالمجتهدين والفضلاء والطلبة الذين كان كل واحد منهم مشروعاً لخدمة الدين بحد نفسه؟!
كانت حوزة النجف قبل أن يضربها النظام العفلقي بضربات مميتة .. على وشك أن تصل لمرحلة من النشاط تخرج فيها عشرات المجتهدين خلال العقد الواحد وليس الثلاثين سنة!
كانت حوزة النجف قد بلغت من النشاط أنها ستكون مستعدة لإرسال الوكلاء إلى المدن.. من طبقة المجتهدين!
فأين العلماء الشباب من آل بحر العلوم! وأين العلماء الشباب من آل الحكيم.. وأين العلماء الشباب من آل الخرسان.. وآل شبر.. وآل الحلو.. وآل الخلخالي.. وآل الخوئي.. وآل الجواهري.. أين الصفوة من طلبة العشائر العراقية وخطبائها من آل الحلفي والساعدي والربيعي والكعبي ووو الذين ذابت أشلاؤهم في أحواض التيزاب ؟! ماذا لو بقي هؤلاء رصيداً للحوزة؟
وصوب نظرك إلى قم المقدسة؟ وانظر من ترك النجف مكرهاً ولاذ بكريمة أهل البيت عليها السلام.. ولو بقي في النجف خلال هذه الثلاثين سنة التي تسألون عنها يا شيخنا.. لكان من أعلامها لا من أعلام قم المقدسة صانها الله من كل سوء.. أليس السيد علي الميلاني مجتهداً؟ أليس السيد أحمد المددي مجتهداً؟ أليس الشيخ مصطفى الهرندي مجتهداً؟ ألم يكونوا من فلذات كبد النجف وآوتهم قم؟
فعن أي ثلاثين سنة تتحدثون ؟! وكأنكم تحسبون علينا بقلب بارد.. أن قلة المجتهدين فشل للحوزة ؟!!
هل جزاء كل هذا الألم الذي تحملته الحوزة.. وجزاء المراجع الذي صبروا وثبتوا في مكانهم ولم يغادروا العراق.. وفضلوا انتظار الموت في أي لحظة على أن يتركوا الحوزة.. وقدموا السبزواري والبروجري والغروي والصدر ومحاولات اغتيال السيستاني ووو
هل جزاؤهم أن يتم اتهامهم بالفشل بهذه الصورة!!!
ألا تكفيكم يا شيخنا كل هذه الدماء في ثلاثين سنة لتمسحوا بها (علامات الاستفهام) التي ترمون بها الحوزة؟ وتخرجوا بنتيجة أنها فاشلة؟
رابعاً: (فشل النظام الدراسي.. أم فشل فهمه؟)
إن أصل المفهوم الذي طرحه الشيخ مبني على وهم.. أو مغالطة متعمدة -مع الاعتذار- ومن قال أن الحوزة لم تنتج مجتهدين ؟!
إن كان يريد شهادات منشورة.. فمنذ متى كانت (إجازة الاجتهاد الخطية) مؤشراً على أنتاج الحوزة للمجتهدين؟! وهل ألزمت الحوزة نفسها يوماً بوجود الإجازات الخطية ؟ وهل من عالم أو حتى نصف عالم .. اشترط وجودها في النظام الدراسي.. ليقول الشيخ أن غيابها يعني فشل الحوزة ؟!
أليس هذا الكلام يعني العكس.. ويظهر فشلاً في فهم النظام الدراسي؟
ألم نذكر في جواب السؤال (4) ما أفاده السيد الصدر بأن الإجازة كاشفة عن الواقع وليست موجدة له؟ فإذا كان الواقع منكشفاً بالوسائل الثلاث دون حاجة للإجازة.. والنظام يعمل وينتج المجتهدين.. فما وجه هذا الادعاء بضرورة الإجازة.. وكأن غيابها يعني توقف النظام؟
نكرر للمرة الرابعة: أن المهم في الحوزة هو (الشياع والإقرار والاعتراف بالاجتهاد) الذي يحصل عليه أستاذ البحث الخارج.. بين زملائه وأساتذته وطلبته.. فأنت عندما تدخل الحوزة وتسأل عن أكبر حلقات البحث الخارج.. ويقال لك أكبرها خمس أو ست.. وتذهب إليهم وتسألهم بشكل مباشر.. (هل فلان مجتهد ؟؟) عند ذلك تكون سلكت الطريق الصحيح.. ولن يؤثر عندها إن كان فلان يملك ورقة في جيبه تسمى إجازة أم لا.
فهذا آية الله العظمى الشيخ جواد التبريزي قدس سره.. هل لديه إجازة اجتهاد؟ كلا .. لكن ما حاجته إليها مع هذا الصرح العلمي الذي شيده من النظريات والأطروحات ؟.. وصارت الحوزة كلها تنظر إليه وتعترف به.
وهذا أستاذه وأستاذ الفقهاء السيد الخوئي قدس سره.. كتب الكثير من التقريظات.. وربى الكثير من التلاميذ.. فلم يكتب اجازة اجتهاد إلا نادراً.. فهل يقال أن النخبة من تلاميذه ليسوا مجتهدين لأنهم بلا اجازات ؟ إن كان كذلك فعلى الحوزة السلام.
وبرأيي القاصر فإن التعويل على الشياع.. بما يعنيه من المعرفة المتبادلة بين أفراد الحوزة والتواصل البشري بينهم بشكل مباشر.. والتقييم المستمر للمواقف بصورة يومية.. يعطي الحوزة منعة وحصانة كبيرة عن الاختراق.. أفضل من روقة واحدة.. تُكتب في لحظة ما.. وقد يتغير بعدها الكثير.
ولذلك عندما تسمعون بعض الاخوة يطالب الشيخ اليعقوبي باجازة اجتهاد.. فهو لا يقصد أنها ضرورية.. بل بالعكس.. هو يطالبه بأقل وأصغر وأبسط طرق إثبات الاجتهاد.. وهي مجرد ورقة تعتبر شهادة من شخص معتبر ويُحتج بكلامه.. أما أمثال محمد باقر الصدر من العباقرة.. فلا حاجة لهم بكل هذا.. لأن الوسائل الثلاث تحملهم على أجنحتها.
وكالعادة.. عبارة غامضة تحتمل أكثر من تفسير.. السيد كان يعتبره مرجعية واعدة.. والراوي اثنان من العلماء المقربين (لانعرفهم) والسيد قال لرئيس تحرير المجلة ما معناه (أنشر أبحاث الشيخ اليعقوبي في قسم البحوث الاجتهادية لكي تفهم الناس بذكائها وفطنتها أنني أعتبره مجتهداً!!!).
بالله عليكم ما هذا؟ هل هذا دليل؟ هل هذا حجة نقدمها أمام الله؟ هل براءة الذمة من الأحكام الشرعية صارت بتقليدٍ يأتي بهذه الطريقة التلميحية؟ وما الذي منع السيد الشاهرودي من الشهادة باجتهاده؟ بورقة أو محاضرة أو أي شيء؟ هل يسع الإخوة اتهام السيد الشاهرودي أيضاً بأنه كان خاضعاً لتأثير مكتب السيد السيستاني كما اتهموا الشيخ محمد الجواهري؟ لا أعرف أين تنتهي سلسلة الاحتمالات والأسئلة!!
يوجد نظير للشيخ اليعقوبي.
وفي ختام هذه الشواهد.. أقول: يوجد اليوم في لبنان شخص آخر يدعي الاجتهاد اسمه (آية الله العظمى محمد جميل حمود العاملي) سألوه هل يوجد لديك اجازة اجتهاد خطية؟ فأجاب بكلمات سأنقلها لك بالنص.. ثم وأنت تقرأ هذه الكلمات.. سترى حجم التطابق بينها وبين ما يقوله الشيخ اليعقوبي.. قال:
(نعم لدينا إجازة خطية... من أحد المجتهدين... ممن نالوا درجة الإجتهاد... من بعض الفقهاء في إيران... كما لدينا العديد من الإجازات الشفهية التي نوهت باجتهادنا بفضل الله تعالى والحجج الأطهار (سلام الله عليهم) من قبل فقهاء في العالم الشيعي كقم والنجف وكربلاء وبيروت كالشيخ العلامة حسن طراد عندما أبهره بحثنا الفقهي في حرمة الغناء في العرس ووصفنا (وأنا كلب آل محمد يلحس قصاعهم العلمية ) بنابغة الزمان لأننا حللنا اللغز الذي حار فيه فقهاء الشيعة منذ عصر الطوسي إلى يومنا هذا..كما أنه قد أطبقت شهرتنا الفقهية في الحاضرة العلمية الشيعية من دون منازع، والفضل لله تبارك اسمه ولحججه الأطهار (سلام الله عليهم) ... إذا لم يثبت لديك اجتهادنا وفقاهتنا فلماذا تتعب نفسك باستفتائنا والتفقه بالدين من خلالنا..؟!).
ولا أعرف ما هي أفضلية الشيخ اليعقوبي على هذا الشيخ إذا كان المنطق واحداً؟ والطريقة واحدة والحجج واحدة.. ولماذا يجب تقليد هذا وليس ذاك .. إذا كان الجميع يسطر الادعاءات؟.
السؤال (11): لماذا لا تحضرون بحثه وتتأكدوا من مستواه.. وتردون عليه في مجلس درسه؟
الجواب:
هذه دعوة صريحة لفتح حلبة ملاكمة.. وإذا كان هذا هو المطلوب فالسؤال الذي يجب أن نسأله نحن هذه المرة.. هل يدرك الذين يقترحون هذه الأمور أنهم يحرجون الشيخ أكثر من إحراجهم للآخرين؟!
لأنك اذا كنت تعتقد بأن الطريقة الوحيدة لتقييم البحوث هي الحضور المباشر.. فقد أسقطت جميع الشهادات والمدائح التي تلقاها الشيخ اليعقوبي ممن لم يحضروا عنده!!
وعلى كل حال يمكن الجواب بثلاث نقاط.. وأتصور أنها كافية لمن يريد الحفاظ على وقار الحوزة واحترامها:
أولاً: إذا كان الهدف بيان ضعفه العلمي وعدم أهليته للإفتاء (وليس إراقة ماء وجهه والعياذ بالله) فهذا يحصل من خلال متابعة دروسه ومطالعة بحوثه ولا حاجة لأكثر من ذلك (وهو حاصل).
ثانياً: نعوذ بالله أن تتحول بحوثنا وحلقات دروسنا إلى ساحات مواجهة !! ولو فتح الأساتذة المحترمون هذا الباب لكان ذلك مبرراً لكل شخص أن يرسل جماعته لبحوث الآخرين ويصنع فوضى بينما الحوزة بحمد الله تقدس مساحات الدروس.. ولا أحد يقترب منها.. لكي يبقى الكل يشعر بالاطمئنان عند إلقاء بحثه.
ثالثاً: إن حضور الطلبة والفضلاء لدى شخص بدافع كشف ضعفه العلمي.. يحتاج بعض الأيام من الحضور المتواصل بينما يوضح مبناه ومراده بشكل كامل.. فإن المسألة الواحدة قد تستغرق شهراً كاملاً .. ومن الظلم الاعتراض عليه قبل بيان مراده الكامل (على الأقل هذا ما ربانا عليه الشيخ الأعظم في مكاسبه).
وخلال هذه المدة .. سيشاع لدى الجميع حضور الفاضل فلان .. لدى فلان الذي يدعي الاجتهاد (خصوصاً وبعضهم لديه مكتب إعلامي يصور وينشر حتى دبيب النملة ) ولن يكون الغرض الأصلي من الحضور محفوظاً في أذهان الناس.. بل سرعان ما ينسون .. وهذا يوجب الاشتباه واختلاط الأمر على البسطاء ويعزز شرعية المدعي في نظر بعضهم .. وهو أمر غير ضروري مع وجود التسجيلات والمطبوعات.
في النهاية.. الأمر يتعلق بمدى ثقتك بالعالم الذي تعتبره من أصحاب الخبرة.. فإن كنت تظن أنه شخص ورع ولا يتكلم بدون علم.. ستعرف أنه راجع وبحث وتأكد قبل إبداء رأيه.
السؤال (12): هل تشاركني صعوبة التصور.. أن مرجعية مكتملة الأركان مثل هذه لا يكون لها أساس من الصحة؟
هل اطلعت على الأرقام التي ذكرها الموقع؟
1. يحضر بحثه ألان أكثر من (200) من فضلاء وأساتذة الحوزة العلمية.
2. صدر اثنا عشر مجلداً (لحد الان) من فقه الخلاف.
3. عشرات المؤلفات ومئات الخطب والمحاضرات.
4. عشرات المشاريع والمؤسسات.
5. مكاتب وممثليات في أكثر من 30 دولة.
ثم نأتي وننسف كل هذا ونقول أن مرجعيته غير شرعية؟
الجواب:
من المؤسف التفكير بهذه الطريقة الميكافيلية.. وكأنه يُراد للحوزة الاستسلام لمبدأ الواقعية السياسية! والقبول بالأمر الواقع بقطع النظر عن شرعيته المستمدة من المعصوم عليه السلام.. واتفاقه مع القواعد والأصول الثابتة!!
منذ متى كانت كثرة الخدمات المقدمة باسم الدين.. تحدد عنوان صاحبها؟ أو تحدد شرعيته؟
الصرخي أيضاً كان شكل مرجعيته مكتمل الأركان وفيها من العمائم والمكاتب والرواتب الكثير.. فهل نهاب القول أن مرجعيته غير شرعية؟ وهل يقبل الشيخ مقارنة نفسه به؟
لقد تعلم الشيعة دروساً قاسيةً في وقت مبكر.. فأشخاص مثل علي بن أبي حمزة البطائني.. وابن أبي العزاقر الشلمغاني.. وأحمد بن هلال العبرتائي.. هؤلاء وغيرهم كانوا من المقدمين ووجوه أصحاب الأئمة عليهم السلام.. وكانت كتبهم في كل بيت شيعي.. وكان فقراء الشيعة يأكلون في بيوتهم.
لكن الحسد والأنا قضت عليهم.. وكفروا بعد إيمانهم.. وكان سبب سقوطهم المكرر هو الطمع بالمال أو اعتراضهم على تولي مناصب الوكالة من قبل أشخاص يرونهم أقل منهم (قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ).
ولك أن تتخيل مكانتهم الاجتماعية الكبيرة.. إلى درجة أن الأخير منهم صدر فيه (تحذير) من الإمام ولي العصر روحي فداه.. ولكن بوصفه دون ذكر اسمه الصريح.. ومع ذلك فقد تردد الشيعة في قبول هذا التحذير وشككوا في نسبته إلى الإمام عليه السلام.. كما شككوا في أن يكون المقصود صاحبهم الذي يعرفونه ويقدسونه.. واضطر الإمام عليه السلام في النهاية إلى رسالة صريحة وشديدة اللهجة ليتضح لهم الأمر.
ويشبه ذلك.. حالة خادم الإمام ونائبه.. سماحة السيد السيستاني دام ظله.. فطالما حاول تجنب ذكر الأسماء الصريحة.. ولكن ذهنية المجتمع البسيطة وماكنة الآخرين القوية.. تضطره في النهاية إلى التسمية الصريحة.
قال العلامة المجلسي في البحار: (وكان ابتداء ذلك أن كتب عليه السلام إلى قوامه -وكلائه- بالعراق: (احذروا الصوفي المتصنع).
قال: وكان من شأن أحمد بن هلال أنه قد كان حج أربعاً وخمسين حجة عشرون منها على قدميه، قال: وكان رواة أصحابنا بالعراق لقوه وكتبوا منه.
فأنكروا ما ورد في مذمته، فحملوا القاسم بن العلا على أن يراجع في أمره.
فخرج إليه (أي خرج توقيع من الإمام):
(قَدْ كَانَ أَمْرُنَا نَفَذَ إِلَيْكَ فِي الْمُتَصَنِّعِ ابْنِ هِلَالٍ لَا رَحِمَهُ اللَّهُ، بِمَا قَدْ عَلِمْتَ لَمْ يَزَلْ لَا غَفَرَ اللَّهُ لَهُ ذَنْبَهُ وَ لَا أَقَالَهُ عَثْرَتَهُ يُدَاخِلُ فِي أَمْرِنَا بِلَا إِذْنٍ مِنَّا وَ لَا رِضًى، يَسْتَبِدُّ بِرَأْيِهِ، فَيَتَحَامَى مِنْ دُيُونِنَا، لَا يُمْضِى مِنْ أَمْرِنَا إِلَّا بِمَا يَهْوَاهُ).
فلاحظ كيف كان الجواب الثاني قوياً وواضحاً.. ولو أن الشيعة فهموا من أول الأمر لما احتاج الإمام إلى هذا المتمم.
ولكن ما يستحق الثناء من الشيعة هو موقفهم الحازم بعد أن اتضح الأمر.. ولو كانوا في ذلك الوقت يخضعون للواقعية السياسية.. ولا إرادة لديهم في مواجهة الخطأ لأنه (فرض نفسه وأصبح واقعاً) لانتهى المذهب الشيعي منذ تلك المرحلة.. ولأصبحت الحوزة مطية للسلطة.. ولما سمعنا بأشخاص مثل محمد باقر الصدر.. وعوائل مثل آل الحكيم وآل بحر العلوم.. وقفوا في وجه الخطأ ودفعوا ثمناً باهظاً لذلك.
وأنا هنا لا أقارن الشيخ اليعقوبي بمثل هذه الأخطار.. فهو حتى الآن لم يأخذ الناس باتجاه انحراف عقائدي في أصول الدين.. رغم هجومه المستمر على المرجعية وهتك حرمتها.. كما أن حجمه لا يشكل تهديداً من هذه الناحية.
لكن ما أريد التأكيد عليه.. هو أننا مدرسة شيدتها تضحيات الأئمة عليهم السلام.. ويأبى الله لها الخضوع والقبول بالخطأ بعنوان أنه (مكتمل الأركان وصار واقعاً).
ومهما كان مقدار الخدمات التي يقدمها الشخص.. ومهما اتسعت دائرته.. سيضل هذا أمراً منفصلاً تماماً عن شرعيته أو عدم شرعيته.
الوسائل الثلاث أم جميع العلماء.
المهم ان يفكر الإنسان بجوابه يوم القيامة.. إذا ما خالف شرطاً أو ترك شطراً مما كُلف به.. فالله يعبد من حيث يريد لا من حيث تريد.. وما دام الثابت أن قول المجتهد هو الحجة في زمن الغيبة .. ولا قول لسواه.. فلا شيء يمكن أن يكون بديلاً عن ذلك مهما طاوعه الواقع وواتته الظروف.
مئات المحاضرات للشيخ الوائلي لن تجعله مجتهداً .. دون أن يسلك الوسائل الثلاث.
عشرات المؤلفات لم تعط لقب آية الله للشيخ باقر شريف القرشي أو الشيخ محمد جواد مغنية أو الشيخ عبد الحسين الأميني.. دون سلوكهم الوسائل الثلاث.
عشرات المشاريع العملاقة والنوعية للسيد جواد الشهرستاني لن تمنحه لقب آية الله إلا بسلوك الوسائل الثلاث.
حلقات من 700 طالب من حضار دروس بعض مشايخنا الكرام .. لن تنفعه في إثبات الاجتهاد دون الوسائل الثلاث.
وكل مؤسسات السيد الخوئي قدس سره.. وكل مدارسه.. وألوف الطلاب الذين درسهم .. لا تعادل صفحة واحدة من تقريراته (أجود التقريرات) التي صعد بها وبأمثالها سلم الاجتهاد في أبكر أيامه.
هذه هي الحقيقة .. الله تعالى كلفنا بأمر محدد وسيسألنا عن ذلك الأمر المحدد.. ومن دون تكبيرة الإحرام لن تنفع ألف ألف ركعة.. ولن تسمى صلاة.
والوسائل الثلاث لإثبات الاجتهاد.. هي تكبيرة إحرام المرجعية والتصدي للتصرف بأموال الناس وأعراضهم وأرواحهم.
أما الانبهار والاعجاب بكثرة الخدمات.. والنظر لاكتمال الأركان الظاهرية للمرجعية.. فليس هو نجاة للإنسان.
ولا أنكر أن الشيخ اليعقوبي لديه محاضرات جيدة.. والشواهد التي يذكرها في محلها.. وعرضه للفكرة وتوضيحها جيد.. فهو على كل حال ابن الخطيب البارع الشيخ موسى اليعقوبي.. وحفيد شيخ الخطباء الشيخ محمد علي اليعقوبي رحمهما الله.. ولا غرابة أنه ورث بعض مهارتهما في عرض الفكرة وربما أضاف.. لكن الاجتهاد يحتاج إلى دليل.. فليس كل مفوه مجتهد!!
ويمكن القول أن حال الشيخ اليعقوبي في ذلك حال الشيخ حبيب الكاظمي.. أو السيد هادي المدرسي.. وغيرهم من المحاضرين الذين يقدمون عرضاً ممتازاً في محاضراتهم.. بغض النظر عن الملاحظات هنا وهناك.. ولكن الكلام في الإطار الفني.
وإذا كان الإعجاب بالشيخ من جهة طرحه لمسائل أكاديمية في محاضراته.. فلعمري والشهادة لله أن محاضرات الشيخ مرتضى فرج والشيخ محمد السند أفضل بمراحل من هذه الناحية.. وهما من خريجي جامعات لندن المعروفة بمستواها الجيد.
ومع ذلك فكل هذه الأسماء لم تدع معشار ما ادعاه الشيخ من الأعلمية وولاية الأمة.. فالإعجاب بالمحاضرات والتأثر بالكلام ليس عذراً يُقدم لله تعالى.
وكيفما كان .. لعل في قصة (درهم شطيطة) ما يعطي الإنسان لمحة لفهم طريقة الدين.. وأنه يركز على النوعية الصادقة.. وليس الكمية المبنية على أساس غير شرعي.. مهما كبر حجمها.
(إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ).
السؤال (13): ولكن هل هذا التشدد في قبول اجتهاد الآخرين صحيح؟ على مقاييسكم هذه فلا يوجد مجتهد في النجف إلا بعض المراجع !! فهل من المعقول أن حوزة عمرها ألف سنة.. عقمت عن إنجاب المجتهدين منذ ثلاثين سنة ؟!
الجواب:
أول الأمر.. دعني أنقل لك مقاطع مما قاله الشيخ اليعقوبي حول هذا الموضوع .. ثم نعود لمناقشته: (أسجل هذه الشقشقة المؤلمة، أكثر من ثلاثين عاماً مرت على الحوزة النجفية لم نسمع أنها منحت أجازة اجتهاد، فهل عقمت الحوزة النجفية عن إنتاج مجتهد؟ خو خل تعلن إفلاسها وتقول نحن فاشلون.... إذن المسألة فيها شيء من علامات الاستفهام وعدم الإنصاف وعدم الموضوعية.... الأجيال السابقون كانوا منصفين.... هل من المعقول أن تعقم حوزة النجف عن إنجاب مجتهدين منذ أكثر من ثلاثين عاماً؟.. أم أن دوافع نفسية وراء ذلك ؟! ...)
ولديَّ هنا خمس ملاحظات:
أولاً: (كالعادة.. الاتهام سيد الموقف)!
التفسير الوحيد لدى الشيخ اليعقوبي دائماً هو سوء الظن ( علامات استفهام.. عدم إنصاف.. عدم موضوعية.. دوافع نفسية..).. ولا يوجد مجال لحسن الظن بأن يكون (حرص على الحوزة.. دقة علمية.. عدم مجاملة على حساب الحق).. هذه كلها لا تخطر على بال سماحته!!
منطق الرجل بكل بساطة.. إما أن تعطوني إجازة اجتهاد.. أو أنتم كذا وكذا.. بهذه الطريقة وهذه الهجومات المتتالية يريد الشيخ أن ينتزع الاعتراف به !! ولا يزداد بذلك إلا بُعدا.
يعلم الله أني في بعض الأحيان أصدم ولا أستطيع استيعاب ما أراه!! لماذا يحرص رجل معمم على تغذية عقول الشباب الذين يصدقونه ويثقون به.. بأن هناك طاقات وإبداعات في الحوزة يحاول المجتمع العلمي قمعها وإفشالها؟
لمصلحة من؟ يرسم هذه النظرة السوداوية عن الحوزة في أفكار الناس؟ كل هذا ليبرر عجزه عن إنتاج بحوث لائقة بدرجة الاجتهاد!
كل هذا.. ليقول وصلتُ ولكنهم منعوني ولم يعترفوا بي؟
هل نبيض وجوهنا بسواد وجه الحوزة ؟ وهي عرضنا وشرفنا وكرامتنا وبيت إمام زماننا نحن طلبة العلم!!!
ثانياً: (وجود المجتهد مرهون بالموارد البشرية).
ثم اعلم.. أنه لايوجد وعدٌ الهي بوجود مجتهد كل سنة أو عشر سنوات أو ثلاثين سنة .. وليس هذا بالضرورة منوطاً بالمناهج الدراسية والظروف التعليمية وحدها لنقول أن عدم الانتاج يعني دليل فشلها.
بل هو منوط -بدرجة أكبر- بوجود قابليات واستعدادات الطلاب .. فإذا تفاعل المجتمع وضخ الطاقات البشرية في الحوزة.. ودرس وتفوق من به القدرة والكفاية منهم.. أنتجت الحوزة مجتهدين بمختلف المستويات.. وإذا أحجم المجتمع وفقد نظرته القدسية وتوقف عن إرسال أولاده الأذكياء إلى الحوزة.. -ربما- بسبب تشكيك بعض الناس بالحوزة والهجوم المتكرر عليها بأنها بلا إنصاف ولا موضوعية.. وأنها فاشلة (ولا يأتيها إلا الفاشل دراسياً باستثناء خطنا) فمن الطبيعي أن يتقلص وجود الطلبة عموماً.. فضلاً عن المجتهدين.. بصنيع هذا الهجوم المستمر.
ثالثاً: (عن أي ثلاثين سنة نتحدث؟).
أريد في هذه النقطة أن أندب مصاب الحوزة وآلامها.. وأكون صريحاً في كلامي مع الشيخ.
عن أي ثلاثين سنة تسألون يا شيخنا؟ عن ما بعد سنة 1980 ؟؟ أم سنة 1990 ؟؟ ألم تكن في بغداد وتتابع أخبار كل ذلك النزيف؟ ألم تكن النجف تعج بالمجتهدين والفضلاء والطلبة الذين كان كل واحد منهم مشروعاً لخدمة الدين بحد نفسه؟!
كانت حوزة النجف قبل أن يضربها النظام العفلقي بضربات مميتة .. على وشك أن تصل لمرحلة من النشاط تخرج فيها عشرات المجتهدين خلال العقد الواحد وليس الثلاثين سنة!
كانت حوزة النجف قد بلغت من النشاط أنها ستكون مستعدة لإرسال الوكلاء إلى المدن.. من طبقة المجتهدين!
فأين العلماء الشباب من آل بحر العلوم! وأين العلماء الشباب من آل الحكيم.. وأين العلماء الشباب من آل الخرسان.. وآل شبر.. وآل الحلو.. وآل الخلخالي.. وآل الخوئي.. وآل الجواهري.. أين الصفوة من طلبة العشائر العراقية وخطبائها من آل الحلفي والساعدي والربيعي والكعبي ووو الذين ذابت أشلاؤهم في أحواض التيزاب ؟! ماذا لو بقي هؤلاء رصيداً للحوزة؟
وصوب نظرك إلى قم المقدسة؟ وانظر من ترك النجف مكرهاً ولاذ بكريمة أهل البيت عليها السلام.. ولو بقي في النجف خلال هذه الثلاثين سنة التي تسألون عنها يا شيخنا.. لكان من أعلامها لا من أعلام قم المقدسة صانها الله من كل سوء.. أليس السيد علي الميلاني مجتهداً؟ أليس السيد أحمد المددي مجتهداً؟ أليس الشيخ مصطفى الهرندي مجتهداً؟ ألم يكونوا من فلذات كبد النجف وآوتهم قم؟
فعن أي ثلاثين سنة تتحدثون ؟! وكأنكم تحسبون علينا بقلب بارد.. أن قلة المجتهدين فشل للحوزة ؟!!
هل جزاء كل هذا الألم الذي تحملته الحوزة.. وجزاء المراجع الذي صبروا وثبتوا في مكانهم ولم يغادروا العراق.. وفضلوا انتظار الموت في أي لحظة على أن يتركوا الحوزة.. وقدموا السبزواري والبروجري والغروي والصدر ومحاولات اغتيال السيستاني ووو
هل جزاؤهم أن يتم اتهامهم بالفشل بهذه الصورة!!!
ألا تكفيكم يا شيخنا كل هذه الدماء في ثلاثين سنة لتمسحوا بها (علامات الاستفهام) التي ترمون بها الحوزة؟ وتخرجوا بنتيجة أنها فاشلة؟
رابعاً: (فشل النظام الدراسي.. أم فشل فهمه؟)
إن أصل المفهوم الذي طرحه الشيخ مبني على وهم.. أو مغالطة متعمدة -مع الاعتذار- ومن قال أن الحوزة لم تنتج مجتهدين ؟!
إن كان يريد شهادات منشورة.. فمنذ متى كانت (إجازة الاجتهاد الخطية) مؤشراً على أنتاج الحوزة للمجتهدين؟! وهل ألزمت الحوزة نفسها يوماً بوجود الإجازات الخطية ؟ وهل من عالم أو حتى نصف عالم .. اشترط وجودها في النظام الدراسي.. ليقول الشيخ أن غيابها يعني فشل الحوزة ؟!
أليس هذا الكلام يعني العكس.. ويظهر فشلاً في فهم النظام الدراسي؟
ألم نذكر في جواب السؤال (4) ما أفاده السيد الصدر بأن الإجازة كاشفة عن الواقع وليست موجدة له؟ فإذا كان الواقع منكشفاً بالوسائل الثلاث دون حاجة للإجازة.. والنظام يعمل وينتج المجتهدين.. فما وجه هذا الادعاء بضرورة الإجازة.. وكأن غيابها يعني توقف النظام؟
نكرر للمرة الرابعة: أن المهم في الحوزة هو (الشياع والإقرار والاعتراف بالاجتهاد) الذي يحصل عليه أستاذ البحث الخارج.. بين زملائه وأساتذته وطلبته.. فأنت عندما تدخل الحوزة وتسأل عن أكبر حلقات البحث الخارج.. ويقال لك أكبرها خمس أو ست.. وتذهب إليهم وتسألهم بشكل مباشر.. (هل فلان مجتهد ؟؟) عند ذلك تكون سلكت الطريق الصحيح.. ولن يؤثر عندها إن كان فلان يملك ورقة في جيبه تسمى إجازة أم لا.
فهذا آية الله العظمى الشيخ جواد التبريزي قدس سره.. هل لديه إجازة اجتهاد؟ كلا .. لكن ما حاجته إليها مع هذا الصرح العلمي الذي شيده من النظريات والأطروحات ؟.. وصارت الحوزة كلها تنظر إليه وتعترف به.
وهذا أستاذه وأستاذ الفقهاء السيد الخوئي قدس سره.. كتب الكثير من التقريظات.. وربى الكثير من التلاميذ.. فلم يكتب اجازة اجتهاد إلا نادراً.. فهل يقال أن النخبة من تلاميذه ليسوا مجتهدين لأنهم بلا اجازات ؟ إن كان كذلك فعلى الحوزة السلام.
وبرأيي القاصر فإن التعويل على الشياع.. بما يعنيه من المعرفة المتبادلة بين أفراد الحوزة والتواصل البشري بينهم بشكل مباشر.. والتقييم المستمر للمواقف بصورة يومية.. يعطي الحوزة منعة وحصانة كبيرة عن الاختراق.. أفضل من روقة واحدة.. تُكتب في لحظة ما.. وقد يتغير بعدها الكثير.
ولذلك عندما تسمعون بعض الاخوة يطالب الشيخ اليعقوبي باجازة اجتهاد.. فهو لا يقصد أنها ضرورية.. بل بالعكس.. هو يطالبه بأقل وأصغر وأبسط طرق إثبات الاجتهاد.. وهي مجرد ورقة تعتبر شهادة من شخص معتبر ويُحتج بكلامه.. أما أمثال محمد باقر الصدر من العباقرة.. فلا حاجة لهم بكل هذا.. لأن الوسائل الثلاث تحملهم على أجنحتها.
خامساً: (ما يفرحك لا يفرح غيرك).
إن الآداب والاخلاقيات الموجودة في الحوزة.. تمنع أصحابها من التبجح بهذا الموضوع.
فلا نعرف - وليس من المحتم أن نعرف - كم منهم حصل على إجازة خطية.. لأنهم ببساطة لا يعلنون ذلك .. ولا يقيمون الاحتفالات في هكذا مناسبات.. بل تجد قلوبهم ازدادت وجلاً.. لأنهم يرون جانب المسؤولية الشرعية.. فيشغلهم عن التباهي والتفاخر بدرجاتهم العلمية (أو الإعجاب بأنفسهم والعياذ بالله).
فهل الشيخ واثق من عدم وجود مجتهدين لمجرد أنهم لم يتحدثوا عن اجتهادهم ولم يسمع بذلك؟ إن كان ثبوت الاجتهاد بالطريقة الإعلامية التي يتوقعها.. فلا أظن أن الحوزة صنعت مجتهداً في حياتها!
سادساً: (عدم سماع الشيخ لا يعني واقع الحوزة).
عندما يقول الشيخ بأنه منذ ثلاثين سنة لم يسمع أن الحوزة منحت إجازة اجتهاد.. فماذا يقصد؟
إن كان يقصد الاجازة الورقية فقد عرفت حالها سابقاً وسيأتي المزيد عنها.. ورغم عدم ضرورتها توجد اجازات اجتهاد خطية خلال هذه الفترة وأستغرب أن الشيخ لم يطلع عليها.
وإن كان يقصد عدم وجود مجتهدين في الحوزة فهذا خلاف الواقع.. ولا أريد القول أنه يكشف ابتعاده التام عن الحركة العلمية في الحوزة وتطورها.. لأنه بالتأكيد يعرف واقعها ورجالاتها.. وهذا ما يزداد به عجبي من إنكاره لوجود المجتهدين.. لأنه عندما ينكر اجتهاد من انعقد عليهم الشياع.. فقد أطلق رصاصة الرحمة على دعوى اجتهاده هو!!
بالتأكيد هناك في حوزة النجف الأشرف خلال الثلاثين سنة الأخيرة .. مجتهدون متفق على اجتهادهم عند الأغلبية المحققة للشياع .. وأخرون لم ينعقد الشياع عليهم بشكل كاف بعد.
لا يلزمك أيها القارئ الكريم إلا أن تقصد أشهر أساتذة البحث الخارج.. وأبوابهم بحمد الله مفتوحة.. واسألهم عن المجتهدين الذين يعتقدون أن الشياع المفيد لاجتهادهم قائم على ساق في كل الحوزة.. وستسمع ما يسرك عن حوزة النجف التي هي قرة عين الدين.
وبالتأكيد لن أدخل في ذكر الاسماء المحددة ومن هم المجتهدون بالإسم.. وذلك لسببين:
1. أن هذا تكليفك الذي لا أريد مصادرته.
2. أنني أتحرج - بحكم علاقة الطالب بالأستاذ - من ذكر بعض الأسماء وإغفال أخرى لم ينعقد الإجماع على القول باجتهادها.
ولاحظ هنا نقطة مهمة (وجميلة في نفس الوقت) وهي أن الحرج بالنسبة لي أمر طبيعي وأستطيع الاحتفاظ برأيي .. ولكن أصحاب الخبرة أمرهم مختلف.. فقد يكون من واجبهم الأدلاء بشهادتهم إذا وجدوا أن موقع المرجعية يمكن أن يصاب بالفراغ أو الوقوع في يد غير مستحقيه.. فيجب عليهم حينها حماية هذا الموقع وعدم كتمان شهادتهم.
وبكلمة أخيرة .. يمكنك البحث عن أي اسم متداول في حلقات البحث الخارج في الحوزة.. وهي بتصوري الأولي بين 25 و 30 حلقة بحث في النجف على اختلاف مستوياتها.. ومثل هذا العدد في حوزة قم.. فيكون لديك 60 حلقة بحث يمكنك سؤالها عن الأسماء المتداولة .. وأضمن لك أن 50 منهم سيعطونك جواباً شافياً وصريحا.. وأضمن لك بشهادة الله أنك لن تجد حتى 5 منهم يطرحون إسم الشيخ اليعقوبي.
فإذا شككت بهؤلاء الستين كلهم.. فقد ضاعت حوزة الإمام الصادق عليه السلام.. وما عاد فيها من الموثوقية ما يحفظ لك دينك.. ولم يبق أمامك إلا ملائكة السماء.
طبعاً أنا أنزعج كثيراً من تحديد الأرقام في الحوزة لأنه ليس أسلوباً صحيحاً.. ولكن ماذا أصنع وأنا أريد إيصال الفكرة للقارئ بأوضح الطرق.
السؤال (14) بما أنك ركزت كثيراً على أن الإجازة الخطية لا هي مطلوبة ولا مهمة.. إذن كيف حصل بعض العلماء على إجازات خطية ولماذا كُتبت لهم ؟
الجواب:
كلا لم أقل أن الإجازة (غير مهمة) فهي على كل حال شهادة معتد بها إذا كانت من خبير عادل له وزنه في الوسط العلمي.. وقد يحتاجها أي فاضل من الفضلاء في ظرف معين كما سنذكر.. ولكن نقول أن عدم وجودها لايؤثر قيد أنملة في ثبوت المكانة العلمية داخل الحوزة.. لأنها تظهر بالدرس والتدريس والمناقشة.
وبكل الأحوال.. توجد أسباب عديدة لصدور شهادة خطية بالاجتهاد.. بعضها اجتماعي وبعضها علمي.. وغير ذلك.. وسنذكر منها خمسة:
1. التقريظات المتضمنة لشهادة اجتهاد: والتقريظات هي الكلمات التي يكتبها العلماء للإشادة بالجهود العلمية لطلابهم أو من هم بمنزلة طلابهم.. والغرض منها تشجيع الطلبة والأساتذة على الاستفادة من هذه الجهود في بحوثهم ودروسهم.. كحال أي كتاب لا تعرف مؤلفه.. لكنك تهتم به بسبب مقدمة كتبها أحد الأسماء الكبار.
وإذا كان الأستاذ يرى من المصلحة الإشارة إلى أن هذا الطالب قد بلغ درجة الاجتهاد (والأستاذ أعرف بالتشخيص) فانه يشير إلى ذلك ضمن التقريظ.
والتقريظات المتضمنة لشهادة الاجتهاد.. على شكلين: فإما أن يكتب الأستاذ تقريظاً لبعض تقريرات تلميذه لأبحاثه هو.. أو يكتب تقريظاً لبحث أو كتاب آخر وليس من أبحاثه وقد لا يكون الطالب من تلاميذه .. كما كتب الشيخان الآيتان مرتضى آل ياسين وهاشم الآملي قدس الله سرهما.. شهادة اجتهاد الشيخ الآصفي رحمه الله.. ضمن تقريظهما لكتابه (ملكية الأرض) الذي لم يكن من أبحاثهما.
وجاء في تقريظ الشيخ آل ياسين: (وهذا الجانب من الكتاب من أبرز مباحثه التي تشيد بفضيلة مؤلفه العلامة الجليل الألمعي الشيخ محمد مهدي الآصفي دام تأييده، فإنه والحق يقال قد عالج هذا الجانب معالجة الفقيه المتمكن من الاجتهاد في مقام الاستنباط...).
وجاء في تقريظ الميرزا هاشم الآملي (وقد جمع فيه مؤلفه الجليل بين الإحاطة با لأقوال وشؤونها وبين إقامة البرهان عليها والاجتهاد في استنباط الحكم الشرعي القائم على المباني الفقهية والأصولية السديدة، وبالجملة المؤلف دام توفيقه قد جد واجتهد في استنباط الحكم الشرعي...).
والمفروض أن إجازة الشيخ اليعقوبي من الشيخين الگرامي والطهراني هي من هذا النوع تحديداً.. لكن الفرق أن شهادتهما على فرض ثبوت اجتهادهما.. قد عورضت بما هو أقوى منها بكثير فسقطت حجيتها.. وشهادة الشيخ الآصفي من مرجعين كبيرين في العالم الشيعي ولم يعارضها أي شيء.
2. الإجازات عند السفر: فقد يقرر الطالب أو يطلب منه أساتذته.. العودة إلى بلاده بعد سنوات الدراسة وبلوغه درجة الاجتهاد.. فيرى أستاذه من المصلحة الاجتماعية لأهالي تلك البلاد أن يعرفهم بفضيلة ولدهم ومكانته العلمية ليستفيدوا منه أكثر..
ومن أشهرها الإجازات التي كتبها الأساطين الثلاثة (الشيخ حسين الحلي، السيد الخوئي، الشيخ أغا بزرك الطهراني قدس الله أرواحهم) خلال شهر واحد.. لسماحة السيد السيستاني دام ظله.. قبيل سفره إلى مشهد الرضا عليه السلام.. ذلك السفر الذي لم يستمر طويلاً.. بسبب تشخيص سيدنا المعظم أن تكليفه العودة إلى النجف والاستمرار بخدمتها علمياً.
3. الرسائل المتضمنة شهادة بالاجتهاد: فإن العلماء جزء من المجتمع بعاداته الحسنة وتقاليده.. ومنها التواصل بينهم بالرسائل والبيانات.. في مناسبات التهنئة والتأبين والتعزية وغيرها.. وخلال هذه الرسائل الاجتماعية.. قد يتعمد بعض العلماء تسمية المعني بالرسالة (آية الله).. بما يفهم منه شهادة باجتهاده.. ومن أمثلة ذلك ما ذكرته سابقاً.. من تأبين العلماء لآية الله الشيخ الآصفي قدس سره.. وأمثلة هذا الصنف كثيرة.
4. إجازة الرواية المتضمنة شهادة بالاجتهاد: فقد تكون الشهادة الخطية بالاجتهاد ضمن إجازة الرواية.. وهي أن يكتب المجيز أجازة بالرواية.. سواء من تلقاء نفسه أو بطلب من المجاز بالرواية .. ويضمنها إشارة إلى بلوغ المجاز درجة الاجتهاد إن كان مقتنعاً بذلك.
وإجازة الرواية.. رغم أهميتها ولكنها لا تبلغ خطورة إجازة الاجتهاد.. لأنها تعتمد على الحفظ والضبط والأمانة في نقل التراث الروائي الموجود فقط.. لذا قد نرى تسامحاً في بعض الشروط عند منحها.. أما إجازة الاجتهاد فهي تعني تسليم سلاح خطير للتحكم بمصائر الناس.. فيجب أن تكون شروط المجاز مميزة جداً.
لذلك فقد تعارف بين الطلبة.. أنه من المعتاد طلب إجازة رواية من الأستاذ (استجازته بالرواية) ولكن من النادر أن يطلب التلميذ إجازة اجتهاد.. لكي لا يحرج نفسه أو العالم المجيز.. إذا لم يكن يرى اجتهاده أو لم يجد مصلحة دينية في الشهادة باجتهاده.
فمن الاجازات بالرواية التي طلبها المجاز.. إجازة الشيخ راضي آل الشيخ محمد آل الشيخ خضر الجناجي للشيخ غالب الحويزاوي رحمهم الله جميعاً.. وجاء فيها ( وممن خاض غمرات تلك البحار، وجاس خلال هاتيك الديار، وجد في تحصيل العلوم الربانية، وأتعب نفسه في نيل الصفات القدسية، فنال المنى والمراد، وداس مراتب الاجتهاد.... جناب الشيخ غالب أصلح الله به.... وقد استجازني أدام الله تعالى بقاءه... فأجزته أيده الله تعالى أن يروي عني...).
فلاحظ أن الشيخ الحويزاوي أراد إجازة بالرواية.. فضمنها أستاذه الشهادة باجتهاده.
ومن إجازات الرواية التي تبرع بها المجيز وضمنها إشارة إلى الاجتهاد.. إجازة الشيخ أغا بزرك الطهراني قدس سره.. للسيد السيستاني دام ظله.. وجاء فيها ( وبعد، فإن السيد السند سيد العلماء الأبرار مولانا الأجل السيد علي بن السيد محمد باقر بن آية الله السيد علي الحسيني السيستاني الخراساني .... إلى قوله: كما يشهد بسائر مراتبه العلمية وبلوغه درجة الاجتهاد سائر ما كتبه في الفقه والأصول من تقريرات أساتيذه... إلى قوله: فأجزته في الرواية عني عن جميع مشايخي بجميع طرقهم... )
5. الشهادات المانعة للمجتهد من التقليد: فقد يرى الأستاذ أن تلميذه صار مجتهداً بلا شك وواجبه تنبيه التلميذ على حرمة تقليده للغير.. ومن هنا فقد يكتب شهادة باجتهاده لتثبيت هذه الفكرة.. ومن المرات النادرة التي حصلت فيها هذه الحالة.. هي شهادة آية الله العظمى المحقق الشيخ محمد حسين الأصفهاني لتلميذه السيد الخوئي قدس سرهما.
والحادثة أنه حين توفي أحد العلماء بحدود سنة 1920 كان السيد الخوئي شاباً لا يتجاوز عمره 22 سنة.. وقد خرج إلى التشييع برفقة أستاذه الأصفهاني.. وعندما رجعا من التشييع دخل السيد الخوئي إلى منزل أستاذه وجلسا للتباحث في مسألة فقهية.. وكان الشيخ يستمع إلى استدلالات تلميذه وطريقته في البيان وتشييد المطالب.. فما كان منه بعد أنتهاء النقاش.. إلا أن تناول ورقة وكتب فيها (السيد أبو القاسم الخوئي مجتهد مطلق فيحرم عليه التقليد).. وبعد 18 سنة من هذه الحادثة ولما بلغ السيد الخوئي أشده وبلغ أربعين سنة.. كتب المحقق الأصفهاني إجازته الكبيرة والمعروفة للسيد الخوئي قدس الله أرواحهم جميعا.
هذه جملة من الأسباب والدواعي التي قد تدعوا العلماء لكتابة إجازات الاجتهاد أو الشهادة بها خطياً.. ونعود للقول: لو أن أحداً من الأساتذة الكبار لم تصادفه مناسبة للحصول على شهادة خطية.. فلم يرسل كتبه للتقريظ.. ولا تبرع أحد العلماء بتقريظ كتبه.. ولا سافر إلى بلاد أخرى.. ولا تلقى رسالة تهنئة ولا تأبين.. ولا استجاز أحداً بالرواية ولا تبرع بها أحد.. ومع ذلك كله فأساتذة البحث الكبار يقول أغلبهم باجتهاده.. هل كان يضره انعدام الإجازة الورقية بشيء؟!
السؤال (15): سابقاً شاهدنا الكثير من الكلمات والتصرفات تصدر عن محمود الصرخي أو فاضل البديري ولم يكن مكتب المرجعية يعلق على ذلك.. فلماذا رد على الشيخ اليعقوبي ونفى كلامه؟ ألا يؤكد هذا شعور المستفيدين في المكتب بالتهديد من الشيخ؟
الجواب:
في بيت أحد المشايخ الكرام في النجف.. جمعتني قبل أيام جلسة جميلة مع مجموعة من الشباب في مقتبل العمر.. وكانت لديهم مجموعة أسئلة.. وكنت أستمع إليهم بكل صدق لأن الإخلاص والنقاء كان بادياً عليهم.
وكان من ضمن ما طرحوه سؤال مفاده: (هل صحيح أن المستفيدين في مكتب السيد السيستاني دام ظله هم من افتعلوا هذه المشكلة مع الشيخ اليعقوبي في محاولة لمنعه من التصدي لمنصب المرجع الأعلى بعد السيد السيستاني أدام الله ظله ؟! وهل صحيح أن انتقال مكتب الشيخ إلى المدينة القديمة استفز مكتب السيد؟).
وأقسم بالله أني شعرت ببدني يقشعر.. وأنا أتصور مفعول هذه الجرعات المسمومة في نفوس هؤلاء الشباب الطيبين.
قلت لهم: من قال هذا الكلام؟ قالوا: شيخ .... في منطقتنا ..... من (جماعة) الشيخ اليعقوبي.
وكلمة (جماعة) كانت مؤلمة هي الأخرى.
استجمعت أعصابي للبقاء هادئاً.. وكان "هدفي الاستراتيجي" الوحيد ليس تحطيم صورة الشيخ اليعقوبي أو (جماعته) لا سمح الله.. بل أخراج هؤلاء الشباب المتدينين من هذا الجو المسموم الذي سيقضي بلا شك على لهفتهم للدين وسيطفئ -بعد سنوات قليلة- شعلة حبهم للأجواء الدينية.. لأن من كان فهمه للدين مبنياً على صورة الصراعات.. سيكرهه ويهجره نحو العلمانية بمجرد أن يشتد عوده ويخشن قلبه.. وتجاربنا في هذا المجال كثيرة ومؤسفة.. وكل صديق خسرناه ترك بعض الشيب في رؤوسنا.
وزهّدني في الناسِ معرفتي بهم .. وطولَ اختباري صاحباً بعد صاحبِ
فلم تُرني الأيامُ خِـلاً تسـرني .. مبـاديه إلا سـاءنى في العواقـبِ
المهم.. قلت لهم يا أحبائي هذا الشيخ متوهم.. لعدة أسباب:
أولاً.. (أين تذهب الأموال)؟
أنظروا حولكم في هذا المكان (الاستقبال في بيت الشيخ) ماذا ترون؟ وقد فاجأهم السؤال.. فأخذوا ينظرون من حولهم للمكان وأثاثه.. ثم قالوا: مكان بسيط ومتواضع.
قلت لهم: فأنا والله - وهذا الشيخ - من المتهمين بأننا مستفيدون من المكتب.. وأن كلما نكتبه أو نقوله نقبض أجوره!! وكأن 26 سنة من زهرة شبابنا التي ضاعت في الكد والتعب الحوزوي.. يمكن مقايضتها بموقف!!
فكروا معي بالفطرة والوجدان.. أين تذهب هذه الأموال وأنتم تجلسون في هذا المكان المتواضع؟ إذا كان الإنسان يعرض قلمه وأفكاره ومواقفه للإيجار.. فأين يذهب الثمن ؟ ومتى يستمتع به وهو يقترب من قبره كل يوم؟
وثانياً.. (أين قدرة ولي العصر)؟
لو كان منصب المرجعية يأتي بالحيلة والمخططات وإقصاء الآخر.. فأين إيماننا بتسديد صاحب الزمان عجل الله فرجه؟ لو كانت إرادة بقية الله تعلقت بأن يكون الشيخ اليعقوبي زعيم الطائفة كلها.. هل كان المكتب وغير المكتب يستطيع منع ذلك؟ عندها لن تكون حرباً على الشيخ اليعقوبي بل على ولي العصر.
ولو كانت هذه الإرادة تعلقت بأن يبقى الشيخ اليعقوبي على حاله هذا مع القليل من المقلدين.. هل ثمة قوة في العالم تستطيع تغيير ذلك وعطف قلوب الناس إليه؟
أليس الشك بهذا هو شك بولاية المعصوم.. ومنازعة له في سلطانه ؟ وكأن لنا إرادة مغايرة لإرادته!!
أخرجوا هذه الأفكار المدمرة من رؤوسكم.. فالأمر بيد صاحب الأمر.. ونحن رغم عملنا بالمقدمات والتكاليف الظاهرية.. خاضعون مستسلمون لأرادته.. منتظرون لعونه وتسديده.. ومن يفكر بغير ذلك فقد هلك وهوى.
وثالثاً..(صناعة مرجعية أوبى من إسقاط أخرى).
عندما يقولون: (المستفيدين من المكتب) فلا أعرف معنى الاستفادة التي يقصدونها! لكن يبدو أنهم ينظرون لما يتبقى من أموال ومؤسسات على أنها غنيمة.. والمكتب سيستولي عليها بعد حياة سماحة السيد أطال الله عمره المبارك.. وتصبح القضية (بطائنية) !!
ولكن ياترى.. أي الطريقين أقصر إلى بلوغ هذه الغاية ؟ طريق تسقيط الشيخ ؟ أم طريق تقديم مرجعهم البديل؟.
في الحالتين.. يجب أن نرى عملاً ضخماً من المكتب.. وليس مجرد تكذيب لخبر منتشر كل عشر سنوات.. وليس بكتابات إيليا وأمثاله ممن لا سهم لهم في تغيير الواقع.. بل بعمل قوي وتوزيع أموال وشراء ذمم على مستوى كبير.. كإرسال مبالغ مالية بالملايين (خمسون مليون مثلاً) لشراء ذمم الفضلاء والأساتذة .. عندها يمكن القول أن المكتب يعمل فعلاً على تشييد مرجعية بديلة وإقصاء اليعقوبي.. أما بهذا الأداء المتواضع فلا أظن المكتب يفكر بإيجاد أستاذ أجرومية.. فضلاً عن مرجع.
كما أن المكتب لن يستطيع لوحده حسم الأمر.. لأن هناك أصحاب خبرة لن يستطيع شراء ذممهم وشهادتهم مطلوبة.
لكن هل تعتقدون أن الحوزة والمكتب لو كانت تدار بالطريقة المقرفة التي صورتها أعلاه.. ورفع صاحب الزمان يده عنا.. هل كنا سنبقى كل هذه المئات من السنين؟
ثم لنفترض أن المكتب يريد الإساءة للشيخ خوفاً من مزاحمته له في مضمار المرجعية وإحراق ورقته القادمة.. فلماذا نجد أبناء التيار الصدري يتخذون نفس الموقف من الشيخ اليعقوبي؟ هل هو مزاحم للسيد مقتدى الصدر في شيء؟ أم هي مسألة قناعات فقط؟ ناهيك عن الخط الشيرازي.. وخطوط أخرى لم تعترف باجتهاده رسمياً حتى الآن.
رابعاً: (طلب المنصب طلب للعناء).
اذا نظرنا الى مقام المرجعية كمسؤولية.. فإن تجنبها بالنسبة للمؤمن الخائف من الحساب يعني حياة أفضل وأكثر رخاء.. وحساباً أخف يوم القيامة.
فمنصب المرجعية بالنسبة لهم حبل يلتف حول أعناقهم .. ولا مبرر للإنسان العاقل أن يسعى لتحصيل ما يطيل وقوفه أمام الله.. فإذا كان في الشيخ اليعقوبي كفاية للحوزة والمجتمع وكان قادراً على استيعاب تاريخ ألف سنة والحفاظ عليه.. فأهلاً وسهلاً بمن يرفع التكليف عن أعناق البقية.
إلى هنا أنهيت كلامي معهم واقتنعوا.. لكن الشيئ الذي لم أخبرهم به هو.. (الحقيقة)!
لم أخبرهم أن الشيخ اليعقوبي بنفسه هو رأس الهجمة التي تقول (المكتب غير السيد) وليت شعري ألا يرى الأجحاف حين يضع لنفسه مكتباً يصرح باسمه ويشكك في مكاتب الأخرين؟!
وأنت بالتأكيد تطالبني بالدليل على هذا المدعى.. وجوابك أن الشيخ لمح إلى ذلك في فيديو سنذكره بعد وريقات من الآن.. وستجد فيه أن لحن التفريق بين السيد دام ظله وبين تصريحات المكتب واضح في كلام الرجل بقوله معلقاً على بيان صدر من مكتب سماحة السيد دام ظله: (وصلنا شيء لا أعلم مدى تدخل المرجعية فيه لكن هكذا نسب للمرجعية) فهو القائد الفعلي لحركة (المكتب غير السيد) ولا تتوقف هذه الهجمة إلا عندما يتعلق الأمر بمكتبه هو.. فيكون عندها (المكتب نفس الشيخ).
لم اخبر الشباب بذلك.. ولم أحاول منعهم من الاستماع إلى محاضرات الشيخ لا والله.. ولكن أقنعتهم أن القائمين على المكتب أطهر وأورع مما يقال.. واكتفيت بموقف الدفاع.
فمن يقنع أصحاب النظرة السوداوية من الاخوة (جماعة الشيخ) ؟ بأن الحوزة أجل وأكرم من النظر إليها كأنها مضمار لسباق الخيل.. فكما قلنا سابقاً.. هنا ينكسر القلم.. وينقطع النقاش.. وعلى الحوزة السلام إذا كانت هكذا.
على كل حال.. يؤسفني الحديث بطريقة تشبه أحاديثنا مع الاخوة في 2004 وكأننا ما زلنا نتعامل مع نفس العقلية المشبعة بالاتهام وسوء الظن بعد عقدين من الزمن.. ولم نتقدم خطوة للأمام.
والفرق الوحيد أن الكلام قبل 21 سنة كان يستهدف شخص المرجع (بقصة تعدد الصايات وأموال الشهرستاني ووووو وووووو 50 قصة أخرى) وهي قصص وسخة أتمنى أن لا ينزل الاخوة لمستوى تكرارها بعد أن انتهينا منها.
والآن صار يستهدف المكتب.. لأن استهداف شخص المرجع بشكل صريح يسقط كل شيء.. وإن كان اتهام المكتب هو اتهام للسيد نفسه بطريقة ملتوية.
وكما قال أحد الطلبة في حوار خضناه سنة 2004: أنتم بين خيارين يلزمكم الاعتراف بأحدهما.. إما أن يكون المكتب ثقة وكلامه حجة.. أو تقولوا للناس (بوضوح وصراحة) أن صومكم وفطركم و خمسكم كلها باطلة لتعاملكم مع المكتب.
وأكمل في وقتها قائلاً: ولعل الآية عندكم معكوسة مع الحوزة.. فالله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) وأنتم تجتنبون قليلاً من الظن.. أما سوء الظن فهو الأصل والقاعدة الجارية عندكم !!
وعلى كل حال.. القصة التي ردت عليها المرجعية العليا قبل أيام بالتكذيب والتحذير (أعني قصة أن السيد السيستاني دام ظله قال للشيخ اليعقوبي أن له مستقبلاً كمستقبل الشيخ الأعظم الأنصاري رضوان الله عليه) فكان جواب مكتب السيد دام ظله حول سؤال هل هي صحيحة بأن قال:
(لا، وليحذر المؤمنين من هذه الدعاوى).
هذا الجواب ناظر إلى جهتين:
أولاً: جهة خاصة هي نفي القصة بقوله (لا).
إن الآداب والاخلاقيات الموجودة في الحوزة.. تمنع أصحابها من التبجح بهذا الموضوع.
فلا نعرف - وليس من المحتم أن نعرف - كم منهم حصل على إجازة خطية.. لأنهم ببساطة لا يعلنون ذلك .. ولا يقيمون الاحتفالات في هكذا مناسبات.. بل تجد قلوبهم ازدادت وجلاً.. لأنهم يرون جانب المسؤولية الشرعية.. فيشغلهم عن التباهي والتفاخر بدرجاتهم العلمية (أو الإعجاب بأنفسهم والعياذ بالله).
فهل الشيخ واثق من عدم وجود مجتهدين لمجرد أنهم لم يتحدثوا عن اجتهادهم ولم يسمع بذلك؟ إن كان ثبوت الاجتهاد بالطريقة الإعلامية التي يتوقعها.. فلا أظن أن الحوزة صنعت مجتهداً في حياتها!
سادساً: (عدم سماع الشيخ لا يعني واقع الحوزة).
عندما يقول الشيخ بأنه منذ ثلاثين سنة لم يسمع أن الحوزة منحت إجازة اجتهاد.. فماذا يقصد؟
إن كان يقصد الاجازة الورقية فقد عرفت حالها سابقاً وسيأتي المزيد عنها.. ورغم عدم ضرورتها توجد اجازات اجتهاد خطية خلال هذه الفترة وأستغرب أن الشيخ لم يطلع عليها.
وإن كان يقصد عدم وجود مجتهدين في الحوزة فهذا خلاف الواقع.. ولا أريد القول أنه يكشف ابتعاده التام عن الحركة العلمية في الحوزة وتطورها.. لأنه بالتأكيد يعرف واقعها ورجالاتها.. وهذا ما يزداد به عجبي من إنكاره لوجود المجتهدين.. لأنه عندما ينكر اجتهاد من انعقد عليهم الشياع.. فقد أطلق رصاصة الرحمة على دعوى اجتهاده هو!!
بالتأكيد هناك في حوزة النجف الأشرف خلال الثلاثين سنة الأخيرة .. مجتهدون متفق على اجتهادهم عند الأغلبية المحققة للشياع .. وأخرون لم ينعقد الشياع عليهم بشكل كاف بعد.
لا يلزمك أيها القارئ الكريم إلا أن تقصد أشهر أساتذة البحث الخارج.. وأبوابهم بحمد الله مفتوحة.. واسألهم عن المجتهدين الذين يعتقدون أن الشياع المفيد لاجتهادهم قائم على ساق في كل الحوزة.. وستسمع ما يسرك عن حوزة النجف التي هي قرة عين الدين.
وبالتأكيد لن أدخل في ذكر الاسماء المحددة ومن هم المجتهدون بالإسم.. وذلك لسببين:
1. أن هذا تكليفك الذي لا أريد مصادرته.
2. أنني أتحرج - بحكم علاقة الطالب بالأستاذ - من ذكر بعض الأسماء وإغفال أخرى لم ينعقد الإجماع على القول باجتهادها.
ولاحظ هنا نقطة مهمة (وجميلة في نفس الوقت) وهي أن الحرج بالنسبة لي أمر طبيعي وأستطيع الاحتفاظ برأيي .. ولكن أصحاب الخبرة أمرهم مختلف.. فقد يكون من واجبهم الأدلاء بشهادتهم إذا وجدوا أن موقع المرجعية يمكن أن يصاب بالفراغ أو الوقوع في يد غير مستحقيه.. فيجب عليهم حينها حماية هذا الموقع وعدم كتمان شهادتهم.
وبكلمة أخيرة .. يمكنك البحث عن أي اسم متداول في حلقات البحث الخارج في الحوزة.. وهي بتصوري الأولي بين 25 و 30 حلقة بحث في النجف على اختلاف مستوياتها.. ومثل هذا العدد في حوزة قم.. فيكون لديك 60 حلقة بحث يمكنك سؤالها عن الأسماء المتداولة .. وأضمن لك أن 50 منهم سيعطونك جواباً شافياً وصريحا.. وأضمن لك بشهادة الله أنك لن تجد حتى 5 منهم يطرحون إسم الشيخ اليعقوبي.
فإذا شككت بهؤلاء الستين كلهم.. فقد ضاعت حوزة الإمام الصادق عليه السلام.. وما عاد فيها من الموثوقية ما يحفظ لك دينك.. ولم يبق أمامك إلا ملائكة السماء.
طبعاً أنا أنزعج كثيراً من تحديد الأرقام في الحوزة لأنه ليس أسلوباً صحيحاً.. ولكن ماذا أصنع وأنا أريد إيصال الفكرة للقارئ بأوضح الطرق.
السؤال (14) بما أنك ركزت كثيراً على أن الإجازة الخطية لا هي مطلوبة ولا مهمة.. إذن كيف حصل بعض العلماء على إجازات خطية ولماذا كُتبت لهم ؟
الجواب:
كلا لم أقل أن الإجازة (غير مهمة) فهي على كل حال شهادة معتد بها إذا كانت من خبير عادل له وزنه في الوسط العلمي.. وقد يحتاجها أي فاضل من الفضلاء في ظرف معين كما سنذكر.. ولكن نقول أن عدم وجودها لايؤثر قيد أنملة في ثبوت المكانة العلمية داخل الحوزة.. لأنها تظهر بالدرس والتدريس والمناقشة.
وبكل الأحوال.. توجد أسباب عديدة لصدور شهادة خطية بالاجتهاد.. بعضها اجتماعي وبعضها علمي.. وغير ذلك.. وسنذكر منها خمسة:
1. التقريظات المتضمنة لشهادة اجتهاد: والتقريظات هي الكلمات التي يكتبها العلماء للإشادة بالجهود العلمية لطلابهم أو من هم بمنزلة طلابهم.. والغرض منها تشجيع الطلبة والأساتذة على الاستفادة من هذه الجهود في بحوثهم ودروسهم.. كحال أي كتاب لا تعرف مؤلفه.. لكنك تهتم به بسبب مقدمة كتبها أحد الأسماء الكبار.
وإذا كان الأستاذ يرى من المصلحة الإشارة إلى أن هذا الطالب قد بلغ درجة الاجتهاد (والأستاذ أعرف بالتشخيص) فانه يشير إلى ذلك ضمن التقريظ.
والتقريظات المتضمنة لشهادة الاجتهاد.. على شكلين: فإما أن يكتب الأستاذ تقريظاً لبعض تقريرات تلميذه لأبحاثه هو.. أو يكتب تقريظاً لبحث أو كتاب آخر وليس من أبحاثه وقد لا يكون الطالب من تلاميذه .. كما كتب الشيخان الآيتان مرتضى آل ياسين وهاشم الآملي قدس الله سرهما.. شهادة اجتهاد الشيخ الآصفي رحمه الله.. ضمن تقريظهما لكتابه (ملكية الأرض) الذي لم يكن من أبحاثهما.
وجاء في تقريظ الشيخ آل ياسين: (وهذا الجانب من الكتاب من أبرز مباحثه التي تشيد بفضيلة مؤلفه العلامة الجليل الألمعي الشيخ محمد مهدي الآصفي دام تأييده، فإنه والحق يقال قد عالج هذا الجانب معالجة الفقيه المتمكن من الاجتهاد في مقام الاستنباط...).
وجاء في تقريظ الميرزا هاشم الآملي (وقد جمع فيه مؤلفه الجليل بين الإحاطة با لأقوال وشؤونها وبين إقامة البرهان عليها والاجتهاد في استنباط الحكم الشرعي القائم على المباني الفقهية والأصولية السديدة، وبالجملة المؤلف دام توفيقه قد جد واجتهد في استنباط الحكم الشرعي...).
والمفروض أن إجازة الشيخ اليعقوبي من الشيخين الگرامي والطهراني هي من هذا النوع تحديداً.. لكن الفرق أن شهادتهما على فرض ثبوت اجتهادهما.. قد عورضت بما هو أقوى منها بكثير فسقطت حجيتها.. وشهادة الشيخ الآصفي من مرجعين كبيرين في العالم الشيعي ولم يعارضها أي شيء.
2. الإجازات عند السفر: فقد يقرر الطالب أو يطلب منه أساتذته.. العودة إلى بلاده بعد سنوات الدراسة وبلوغه درجة الاجتهاد.. فيرى أستاذه من المصلحة الاجتماعية لأهالي تلك البلاد أن يعرفهم بفضيلة ولدهم ومكانته العلمية ليستفيدوا منه أكثر..
ومن أشهرها الإجازات التي كتبها الأساطين الثلاثة (الشيخ حسين الحلي، السيد الخوئي، الشيخ أغا بزرك الطهراني قدس الله أرواحهم) خلال شهر واحد.. لسماحة السيد السيستاني دام ظله.. قبيل سفره إلى مشهد الرضا عليه السلام.. ذلك السفر الذي لم يستمر طويلاً.. بسبب تشخيص سيدنا المعظم أن تكليفه العودة إلى النجف والاستمرار بخدمتها علمياً.
3. الرسائل المتضمنة شهادة بالاجتهاد: فإن العلماء جزء من المجتمع بعاداته الحسنة وتقاليده.. ومنها التواصل بينهم بالرسائل والبيانات.. في مناسبات التهنئة والتأبين والتعزية وغيرها.. وخلال هذه الرسائل الاجتماعية.. قد يتعمد بعض العلماء تسمية المعني بالرسالة (آية الله).. بما يفهم منه شهادة باجتهاده.. ومن أمثلة ذلك ما ذكرته سابقاً.. من تأبين العلماء لآية الله الشيخ الآصفي قدس سره.. وأمثلة هذا الصنف كثيرة.
4. إجازة الرواية المتضمنة شهادة بالاجتهاد: فقد تكون الشهادة الخطية بالاجتهاد ضمن إجازة الرواية.. وهي أن يكتب المجيز أجازة بالرواية.. سواء من تلقاء نفسه أو بطلب من المجاز بالرواية .. ويضمنها إشارة إلى بلوغ المجاز درجة الاجتهاد إن كان مقتنعاً بذلك.
وإجازة الرواية.. رغم أهميتها ولكنها لا تبلغ خطورة إجازة الاجتهاد.. لأنها تعتمد على الحفظ والضبط والأمانة في نقل التراث الروائي الموجود فقط.. لذا قد نرى تسامحاً في بعض الشروط عند منحها.. أما إجازة الاجتهاد فهي تعني تسليم سلاح خطير للتحكم بمصائر الناس.. فيجب أن تكون شروط المجاز مميزة جداً.
لذلك فقد تعارف بين الطلبة.. أنه من المعتاد طلب إجازة رواية من الأستاذ (استجازته بالرواية) ولكن من النادر أن يطلب التلميذ إجازة اجتهاد.. لكي لا يحرج نفسه أو العالم المجيز.. إذا لم يكن يرى اجتهاده أو لم يجد مصلحة دينية في الشهادة باجتهاده.
فمن الاجازات بالرواية التي طلبها المجاز.. إجازة الشيخ راضي آل الشيخ محمد آل الشيخ خضر الجناجي للشيخ غالب الحويزاوي رحمهم الله جميعاً.. وجاء فيها ( وممن خاض غمرات تلك البحار، وجاس خلال هاتيك الديار، وجد في تحصيل العلوم الربانية، وأتعب نفسه في نيل الصفات القدسية، فنال المنى والمراد، وداس مراتب الاجتهاد.... جناب الشيخ غالب أصلح الله به.... وقد استجازني أدام الله تعالى بقاءه... فأجزته أيده الله تعالى أن يروي عني...).
فلاحظ أن الشيخ الحويزاوي أراد إجازة بالرواية.. فضمنها أستاذه الشهادة باجتهاده.
ومن إجازات الرواية التي تبرع بها المجيز وضمنها إشارة إلى الاجتهاد.. إجازة الشيخ أغا بزرك الطهراني قدس سره.. للسيد السيستاني دام ظله.. وجاء فيها ( وبعد، فإن السيد السند سيد العلماء الأبرار مولانا الأجل السيد علي بن السيد محمد باقر بن آية الله السيد علي الحسيني السيستاني الخراساني .... إلى قوله: كما يشهد بسائر مراتبه العلمية وبلوغه درجة الاجتهاد سائر ما كتبه في الفقه والأصول من تقريرات أساتيذه... إلى قوله: فأجزته في الرواية عني عن جميع مشايخي بجميع طرقهم... )
5. الشهادات المانعة للمجتهد من التقليد: فقد يرى الأستاذ أن تلميذه صار مجتهداً بلا شك وواجبه تنبيه التلميذ على حرمة تقليده للغير.. ومن هنا فقد يكتب شهادة باجتهاده لتثبيت هذه الفكرة.. ومن المرات النادرة التي حصلت فيها هذه الحالة.. هي شهادة آية الله العظمى المحقق الشيخ محمد حسين الأصفهاني لتلميذه السيد الخوئي قدس سرهما.
والحادثة أنه حين توفي أحد العلماء بحدود سنة 1920 كان السيد الخوئي شاباً لا يتجاوز عمره 22 سنة.. وقد خرج إلى التشييع برفقة أستاذه الأصفهاني.. وعندما رجعا من التشييع دخل السيد الخوئي إلى منزل أستاذه وجلسا للتباحث في مسألة فقهية.. وكان الشيخ يستمع إلى استدلالات تلميذه وطريقته في البيان وتشييد المطالب.. فما كان منه بعد أنتهاء النقاش.. إلا أن تناول ورقة وكتب فيها (السيد أبو القاسم الخوئي مجتهد مطلق فيحرم عليه التقليد).. وبعد 18 سنة من هذه الحادثة ولما بلغ السيد الخوئي أشده وبلغ أربعين سنة.. كتب المحقق الأصفهاني إجازته الكبيرة والمعروفة للسيد الخوئي قدس الله أرواحهم جميعا.
هذه جملة من الأسباب والدواعي التي قد تدعوا العلماء لكتابة إجازات الاجتهاد أو الشهادة بها خطياً.. ونعود للقول: لو أن أحداً من الأساتذة الكبار لم تصادفه مناسبة للحصول على شهادة خطية.. فلم يرسل كتبه للتقريظ.. ولا تبرع أحد العلماء بتقريظ كتبه.. ولا سافر إلى بلاد أخرى.. ولا تلقى رسالة تهنئة ولا تأبين.. ولا استجاز أحداً بالرواية ولا تبرع بها أحد.. ومع ذلك كله فأساتذة البحث الكبار يقول أغلبهم باجتهاده.. هل كان يضره انعدام الإجازة الورقية بشيء؟!
السؤال (15): سابقاً شاهدنا الكثير من الكلمات والتصرفات تصدر عن محمود الصرخي أو فاضل البديري ولم يكن مكتب المرجعية يعلق على ذلك.. فلماذا رد على الشيخ اليعقوبي ونفى كلامه؟ ألا يؤكد هذا شعور المستفيدين في المكتب بالتهديد من الشيخ؟
الجواب:
في بيت أحد المشايخ الكرام في النجف.. جمعتني قبل أيام جلسة جميلة مع مجموعة من الشباب في مقتبل العمر.. وكانت لديهم مجموعة أسئلة.. وكنت أستمع إليهم بكل صدق لأن الإخلاص والنقاء كان بادياً عليهم.
وكان من ضمن ما طرحوه سؤال مفاده: (هل صحيح أن المستفيدين في مكتب السيد السيستاني دام ظله هم من افتعلوا هذه المشكلة مع الشيخ اليعقوبي في محاولة لمنعه من التصدي لمنصب المرجع الأعلى بعد السيد السيستاني أدام الله ظله ؟! وهل صحيح أن انتقال مكتب الشيخ إلى المدينة القديمة استفز مكتب السيد؟).
وأقسم بالله أني شعرت ببدني يقشعر.. وأنا أتصور مفعول هذه الجرعات المسمومة في نفوس هؤلاء الشباب الطيبين.
قلت لهم: من قال هذا الكلام؟ قالوا: شيخ .... في منطقتنا ..... من (جماعة) الشيخ اليعقوبي.
وكلمة (جماعة) كانت مؤلمة هي الأخرى.
استجمعت أعصابي للبقاء هادئاً.. وكان "هدفي الاستراتيجي" الوحيد ليس تحطيم صورة الشيخ اليعقوبي أو (جماعته) لا سمح الله.. بل أخراج هؤلاء الشباب المتدينين من هذا الجو المسموم الذي سيقضي بلا شك على لهفتهم للدين وسيطفئ -بعد سنوات قليلة- شعلة حبهم للأجواء الدينية.. لأن من كان فهمه للدين مبنياً على صورة الصراعات.. سيكرهه ويهجره نحو العلمانية بمجرد أن يشتد عوده ويخشن قلبه.. وتجاربنا في هذا المجال كثيرة ومؤسفة.. وكل صديق خسرناه ترك بعض الشيب في رؤوسنا.
وزهّدني في الناسِ معرفتي بهم .. وطولَ اختباري صاحباً بعد صاحبِ
فلم تُرني الأيامُ خِـلاً تسـرني .. مبـاديه إلا سـاءنى في العواقـبِ
المهم.. قلت لهم يا أحبائي هذا الشيخ متوهم.. لعدة أسباب:
أولاً.. (أين تذهب الأموال)؟
أنظروا حولكم في هذا المكان (الاستقبال في بيت الشيخ) ماذا ترون؟ وقد فاجأهم السؤال.. فأخذوا ينظرون من حولهم للمكان وأثاثه.. ثم قالوا: مكان بسيط ومتواضع.
قلت لهم: فأنا والله - وهذا الشيخ - من المتهمين بأننا مستفيدون من المكتب.. وأن كلما نكتبه أو نقوله نقبض أجوره!! وكأن 26 سنة من زهرة شبابنا التي ضاعت في الكد والتعب الحوزوي.. يمكن مقايضتها بموقف!!
فكروا معي بالفطرة والوجدان.. أين تذهب هذه الأموال وأنتم تجلسون في هذا المكان المتواضع؟ إذا كان الإنسان يعرض قلمه وأفكاره ومواقفه للإيجار.. فأين يذهب الثمن ؟ ومتى يستمتع به وهو يقترب من قبره كل يوم؟
وثانياً.. (أين قدرة ولي العصر)؟
لو كان منصب المرجعية يأتي بالحيلة والمخططات وإقصاء الآخر.. فأين إيماننا بتسديد صاحب الزمان عجل الله فرجه؟ لو كانت إرادة بقية الله تعلقت بأن يكون الشيخ اليعقوبي زعيم الطائفة كلها.. هل كان المكتب وغير المكتب يستطيع منع ذلك؟ عندها لن تكون حرباً على الشيخ اليعقوبي بل على ولي العصر.
ولو كانت هذه الإرادة تعلقت بأن يبقى الشيخ اليعقوبي على حاله هذا مع القليل من المقلدين.. هل ثمة قوة في العالم تستطيع تغيير ذلك وعطف قلوب الناس إليه؟
أليس الشك بهذا هو شك بولاية المعصوم.. ومنازعة له في سلطانه ؟ وكأن لنا إرادة مغايرة لإرادته!!
أخرجوا هذه الأفكار المدمرة من رؤوسكم.. فالأمر بيد صاحب الأمر.. ونحن رغم عملنا بالمقدمات والتكاليف الظاهرية.. خاضعون مستسلمون لأرادته.. منتظرون لعونه وتسديده.. ومن يفكر بغير ذلك فقد هلك وهوى.
وثالثاً..(صناعة مرجعية أوبى من إسقاط أخرى).
عندما يقولون: (المستفيدين من المكتب) فلا أعرف معنى الاستفادة التي يقصدونها! لكن يبدو أنهم ينظرون لما يتبقى من أموال ومؤسسات على أنها غنيمة.. والمكتب سيستولي عليها بعد حياة سماحة السيد أطال الله عمره المبارك.. وتصبح القضية (بطائنية) !!
ولكن ياترى.. أي الطريقين أقصر إلى بلوغ هذه الغاية ؟ طريق تسقيط الشيخ ؟ أم طريق تقديم مرجعهم البديل؟.
في الحالتين.. يجب أن نرى عملاً ضخماً من المكتب.. وليس مجرد تكذيب لخبر منتشر كل عشر سنوات.. وليس بكتابات إيليا وأمثاله ممن لا سهم لهم في تغيير الواقع.. بل بعمل قوي وتوزيع أموال وشراء ذمم على مستوى كبير.. كإرسال مبالغ مالية بالملايين (خمسون مليون مثلاً) لشراء ذمم الفضلاء والأساتذة .. عندها يمكن القول أن المكتب يعمل فعلاً على تشييد مرجعية بديلة وإقصاء اليعقوبي.. أما بهذا الأداء المتواضع فلا أظن المكتب يفكر بإيجاد أستاذ أجرومية.. فضلاً عن مرجع.
كما أن المكتب لن يستطيع لوحده حسم الأمر.. لأن هناك أصحاب خبرة لن يستطيع شراء ذممهم وشهادتهم مطلوبة.
لكن هل تعتقدون أن الحوزة والمكتب لو كانت تدار بالطريقة المقرفة التي صورتها أعلاه.. ورفع صاحب الزمان يده عنا.. هل كنا سنبقى كل هذه المئات من السنين؟
ثم لنفترض أن المكتب يريد الإساءة للشيخ خوفاً من مزاحمته له في مضمار المرجعية وإحراق ورقته القادمة.. فلماذا نجد أبناء التيار الصدري يتخذون نفس الموقف من الشيخ اليعقوبي؟ هل هو مزاحم للسيد مقتدى الصدر في شيء؟ أم هي مسألة قناعات فقط؟ ناهيك عن الخط الشيرازي.. وخطوط أخرى لم تعترف باجتهاده رسمياً حتى الآن.
رابعاً: (طلب المنصب طلب للعناء).
اذا نظرنا الى مقام المرجعية كمسؤولية.. فإن تجنبها بالنسبة للمؤمن الخائف من الحساب يعني حياة أفضل وأكثر رخاء.. وحساباً أخف يوم القيامة.
فمنصب المرجعية بالنسبة لهم حبل يلتف حول أعناقهم .. ولا مبرر للإنسان العاقل أن يسعى لتحصيل ما يطيل وقوفه أمام الله.. فإذا كان في الشيخ اليعقوبي كفاية للحوزة والمجتمع وكان قادراً على استيعاب تاريخ ألف سنة والحفاظ عليه.. فأهلاً وسهلاً بمن يرفع التكليف عن أعناق البقية.
إلى هنا أنهيت كلامي معهم واقتنعوا.. لكن الشيئ الذي لم أخبرهم به هو.. (الحقيقة)!
لم أخبرهم أن الشيخ اليعقوبي بنفسه هو رأس الهجمة التي تقول (المكتب غير السيد) وليت شعري ألا يرى الأجحاف حين يضع لنفسه مكتباً يصرح باسمه ويشكك في مكاتب الأخرين؟!
وأنت بالتأكيد تطالبني بالدليل على هذا المدعى.. وجوابك أن الشيخ لمح إلى ذلك في فيديو سنذكره بعد وريقات من الآن.. وستجد فيه أن لحن التفريق بين السيد دام ظله وبين تصريحات المكتب واضح في كلام الرجل بقوله معلقاً على بيان صدر من مكتب سماحة السيد دام ظله: (وصلنا شيء لا أعلم مدى تدخل المرجعية فيه لكن هكذا نسب للمرجعية) فهو القائد الفعلي لحركة (المكتب غير السيد) ولا تتوقف هذه الهجمة إلا عندما يتعلق الأمر بمكتبه هو.. فيكون عندها (المكتب نفس الشيخ).
لم اخبر الشباب بذلك.. ولم أحاول منعهم من الاستماع إلى محاضرات الشيخ لا والله.. ولكن أقنعتهم أن القائمين على المكتب أطهر وأورع مما يقال.. واكتفيت بموقف الدفاع.
فمن يقنع أصحاب النظرة السوداوية من الاخوة (جماعة الشيخ) ؟ بأن الحوزة أجل وأكرم من النظر إليها كأنها مضمار لسباق الخيل.. فكما قلنا سابقاً.. هنا ينكسر القلم.. وينقطع النقاش.. وعلى الحوزة السلام إذا كانت هكذا.
على كل حال.. يؤسفني الحديث بطريقة تشبه أحاديثنا مع الاخوة في 2004 وكأننا ما زلنا نتعامل مع نفس العقلية المشبعة بالاتهام وسوء الظن بعد عقدين من الزمن.. ولم نتقدم خطوة للأمام.
والفرق الوحيد أن الكلام قبل 21 سنة كان يستهدف شخص المرجع (بقصة تعدد الصايات وأموال الشهرستاني ووووو وووووو 50 قصة أخرى) وهي قصص وسخة أتمنى أن لا ينزل الاخوة لمستوى تكرارها بعد أن انتهينا منها.
والآن صار يستهدف المكتب.. لأن استهداف شخص المرجع بشكل صريح يسقط كل شيء.. وإن كان اتهام المكتب هو اتهام للسيد نفسه بطريقة ملتوية.
وكما قال أحد الطلبة في حوار خضناه سنة 2004: أنتم بين خيارين يلزمكم الاعتراف بأحدهما.. إما أن يكون المكتب ثقة وكلامه حجة.. أو تقولوا للناس (بوضوح وصراحة) أن صومكم وفطركم و خمسكم كلها باطلة لتعاملكم مع المكتب.
وأكمل في وقتها قائلاً: ولعل الآية عندكم معكوسة مع الحوزة.. فالله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ) وأنتم تجتنبون قليلاً من الظن.. أما سوء الظن فهو الأصل والقاعدة الجارية عندكم !!
وعلى كل حال.. القصة التي ردت عليها المرجعية العليا قبل أيام بالتكذيب والتحذير (أعني قصة أن السيد السيستاني دام ظله قال للشيخ اليعقوبي أن له مستقبلاً كمستقبل الشيخ الأعظم الأنصاري رضوان الله عليه) فكان جواب مكتب السيد دام ظله حول سؤال هل هي صحيحة بأن قال:
(لا، وليحذر المؤمنين من هذه الدعاوى).
هذا الجواب ناظر إلى جهتين:
أولاً: جهة خاصة هي نفي القصة بقوله (لا).
والمقصود بأنها جهة خاصة أن هذه القصة نُسبت إلى سماحة السيد مد ظله في وقت حياته ووجوده المبارك.. والطريقة الوحيدة لتكذيبها هي بصدور التكذيب من طرفه كونه صاحب الشأن.. لأنها لو بقيت بدون تكذيب في حياته الشريفة فلن يستطيع أحد الاعتراض بعدها.. ولا بد من ترتيب آثار الحسن الفاعلي وترك الاتهام بالكذب دون بينة.. عملاً بالرواية الشريفة (ضع أمر أخيك على أحسنه حتى يأتيك منه ما يغلبك ...) وكما ذكرنا سابقاً.. إن التفريق بين ما يصدر من سماحته شخصياً وما يصدر من مكتبه المبارك.. حيلة العاجز.
ثانياً: جهة عامة هي قوله (وليحذر المؤمنون من الاغترار بمثل هذه الدعاوى).
وهي عامة من حيث أن المرجعية الدينية العليا من واجبها حفظ أعراف الحوزة وسياقاتها الصحيحة وعدم السماح بمثل هذه الأساليب في بناء المجد على الكذب أو الشواهد التي لا محصل علمي لها.
لو كان كل شخص يريد التصدي للمرجعية يجمع ألبوماً كاملاً عن قصصه وفضائله ليقدمه بديلاً عن بحوثه المعمقة وآرائه العلمية.. فلن يبقى من الحوزة إلا حفنة قصص ودعاوى.
من هنا حذرت المرجعية من الانسياق وراء هذه الطريقة في التعاطي مع المؤمنين ومحاولة التأثير على العواطف.
هذه -بنظري القاصر- أسباب الرد على القصة المكذوبة أعلاه.. وأما فاضل البديري أو الصرخي فكانوا مجرد مهرجين.. ولا توجد احتمالية لتصديقهم.. ولو أنهم انتهجوا نفس النهج وبذلوا مثل هذا الكم الهائل من الضخ الإعلامي لتصدق الناس.. لكان التعامل معهم بنفس الطريقة.
الطريقة المعتادة للمرجعية لا ربط لها بالشيخ.
والأمر يشبه ادعاء بعض الأشخاص أنهم وكلاء للمرجعية العليا.. فإنك لو راجعت حالات الادعاء في السنوات الماضية.. سترى عدد المدعين بالعشرات.. لكن المرجعية ردت فقط على إثنين او ثلاثة ممن كان هناك احتمال فعلي أن الناس ستصدق روايتهم.. وليس الجميع.
مثلاً. خرج علينا شخص من البحرين يدعي أموراً غريبة كعلم الأبراج وتصديق ما يسميه مكاشفات .. وينصح الناس بمتابعة النساء المتنبئات اللواتي يتسكعن من فضائية إلى أخرى.. ثم وصل إلى حد.. أن نسب إلى السيد السيستاني موافقته على هذا كله!! وهنا على نفسها جنت براقش.
فقام جمع من أهالي البحرين بكتابة استفتاء لسماحة للمرجع الأعلى حول ذلك.. ومما جاء فيه: (إن أحد المنتمين إلى الحوزة العلمية والمتزيين بزي طلبة العلم وبعد أن كان على ظاهر الصلاح ومحل وثوق لدى زملائه و أقرانه أخذ أخيراً يدعي ادعاءات غريبة...إلى قوله: وقد نسب إلى سماحة السيد دام ظله تصديق من يدعي هذه المكاشفات إذا كان مؤمناً......).
وكان الجواب من مكتب سماحة السيد دام ظله حاسماً: (الأعمال المذكورة باطلة ولا مسوغ لها شرعاً ونسبة تصحيحها إلى سماحة السيد دام ظله مكذوبة بكل تأكيد وعلى المؤمنين وفقهم الله تعالى لمراضيه متاركة الشخص المشار إليه وعدم التعويل عليه والله الهادي).
ورغم أن هذا الحسم جاء ليخرج مكتب سماحة السيد من عهدة التاريخ ويثبت موقفاً للأجيال بنفي هذه التهمة .. مع ذلك نجد المحبين لهذا الشخص والمتأثرين به (المستسلمون له) قد انزعجوا من الجواب وأخذوا يدورون يميناً وشمالاً بحثاً عن ثغرة في الجواب!!
وعلق احدهم (مع كل الاحترام لكم سؤالين يطرحهما العقل أولاً من هم (جمع من المؤمنين في البحرين) هل لهم بأن يعرفوا عن أنفسهم بوضع أسمائهم؟ وثانياً هل سماحة السيد آية الله السيستاني يرد بالجواب على رسالة من دون وجود أسماء عليها ومذيله بما ذكر أعلاه فهل يمكن بأي كائن من كان سواء فرداً أو مجموعة برسالة تكون مجهولة الهوية ومن ثم يتم الرد عليها هكذا؟ )
لاحظوا سخافة الإشكال.. عندما يغمض عن الجواب الذي فيه معرفة الحكم الشرعي.. ويتمسك بذيل السؤال ليعرف من هم (جمع)!!
وهكذا ستجد دائماً في حياتك أشخاصاً لا يريدون الاستماع.. وقد حسموا أمرهم برفض ما تقول حتى قبل أن تتكلم!
ومثله في الافتراء على المرجعية.. مع احتمالية تصديق الناس.. لولا التدخل المباشر من المرجعية لنفي الخبر.. ما قاله السيد كمال الحيدري قبل سنتين (عام 1444هـ) في أحد تسريباته المعروفة.. بأن المرجعية منعته من دخول العراق.. وجاء سؤال إلى مكتب السيد مد ظله حول هذه التهمة:
(نشر في مواقع التواصل الاجتماعي تسجيل صوتي منسوب إلى السيد كمال الحيدري يدعي فيه ان رأس الحوزة العلمية في النجف الاشرف طلب منعه من مغادرة قم و المجيء إلى العراق فما هو تعليقكم على ذلك؟)
وكان جواب سماحته (هذا الكلام لا أساس له من الصحة فإن المرجعية الدينية العليا لم تطلب ماذكر أبدا وليس من منهجها مثل ذلك في حال من الأحوال نسأل الله تعالى حسن العاقبة).
وأيضاً نجد من يرفض ويعلق بتعليق خارج سياق الموضوع.. مثل قول أحدهم وهو يردد الكليشة التي مللنا منها: (السيد كمال الحيدري فضح كهنة المعبد وضرب مصالحهم لذلك يحاربونه وسوف يقض مضاجعهم حتى ينقي الدين من خرافاتهم)
من خلال النماذج المتقدمة تعرف منهج المرجعية.. فهي لا تكتثر بما يقال هنا أو هناك.. لكن عندما تصدر فرية أو كذبة وتلصق بها.. وتجد فيها احتمالية كبيرة لتصديق الناس.. وربما تصبح من المواقف المسلمة الصدور بالنسبة للأجيال القادمة.. وقد يتعلم منها حتى المراجع القادمون ويعتبرونها تجربة من سبقهم.. كما تعلم السيد دام ظله من تجارب علمائنا السابقين.. فعند ذلك سترد المرجعية بلا أدنى شك.. لتنقي تراثها من الخليط.. وتوضح حقيقة الموقف مهما كانت العواقب.. حفظاً للمقام الديني الناصع.. وهو مطلب أكبر من الشيخ والمكتب ومنا جميعاً.
أما من يعجز عن رؤية الصورة الكبيرة.. ويعجبه تفسير جواب المرجعية من مبدأ الحسد أو التضييق على الآخرين والعياذ بالله.. فلا حاجة للحديث معه.. ولنتركه يعيش تلك الدراما المتخيلة.. وهل صار السيستاني عظيماً إلا بترفعه وشموخه النفسي عن النزول إلى هكذا مستويات؟!
وأغمض عيني في أمور كثيرة وإني على ترك الغموض قديرُ
وما من عمى أغضي ولكن لربما تعامى وأغضى المرء وهو بصيرُ
وأسكت عن أشياء لو شئت قلتها وليس علينا في المقال أميرُ
السؤال (16): جاء في البيان الصادر عن مكتب الشيخ اليعقوبي في رده على مكتب السيد السيستاني بأن هذا النفي الذي صدر من مكتب السيد هو (خدمة للاستكبار العالمي) لأنه يوقع الفتنة بين المؤمنين.. فما قولك في ذلك؟.
الجواب:
أما موضوع (الفتنة) فقد سبق الجواب عنه..
وأما رد (مكتب) الشيخ معترضاً على (مكتب) السيد.. بأن الجواب يجب أن يصدر من شخص السيد دام ظله وليس من (المكتب) .. متناسين أن من يطلب ذلك هو (المكتب) وليس شخص الشيخ !! فهو من الطرائف والظرائف.
على كل حال.. كنت قبل أيام في حديث مع بعض الشباب.. وتحدث بعضهم عن اللاعب الكرواتي (لوكا مودريتش) الذي لم أكن أعرفه قبل هذا الموقف.. فقلت بأني لا أعرفه.. فبقي يتأمل وجهي وهو مستغرب من عدم معرفتي بهذا اللاعب العالمي!!
وحدث قبل سنوات أن كان صديقي يمشي في شارع.. ومر على مجموعة من الشباب فسأل أحدهم فضولاً.. هل تعرف متى لعبة برشلونة؟ فقال صديقي أنه لا يتابع برشلونة ولا غيرها.. فغضب هذا الشاب السائل وظن أنه يستهزء به وأنه من حزب الريال.. وعندما ابتعد أخذ يشتم كل شخص يكره برشلونة ويتظاهر بعدم معرفتها !!
الشاهد من هذا.. أن الكثير من الأشخاص يعيشون حالة من النرجسية يتصورون معها أنهم محور اهتمام العالم.. ويفترضون أن ما يحبونه يجب أن يحبه كل العالم.. وما يحترمونه يجب أن يحترمه كل العالم.. وما يرونه كبيراً في نظرهم فهو كبير في العالم كله.. ولا يحق للبشرية تجاهله.. ومن يجهل بوجوده فهو الجاهل المحروم.
ويؤسفني أن هذه الحالة موجودة بوضوح في ثنايا خطابات الشيخ وكلماته.. وبدأت تتسرب إلى جماعته بشكل واضح.. فمن ذاك الخطيب الذي يقول (لوما نعمة اليعقوبي شصار بحالنا) إلى قول مكتبه أن هذا الكلام (يخدم الاستكبار العالمي).. وكأن الاستكبار يضع مرجعية الشيخ ضمن معادلته الكبرى ويحسب الحساب لاستهدافها!!
ويعلم الله أني لا أقصد توهين الرجل أو الاستخفاف به.. معاذ الله أن أفعل ذلك.. ولكن أريد التنبيه إلى أن هذا النمط إذا بدأ يسيطر على خطاب معين فلن يتوقف عند حد.. وهذا التباهي سيخرب حالة التواضع ونكران الذات الموجودة في الحوزة العلمية كعمود من أعمدة أخلاقها.
لقد نشأنا في الحوزة ونحن نرى شطراً كبيراً من جمالها وجاذبيتها يرجع إلى الجانب الأخلاقي فيها.. وفتحنا عيوننا على أسطر النور التي كتبها أعلامنا الكبار.. وهم يعبرون عن أنفسهم بكلمات تسحق وتدمر هذه (الأنا) العالقة في النفس وتعتاش على المدح والإعجاب كما تعتاش الطفيليات.
كلمات الأعلام مثل (الفقير .. الحقير .. الأحقر .. قليل البضاعة .. المحتاج .. الضعيف .. القاصر المقصر... إلخ) كلها تحاول بناء سد منيع بين الذكاء والدقة التي يتمتع بها المجتهدون.. وبين الإعجاب بالنفس.
فليس من المقبول أن نرى هذا السد ينهار.. ويستبدل بحالة من الزهو وانتفاخ الذات على يد الشيخ أو غيره !!
وسأذكر تسعة شواهد تدل على هذه الحالة النرجسية التي يلزم التنبه لها.. لما لها من آثار خطيرة على نفسيات طلبة العلم في النجف الأشرف:
الشاهد الأول: (فأتوا ببحث من مثله إن كنتم صادقين).
ما تقدم ذكره في السؤال (10) من شواهد (4 / 5/ 6) في حديث الشيخ عن كتبه ومؤلفاته ومدحها بشكل عجيب.. مما لم تألفه الحوزة من قبل ولم يسبق أن تكلم أحد علمائها عن كتبه بهذه الكيفية!! حتى الشيخ الجواهري قدس سره الذي ألف الجواهر في 30 سنة لم يتكلم بحرف من هذا!!
بل وصل الأمر إلى التحدي بالبحوث كما تحدى الله بالسور.. وقال في فيديو منشور ( بحثنا موجود وعلمنا موجود والي يشكك خل يتفضل، القرآن يگول فأتوا بسورة من مثله، إحنه هم نطالبكم فأتوا ببحث من مثله، وبغزارة علم وبعمق وكذا مثل هذا الموجود، ونسمع منكم إذا عدهم شيء...)
والمشكلة أن السامع عندما يرى هذه الثقة يتصور أن بحوث مثل القرآن محكمة لا يأتيها الباطل ويعجز الناس عن الاتيان بمثلها.. ولا يدري أن لدينا آلاف البحوث المعمقة التي تجعل من بحث الشيخ كالحصى قرب الجبل.. أو السراج في وجه الشمس.
وهنا تعود من جديد إشكالية من الحكم والفيصل؟ الشيخ نفسه؟ أم طرف آخر؟ ومن هو الطرف الآخر الذي يثبت للناس أن بحوثه في غاية الوهن إذا كان هو وأتباعه لا يعترفون بالجميع ويرونهم حساد؟.
الشاهد الثاني: (الشيخ لا يرى أحداً).
قول الشيخ في لقاء مسجل ومنشور على قناة النعيم وهو يعدد فضائله حيث قال بالحرف الواحد (علمي موجود وفكري موجود .... إلى قوله: وإذا توسعت بالعمل الاجتماعي والحركي والفكري فأعتقد أنه لا يوجد أحد آخر على الساحة)
وهذا من أعجب العجائب.. فهو الذي يتهم السيد السيستاني بأنه فرعون زمانه - كما سيأتي- ويتكلم بهذه الطريقة الفرعونية وإلغاء وجود الآخرين بحيث لا يرى أحداً في الساحة !! هذا في الوقت الذي لا تشكل مؤسساته الاجتماعية والفكرية حتى 1٪ من الجهود المبذولة في العالم الشيعي.. فكيف يرى نفسه متفرداً هكذا؟.. يعلم الله أني لا أعلم.
الشاهد الثالث: (صناعة مرجعية السيد الصدر).
يرى الشيخ نفسه الصانع الأساسي لمرجعية السيد الصدر.. وأن وجود الشيخ اليعقوبي الى جانب السيد هو ما أقنع المؤمنين بتقليده.. وإذا عرفت أن الشيخ ارتدى العمامة وبدأ الدراسة المنتظمة في الحوزة سنة 1992 بحسب ما يذكر الموقع.. والسيد الصدر أعلن مرجعيته سنة 1994 .. فهنا لك أن تتخيل طالباً لا يتجاوز عمره الحوزوي سنتين فقط.. كيف له أن يرى وجوده إلى جانب أستاذه هو السبب في انتشار مرجعية أستاذه!!
حيث جاء في الموقع: (وكان السنـد الأول للسيـد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) والوحيد الذي آزره في بداية إعلان مرجعيته في تلك السنة، وهذا ما ذكره السيد الشهيد الصدر نفسه في بعض لقاءاته المسجّلة، واقنع وجوده إلى جنبه (قدس سره) الكثيرين من داخل الحوزة العلمية وخارجها بالرجوع إلى السيد الشهيد الصدر (قدس سره) حتى انتشرت مرجعيته (قدس سره) واتسعت)
ولا أدري والله.. هل يلتفت أصحاب هذا الكلام إلى التوهين الذي ينسبونه إلى السيد الصدر؟ فهل كان السيد عاجزاً عن إقناع الناس إلى هذا الحد.. ليأتي طالب مستجد في الحوزة.. ليس لديه حلقة علم متوسطة فضلاً عن كبرى.. ولا مؤلفات تذكر.. ولا محاضرات عامة يحتشد حولها الناس.. ولا أتباع وحضور اجتماعي قوي (كونه كان هارباً من الخدمة العسكرية ويحاول تجنب لفت الانتباه) .. ثم يقنع -بطريقة ما- (الكثيرين من داخل الحوزة وخارجها) بتقليد السيد الصدر؟!.. ليته يدلنا على الطريقة التي استخدمها؟ وأظنها ستبقى لغزاً.
الشاهد الرابع: (صناعة مرجعية الشيخ الفياض).
يرى الشيخ نفسه كذلك الصانع الأساسي لمرجعية الشيخ الفياض.. حيث يقول في خطاب المرحلة ج1 ما نصه: (فلقد مارست القيادة الميدانية مع الإعلان عن رجوعي ومن يتبعني إلى سماحة الشيخ الفياض في ما يحتاج فيه إلى الحاكم الشرعي، ولم تكن للشيخ الفياض مرجعية معروفة يومئذٍ فأسسنا ومعنا الكثير من المعتمدين والوكلاء وطلبة العلم الذين يتبعونني بذلك للشيخ الفياض مرجعية معلنة وطبع على أثرها رسالته العملية).
أقول: كل من عاش تلك المرحلة ويتذكر تفاصيلها.. يعلم أن رجوع الإخوة الصدريين إلى الشيخ الفياض كان بسبب كلمة السيد الصدر ووصفه إياه بأنه (طيب القلب) ووجه بالرجوع إليه بما أن الرجوع إلى السيد الحائري متعسر في وقتها.
فما ذكره الشيخ اليعقوبي غريب جداً.. وبالذات قوله (الذين يتبعونني) فهل كانوا يتبعونه أم يتبعون أستاذه الشهيد الصدر؟
مع الإشارة إلى عدم دقة قوله أن رسالة الشيخ الفياض طبعت على إثر هذا الرجوع.. وكأنه لم يكن ينوي ذلك ثم تحمس وطبعها لأن الشيخ اليعقوبي أتاه ببعض المقلدين!! هذا الكلام غير دقيق.
إن الشيخ الفياض كان بصدد مراجعة تعليقته على المنهاج بعد وفاة أستاذه السيد الخوئي قدس سره.. (ولم يمر على تعمم الشيخ اليعقوبي أكثر من ستة أشهر) وباشر بمقدمات طباعتها بعد استشهاد الشيخين الغروي والبروجردي وقبل استشهاد السيد الصدر.. ولعل الشيخ اليعقوبي عندما استلم نسخة من الطبعة الأولى في ذلك الوقت.. ظن أنها من بركاته هو.
بالعكس.. الشيخ الفياض كان منذ البداية بصيراً بالأمر.. ولايتصرف كأنه مرجع للصدريين دون غيرهم.. ولا يريد أن تبنى مرجعيته على وصية السيد الصدر بل على أساس علميته.
حتى الحقوق الشرعية لم يكن يقبلها.. فقد زرته عام 2000م حاملاً مبالغ من الخمس والكفارات من مقلدي السيد الصدر.. وكلمت سماحته شخصياً وألححت عليه أن يستلمها ويخلصني من الأمانة.. لكنه رفض.
ودعك مني ومن اسمي المستعار.. فهذا السيد مقتدى الصدر في لقاء فيديو منشور يقول أنه ذهب إلى الشيخ الفياض قبل مرور 24 ساعة على استشهاد السيد الصدر وسلمه ما لديه من حقوق ولكن الشيخ الفياض رفض استلامها.
وشتان بين شخص تنقاد إليه المرجعية وتسلمه زمامها.. فيرفضها لأن القاصدين إليه لم يأتوه بعد التحري عن أعمليته بل بوصفه الموصى به.. وشخص ينادي ليل نهار.. إقصدوني فأنا الأولى بالسيد الصدر!!
الشاهد الخامس: (مواقف الشيخ والاستجابة الواسعة).
وجاء في الموقع الرسمي للشيخ في سيرته الذاتية (وكذا موقفه الحكيم من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 والذي أصبح موقفاً عاما للشعب العراقي وكانت هذه المواقف تلقى استجابة واسعة من المؤمنين الذين يرجعون في تقليدهم إلى عدة أعلام)
وأحلف بالله صادقاً.. أن عموم المؤمنين في العراق ما كانوا يعرفون موقفاً من الاحتلال الوشيك إلا موقف السيدين السيستاني والحائري.. وما كانوا يسألون عن موقف غيرهما! فأي استجابة واسعة يتحدث عنها هذا الموقع ؟ وما هذه الصلافة في تزوير التاريخ !!
ربما يقرأ الجيل الحالي هذا الكلام فيصدقه .. لأنه لا يعرف أحجام الجهات الداخلة في المشهد الاجتماعي.. لكن هل يمكن خداع من بلغ الأربعين من العمر بهذا الكلام؟
وهل كان يخطر ببال غالبية المجتمع وجود الشيخ فضلاً عن الاستجابة لمواقفه؟!
فاسألوا أهالي مدينة الكوت .. هل كانوا يأخذون مواقفهم من غير السيد حبيب الخطيب وكيل المرجعية؟ واسألوا أهالي البصرة هل كانوا يأخذون مواقفهم من غير السيد علي عبد الحكيم الصافي وكيل المرجعية؟ واسألوا أهالي الناصرية هل كانوا يأخذون مواقفهم من غير الشيخ محمد حسن الخضري (أبو عفاف) وكيل المرجعية؟ وهكذا في كل المحافظات.. فلست أدري عن أي (استجابة واسعة من المؤمنين) يتكلم الموقع !!
الشاهد السادس: (الشيخ وأرعاب النظام).
وجاء في الموقع ذاته : (كما كان سماحة المرجع يتصدى لبيان الموقف الديني من القضايا المهمة كموقفه الحازم ضد قرار الحكومة بمنع التقاط الطالبات صوراً بالحجاب الشرعي في الهويات التعريفية ونال صدى واسعاً فاضطر النظام لإلغائه)
بالله؟ أصحيح ما يقول هؤلاء الإخوة ؟ إنني أمسك قلمي عن التعليق باستخفاف.. ولكن حجم المبالغة لا يطاق!!
أساساً كانت هذه الحركة من سلطة البعث مجرد مناورة للإيحاء بأن صدام (القائد المؤمن) فأصدروا قراراً بالتصوير بلا حجاب.. ثم تدخل الوجهاء من السنة.. ورأينا مشايخ الحملة الإيمانية يناشدون (السيد الرئيس) للتدخل.. وقام صدام بإلغاء القرار ليهلل له مشايخه ويصفوه بظل الله في الأرض.
والله لقد عشنا تلك السنوات بحذافيرها وشاهدنا وسمعنا.. فما رأينا أثراً للشيخ ولا عرفنا من يتحرك استجابة له شخصياً.. بل كنا نعرف وجود صدريين فقط.. وعندما سقط صدام شاهدنا 90٪ منهم التحقوا بالسيد مقتدى الصدر.. فلا أدري ما معنى هذه المبالغات والحديث عن الشيخ وكأنه صاحب الكلمة العليا في المجتمع !! ويشهد الله أن ذلك لا يضرنا بشيء.. لكن ليته كان حقيقياً.
وهناك أمر أجده في غاية التناقض.. وأوجه كلامي للشيخ اليعقوبي:
سماحتكم قلتكم في تسجيل منشور على قناة النعيم الفضائية ضمن حديثكم عن علاقتكم بالسيد الشهيد.. بأنه كان يثني عليكم كثيراً وأنتم قلتم له: ( سيدنا أنت تقول بحقي هذه الكلمات وعيون القوم متربصة بنا فالتركيز عليّ بهذه الكلمات ضمن الأجواء التي تعلمونها وقضية هروبي من الخدمة العسكرية.. ولو لم يريدوا أن يثيروا علي إلا هذه القضية ويقلبون أوراقي ويجدونني هارباً .. فالأفضل أن لا تركزوا علي) وهذا كلامكم المنشور بصوتكم وصورتكم.
ولكن في الشواهد أعلاه نجد الحديث عن نفس الفترة الزمنية بشكل مختلف.. وأن مواقفكم تلقى استجابة (واسعة).. وأن موقفكم من الاحتلال أصبح موقف الشعب العراقي حتى مقلدي بقية المراجع.. وأن النظام اضطر للتراجع عن بعض قراراته بسبب رفضكم.. بل قلتم بالحرف الواحد أنكم أربكتم النظام.. وجاء على لسانكم شخصياً في مقابلة مع مراسل نيوزيوك الأمريكية قولكم:
(وبعد استشهاد السيد الصدر عام 1999 و إغلاق مكتبه بحادثة مفتعلة أعدت النشاط الاجتماعي و التدريس و اللقاء بالناس في مسجد الرأس الشريف المجاور للصحن الحيدري حتى أصبح مركز إدارة وقيادة أتباع السيد الشهيد الصدر الثاني والحركة الإسلامية المتصاعدة مما أربك النظام وجعلني تحت المراقبة المكثفة).
فلا أدري يا شيخنا بماذا نأخذ الآن؟ هل بقولكم أنكم كنتم تتجنبون التركيز وتحذرون من معرفة النظام بقضية هروبكم.. أم بقولكم أنكم كنتم شوكة في عين النظام ومصدر قلقه الأول؟ الجواب برسم سماحتكم.. هل حصل ترتيب معين؟ أم ماذا؟
الشاهد السابع: (الشيخ محرج المرجعية الصامتة).
في فيديو مسجل ومنشور على الانترنت يعلق الشيخ على التوجيهات التي صدرت من المرجعية العليا دام ظلها إلى زوار الأربعين، وبعد سيل من الإساءات للمرجعية العليا والانتقاص منها - سيأتي ذكره بعد صفحات - قال ما نصه: (صار سنين لا يصدر أي شيء في هذا المجال لكن في هذه السنة وصلنا شيء لا أعلم مدى تدخل المرجعية فيه لكن هكذا نسب للمرجعية وتوجيهات جيدة المؤمنون بحاجة لها وهي لا تخرج عن إطار التوجيهات والتوصيات التي نحن نبينها باستمرار منذ مدة طويلة) فهو لم يكتف ببيان سخطه على المرجعية.. بل يصرح بأن هذه التوصيات خطوة متأخرة أتت بفضل منه هو بعد مدة طويلة.. فهو من علمها كيف تصدر التوجيهات لأن ما قالته المرجعية لا يخرج عن إطار التوجيهات التي يقولها هو!!
الشاهد الثامن: (الرسائل الساخنة للاحتلال والمرجعية).
قال في خطاب المرحلة (113) في 2006 ( ثم جاء البيان الهام الذي تُلي في صلوات الجمعة الموحدة في بغداد والمحافظات ليوم 1 ربيع الأول (الموافق 31/3) وقد أردنا من خلال البيان أن نوصل رسائل مهمة.... وأول الجهات الولايات المتحدة التي حذرناها من اللعب بنار الطائفية والحرب الأهلية ... إلى قوله: وثاني الرسائل إلى المرجعيات الأخرى حتى تكون أكثر حزما ً مع السياسيين وتتخذ قرارات شجاعة إذا لم يعملوا بجدّ على إنقاذ الأمة وإصلاح حالها ومعالجة مشاكلها واكتفوا بحساب مصالحهم الشخصية والفئوية، وقد تحركت المرجعية فوراً ودعت القادة السياسيين إلى التخلي عن بعض مواقعهم من أجل حلحلة الأمور وتحريك العملية السياسية إلى الإمام ومارست تدخلاً مشكوراً لتحقيق هذه النتيجة).
ومرة أخرى يرى الشيخ أن تحركات المرجع الأعلى لم تأت من شعوره بتكليفه ومعرفته بواجبه.. بل بدفع منه هو.. وربما خافت المرجعية العليا من الرسالة الثانية كما خافت أمريكا من الأولى!!
هكذا يرى الرجل نفسه ممسكاً بزمام المذهب كله.. إن تصدت مرجعية معينة للتقليد كالصدر أو الفياض فهو مؤسسها ومشيدها.. وإن صدرت توجيهات فهو ملهمها.. وإن تراجعت سلطة صدامية فهو مرعبها.. وإن سكتت أمريكا فهو مخيفها.. والخلاصة أنه لا يوجد غيره في الساحة وكل الخلائق عيال عليه.. وهو القائل (وإذا توسعت بالعمل الاجتماعي والحركي والفكري فأعتقد أنه لا يوجد أحد آخر على الساحة).
ثانياً: جهة عامة هي قوله (وليحذر المؤمنون من الاغترار بمثل هذه الدعاوى).
وهي عامة من حيث أن المرجعية الدينية العليا من واجبها حفظ أعراف الحوزة وسياقاتها الصحيحة وعدم السماح بمثل هذه الأساليب في بناء المجد على الكذب أو الشواهد التي لا محصل علمي لها.
لو كان كل شخص يريد التصدي للمرجعية يجمع ألبوماً كاملاً عن قصصه وفضائله ليقدمه بديلاً عن بحوثه المعمقة وآرائه العلمية.. فلن يبقى من الحوزة إلا حفنة قصص ودعاوى.
من هنا حذرت المرجعية من الانسياق وراء هذه الطريقة في التعاطي مع المؤمنين ومحاولة التأثير على العواطف.
هذه -بنظري القاصر- أسباب الرد على القصة المكذوبة أعلاه.. وأما فاضل البديري أو الصرخي فكانوا مجرد مهرجين.. ولا توجد احتمالية لتصديقهم.. ولو أنهم انتهجوا نفس النهج وبذلوا مثل هذا الكم الهائل من الضخ الإعلامي لتصدق الناس.. لكان التعامل معهم بنفس الطريقة.
الطريقة المعتادة للمرجعية لا ربط لها بالشيخ.
والأمر يشبه ادعاء بعض الأشخاص أنهم وكلاء للمرجعية العليا.. فإنك لو راجعت حالات الادعاء في السنوات الماضية.. سترى عدد المدعين بالعشرات.. لكن المرجعية ردت فقط على إثنين او ثلاثة ممن كان هناك احتمال فعلي أن الناس ستصدق روايتهم.. وليس الجميع.
مثلاً. خرج علينا شخص من البحرين يدعي أموراً غريبة كعلم الأبراج وتصديق ما يسميه مكاشفات .. وينصح الناس بمتابعة النساء المتنبئات اللواتي يتسكعن من فضائية إلى أخرى.. ثم وصل إلى حد.. أن نسب إلى السيد السيستاني موافقته على هذا كله!! وهنا على نفسها جنت براقش.
فقام جمع من أهالي البحرين بكتابة استفتاء لسماحة للمرجع الأعلى حول ذلك.. ومما جاء فيه: (إن أحد المنتمين إلى الحوزة العلمية والمتزيين بزي طلبة العلم وبعد أن كان على ظاهر الصلاح ومحل وثوق لدى زملائه و أقرانه أخذ أخيراً يدعي ادعاءات غريبة...إلى قوله: وقد نسب إلى سماحة السيد دام ظله تصديق من يدعي هذه المكاشفات إذا كان مؤمناً......).
وكان الجواب من مكتب سماحة السيد دام ظله حاسماً: (الأعمال المذكورة باطلة ولا مسوغ لها شرعاً ونسبة تصحيحها إلى سماحة السيد دام ظله مكذوبة بكل تأكيد وعلى المؤمنين وفقهم الله تعالى لمراضيه متاركة الشخص المشار إليه وعدم التعويل عليه والله الهادي).
ورغم أن هذا الحسم جاء ليخرج مكتب سماحة السيد من عهدة التاريخ ويثبت موقفاً للأجيال بنفي هذه التهمة .. مع ذلك نجد المحبين لهذا الشخص والمتأثرين به (المستسلمون له) قد انزعجوا من الجواب وأخذوا يدورون يميناً وشمالاً بحثاً عن ثغرة في الجواب!!
وعلق احدهم (مع كل الاحترام لكم سؤالين يطرحهما العقل أولاً من هم (جمع من المؤمنين في البحرين) هل لهم بأن يعرفوا عن أنفسهم بوضع أسمائهم؟ وثانياً هل سماحة السيد آية الله السيستاني يرد بالجواب على رسالة من دون وجود أسماء عليها ومذيله بما ذكر أعلاه فهل يمكن بأي كائن من كان سواء فرداً أو مجموعة برسالة تكون مجهولة الهوية ومن ثم يتم الرد عليها هكذا؟ )
لاحظوا سخافة الإشكال.. عندما يغمض عن الجواب الذي فيه معرفة الحكم الشرعي.. ويتمسك بذيل السؤال ليعرف من هم (جمع)!!
وهكذا ستجد دائماً في حياتك أشخاصاً لا يريدون الاستماع.. وقد حسموا أمرهم برفض ما تقول حتى قبل أن تتكلم!
ومثله في الافتراء على المرجعية.. مع احتمالية تصديق الناس.. لولا التدخل المباشر من المرجعية لنفي الخبر.. ما قاله السيد كمال الحيدري قبل سنتين (عام 1444هـ) في أحد تسريباته المعروفة.. بأن المرجعية منعته من دخول العراق.. وجاء سؤال إلى مكتب السيد مد ظله حول هذه التهمة:
(نشر في مواقع التواصل الاجتماعي تسجيل صوتي منسوب إلى السيد كمال الحيدري يدعي فيه ان رأس الحوزة العلمية في النجف الاشرف طلب منعه من مغادرة قم و المجيء إلى العراق فما هو تعليقكم على ذلك؟)
وكان جواب سماحته (هذا الكلام لا أساس له من الصحة فإن المرجعية الدينية العليا لم تطلب ماذكر أبدا وليس من منهجها مثل ذلك في حال من الأحوال نسأل الله تعالى حسن العاقبة).
وأيضاً نجد من يرفض ويعلق بتعليق خارج سياق الموضوع.. مثل قول أحدهم وهو يردد الكليشة التي مللنا منها: (السيد كمال الحيدري فضح كهنة المعبد وضرب مصالحهم لذلك يحاربونه وسوف يقض مضاجعهم حتى ينقي الدين من خرافاتهم)
من خلال النماذج المتقدمة تعرف منهج المرجعية.. فهي لا تكتثر بما يقال هنا أو هناك.. لكن عندما تصدر فرية أو كذبة وتلصق بها.. وتجد فيها احتمالية كبيرة لتصديق الناس.. وربما تصبح من المواقف المسلمة الصدور بالنسبة للأجيال القادمة.. وقد يتعلم منها حتى المراجع القادمون ويعتبرونها تجربة من سبقهم.. كما تعلم السيد دام ظله من تجارب علمائنا السابقين.. فعند ذلك سترد المرجعية بلا أدنى شك.. لتنقي تراثها من الخليط.. وتوضح حقيقة الموقف مهما كانت العواقب.. حفظاً للمقام الديني الناصع.. وهو مطلب أكبر من الشيخ والمكتب ومنا جميعاً.
أما من يعجز عن رؤية الصورة الكبيرة.. ويعجبه تفسير جواب المرجعية من مبدأ الحسد أو التضييق على الآخرين والعياذ بالله.. فلا حاجة للحديث معه.. ولنتركه يعيش تلك الدراما المتخيلة.. وهل صار السيستاني عظيماً إلا بترفعه وشموخه النفسي عن النزول إلى هكذا مستويات؟!
وأغمض عيني في أمور كثيرة وإني على ترك الغموض قديرُ
وما من عمى أغضي ولكن لربما تعامى وأغضى المرء وهو بصيرُ
وأسكت عن أشياء لو شئت قلتها وليس علينا في المقال أميرُ
السؤال (16): جاء في البيان الصادر عن مكتب الشيخ اليعقوبي في رده على مكتب السيد السيستاني بأن هذا النفي الذي صدر من مكتب السيد هو (خدمة للاستكبار العالمي) لأنه يوقع الفتنة بين المؤمنين.. فما قولك في ذلك؟.
الجواب:
أما موضوع (الفتنة) فقد سبق الجواب عنه..
وأما رد (مكتب) الشيخ معترضاً على (مكتب) السيد.. بأن الجواب يجب أن يصدر من شخص السيد دام ظله وليس من (المكتب) .. متناسين أن من يطلب ذلك هو (المكتب) وليس شخص الشيخ !! فهو من الطرائف والظرائف.
على كل حال.. كنت قبل أيام في حديث مع بعض الشباب.. وتحدث بعضهم عن اللاعب الكرواتي (لوكا مودريتش) الذي لم أكن أعرفه قبل هذا الموقف.. فقلت بأني لا أعرفه.. فبقي يتأمل وجهي وهو مستغرب من عدم معرفتي بهذا اللاعب العالمي!!
وحدث قبل سنوات أن كان صديقي يمشي في شارع.. ومر على مجموعة من الشباب فسأل أحدهم فضولاً.. هل تعرف متى لعبة برشلونة؟ فقال صديقي أنه لا يتابع برشلونة ولا غيرها.. فغضب هذا الشاب السائل وظن أنه يستهزء به وأنه من حزب الريال.. وعندما ابتعد أخذ يشتم كل شخص يكره برشلونة ويتظاهر بعدم معرفتها !!
الشاهد من هذا.. أن الكثير من الأشخاص يعيشون حالة من النرجسية يتصورون معها أنهم محور اهتمام العالم.. ويفترضون أن ما يحبونه يجب أن يحبه كل العالم.. وما يحترمونه يجب أن يحترمه كل العالم.. وما يرونه كبيراً في نظرهم فهو كبير في العالم كله.. ولا يحق للبشرية تجاهله.. ومن يجهل بوجوده فهو الجاهل المحروم.
ويؤسفني أن هذه الحالة موجودة بوضوح في ثنايا خطابات الشيخ وكلماته.. وبدأت تتسرب إلى جماعته بشكل واضح.. فمن ذاك الخطيب الذي يقول (لوما نعمة اليعقوبي شصار بحالنا) إلى قول مكتبه أن هذا الكلام (يخدم الاستكبار العالمي).. وكأن الاستكبار يضع مرجعية الشيخ ضمن معادلته الكبرى ويحسب الحساب لاستهدافها!!
ويعلم الله أني لا أقصد توهين الرجل أو الاستخفاف به.. معاذ الله أن أفعل ذلك.. ولكن أريد التنبيه إلى أن هذا النمط إذا بدأ يسيطر على خطاب معين فلن يتوقف عند حد.. وهذا التباهي سيخرب حالة التواضع ونكران الذات الموجودة في الحوزة العلمية كعمود من أعمدة أخلاقها.
لقد نشأنا في الحوزة ونحن نرى شطراً كبيراً من جمالها وجاذبيتها يرجع إلى الجانب الأخلاقي فيها.. وفتحنا عيوننا على أسطر النور التي كتبها أعلامنا الكبار.. وهم يعبرون عن أنفسهم بكلمات تسحق وتدمر هذه (الأنا) العالقة في النفس وتعتاش على المدح والإعجاب كما تعتاش الطفيليات.
كلمات الأعلام مثل (الفقير .. الحقير .. الأحقر .. قليل البضاعة .. المحتاج .. الضعيف .. القاصر المقصر... إلخ) كلها تحاول بناء سد منيع بين الذكاء والدقة التي يتمتع بها المجتهدون.. وبين الإعجاب بالنفس.
فليس من المقبول أن نرى هذا السد ينهار.. ويستبدل بحالة من الزهو وانتفاخ الذات على يد الشيخ أو غيره !!
وسأذكر تسعة شواهد تدل على هذه الحالة النرجسية التي يلزم التنبه لها.. لما لها من آثار خطيرة على نفسيات طلبة العلم في النجف الأشرف:
الشاهد الأول: (فأتوا ببحث من مثله إن كنتم صادقين).
ما تقدم ذكره في السؤال (10) من شواهد (4 / 5/ 6) في حديث الشيخ عن كتبه ومؤلفاته ومدحها بشكل عجيب.. مما لم تألفه الحوزة من قبل ولم يسبق أن تكلم أحد علمائها عن كتبه بهذه الكيفية!! حتى الشيخ الجواهري قدس سره الذي ألف الجواهر في 30 سنة لم يتكلم بحرف من هذا!!
بل وصل الأمر إلى التحدي بالبحوث كما تحدى الله بالسور.. وقال في فيديو منشور ( بحثنا موجود وعلمنا موجود والي يشكك خل يتفضل، القرآن يگول فأتوا بسورة من مثله، إحنه هم نطالبكم فأتوا ببحث من مثله، وبغزارة علم وبعمق وكذا مثل هذا الموجود، ونسمع منكم إذا عدهم شيء...)
والمشكلة أن السامع عندما يرى هذه الثقة يتصور أن بحوث مثل القرآن محكمة لا يأتيها الباطل ويعجز الناس عن الاتيان بمثلها.. ولا يدري أن لدينا آلاف البحوث المعمقة التي تجعل من بحث الشيخ كالحصى قرب الجبل.. أو السراج في وجه الشمس.
وهنا تعود من جديد إشكالية من الحكم والفيصل؟ الشيخ نفسه؟ أم طرف آخر؟ ومن هو الطرف الآخر الذي يثبت للناس أن بحوثه في غاية الوهن إذا كان هو وأتباعه لا يعترفون بالجميع ويرونهم حساد؟.
الشاهد الثاني: (الشيخ لا يرى أحداً).
قول الشيخ في لقاء مسجل ومنشور على قناة النعيم وهو يعدد فضائله حيث قال بالحرف الواحد (علمي موجود وفكري موجود .... إلى قوله: وإذا توسعت بالعمل الاجتماعي والحركي والفكري فأعتقد أنه لا يوجد أحد آخر على الساحة)
وهذا من أعجب العجائب.. فهو الذي يتهم السيد السيستاني بأنه فرعون زمانه - كما سيأتي- ويتكلم بهذه الطريقة الفرعونية وإلغاء وجود الآخرين بحيث لا يرى أحداً في الساحة !! هذا في الوقت الذي لا تشكل مؤسساته الاجتماعية والفكرية حتى 1٪ من الجهود المبذولة في العالم الشيعي.. فكيف يرى نفسه متفرداً هكذا؟.. يعلم الله أني لا أعلم.
الشاهد الثالث: (صناعة مرجعية السيد الصدر).
يرى الشيخ نفسه الصانع الأساسي لمرجعية السيد الصدر.. وأن وجود الشيخ اليعقوبي الى جانب السيد هو ما أقنع المؤمنين بتقليده.. وإذا عرفت أن الشيخ ارتدى العمامة وبدأ الدراسة المنتظمة في الحوزة سنة 1992 بحسب ما يذكر الموقع.. والسيد الصدر أعلن مرجعيته سنة 1994 .. فهنا لك أن تتخيل طالباً لا يتجاوز عمره الحوزوي سنتين فقط.. كيف له أن يرى وجوده إلى جانب أستاذه هو السبب في انتشار مرجعية أستاذه!!
حيث جاء في الموقع: (وكان السنـد الأول للسيـد الشهيد الصدر الثاني (قدس سره) والوحيد الذي آزره في بداية إعلان مرجعيته في تلك السنة، وهذا ما ذكره السيد الشهيد الصدر نفسه في بعض لقاءاته المسجّلة، واقنع وجوده إلى جنبه (قدس سره) الكثيرين من داخل الحوزة العلمية وخارجها بالرجوع إلى السيد الشهيد الصدر (قدس سره) حتى انتشرت مرجعيته (قدس سره) واتسعت)
ولا أدري والله.. هل يلتفت أصحاب هذا الكلام إلى التوهين الذي ينسبونه إلى السيد الصدر؟ فهل كان السيد عاجزاً عن إقناع الناس إلى هذا الحد.. ليأتي طالب مستجد في الحوزة.. ليس لديه حلقة علم متوسطة فضلاً عن كبرى.. ولا مؤلفات تذكر.. ولا محاضرات عامة يحتشد حولها الناس.. ولا أتباع وحضور اجتماعي قوي (كونه كان هارباً من الخدمة العسكرية ويحاول تجنب لفت الانتباه) .. ثم يقنع -بطريقة ما- (الكثيرين من داخل الحوزة وخارجها) بتقليد السيد الصدر؟!.. ليته يدلنا على الطريقة التي استخدمها؟ وأظنها ستبقى لغزاً.
الشاهد الرابع: (صناعة مرجعية الشيخ الفياض).
يرى الشيخ نفسه كذلك الصانع الأساسي لمرجعية الشيخ الفياض.. حيث يقول في خطاب المرحلة ج1 ما نصه: (فلقد مارست القيادة الميدانية مع الإعلان عن رجوعي ومن يتبعني إلى سماحة الشيخ الفياض في ما يحتاج فيه إلى الحاكم الشرعي، ولم تكن للشيخ الفياض مرجعية معروفة يومئذٍ فأسسنا ومعنا الكثير من المعتمدين والوكلاء وطلبة العلم الذين يتبعونني بذلك للشيخ الفياض مرجعية معلنة وطبع على أثرها رسالته العملية).
أقول: كل من عاش تلك المرحلة ويتذكر تفاصيلها.. يعلم أن رجوع الإخوة الصدريين إلى الشيخ الفياض كان بسبب كلمة السيد الصدر ووصفه إياه بأنه (طيب القلب) ووجه بالرجوع إليه بما أن الرجوع إلى السيد الحائري متعسر في وقتها.
فما ذكره الشيخ اليعقوبي غريب جداً.. وبالذات قوله (الذين يتبعونني) فهل كانوا يتبعونه أم يتبعون أستاذه الشهيد الصدر؟
مع الإشارة إلى عدم دقة قوله أن رسالة الشيخ الفياض طبعت على إثر هذا الرجوع.. وكأنه لم يكن ينوي ذلك ثم تحمس وطبعها لأن الشيخ اليعقوبي أتاه ببعض المقلدين!! هذا الكلام غير دقيق.
إن الشيخ الفياض كان بصدد مراجعة تعليقته على المنهاج بعد وفاة أستاذه السيد الخوئي قدس سره.. (ولم يمر على تعمم الشيخ اليعقوبي أكثر من ستة أشهر) وباشر بمقدمات طباعتها بعد استشهاد الشيخين الغروي والبروجردي وقبل استشهاد السيد الصدر.. ولعل الشيخ اليعقوبي عندما استلم نسخة من الطبعة الأولى في ذلك الوقت.. ظن أنها من بركاته هو.
بالعكس.. الشيخ الفياض كان منذ البداية بصيراً بالأمر.. ولايتصرف كأنه مرجع للصدريين دون غيرهم.. ولا يريد أن تبنى مرجعيته على وصية السيد الصدر بل على أساس علميته.
حتى الحقوق الشرعية لم يكن يقبلها.. فقد زرته عام 2000م حاملاً مبالغ من الخمس والكفارات من مقلدي السيد الصدر.. وكلمت سماحته شخصياً وألححت عليه أن يستلمها ويخلصني من الأمانة.. لكنه رفض.
ودعك مني ومن اسمي المستعار.. فهذا السيد مقتدى الصدر في لقاء فيديو منشور يقول أنه ذهب إلى الشيخ الفياض قبل مرور 24 ساعة على استشهاد السيد الصدر وسلمه ما لديه من حقوق ولكن الشيخ الفياض رفض استلامها.
وشتان بين شخص تنقاد إليه المرجعية وتسلمه زمامها.. فيرفضها لأن القاصدين إليه لم يأتوه بعد التحري عن أعمليته بل بوصفه الموصى به.. وشخص ينادي ليل نهار.. إقصدوني فأنا الأولى بالسيد الصدر!!
الشاهد الخامس: (مواقف الشيخ والاستجابة الواسعة).
وجاء في الموقع الرسمي للشيخ في سيرته الذاتية (وكذا موقفه الحكيم من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 والذي أصبح موقفاً عاما للشعب العراقي وكانت هذه المواقف تلقى استجابة واسعة من المؤمنين الذين يرجعون في تقليدهم إلى عدة أعلام)
وأحلف بالله صادقاً.. أن عموم المؤمنين في العراق ما كانوا يعرفون موقفاً من الاحتلال الوشيك إلا موقف السيدين السيستاني والحائري.. وما كانوا يسألون عن موقف غيرهما! فأي استجابة واسعة يتحدث عنها هذا الموقع ؟ وما هذه الصلافة في تزوير التاريخ !!
ربما يقرأ الجيل الحالي هذا الكلام فيصدقه .. لأنه لا يعرف أحجام الجهات الداخلة في المشهد الاجتماعي.. لكن هل يمكن خداع من بلغ الأربعين من العمر بهذا الكلام؟
وهل كان يخطر ببال غالبية المجتمع وجود الشيخ فضلاً عن الاستجابة لمواقفه؟!
فاسألوا أهالي مدينة الكوت .. هل كانوا يأخذون مواقفهم من غير السيد حبيب الخطيب وكيل المرجعية؟ واسألوا أهالي البصرة هل كانوا يأخذون مواقفهم من غير السيد علي عبد الحكيم الصافي وكيل المرجعية؟ واسألوا أهالي الناصرية هل كانوا يأخذون مواقفهم من غير الشيخ محمد حسن الخضري (أبو عفاف) وكيل المرجعية؟ وهكذا في كل المحافظات.. فلست أدري عن أي (استجابة واسعة من المؤمنين) يتكلم الموقع !!
الشاهد السادس: (الشيخ وأرعاب النظام).
وجاء في الموقع ذاته : (كما كان سماحة المرجع يتصدى لبيان الموقف الديني من القضايا المهمة كموقفه الحازم ضد قرار الحكومة بمنع التقاط الطالبات صوراً بالحجاب الشرعي في الهويات التعريفية ونال صدى واسعاً فاضطر النظام لإلغائه)
بالله؟ أصحيح ما يقول هؤلاء الإخوة ؟ إنني أمسك قلمي عن التعليق باستخفاف.. ولكن حجم المبالغة لا يطاق!!
أساساً كانت هذه الحركة من سلطة البعث مجرد مناورة للإيحاء بأن صدام (القائد المؤمن) فأصدروا قراراً بالتصوير بلا حجاب.. ثم تدخل الوجهاء من السنة.. ورأينا مشايخ الحملة الإيمانية يناشدون (السيد الرئيس) للتدخل.. وقام صدام بإلغاء القرار ليهلل له مشايخه ويصفوه بظل الله في الأرض.
والله لقد عشنا تلك السنوات بحذافيرها وشاهدنا وسمعنا.. فما رأينا أثراً للشيخ ولا عرفنا من يتحرك استجابة له شخصياً.. بل كنا نعرف وجود صدريين فقط.. وعندما سقط صدام شاهدنا 90٪ منهم التحقوا بالسيد مقتدى الصدر.. فلا أدري ما معنى هذه المبالغات والحديث عن الشيخ وكأنه صاحب الكلمة العليا في المجتمع !! ويشهد الله أن ذلك لا يضرنا بشيء.. لكن ليته كان حقيقياً.
وهناك أمر أجده في غاية التناقض.. وأوجه كلامي للشيخ اليعقوبي:
سماحتكم قلتكم في تسجيل منشور على قناة النعيم الفضائية ضمن حديثكم عن علاقتكم بالسيد الشهيد.. بأنه كان يثني عليكم كثيراً وأنتم قلتم له: ( سيدنا أنت تقول بحقي هذه الكلمات وعيون القوم متربصة بنا فالتركيز عليّ بهذه الكلمات ضمن الأجواء التي تعلمونها وقضية هروبي من الخدمة العسكرية.. ولو لم يريدوا أن يثيروا علي إلا هذه القضية ويقلبون أوراقي ويجدونني هارباً .. فالأفضل أن لا تركزوا علي) وهذا كلامكم المنشور بصوتكم وصورتكم.
ولكن في الشواهد أعلاه نجد الحديث عن نفس الفترة الزمنية بشكل مختلف.. وأن مواقفكم تلقى استجابة (واسعة).. وأن موقفكم من الاحتلال أصبح موقف الشعب العراقي حتى مقلدي بقية المراجع.. وأن النظام اضطر للتراجع عن بعض قراراته بسبب رفضكم.. بل قلتم بالحرف الواحد أنكم أربكتم النظام.. وجاء على لسانكم شخصياً في مقابلة مع مراسل نيوزيوك الأمريكية قولكم:
(وبعد استشهاد السيد الصدر عام 1999 و إغلاق مكتبه بحادثة مفتعلة أعدت النشاط الاجتماعي و التدريس و اللقاء بالناس في مسجد الرأس الشريف المجاور للصحن الحيدري حتى أصبح مركز إدارة وقيادة أتباع السيد الشهيد الصدر الثاني والحركة الإسلامية المتصاعدة مما أربك النظام وجعلني تحت المراقبة المكثفة).
فلا أدري يا شيخنا بماذا نأخذ الآن؟ هل بقولكم أنكم كنتم تتجنبون التركيز وتحذرون من معرفة النظام بقضية هروبكم.. أم بقولكم أنكم كنتم شوكة في عين النظام ومصدر قلقه الأول؟ الجواب برسم سماحتكم.. هل حصل ترتيب معين؟ أم ماذا؟
الشاهد السابع: (الشيخ محرج المرجعية الصامتة).
في فيديو مسجل ومنشور على الانترنت يعلق الشيخ على التوجيهات التي صدرت من المرجعية العليا دام ظلها إلى زوار الأربعين، وبعد سيل من الإساءات للمرجعية العليا والانتقاص منها - سيأتي ذكره بعد صفحات - قال ما نصه: (صار سنين لا يصدر أي شيء في هذا المجال لكن في هذه السنة وصلنا شيء لا أعلم مدى تدخل المرجعية فيه لكن هكذا نسب للمرجعية وتوجيهات جيدة المؤمنون بحاجة لها وهي لا تخرج عن إطار التوجيهات والتوصيات التي نحن نبينها باستمرار منذ مدة طويلة) فهو لم يكتف ببيان سخطه على المرجعية.. بل يصرح بأن هذه التوصيات خطوة متأخرة أتت بفضل منه هو بعد مدة طويلة.. فهو من علمها كيف تصدر التوجيهات لأن ما قالته المرجعية لا يخرج عن إطار التوجيهات التي يقولها هو!!
الشاهد الثامن: (الرسائل الساخنة للاحتلال والمرجعية).
قال في خطاب المرحلة (113) في 2006 ( ثم جاء البيان الهام الذي تُلي في صلوات الجمعة الموحدة في بغداد والمحافظات ليوم 1 ربيع الأول (الموافق 31/3) وقد أردنا من خلال البيان أن نوصل رسائل مهمة.... وأول الجهات الولايات المتحدة التي حذرناها من اللعب بنار الطائفية والحرب الأهلية ... إلى قوله: وثاني الرسائل إلى المرجعيات الأخرى حتى تكون أكثر حزما ً مع السياسيين وتتخذ قرارات شجاعة إذا لم يعملوا بجدّ على إنقاذ الأمة وإصلاح حالها ومعالجة مشاكلها واكتفوا بحساب مصالحهم الشخصية والفئوية، وقد تحركت المرجعية فوراً ودعت القادة السياسيين إلى التخلي عن بعض مواقعهم من أجل حلحلة الأمور وتحريك العملية السياسية إلى الإمام ومارست تدخلاً مشكوراً لتحقيق هذه النتيجة).
ومرة أخرى يرى الشيخ أن تحركات المرجع الأعلى لم تأت من شعوره بتكليفه ومعرفته بواجبه.. بل بدفع منه هو.. وربما خافت المرجعية العليا من الرسالة الثانية كما خافت أمريكا من الأولى!!
هكذا يرى الرجل نفسه ممسكاً بزمام المذهب كله.. إن تصدت مرجعية معينة للتقليد كالصدر أو الفياض فهو مؤسسها ومشيدها.. وإن صدرت توجيهات فهو ملهمها.. وإن تراجعت سلطة صدامية فهو مرعبها.. وإن سكتت أمريكا فهو مخيفها.. والخلاصة أنه لا يوجد غيره في الساحة وكل الخلائق عيال عليه.. وهو القائل (وإذا توسعت بالعمل الاجتماعي والحركي والفكري فأعتقد أنه لا يوجد أحد آخر على الساحة).
وشتان بين شخص تنقاد إليه المرجعية وتسلمه زمامها.. فيرفضها لأن القاصدين إليه لم يأتوه بعد التحري عن أعمليته بل بوصفه الموصى به.. وشخص ينادي ليل نهار.. إقصدوني فأنا الأولى بالسيد الصدر!!
الشاهد الخامس: (مواقف الشيخ والاستجابة الواسعة).
وجاء في الموقع الرسمي للشيخ في سيرته الذاتية (وكذا موقفه الحكيم من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 والذي أصبح موقفاً عاما للشعب العراقي وكانت هذه المواقف تلقى استجابة واسعة من المؤمنين الذين يرجعون في تقليدهم إلى عدة أعلام)
وأحلف بالله صادقاً.. أن عموم المؤمنين في العراق ما كانوا يعرفون موقفاً من الاحتلال الوشيك إلا موقف السيدين السيستاني والحائري.. وما كانوا يسألون عن موقف غيرهما! فأي استجابة واسعة يتحدث عنها هذا الموقع ؟ وما هذه الصلافة في تزوير التاريخ !!
ربما يقرأ الجيل الحالي هذا الكلام فيصدقه .. لأنه لا يعرف أحجام الجهات الداخلة في المشهد الاجتماعي.. لكن هل يمكن خداع من بلغ الأربعين من العمر بهذا الكلام؟
وهل كان يخطر ببال غالبية المجتمع وجود الشيخ فضلاً عن الاستجابة لمواقفه؟!
فاسألوا أهالي مدينة الكوت .. هل كانوا يأخذون مواقفهم من غير السيد حبيب الخطيب وكيل المرجعية؟ واسألوا أهالي البصرة هل كانوا يأخذون مواقفهم من غير السيد علي عبد الحكيم الصافي وكيل المرجعية؟ واسألوا أهالي الناصرية هل كانوا يأخذون مواقفهم من غير الشيخ محمد حسن الخضري (أبو عفاف) وكيل المرجعية؟ وهكذا في كل المحافظات.. فلست أدري عن أي (استجابة واسعة من المؤمنين) يتكلم الموقع !!
الشاهد السادس: (الشيخ وأرعاب النظام).
وجاء في الموقع ذاته : (كما كان سماحة المرجع يتصدى لبيان الموقف الديني من القضايا المهمة كموقفه الحازم ضد قرار الحكومة بمنع التقاط الطالبات صوراً بالحجاب الشرعي في الهويات التعريفية ونال صدى واسعاً فاضطر النظام لإلغائه)
بالله؟ أصحيح ما يقول هؤلاء الإخوة ؟ إنني أمسك قلمي عن التعليق باستخفاف.. ولكن حجم المبالغة لا يطاق!!
أساساً كانت هذه الحركة من سلطة البعث مجرد مناورة للإيحاء بأن صدام (القائد المؤمن) فأصدروا قراراً بالتصوير بلا حجاب.. ثم تدخل الوجهاء من السنة.. ورأينا مشايخ الحملة الإيمانية يناشدون (السيد الرئيس) للتدخل.. وقام صدام بإلغاء القرار ليهلل له مشايخه ويصفوه بظل الله في الأرض.
والله لقد عشنا تلك السنوات بحذافيرها وشاهدنا وسمعنا.. فما رأينا أثراً للشيخ ولا عرفنا من يتحرك استجابة له شخصياً.. بل كنا نعرف وجود صدريين فقط.. وعندما سقط صدام شاهدنا 90٪ منهم التحقوا بالسيد مقتدى الصدر.. فلا أدري ما معنى هذه المبالغات والحديث عن الشيخ وكأنه صاحب الكلمة العليا في المجتمع !! ويشهد الله أن ذلك لا يضرنا بشيء.. لكن ليته كان حقيقياً.
وهناك أمر أجده في غاية التناقض.. وأوجه كلامي للشيخ اليعقوبي:
سماحتكم قلتكم في تسجيل منشور على قناة النعيم الفضائية ضمن حديثكم عن علاقتكم بالسيد الشهيد.. بأنه كان يثني عليكم كثيراً وأنتم قلتم له: ( سيدنا أنت تقول بحقي هذه الكلمات وعيون القوم متربصة بنا فالتركيز عليّ بهذه الكلمات ضمن الأجواء التي تعلمونها وقضية هروبي من الخدمة العسكرية.. ولو لم يريدوا أن يثيروا علي إلا هذه القضية ويقلبون أوراقي ويجدونني هارباً .. فالأفضل أن لا تركزوا علي) وهذا كلامكم المنشور بصوتكم وصورتكم.
ولكن في الشواهد أعلاه نجد الحديث عن نفس الفترة الزمنية بشكل مختلف.. وأن مواقفكم تلقى استجابة (واسعة).. وأن موقفكم من الاحتلال أصبح موقف الشعب العراقي حتى مقلدي بقية المراجع.. وأن النظام اضطر للتراجع عن بعض قراراته بسبب رفضكم.. بل قلتم بالحرف الواحد أنكم أربكتم النظام.. وجاء على لسانكم شخصياً في مقابلة مع مراسل نيوزيوك الأمريكية قولكم:
(وبعد استشهاد السيد الصدر عام 1999 و إغلاق مكتبه بحادثة مفتعلة أعدت النشاط الاجتماعي و التدريس و اللقاء بالناس في مسجد الرأس الشريف المجاور للصحن الحيدري حتى أصبح مركز إدارة وقيادة أتباع السيد الشهيد الصدر الثاني والحركة الإسلامية المتصاعدة مما أربك النظام وجعلني تحت المراقبة المكثفة).
فلا أدري يا شيخنا بماذا نأخذ الآن؟ هل بقولكم أنكم كنتم تتجنبون التركيز وتحذرون من معرفة النظام بقضية هروبكم.. أم بقولكم أنكم كنتم شوكة في عين النظام ومصدر قلقه الأول؟ الجواب برسم سماحتكم.. هل حصل ترتيب معين؟ أم ماذا؟
الشاهد التاسع: (إما أن تذعن أو أنت سيء التوفيق).
فيديو منشور للشيخ يخاطب فيه بعض أتباعه: (صح لا يطيعونني كل هؤلاء الموجودين، لذلك الذين قرؤوا صحيفة الصادقين قرؤوا استشهادي بالآية (اللهم (توهم ويقصد رب) إني لا أملك إلا نفسي وأخي) وأقصد بأخي المجموع أنتم وليس شخصاً واحداً، أقصد أخي هؤلاء الشباب الواعين الرساليين الذين يطيعونني لا أملك غيرهم، الأخرين لا يطيعونني ولا يذعنون لتوجيهاتي، وهذا من تقصيرهم وسوء توفيقهم، لأنهم يتخبطون إذا لم يستجيبوا، مالي أمر عليهم لكني بفضل الله أستطيع أن أتخذ قرارات أجبرهم على أن يتحركوا بالاتجاه الذي أريده...).
ولعلك أيها القارئ الكريم بدأت تعتاد على هذه اللهجة في احتقار الأخرين واستعبادهم.. فلا أعلق.
أخيراً.. هذه الشواهد التسعة قطرة من بحر المبالغات والنرجسية.. ومثيلاتها كثير.. لكني لست في صدد الإحصاء.. وأكله إلى من قال (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
السؤال (17): لماذا تفترض أن هناك مبالغات في كلام الشيخ؟ ألا يمكن أن تكون زاوية النظر مختلفة، وتكون أنت الغائب عن الساحة ولا تعرف حجم تأثيره؟!.
الجواب:
من المتوقع جداً (والمقبول كذلك).. أن شباب العشرين الذين لم يعيشوا تلك المرحلة.. لن يصدقوا كاتباً يستتر خلف اسم مستعار في مقابل كلام الشيخ وموقعه الرسمي.. وهذا من حقكم وأرفع يدي مسلماً ومستسلما.
ولكن سأعطيكم نماذج تستطيعون من خلالها معرفة حجم تأثير الشيخ بعيداً عن دعوانا ودعوى الشيخ وأتباعه.. وتتأكدون أن هذا الكلام الذي يقال عن دوره ومحوريته هل له واقع.. أم مجرد مبالغة!
أنا والله شاهد على قولي.. لا أشك أبداً بصدقهم مع أنفسهم وقناعتهم عندما يطلقون هذه المبالغات العجيبة.. ولكن أفهم جيداً أن سبب ذلك هو عيشهم ضمن هذه الدائرة النرجسية وعدم قدرتهم على رؤية الواقع خارجها.
بعض إخوتنا من مقلدي المراجع لكرام أيضاً يقعون أحياناً ضمن هذه الدائرة وتعجبهم المبالغات.. فيقول أحدهم مثلاً أن السيد السيستاني إذا قال كلمة سيقف العالم على رجل واحدة !! ونحن بالعادة نشرح لهم الأهمية العالمية لمرجعية السيد السيستاني دام ظله.. وكيف يقصده كبار قادة العالم في زقاقه الضيق.. لكن قصة الرجل الواحدة هذه فيها إساءة أكثر من المدح لأن العالم أكبر مما تظنون.. وكأننا نستخف بسيف ذي الفقار عندما نقول أن ضربة واحدة منه تحدث دماراً أكبر من قنبلة هيروشيما!
مثل هذه المبالغات موجودة في كل مكان.. لكنها -مادامت القيادة لا تشجعها- ستبقى مطوقة ومنحصرة بطيف من الناس تتفق طبيعتهم النفسية مع هذه الطريقة.. اللهم إلا أن يكون القائد هو من يمارسها بنفسه.. فتهون لدى أتباعه وتصبح ثقافة.
وكيفما كان.. نرجع إلى النماذج التي وعدنا بها.. وهي تعرض مواقف صدرت من الشيخ في آخر عشر سنوات.. وكانت مواقفه تخاطب الرأي العام.. وليس أتباعه فقط.
وهنا ويمكن للجيل الحالي الذي يعايش هذه المرحلة أو قريب منها.. استخدام هذه النماذج كوحدة قياس على ما مضى.. حيث يمكن قياس الأثر للمواقف الحالية وهل أحدثت تأثيراً في الشارع؟ أم مرت مرور الكرام بدون أن تلقى أذناً مصغية من الشارع؟.
لا ننسى أن المواقف السابقة التي تحدث عنها الشيخ وموقعه الرسمي كانت قبل إعلان اجتهاده أصلاً.. حيث كانت حركته محدودة.. ما بين جامع الرأس وجامعة الصدر الدينية.. ولم يكن مضى عليه في الحوزة أكثر من عشر سنوات.
فما بالك بمواقف اليوم.. بعد إعلان الاجتهاد ثم المرجعية ثم الأعلمية وولاية أمر الأمة.. وبعد الإمساك بوزارتين وعدة هيئات.. والتمثيل البرلماني لعقدين.. ووجود حزب سياسي منظم.. وإذاعات وفضائيات.. ونشرات ومكاتب ومدارس في عموم العراق وبعض مدن العالم.
فمن المفروض بعد هذا كله أن يكون حجم تأثير المواقف اللاحقة بألف ضعف.. بالقياس إلى المواقف السابقة.
مع ذلك دعونا نرى.. فإذا كانت المواقف اللاحقة قد أحدثت تغييراً ملحوظاً أو استجابة واسعة كما يعبرون.. فقد صدقوا في وصف المواقف السابقة أيضاً.
وإن كانت لم تترك أثراً يُذكر خارج دائرة أتباع الشيخ.. فقد تبين حجم المبالغة في المواقف السابقة.. والمأمول منهم أن يخرجوا من هذه الدائرة النرجسية.. ويكونوا واقعيين في وصف مسيرة الشيخ ومنجزاته.. ولا يتكرر الحديث عن (خدمة الاستكبار العالمي) لأنه أمر محرج للغاية.
الموقف الأول: (هل سمعتم بالجيش الرديف قبل الحشد الشعبي)؟.
يرى الشيخ اليعقوبي نفسه بأنه هو أول من سبق الجميع في الدعوة إلى تشكيلات مسلحة لمساندة الجيش بعد سقوط الموصل.. وسماها (الجيش الرديف).
وظهر الشيخ في مقطع فيديو في شهر 12 سنة 2014 .. أي بعد ستة أشهر من الفتوى.. يتكلم عن تجاوزات المتطوعين والمسلحين (بمعنى أنه يقصد الحشد وليس كائنات من الفضاء) حيث تكلم وهو ينتقد ويهاجم - كالعادة- طريقة السيد السيستاني في كل شيء يفعله سماحة السيد.. قائلاً:
( تسمعون وسائل الإعلام تنقل الكثير عن حالات الخطف والقتل والسرقة والابتزاز والاعتقال هذا لماذا حصل؟ لأنه لم تدار العملية بشكل صحيح !! نحن اشترطنا من أول يوم ودعونا إلى الجيش الرديف قبل أن يدعو أي أحد آخر إلى جهاد أو حشد شعبي أو إلى أي شيء من هذه المصطلحات).
والمؤسف أنه قال هذا الكلام بينما كان أولادنا يتساقطون كالنجوم والدماء تنزف في أراضي أخوتنا السنة دفاعاً عنهم.. ثم يأتي الشيخ ويؤيد وسائل الإعلام المعادية والمحرضة.. ويستشهد بكلامها.. لمجرد أن الحشد محسوب على السيستاني وكان نتاج فتواه!!.
طبعاً كان هذا قبل أن تتبدل مواقف الشيخ ويسير في ركب المجاملة لأن الحشد أصبح (مقدساً) ولم يعد من السهولة أن تهاجمه دون أن تخسر قواعدك!!
والذي يقصده الشيخ في قضية الجيش الرديف هو قوله في بيان أصدره مساء يوم 11/ 6/ 2014 ( وإننا نثق بقدرة قواتنا المسلّحة على فرض الأمن في ربوع الوطن ولكننا نرى إنّ التحدّيات الراهنة تستدعي تشكيل جيش رديف للقوات المسلّحة وساندٍ لها في عملياتها، يكون له قادة مهنيون وأكفاء ويزوّد بتجهيزات متطوّرة ويحظى بتدريب عالٍ ويستوعب الشباب العقائديين المتحمسين للدفاع عن أهلهم ووطنهم ومقدّساتهم ويوفّر لهم البديل عن الانخراط في الميليشيات والمجاميع المسلّحة...).
نعم.. بالتأكيد كان هذا سابقاً لفتوى المرجع الأعلى دام ظله بحدود (40 ساعة) حيث صدرت فتوى سماحته دام ظله في منتصف نهار (13/ 6) في الصحن الحسيني المقدس.. ومن هنا تجد جميع المواقع الإعلامية التابعة للشيخ اليعقوبي.. تدخل في حملة تذكير وتنبيه.. بأننا سبقناكم بفكرة تأسيس الحشد.. وكأننا في منافسة أطفال ومن يسبق الآخر!!
على كل حال.. لن أدخل في هذه اللعبة التافهة.. ولكن يمكن لأي شخص عاقل أن يذهب لمسؤولي العتبتين المقدستين في كربلاء ويسأل (منذ متى وردتكم المعلومات الأمنية وباشرتم بالاستعداد وتدريب منتسبيكم على القتال ؟؟) وسيعرف عندها من يستحق هدية الأطفال الموجودة في نهاية المسابقة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ونعود لشاهدنا.. فقد كان هذا أحد مواقف الشيخ العامة.. فهل رأيتم أي أثر له في الشارع؟ أم كان الأثر للزلزال الذي أتى بعده بأربعين ساعة؟ وأورثه حسرة جعلته يهاجم السيد وفتواه ومتطوعيه ويتهمنا بالاحتراب الطائفي بينما كان دماؤنا تسيل؟
الموقف الثاني:( هل سمعتم بمبادرة الشيخ للحل)؟.
ما أسموه (مبادرة المرجعية للحل بإذن الله) وصدرت المبادرة في شهر 10 / 2019.. وكانت تظاهرات تشرين في تصاعد.. وجاء في هذه المبادرة:
(وتتضمن المبادرة المقترحة عدة نقاط قابلة للاضافة والتعديل:
1.يقدم السيد عادل عبد المهدي استقالة حكومته ثمناً رخيصاً لدماء المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى الذين خرجوا للاحتجاج وبذلك تستعيد العملية السياسية بعض ثقة الجماهير...
2. يكلف رئيس الجمهورية السيد عادل عبد المهدي من جديد او البديل المتفق عليه بتشكيل الحكومة باعتباره مرشح أكثر الكتل البرلمانية وأكبرها...)
وهنا أسأل الجيل الحالي المحتار في تصديق من؟.. هل سمعتم بشيء من مبادرة الشيخ يدور الحديث عنه في ساحات التظاهر لدقيقة واحدة؟ وهل شاهدنا ولو مجموعة من عشرة أشخاص رفعوا شعار التأييد لهذه المبادرة؟ وهل استقالة عبد المهدي حصلت بسبب هذه المبادرة ؟ أم بعدها بشهرين بسبب خطبة المرجعية العليا التي ألقاها السيد الصافي؟ وهل أعيد تكليفه كما طلب الشيخ؟ وهل سمعتم أساساً بهذه المبادرة؟
أترك الجواب لإهل الإنصاف.. وأخشى لو أن هذه المبادرة كانت قبل 20 سنة حيث لم تولدوا بعد أو كنتم أطفالاً.. لقال مكتب الشيخ أن استقالة عبد المهدي كانت استجابة لمبادرة الشيخ.. وأنه هو المعني بقول عبد المهدي بعد استقالته (يا أبت أفعل ما تؤمر)!!
الموقف الثالث: (هل انقطعت زيارة الأربعين في جنوب العراق)؟.
في شهر محرم من هذا العام 1446 هـ .. وجه الشيخ اليعقوبي نصيحة إلى المؤمنين بأن يجعلوا انطلاق مسيرتهم الراجلة في زيارة الأربعين من النجف الأشرف.. وليس من محافظاتهم ومدنهم.. نظراً للجو الحار.. وجاء في جواب استفتاءه حول هذا الموضوع (إن ما صدر لم يكن نهياً ولا تشكيكاً في فضل المشي حتى يرد عليه بمثل هذه الروايات الشريفة وإنما كان نصيحةً، وقد ذكر سماحة المرجع أنها من منطلق الشفقة والمحبة والحرص، وإن من صفات قادة الأمة أن يكونوا كما وصف الله تعالى نبيه الكريم (حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ).
وبقطع النظر عن دقة وحكمة الموقف.. لكننا هنا نتكلم عن الأثر.. فهل من أثر ملحوظ شاهده أحد الزوار؟ هل من همسة واحدة حول تغير الأوضاع في هذه السنة؟ أم كل شيء جرى بشكل طبيعي؟
هذا ما أريد قوله من البداية.. يشهد الله أن كل المواقف التي ذكرها الموقع وبالغ في أنها زلزلت الأوضاع في العراق ولقيت استجابة واسعة ووو.. كان حالها حال هذه المواقف وأقل بكثير.. وبعضها لم أكن أعلم أساساً أنها صدرت من الشيخ حتى رأيت الموقع وتعجبت!!
شكر الله الخالص من سعي أتباعه لخدمة الدين.. وأكرر والله آخذ بناصيتي.. أني لا أقصد توهين الشيخ أو التهكم حول كثرة أو قلة أتباعه.. فهذا أمر لا تفاخر فيه لأحد.. وما ضره إن كان على الحق أن تكون مواقفه بلا أثر!! ولكن الاستمرار على هذا الأسلوب من المبالغة وتضخيم الأمور والنظر إلى النفس بهذه النرجسية وكأن الشيخ هو محور الكون.. سينتهي إلى تشويه المعالم الأخلاقية في أعراف الحوزة ونفوس طلابها.
السؤال (18): على ذكر المعالم الأخلاقية في أعراف الحوزة.. لاحظنا طيلة هذا الحوار أنك تحاول رسم صورة وردية وجميلة ومقدسة عن الحوزة.. وكأنها المدينة الفاضلة.. ومكان يخلو من النوازع النفسية السيئة.. بينما نسمع الكثير من الكلام عن التصرفات العنصرية والتفاوت الطبقي والعائلي.. وهناك من المواقف التي تخالف الشرع ما يملأ الكتب.. وكلها حصلت في الحوزة.. فكيف تفسر ذلك؟
الجواب:
من الطبيعي أن تجدني مدافعاً.. ومن المنطقي أن تراني أقدس المكان الذي وهبته كل عمري ولا عمر لي غيره.. فالحوزة هي شرفنا وكرامتنا وديننا وهي حريم صاحب الزمان أرواحنا فداه.
ولكن ثمة سؤالان نستطيع بحسب جوابهما الرد على استفهامكم أعلاه:
الأول: ماهي الحوزة؟
الثاني: ماهو الخطأ والصواب في الحوزة؟
أولاً: ما هي الحوزة؟
يوجد لدينا شكلان يمكن تصورهما للحوزة:
الشكل الأول: هو شكل مؤسسة هرمية مقفلة ومتساوية الأطراف.. فلا يدخل أحد أو يخرج إلا بموافقة وبنظام وإلزام قانوني.. فمن أساء من الداخل فكأنما أساءت الحوزة كلها.. لأنها هي التي قبلته وأعطته الشرعية.. ويجب عليها سلب هذه الشرعية وطرده من صفوفها وأجباره على خلع عمامته.
بعبارة هندسية - بما أن جو الهندسة محبوب لدى الإخوة أتباع الشيخ - هل الحوزة شكل هندسي تناظري انعكاسي؟ بحيث لو رسمت خطاً للتناظر في المنتصف سيتطابق الجانبان.. وتجد أطرافهما متساوية ومتشابهة.
إن كان هذا هو التصور عن الحوزة.. وكل داخل إليها صار ممثلاً عنها لأنه متناظر مع البقية وانعكاس لهم.. فنعم.. الحوزة ليست بخير.. وهي مكان مظلم وليس وردي.. وما أبعدها عن الله.. وتستحق كل الهجومات التي يشنها الشيخ اليعقوبي وغيره.
لدينا معمم أصيب بالجنون.. وذبح ابن المرجع السيد الأصفهاني في الصحن العلوي الشريف!!
لدينا معمم صار بعثياً من شدة خوفه من السلطة!!
لدينا معمم يكره الايرانيين وينادي بالقومية التي لا تجد لها أثراً في دين الله!!
لدينا معمم غير مذهبه وصار وهابياً في طرحه بل أسوأ من الوهابي!!
لدينا معمم يستحل الحقوق الشرعية!!
لدينا معمم يرى نفسه الوحيد الممثل للمعصوم!!
لدينا معمم يكذب كذباً صريحاً ليحقق غاياته!!
وهكذا.. ترى أن الحوزة ليست بمنأى عن الاستهداف بالنماذج السيئة.. فإذا كان كل خطأ من هذه النماذج يحسب بشكل انعكاسي تناظري على الطرف المقابل من الحوزة.. فلا قداسة ولا وردية في الحوزة.. بل هي أسوأ مكان في العالم.. وأسوأ حتى من عصابات المافيا.
الشكل الثاني: هو شكل مساحة دراسية مفتوحة.. يدخلها من وجد في نفسه الكفاءة.. ومن أوقد الله في قلبه شعلة حب العلم.. ومن شد الله أركانه لخدمة الدين.. ووفقه بلقمة حلال ليكون مرشداً لعباد الله.. يدلهم على طريق النجاة في آخرتهم.. وسط الوديان السحيقة المهلكة.
وقد يدخلها متفوق في دراسته الأكاديمية.. لأنه يحب جمع العلمين.. الأديان والأبدان.. فيتكامل عقله.. وتتسامى روحه.
ثم.. قد يدخلها باحث عن شهرة أو مال.. أو مجند لسلطة.. أو عنصر لجهة.. تريد اختراق هذه الحوزة الطاهرة.. والاحتفاظ فيها بموطئ قدم.. إلى يوم الحاجة.
فالحوزة باب مفتوح .. ولا قوة تنفيذية عندها من الجيش والشرطة لتمنع من تشاء وتقبل من تشاء.. وهنا يأتي سر الحوزة وقوتها في نفس الوقت.. وهو الذي قدمناه في أول هذه الأوراق عندما شرحنا كيفية تكوين المجتهد.. وقلنا أن معاشرته للدوائر الثلاث .. وبالأخص (الأساتذة والزملاء) هي من تحدد لك ماهيته وطبيعة التعامل معه.
وطالما بقي المجتمع قريباً من الحوزة .. ومهتماً بمن يأخذ منه معالم دينه.. سيكون قادراً على التمييز بكل وضوح.
ولكي أشرح لك الأمر بطريقة أخرى.. سأقتبس من دراسة سابقة غير منشورة كنت قد كتبتها كرسالة لشخص ظهر في فيديو يتكلم بأمور غير دقيقة عن الحوزة العلمية.. وأقول فيها:
((عدم مأسسة الحوزة لا يعني وجود فراغ إداري كما قد يبدو .. ففي هيكلها الداخلي هناك هرمية وضوابط والتزامات صارمة للغاية ويعرفها كل الطلبة .. وما يبدو من الخارج أنه حالة هلامية .. هو في داخل الحوزة هيكل منتظم يصعب التلاعب به .. بدليل أنك منذ الدقيقة الأولى في الفيديو طرحت ثلاثة أسماء مرفوضة من قبل الحوزة (الكاتب والحيدري والغزي) فكيف صار من الواضح والمعلوم عندك وعند المشاهدين أنها أسماء مرفوضة حوزوياً ؟ وكيف تم إخراجهم تماماً من النسيج الحوزوي من دون إصدار بيان واحد حولهم في النجف ؟
ولا ننسى أن بريطانيا "العظمى" حكمت ما بين المشرق والمغرب من دون دستور مكتوب لأن الحكماء يعرفون أن الالتزام الصارم بالضوابط المتعارفة والمتناقلة .. والدراسة اللحظية والموضوعية للظروف .. أهم من الحبر على الورق (رغم أهميته في مجالات أخرى).
وبهذا الشكل الثاني الذي شرحناه.. فالحوزة شبكة علاقات تشبه الشكل الهندسي للدماغ.. حيث تراه متداخلاً أيما تداخل.. وكأنه عقدة من الخيوط المتشابكة لا رأس لها ولا ذيل.. لكنه في الواقع يعمل بكفاءة عالية وإيعازاته تنتقل بأفضل حال.
هذا هو الشكل الطبيعي للحوزة.. ومن هنا فالحالات الشاذة والمنحرفة والسيئة لن تستطيع فرض نفسها على الحوزة لأنها لا تشبه البقية ولا تناظرهم.. وعاجلاً أم آجلاً لن يستطيع هؤلاء التعايش مع اتفاق الحوزة وإجماعها على نبذهم وعزلهم دون النطق بكلمة واحدة.. وسيخرجون لاعنين للحوزة مهاجمين لها.. ويفضحون أنفسهم بأنفسهم كالأسماء المذكورة أعلاه.
وهنا يأتي الحديث عن الصورة الوردية وغير الوردية.. فالمنبوذ من الحوزة هو من جعلك تتصور أنها سيئة.. ولكن قربك منها ومعرفتك التفصيلية برجالاتها الفضلاء ستمنحك فرصة لرؤية جمالها..
سترى نقاء روح الشهداء وتضحياتهم كالشيخ مشتاق الزيدي والشيخ جعفر المظفر وبقية قافلة النور.
سترى زهد الكثيرين ونكرانهم للدنيا وتعاليهم عليها.
سترى ورع الكثيرين ودقتهم الشرعية في صرف الأموال.. وصرف الأقوال.. وصرف الأوقات.
وعندها ستعرف أن هذا الجانب مقدس ووردي.. وكله نقاء وفضيلة.
وخلاصة جواب السؤال الأول - ولا أدري إلى أي مدى اتضح حديثي عن شكل الحوزة - أنه:
يوجد شكلان متصوران للحوزة..
شكل نرفضه ولا نقر به.. وهو الشكل تناظري انعكاسي يجعل كل جزء فيها مرتبطاً بالأخر.. وإذا انثلم جزء أضر بالآخر المناظر له.. ولا شأن لنا بما لو أحسن أحدهما من باب (النتيجة تتبع أخس المقدمتين).
وشكل نقبله ونقول به.. وهو شكل الدماغ.. فهو يبدو معقداً لكن متكاملاً وفعالاً في نقل الإيعازات العصبية والتباني على الأمور.. وإن ثمة ورم دماغي يزعجه ويربك عمله قليلاً.. فسرعان ما يتم استئصاله.. والحمد لله أن الورم لم يسيطر على الدماغ طيلة تاريخ الحوزة.
الثاني: ماهو الخطأ والصواب في الحوزة؟
وبعبارة أخرى.. إن الكثير مما يعيبونه على الحوزة هو عين الصواب وتمام الحق.. ومن هنا فليست هي ملزمة باللون الأسود أو الوردي الذي تراه فيها.. ما دامت تقوم بتكليفها المطلوب.
مثلاً.. بعض الناس يريد الجهاد كل يوم.. والحوزة ترى أن له وقتاً وظروفاً خاصة.. فالحوزة عند هذا البعض سوداء.. وعندنا وردية.
ومثال آخر.. قوم من الناس يعيبون اعتماد المرجع على ولده ويخافون أن تكون مقدمة توريث.. والحوزة ترى أن من وجدت فيه الكفاءة لتقديم خدمة للدين فليقدمها سواء ابن المرجع أو غيره. فلماذا نحرمه تقديم الخدمة مع وجود الكفاءة وفهمه لوالده وإعداده على يديه؟
فكم من الناس يرى هذه سوداء لأنه لا يرى إلا الاستحواذ.. ولا يفهم شيئاً من تاريخ هؤلاء الأبناء وكيف أفنوا أعمارهم في خدمة الدين تحت ظل آبائهم.. وأنا والله أراها وردية..
من الشيخ جعفر كاشف الغطاء وولده الشيخ موسى.. وما تحمله في صد الوهابية.
إلى الشيخ صاحب الجواهر وولده الذي فجع به الشيخ محمد.. وكان يلقبه من فرط حبه (حُمَيّدْ).
إلى السيد المجدد الشيرازي وولده الميرزا محمد.. وما تحمله في سامراء من أذى الناس لوالده.
إلى الشيخ الآخوند الخراساني وولده الشيخ مهدي.. وما تحمله من البلاء الذي أحاط بوالده.
إلى السيد اليزدي وولده السيد محمد.. وما تحمله في صد عدوان الإنگليز.
إلى السيد الأصفهاني وولده الذبيح السيد محمد.. وما تحمله في رد كيد الإنكليز.
إلى السيد الحكيم وولده السيد يوسف.. وما تحمله مع والده لدفع الشيوعية والبعثية.
إلى السيد الخوئي وولده السيد محمد تقي.. وما تحمله من بلاء البعثيين الذي انتهى بقتله.
إلى السيد السيستاني.. وولده السيد محمد رضا.. ومن تكبده من عناء الأمريكان والطائفية وداعش والحكومة الفاشلة.. وهذا التعقيد في المشهد وسفك الدماء الذي نعيشه لحظة بلحظة.
ألا يرى مرضى النفوس.. فضيلة أن يتقدم ولدك ويعينك على إدارة المهام؟ ألا يفهمون كيف تقر عين الأب بأن ينعم بزرع يديه الذي رباه عبر السنين.. فلا يظن به عن خدمة الدين؟
وقبل أن تثنى للمرجع وسادة المرجعية.. ألم يكن ولده يحلم باستمرار درسه وأن لا يشغله شيء عنه؟ فهل يظن عاقل أن كل هذه الأسماء التي ذكرناها من الذرية الطيبة.. سارعت متلهفة إلى الإمساك بمكاتب الآباء طلباً للسلطة؟
أليس وردياً أن مراجعنا كلهم استخدموا أولادهم في خدمة عباد الله.. ولم يتجرأ أحدٌ من الأولاد عبر التاريخ على استغلال هذه المكانة وادعاء ما ليس له؟
ومثال ثالث.. أكثر الناس لا يستوعبون الاختلاف بين العلماء في رؤية الهلال ولا يطيقونه.. ويظنون لو أن الحوزة اتفقت على رأي مجتهد واحد لكان خيراً لها.. ولا يدرون أن هذا هو يوم موت الحوزة وفنائها.
فهم يرونها صورة سوداء.. وواقعها عند الله وعند حكماء الناس وردية وجميلة.
فخلاصة السؤال حول أنني أرى الحوزة وردية.. هو سؤال معاكس: ولماذا لا تراها أنت وردية كما أراها؟ ثق أن ذلك لأحد سببين.. إما أنك لا تعرف شكلها.. أو لا تفهم تصرفاتها.
سؤال (19): ذكرتم أن الشيخ بشخصه تجاوز وأساء كثيراً للمرجعية الدينية العليا وشخص السيد السيستاني دام ظله.. فهل لديكم ما يثبت ذلك؟
الجواب:
ثمة ثلاث مقدمات هنا.. يلزمنا التعرض لها قبل الإجابة:
المقدمة الأولى: (مبدأ احترام الأستاذ في الحوزة).
أن من أجمل وأقدس العلاقات في الحوزة العلمية هي علاقة الطالب بالأستاذ.. وصفاء العلاقة بينهما مؤشر على حالة الإخلاص لله.. والتربية الصحيحة على روايات أهل البيت عليهم السلام.. وأعني بالتربية على الروايات.. تلك الروايات الحاثة على تواضع الأستاذ لتلميذه من جهة.. واحترام التلميذ لأستاذه من جهة أخرى.
ونظراً لكثرة الروايات وتظافرها بهذا المعنى.. سأكتفي ببيان كلتا الجهتين من نص مبارك واحد وهو رسالة الحقوق لمولانا الإمام زين العابدين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين.
فعن تواضع الأستاذ في نفسه.. وشفقته على تلميذه.. يقول عليه السلام:
(وأما حق رعيتك بالعلم فأن تعلم أن الله قد جعلك لهم قيماً فيما آتاك من العلم وولاك من خزانة الحكمة فان أحسنت فيما ولاك الله من ذلك وقمت به لهم مقام الخازن الشفيق الناصح لمولاه في عبيده الصابر المحتسب الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه راشداً وكنت لذلك آملاً معتقداً، وإلا كنت له خائناً..).
ونحن نسأل الشيخ اليعقوبي عن السنوات الأربع التي حضر فيها -حسب قوله- لدى السيد السيستاني دام ظله .. هل وجده خائناً والعياذ بالله؟.. مقصراً في بيان العلم؟.. بخيلاً في النصيحة حاشاه؟
لا أظن الشيخ سيجانب الإنصاف في جواب هذا السؤال.
وحول احترام وتعظيم التلميذ للأستاذ.. يقول عليه السلام:
(وأما حق سائسك بالعلم فالتعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه والاقبال عليه، والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم، بأن تفرغ له عقلك، وتحضره فهمك، وتذكي له قلبك وتجلي له بصرك بترك اللذات، ونقض الشهوات).
وهذا من أعجب الوصايا.. فالإمام عليه السلام يقرر في كلامه أن المطلوب منك إعانة الأستاذ على الشرح بعدم إتعابه.. وذلك بالتركيز على درسه!!
ثم يكمل عليه السلام.. بتقرير حقيقة لها كل التقديس والاحترام في الحوزة العلمية.. وهي أن على الطالب أن يبيض وجه أستاذه بجودة النقل عنه.. ويظهر فضله بحسن استعراض آرائه.. فيقول عليه السلام:
(وأن تعلم أنك فيما ألقى، رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل فلزمك حسن التأدية عنه إليهم، ولا تخنه في تأدية رسالته، والقيام بها عنه، إذا تقلدتها، ولا حول ولا قوة إلا بالله).
وهذا بحمد الله أمر قائم في الحوزة ومن أركان أخلاقها.. فالتلميذ يبذل جهده في احترام استاذه.. و تقرير درسه بأحسن صورة ممكنة.. والأدب في مناقشته.. وكم رأيت - واهٍ وألف واهٍ - أفاضل أساتذتنا الذين كنا نشعر بالأرض ترتجف تحت خطواتهم هيبة لهم.. إذا ما تلاقوا مع أساتذهم خضعوا وتواضعوا.. فتخال أحدهم كالقرطاس الملقى على الطريق!!
وإليك صوراً متناثرة أيها القارئ الكريم.. من حالات تعظيم الأستاذ للتلميذ.. ولا نملك إحصاءها على كثرتها:
منها.. يقول الاصفي قدس سره في مذكراته ( كان الشهيد الصدر إنساناً بغاية الأدب، إذ عندما كان يطرح أشكالاً على أستاذه آية الله السيد الخوئي ويسمع جواباً منه لا يستمر بالنقاش معه حتى لو لم يقتنع، قل ما رأيت أحداً يراعى هذا المستوى من الأدب، كان يتعامل بسلوك مؤدب جداً ولربما كان أدبه هذا مع أساتذته من أسباب البركة الإلهية في عمره مؤلفاته وطلبته).
ومنها.. المعروف أن السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره.. بأنه كان يقول: (إن مقام ثبـوت السـيد الأسـتاذ الإمـام الخـوئي طاب ثراه علميـاً ونظرياً أقوى وأكبر من مقام إثباته، ويظهر ذلك بوضـوح لكـل طالـبٍ في مقام التباحث مع سماحته طاب ثراه، شريطة أن يكون أهـلاً لـذلك)
وقـال أيضاً في وصف علاقته بأستاذه.. رداً على الأصوات المريضة التي تبحث عن الأزمات دوماً في الحوزة.. وقد أشاعوا أن هناك أزمة بين الأستاذ والتلميذ.. فكتب السيد الصدر:
(إن من أشرف وأطهر وأقـدس العلاقـات فـي حياتي وهي علاقتي بسيدنا وأستاذنا وسندنا وسـنادنا آيـة االله العظمـى الإمام الخوئي (دام ظله الوارف) هذا الأستاذ الذي أبصرت نور العلم في حوزته وذقت طعم المعرفة على يده وإن من أعظم ما يـنعم االله بـه على الإنسان بعد الإيمان العلم ولأن كنت قد حصلت على شـيء مـن هذه النعمة فـإن فضـل ذلـك يعـود إليـه فلسـت إلا ثمـرة مـن ثمـرات وجوده وفيضه الشريف وولد من أولاده الروحيين).
ومنها.. محاورة جميلة .. وعبارة بديعة.. تنتظرك أثناء دراسة كتاب الكفاية للآخوند الخراساني قدس سره.. لتخفف عنك تعب المصارعة مع عبارات هذا الكتاب ومطالبه الدقيقة.. حيث يناقش الشيخ الآخوند موضوع (ترجيح أحد الدليلين المتعارضين).. فيذكر رأياً لأستاذه الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري قدس سره.. ثم يذكر اعتراضاً على رأي الأستاذ.. لزميله الكبير صاحب كتاب بدائع الأفكار..الميرزا حبيب الله الرشتي قدست نفسه.. الذي كان مثل الأخوند من أقرب تلامذة الشيخ الأعظم إليه.
فلاحظ كيف يعظم الشيخ الأخوند زميله الرشتي ويسميه من أعاظم تلاميذ الأنصاري.. فيقول: (وقد أورد بعض أعاظم تلاميذه عليه بانتقاضه بالمتكافئين من حيث الصدور...)
ثم لاحظ كيف يعظم الميرزا الرشتي أستاذه الأنصاري.. بحث يهاجم رأيه العلمي بقوة وشراسة.. مع المزيد من التعظيم والإجلال لشخصه.. حتى أعجب الشيخ الآخوند بطريقة زميله مع الأستاذ.. ونقل العبارات مفسحاً له المجال وهو يردد.. ثم قال.. ثم قال.
(ثم قال: فاحتمال تقديم المرجحات السندية على مخالفة العامة، مع نص الامام - عليه السلام - على طرح موافقهم، من العجائب والغرائب التي لم يعهد صدورها من ذي مسكة، فضلا عمن هو تالي العصمة علماً وعملا.
ثم قال: وليت شعري، إن هذه الغفلة الواضحة كيف صدرت منه؟ مع أنه في جودة النظر يأتي بما يقرب من شق القمر. وأنت خبير بوضوح فساد برهانه....)
هكذا وصف الرشتي أستاذه.. بأنه يأتي بعد المعصوم في علمه وعمله.. وأن أفكاره معجزات كشق القمر.. مع ذلك لم يتردد التلميذ في مناقشة رأي أستاذه بقوة.. كما علمه الأستاذ نفسه.
هذه هي الروح الحقيقة للحوزة العلمية.. كلها إخلاص ومحبة وصدق.. ولا غاية وراء المدح والثناء أو النقاش المحتدم وتضارب الآراء.. إلا وجه الله تعالى.
ومنها.. الطريقة المعروفة لدى الشيخ الأيرواني دام ظله.. في مناقشة أراء العلماء الآخرين.. فإن للشيخ بصمة تربوية صارت معلومة لدى الطلبة.. فهو عندما يمر برأي لأحد العلماء.. يتغير صوته وتختلف عباراته وكأنه يشتاق إلى عزيز فقده.. ويعلم الله أنه قد اختنق بعبرته في أكثر من مرة.. فيبدأ ببيان فضائله ويعطيك معلومات عامة عنه حتى لو لم تكن مرتبطة بالموضوع.. كل هذا ليمنحك شعوراً بالتعظيم لهذا العظيم.. فإذا استكمل هذا التمهيد النفسي.. وزرع المهابة في نفوس الطلبة لذلك العالم المذكور.. هجم على رأيه كهجوم الأسد.. وضربه بأقوى ما يستطيع.
حتى أن طلبة الشيخ يقولون: ندعوا الله أن لا يمر يوم دون أن نرى الأستاذ يناقش رأياً لأحد الأعلام ويختلف معه.. لأنه سيعطينا حينها درساً في الأخلاق.. ورحلةً ممتعة في المعلومات.. وحديثاً عن ماضي النجف.. كل هذا يمر في الأثناء.. ودون الخروج عن جو البحث والإشكالات العلمية.
ومن أبسط وأخف هذه الحالات.. أنه تعرض يوماً لرأي من آراء الميرزا على الأيرواني قدس سره.. صاحب الحاشية على الكفاية وتلميذ الشيخ الأخوند.
فتغير صوته وقال ما مضمونه: ( الله .. رضوان الله عليه.. شيخ علي.. كان عبقرياً .. كان نابغة.. وهو من أذكى تلامذة الأخوند.. هنا مدفون .. بهاي الحجرة بالصحن.. ولمن كنا صغار ونجي نلعب بالصحن كنا ندخل على حجرته ونشوف صورته.. شكله مهيب عمامته ولحيته.. تشوفه تگول إبن سبعين ثمانين سنة.. بينما هو توفه زغير ثنين وخمسين سنه فقط.. رحمة الله عليه.. ثم قال مازحاً: الحمد لله مات من وكت.. وإلا لكان يبتلعنا كلنا ويتعبنا بنبوغه وعبقريته وشيخلصنا بعد من تحقيقاته وكتبه) فضحك الطلبة لهذه الطريقة في بيان فضل هذا العالم.. ثم عاد الشيخ مهاجماً رأي الشيخ علي الأيرواني بقوة ودون تردد.
وحتى الشيخ اليعقوبي نفسه في بداية مشواره العلمي كان قد صدر منه هذا التعظيم للأساتذة حتى مع انتقاده لهم.. فيقول في مقدمة كتابه الرياضيات للفقيه: (ومن المؤسف أن تجد علماءنا وهم غرة جبين الدهر في الفقه والاصول دون المستوى المطلوب عندما يصل الحديث في المسألة الفقهية إلى أحد الجوانب العلمية المتخصصة...).
ومع تحفظي على دعواه بأنهم دون المستوى المطلوب في طريقة تعاطيهم مع القضايا العلمية التخصصية.. وهذا محل نقاش في فرصة أخرى.. لكن اللهجة كانت أفضل وأكثر توقيرا.. وليت شعري أين شط به النوى!!
المقدمة الثانية: (رفع لواء التشيع أم كسره)؟.
لا يخفى على الجميع أن لواء التشيع اليوم معقود بيد المرجع الأعلى للطائفة، سماحة السيد السيستاني دام ظله الشريف.
ومن الواضح إلى حد البداهة.. أن إضعافه هو إضعاف للحالة العامة والوجود الشيعي عموماً في هذه الفترة.. ولست أدري إن كان الشيخ أو الإخوة من جماعته يناقشون في هذه البديهية أم لا.
ومن المعلوم بالبداهة أيضاً.. أنه لم يمر زمان كانت فيه مرجعية علياً تُثنى لها الوسادة.. إلا وكان لبعض العلماء والفضلاء المحترمين ملاحظات على قرار هنا أو موقف هناك لهذه المرجعية العليا.
فإذا كان الإمام المعصوم قست عليه الظروف.. حتى صار يسمع النقد والملاحظات من أصحابه بل من بعض كبار صحابته.. كالإمام الحسن في صلحه.. والحسين في خروجه.. والصادق في سكوته.. سلام الله عليهم أجمعين.. فما ظنك بالظروف مع خدم المعصومين عليهم السلام.. علمائنا الكرام.. وهم لا عصمة لهم ولا علم لدني.. وما رأس مالهم إلا الكد والتعب في ذات الله.. على أمل إصابة الواقع.. وتسديد صاحب الأمر.
ولكن رغم ذلك كله.. لم نعهد من أحدهم.. أن تكلم أو تصرف بشكل يوجب إضعاف عالم أخر.. فضلاً عن المرجع الأعلى.
فهل من المعقول أنه لم تكن للخميني ملاحظات على بعض مواقف البروجردي؟
أو تكون للگلبايگاني ملاحظات على بعض مواقف الخميني؟
أو تكون لباقر الصدر ملاحظات على بعض مواقف الخوئي؟
أو تكون للسيستاني ملاحظات على بعض مواقف الحكيم (المحسن)؟
أو تكون للحكيم (السعيد) ملاحظات على بعض مواقف السيستاني؟
بلى.. لا شك ولا ريب بوجود جملة من الملاحظات في كل زمن.. فإن تعقيد الظروف وتداخلها ينتج بالضرورة تفاوتاً في أنماط إدارة الأزمة.. كما أن هذه الاستقلالية في التفكير بين العلماء.. هي النتاج الطبيعي للمسيرة الدراسية النقدية والاجتهادية.. لتصل إلى أعلى ذروتها وأجلى مظاهرها بحرمة تقليد المجتهد لغيره.. ووجوب أن يعمل باجتهاد نفسه.
إن من يدقق في تاريخ التحديات السابقة.. ويضيف إليها مشاهدات اليوم.. يخرج بنتائج عجيبة.
كيف تماسكت طائفة ليس لها (رأس محدد) في زمن الغيبة؟
كيف استطاع علماء.. لكل منهم رأيه المستقل واجتهاده الخاص.. أن يظهروا أمام العدو والصديق متفاهمين متلاحمين؟!
كيف يمكنهم إدارة الواقع العلمي الاجتهادي.. والواقع العملي الاجتماعي.. بإدارتين منفصلتين وربما متضادتين.
حتى أنك لا تكاد تجد لأي اختلاف مشهور عبر التاريخ بين مراجع الشيعة الكبار.. أي أثر في كلماتهم ومواقفهم الواضحة.. وتجده منحصراً في كلمات ومواقف الأتباع بالدرجة الأساس.
الحوزة لا تخلو من الاختلاف المقنن.
ربما يبدو لك أيها القارئ الكريم أني بالغت في رسم هذه الصورة التلاحمية.. وتغافلت عن اختلافات كثيرة وقعت بين الأعلام.. وهذا التصور غير صحيح.
إن الاختلافات بينهم طالما حكمتها ثلاثة عوامل:
الأول: أن لا يفسح أحدهما المجال لأتباعه بالتطاول على العالم الأخر.. وينهرهم عن ذلك في محضره مهما وسعه ذلك.
الثاني: أن لا يزحف الخلاف إلى مساحة شخصية بينهما بل يبقى محصوراً في دوافعه الدينية.
الثالث: أن لا يبادر أحدهما بإظهار المعارضة للأخر إن كان ذاك الأخر في خضم مواجهة مع أعداء الدين.
أمسك هذه المحددات الثلاثة بيدك.. وأعطني اسمي مرجعين عادلين صادقين مشهود لهما.. قد تجاوز الخلاف بينهما هذه الدوائر الثلاث؟! ووقع بينهما شخصياً بشكل علني.. وأضمن أنك لن تجد.. وستبقى هذه الصورة التلاحمية في مخيلتك دون خدش.. اللهم إلا لو كان أحدهما يرى أن الآخر يسير بالأمة نحو الهلاك.. فعندها يستدير الفلك.. ولا يبقى حجر على حجر.
ولكن تذكر.. أن ثمان سنوات من جريان الدم في ما يسمى ((قادسية صدام)) يصاحبها جريان لدماء الحوزة بسبب ضغط الطاغية وإصراره على استصدار موقف من العلماء يدين السيد الخميني.. لم يفلح في انتزاع كلمة واحدة من السيد الخوئي قدس سره.. الذي فقد خيرة تلاميذه وتساقطوا أمام عينيه ثمناً لهذا الموقف.. فوالله لو كان جبلاً لزال من مكانه.
الأردبيلي لم يضعف راية البهائي.
ومن المناسب هنا نقل قصة مفيدة حصلت بين الشيخين الأردبيلي والبهائي قدس الله سرهما.. وقد طالعتها في بعض الكتب قديماً.. ولكني لن أعيد كتابتها بل سأنقلها نصاً كما نشرت في موقع رياض العلماء الذي يديره أحد الأصدقاء الأعزاء والثقات:
(إنّ علاّمة دهره، ونابغة عصره الشيخ البهائي (قدس سره) جاء بصحبة الملك الصفوي إلى النجف الأشرف، واتّفق أن اجتمع بالمقدّس الأردبيلي (قدس سره) وجرى بينهما بحث علمي بحضور من الملك، وبعد نقاش طويل أخيراً كان الغلب ظاهراً للشيخ البهائي ولمّا انفضّ المجلس وأراد العلمان الافتراق، أخذ المقدّس الأردبيلي بيد الشيخ البهائي وإنتحى به ناحية البيت، وأورد على مطالبه بما بيّن له خطأه وسقم نظره، وذلك بكلّ قوّة ومتانة.
عندها قال له الشيخ البهائي: فلماذا لم تبيّن هذه المطالب والإيرادات في المجلس وبحضور الملك؟
قال المقدّس الأردبيلي: لأنّك شيخ الإسلام في إيران وينظر إليك الملك نظر إكبار وعظمة، فإذا غلبتك أمامه، سقطت من عين الملك وذهب بهاؤك عنده، أمّا إذا غلبتني فإنّ ذلك موجب لعظمتك في عين الملك أكثر من ذي قبل، ممّا ينتهي بالأخرة إلى عزّة العلم وأهله وإجلال العلماء وإكرامهم، بينما لم يكن عليّ بأس، أن اُغلب أمامه، فإنما أنا طالب من طلاّب النجف الأشرف، ورفعة مقامي العلمي وضعته لا تنتجان أمراً، ولذا لم أبيّن ما يرد على كلامك أمام الملك وإنّما بيّنت لك الآن المطلب لإظهار الحقّ).
حتى الآن كانت هذه المقدمة الثانية.. وخلصنا إلى أمرين من المقدمتين.. الأول أن الأدب مع الأستاذ هو ركن أركان الأخلاق الحوزوية.. ودون هذا الأدب والشعور بالوفاء للأستاذ.. لن ينفع التلميذ شيء من مقامات الدنيا الظاهرية.. وسيكون محروماً من التوفيق.
والمقدمة الثانية أن العلماء حكماء في إخفاء ملاحظاتهم.. أو التعبير عنها بطريقة لا تصنع الشروخ في جسد الطائفة.
وكان الحديث في كلتا المقدمتين عن العلماء الحقيقيين.. لا عن الصرخي والبديري والحيدري وأمثالهم من عثرات الدهر.
المقدمة الثالثة: (كلام ما قبل الفتوى وما بعدها).
إن كل ما سأذكره من كلمات للشيخ اليعقوبي.. ويمكن وصفها كإساءة صريحة لشخص المرجع الأعلى دام ظله.. كانت الغالبية منها قد صدرت قبل صدور فتوى الدفاع الكفائي في شهر 6 سنة 2014 ومن بعد هذا التاريخ وبسبب حساسية المزاج العام من الإساءة لسماحة السيد.. لم يصدر من الشيخ شيء بهذه الصراحة.. وصار الكلام أكثر مناورة وغموضاً.
وأما ما يردده الإخوة من أتباع الشيخ بأنه لا يقصد بهذه المواقف سماحة السيد السيستاني دام ظله.. فنقول لهم: يوجد كائن خيالي اسمه طائر العنقاء.. فإن كان الشيخ لا يقصد السيد.. فالأقرب للاحتمال أنه يقصد طائر العنقاء.. وإلا فارحموا عقولنا رحمكم الله.
دعها تمدُ كما تريدُ شباكَها فلربما علِقت بها العَنقاءُ
أتحطُ قدري الحادثاتُ وهمتي مِن دونَها المَريخُ والجوزاءُ
وبعض الإخوة من أتباع الشيخ يحاولون دون جدوى لي عنق الكلام.. وتغطية الشمس بالظلام.. فتراهم يقولون عن فتوى الشيخ الفياض الصريحة بحرمة تقليد الشيخ اليعقوبي.. بأنها لا تعني أنه غير مجتهد بل تعني أن الفياض يرى نفسه أعلم ولا يجوز تقليد غيره!! ولا أدري في أي فقه هذا؟!
ثم في قضية منع النساء من الزيارة.. تملصوا بعدة طرق وصلت إلى تعديل البيان المنشور على الموقع ولم تفلح.. فالرجل منع صراحة وبلا شك.. وفي مواقف كثيرة هذا حالهم.
فلا غرابة في التنصل عن الإساءات الموجهة إلى المرجع الإعلى.. فالقوم كانوا يظنونه عقبة تسهل إزالتها واكتشفوا متأخرين أن الأمر أصعب.
وعلى كل حال.. لدينا حل يحسم هذا النقاش.. وهو أن يطل علينا الشيخ بفيديو لمحاضرة أو لقاء.. ويشير في الاثناء وبعشر ثواني.. بأن (كل مرجعية لم أسمها فلا اقصد بها السيد السيستاني فهو أستاذي وكيف ينتقص التلميذ من أستاذه)؟!! وكل هذا دفعاً للفتنة.. ولن نحرج الشيخ بعدها بالسؤال عن المرجعية المقصودة.. ما دام مقام المرجع الأعلى محفوظاً وبعيداً عن الإساءة.
لعلك تراني أتكلم بسخافة وإسفاف أيها القارئ العزيز.. ويعلم الله أني أزدري نفسي وقد سببت لك هذا الشعور.. ولكن ماذا أصنع وبأي لغة أتكلم؟!.. إن كان المكتب الخاص للشيخ.. هو بنفسه المغذي الأول لعقول أتباعه بالإسفاف وتسخيف الأمور!!
ألم يقترح مكتب الشيخ في هجمته الأخيرة على مكتب سماحة السيد دام ظله.. أن يذهب وفد محايد ليزور سماحة السيد ويتأكد هل صدر النفي منه أم من المكتب؟! أي إسفاف وتسخيف بعد هذا؟! وهم يروجون للشباب المساكين بفكرة هوليودية وكأن السيد مد ظله في المعتقل؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وبعد هذه المقدمات الثلاث.. أذكر 3 شواهد.. من مسلسل إساءات الشيخ للمرجع الأعلى دام ظله.. رغم اعتقادي أنها زائدة ولا حاجة لها.. فما تقدم من الإساءات في ثنايا الكلام السابق يكفي.. ولكن للتأكد إليك هذه الثلاث:
الإساءة الأولى: (المرجعية تجامل على حساب الحق).
ضمن حملته للترويج لحزب الفضيلة في انتخابات 2014.. قال في حديثه مع أساتذة وطلبة جامعة الصدر الدينية يوم الثلاثاء 15/ 4/ 2014 .. أي قبل الانتخابات بـ (15) يوماً.. وقبل فتوى السيد السيستاني بمواجهة داعش بـ (57) يوماً.. قال في الفقرة الأولى:
( وعلى هذا فقد سجّلت اعتراضي على المقولة المتداولة على ألسنة بعض المتصدين (إن المرجعية تقف على مسافة واحدة من الجميع) فهذا موقف المداهن والمجامل على حساب الحق ويخالف المبادئ القرآنية (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ) (السجدة/18) (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (الزمر/9) (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى) (يونس/35) .
وأكمل في الفقرة الثانية قائلاً:
(فلابد أن تمتلك المرجعية الدينية من الشعور بالمسؤولية والشجاعة وقوة القلب ما يكفيها لتحمل المسؤولية وإرشاد الناس لما فيه صلاحهم، أمّا دفع الناس إلى الانتخابات من دون الإشارة إلى البديل الصالح فهذا مكر بهم وظلم لهم إذ أنهم يؤدّون ما عليهم ويدلون بأصواتهم استجابة لنداء المرجعية من دون أن تعطيهم الالتزام المقابل والضمان بل تتنصّل من المسؤولية وتلقيها عليهم وتقول لهم أنّهم لم يحسنوا التصويت، وان شرائح كثيرة من الشعب لا تمتلك الرؤية الناضجة والتحليل الدقيق ازاء هذه القضايا المعقدة)
وكيف أنت مع هذا الرشق العشوائي؟ أيقصد بذلك طائر العنقاء؟
طائر العنقاء هذا مداهن.. مجامل على حساب الحق.. مخالف للمبادئ القرآنية.. ضعيف ولا قوة قلب لديه.. لايشعر بالمسؤولية.. ماكر بالمؤمنين.. ظالم لهم.. متنصل عن الالتزام.
ملاحظة: الخطاب أعلاه.. منشور في الموقع سنة 2019 بالمعلومات التالية:
17/12/2019 01:16:00 | 20/ربيع الثاني/1441|عدد القراءات : 1391
وبعد الاعتراض على الإساءة الواضحة لسماحة المرجع الأعلى.. قام الموقع بإعادة نشر نفس الكلمة في 2023 خالية من هذه العبارة.. (اقتطعها) وهي موجودة بالمعلومات التالية:
07/12/2023 11:44:00 | 22/جمادى الأول/1445|عدد القراءات 4611
وربما نسي حذفها من المنشور الأول.. وهي موجودة حتى كتابة هذه الأوراق.
لكن.. أتدري أيها القارئ الكريم أين شر البلية المضحك المبكي؟ أن هناك رجلاً واحداً تصدى للدفاع عن المرجعية الدينية.. فقال في خطاب طويل أقتبس بعض الجمل منه:
(إننا نريد من الأمة أن تتحمل مسؤوليتها في اختيار قادتها من دون توسط المرجعية الدينية ليكون هؤلاء القادة مسؤولين أمامها مباشرة وحريصين على تحقيق مطلبها والفوز برضاها، أما تصدي المرجعية لتحديد الأسماء فإنه يجعل المرجعية بين المطرقة والسندان فمن جهة لا ترضى على الكثير من أداء المتصدين للحكومة ولا تستطيع الدفاع عنهم أمام استياء الناس وإلحاحهم في قضاء مطالبهم، ومن جهة لا نستطيع رفع اليد عن دعم المتصدين لأهمية المرحلة التي ذكرتها فيقع العبء والحرج على المرجعية...)
وفي النهاية بعد هذا الأخذ والجذب.. وهذا الكلام الطويل.. لم يقم هذا المتكلم بتسمية قائمة معينة واكتفى بالتلميحات فقال ( وفي ضوء هذا نقول إننا يجب أن ننتخب كتلة صالحة قوية لا تقل المقاعد التي تحصل عليها بإذن الله تعالى عن (92) مقعداً) ولم يسم الكتلة في النهاية.
أتعلمون من هذا المتكلم؟ إنه الشيخ اليعقوبي نفسه.. قال ذلك في خطاب المرحلة (97) !! وهكذا انتصر (طائر العنقاء).
الإساءة الثانية: (السيد السيستاني حالة فرعونية).
في فيديو منشور ومشهور سنة 2014 .. وصف الشيخ اليعقوبي شخصاً لا نعرفه (ولعله طائر العنقاء) بأنه مثل فرعون.. وقال:
(يقول تعالى قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) وهذا (لا أريكم إلا ما أرى) مبتلين بي حتى بالحوزة العلمية، يا الرجل الفلاني، المراجع كلهم أجمعوا على أن هذا القانون لازم يمشي.. وفيه مصلحة للمذهب والعلماء كلها أيدت والأساتذة كلها أيدت، إلا شخص واحد (ما أريكم إلا ما أرى) شنو هالاستخفاف هذا بهالعلماء ؟ شنو الاستخفاف هذا بالمراجع هذا؟ شنو هالاستخفاف بالمذهب بجعفر الصادق ؟ ما أدري بيمن يستخف هذا الرجل؟ هالعقلية الفرعونية هاي موجودة، يقرؤون القرآن لكن ما يفهمونه).
ولتفهم خلفيات الموضوع وهذا الهجوم العنيف ومن المقصود به..إليك هذه النقاط الثلاث:
1. في سنة 2013 تبنى الشيخ اليعقوبي عندما كان حزب الفضيلة على رأس وزارة العدل قانونين.. أحدهما تأسيس محكمة جعفرية والأخر قانون الأحوال الشخصية الجعفري.. وأخذ حسن الشمري وزير العدل يدور بالمسودات على الجهات العلمائية في النجف وكربلاء وبغداد.. وكان ويصرح وينشر في موقع وزارة العدل مدعياً أن جميع المراجع والعلماء أيدوا القانون.. وبلغ الحماس ذروته بأن بدأ مكتب الشيخ اليعقوبي يعلن عن افتتاح (معهد القضاء الشرعي) ويدعو طلبة الحوزة للانضمام له ليكونوا قضاة في المحكمة الجعفرية.. الموازية للمحكمة المدنية.
2. ومع بداية سنة 2014 بدأت التحركات الرسمية الفعلية.. وأصر حزب الفضيلة على تقديم القانون للتصويت قبل شهرين فقط من موعد الانتخابات البرلمانية.. وفي نفس المرحلة حاول الشمري زيارة المرجع الأعلى الذي كان مقاطعاً لزيارة المسؤولين.. فتم الاعتذار منه.. ولم يتدخل مكتب المرجع الأعلى باكثر من ذلك.
وكانت في البرلمان مجموعة من القرارات المعطلة بسبب التنافس الانتخابي.. مما جعل التهمة الثابتة بحق الفضيلة أنه قدم القانون كدعاية انتخابية وحاول الحزب الدفاع عن نفسه.. والنتيجة الطبيعية لهذا الجو المشحون أن قرر البرلمان تأجيل هذين القانونين إلى الدورة اللاحق.. مضافاً إلى وضع شرط موافقة المرجع الأعلى أولاً.. وهنا قامت قيامة الشيخ اليعقوبي.. لما في الأمر من تجاهل صريح لجهوده في تبني المشروع.
3. بعد أيام ظهر الشيخ اليعقوبي في فيديو وهو يدعي أن التأجيل حصل بسبب المرجع الأعلى وأنه هو من تواصل مع البرلمان وطلب منهم التأجيل!! ولم يقدم الشيخ أي دليل على هذا المدعى.. لكن لهجة الخطاب وكثافة الاتهامات كانت تدل على انهيار عصبي يمر به!!
وسأعرض عليك جواب مكتب السيد على هذا الاتهام.. وما لا يعلمه كثير من الشباب.. أن هناك تكذيبين رسميين صدرا من مكتب سماحة السيد السيستاني دام ظله بحق الشيخ اليعقوبي:
الأول.. عام 2014 هو الذي سننقله الآن.. ويتضمن تكذيب ما ادعاه الشيخ اليعقوبي من تدخل المرجع الأعلى في مسألة التصويت.
والثاني.. سنة 2025 وهو الذي كتبنا لأجله هذه الأوراق.. وهو تكذيب القصة المنسوبة إلى السيد السيستاني دام ظله.. بأنه قال بشّر الشيخ اليعقوبي بمستقبل مثيل لمستقبل الشيخ الأعظم قدس سره.. وقد مر التعليق على هذه القصة.
وإلى هنا أترككم مع استفتاء 2014 المقدم إلى مكتب سماحة المرجع الأعلى دام ظله.. وجواب المكتب عليه:
(ادعى الشيخ محمد اليعقوبي في شريط مسجل له موجود في موقع يوتوب بالرابط التالي (...) ان (المرجعية الفلانية) و يقصد مرجعية السيد السيستاني، بعثت برسالة الى وزراء الحكومة بأن لا يمرروا قانون الاحوال الشخصية الجعفري و نص كلامه:
(بالتالي باجتماع الحكومة بالاسبوع الماضي يتعبون ناس و يهيئون قانون الأحوال الشخصية حتى تصحح للناس مواريثهم وطلاقهم وزواجهم.. و اذا يأتيك الاعتراض من نفس مذهب أهل البيت مو من الوزراء لا .. لا، ينقلون رسالة من المرجعية الفلانية بانه تقول لكم لا تمشوا هذا القانون.. تأتيهم رسالة: هذا القانون اوقفوه.. خل الناس طلاقه باطل.. زواجه باطل)
فهل هذا الكلام صحيح و أن مرجعية السيد السيستاني بعثت برسالة الى الوزراء لئلا يمرروا القانون)؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(هذا الكلام كذب محض ، اذ لم يكن هنالك اي تواصل بين مكتب سماحة السيد دام ظله والوزراء بشان القانون المذكور قبل جلسة مجلس الوزراء في يوم الثلاثاء 12/3 حيث صوتوا فيها على تاجيل اقرار القانون الى ما بعد الانتخابات القادمة من دون ان يستفسروا عن راي المرجعية الدينية العليا بشانه).
ورغم أن الشيخ اليعقوبي كان يقصد طائر العنقاء.. بأنه صاحب عقلية فرعونية.. ويستخف بالإمام الصادق عليه السلام.. وهو الوحيد القادر على منع التصويت.. مع ذلك فمكتب السيد السيستاني اعتبر نفسه المقصود بهذا الكلام!!
لاحظ عزيزي القارئ واحدة من مضحكات الدهر.. فالمادة الدستورية التي يمكن أن يبنى عليها قانون الأحوال الجعفري هي المادة 41 من الدستور.. وهي المادة التي تحولت فيها جهود المرجعية إلى ملحمة حقيقية لأجل تثبيتها رغم معارضة الجميع.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها بثمان سنوات.. يأتي الشيخ وكادره ويبنون بناءهم على بركة هذه المادة.. ثم يتهمون من قاتل لأجل تثبيتها بأنه يريد أن يبقى زواج الناس وطلاقهم باطلاً!!
الإساءة الثالثة: ( المرجعية العليا خافت على موقعها فتكلمت).
صدرت من المرجعية العليا مجموعة من التوجيهات لزوار الأربعين الكرام سنة 2013.. فظهر الشيخ اليعقوبي في فيديو بعد الزيارة وهو يطلق النار عشوائياً على المرجعية بدون توقف.. وكان مما قال:
( المعلم الخامس من معالم النجاح في هذه الزيارة المليونية هو ارتفاع مستوى الوعي لدى الأمة في أحراج المرجعية الساكتة، والضغط عليها لكي تقدم شيئاً، ليس من المعقول أن تكون الأمة في هذا المستوى من الحركة والتضحية والعطاء والمرجعية ساكتة، لا تقدم نصيحة، لا تقدم توجيهاً، لا تشيد بموقف، هذا ليس معقولاً، هذا ارتفاع مستوى الوعي لدى الأمة والضغط الذي مورس على المرجعية الساكتة، بحيث شعرت بالحرج إذا لم تقدم شيئاً، بحيث هذه الأمة ستخلف هذه المرجعيات وراء ظهورها، وتصبح شيئاً من الماضي، وطبعاً هم أكيد لا يسمحون بزوال مواقعهم، فلذلك اضطروا تحت هذا الضغط من التوعية اضطروا إلى أن يتحركوا حركة ولو محدودة...).
فالمرجعية في نظره إنما أصدرت تلك التوجيهات حرصاً على الموقع والمنصب وشعوراً بالضغط وخوفاً من أن تخلفها الأمة وراء ظهرها وتتوجه للمرجعية الرسالة الحركية المتمثلة بالشيخ!! فتخيل معي أين وصل سوء الظن بالرجل.. وأكله حتى لم يبق منه باقية!! وإنا لله وأنا إليه راجعون.
هذا نزر قليل من الإساءات التي صدرت من الشيخ بحق المرجعية العليا.. التي كتب في موقعه الرسمي أنه درس تحت منبرها.. وإن أنت تمعنت في المقدمتين المذكورتين لهذا السؤال.. ستبكي على حالنا.. وتسأل الله حسن العاقبة.
من الذي يلاحق الآخر بالإساءة؟.
ومن هنا تكتشف عمق التغذية العكسية التي يتعرض لها الجمهور من أتباع الشيخ.. فهم يرون أن الشيخ مظلوم وهو من يتعرض لهجمات متتالية من قبل أعدائه.. ويقولون باستمرار ماذا تريدون من الشيخ؟ هلا تركتموه بحاله وككفتم عنه؟!!
فما أعجب قلب الحقائق!! فمن الذي يلاحق الآخر ؟ ومن الذي عليه أن يكف عن الآخر؟!
منذ ظهوره على الساحة حتى اليوم.. بنى الشيخ اليعقوبي قائمة طويلة من الاساءات لمراجع النجف كافة لا سيما السيد السيستاني دام ظله الشريف.. وكلها صدرت منه شخصياً فضلاً عن الإساءات المستمرة من الإخوة أتباعه..
بالنسبة لي ولأمثالي.. نرى أن السيد السيستاني ولي من أولياء الله.. والله تعالى يقول في حديث قدسي (من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة)!! فماذا يراه الإخوة؟
ثم هم يقولون.. أن (مكتب المرجع الأعلى) يجيش بعض الأقلام (ومنها المتكلم) للإساءة للشيخ نيابة عن شخص السيد أو شخص ولده السيد محمد رضا دامت بركاته.. وأقول لهم هذا ظنكم بالمكتب وبتربية العلماء.. ولعله ظنكم بما تفعلونه أنتم !! فلن أستدعي أمثال أهلنا كقولهم (كلمن يشوف الناس بعين طبعه) بل أذكركم بما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام.. (الرجل السوء لا يظن بأحد خيرا، لأنه لا يراه إلا بوصف نفسه) وقوله عليه السلام: (الشرير لا يظن بأحد خيرا، لأنه لا يراه إلا بطبع نفسه).
هؤلاء الذين يرددون ليل نهار أن مكتب سماحة السيد وولده هو من يدفع باتجاه الإساءة للشيخ.. لو أخذتهم من أيديهم ووضعتها على كتاب الله أو شباك أبي الفضل العباس عليه السلام.. وقلت له: أقسم! هل سيقسم؟ وعلى ماذا يقسم؟ على بينة شرعية روت له ذلك؟ على أمر شاهده بعينه؟ أم مجرد تخمينات؟
لاحظتم أني طيلة الحديث في هذه الأوراق لم أتعرض للتهم الكثيرة التي تحيط بالشيخ اليعقوبي حول مصادر تمويله من الوزارات وارتباطاته السابقة بالأمن الصدامي ووووو.. لأنني ببساطة لست متأكداً من صحة الوثائق التي اطلعت عليها.. لذلك اكتفيت بما ورد على لسانه وما ذكر في موقعه الرسمي.
فإذا كان الإخوة على يقين من تحريض المكتب فأهلاً بحجتهم.. وإلا فمن يكيل الاتهامات لا يعدو قول أمير المؤمنين عليه السلام: (شر الناس من لا يثق بأحد لسوء ظنه، ولا يثق به أحد لسوء فعله).
في الختام.. ربما لا يعرف هذا الجيل الجديد شخصاً يسمى (عباس الزيدي) صاحب كتاب (السفير الخامس) الذي يكشف الوجه الحقيقي لنظرة هذا وأمثاله لسماحة المرجع الأعلى دام ظله.. فالكتاب كله عبارة عن محاولة لإثبات أن رأس الكفر والنفاق هو المرجع الأعلى حاشاه.. وقد ساق من القصص الخيالية والأكاذيب.. ما سيجده حاضراً يوم القيامة حرفاً بحرف.. ولا يظلم ربك أحدا.
وتكفيك صورة واحدة لبيان حقده على المرجعية العليا.. لما أراد أن يدعو على أحد محاوريه بالسوء حيث قال له منفعلاً (الله يحشرك مع السيستاني) !!
الشاهد الخامس: (مواقف الشيخ والاستجابة الواسعة).
وجاء في الموقع الرسمي للشيخ في سيرته الذاتية (وكذا موقفه الحكيم من الغزو الأمريكي للعراق عام 2003 والذي أصبح موقفاً عاما للشعب العراقي وكانت هذه المواقف تلقى استجابة واسعة من المؤمنين الذين يرجعون في تقليدهم إلى عدة أعلام)
وأحلف بالله صادقاً.. أن عموم المؤمنين في العراق ما كانوا يعرفون موقفاً من الاحتلال الوشيك إلا موقف السيدين السيستاني والحائري.. وما كانوا يسألون عن موقف غيرهما! فأي استجابة واسعة يتحدث عنها هذا الموقع ؟ وما هذه الصلافة في تزوير التاريخ !!
ربما يقرأ الجيل الحالي هذا الكلام فيصدقه .. لأنه لا يعرف أحجام الجهات الداخلة في المشهد الاجتماعي.. لكن هل يمكن خداع من بلغ الأربعين من العمر بهذا الكلام؟
وهل كان يخطر ببال غالبية المجتمع وجود الشيخ فضلاً عن الاستجابة لمواقفه؟!
فاسألوا أهالي مدينة الكوت .. هل كانوا يأخذون مواقفهم من غير السيد حبيب الخطيب وكيل المرجعية؟ واسألوا أهالي البصرة هل كانوا يأخذون مواقفهم من غير السيد علي عبد الحكيم الصافي وكيل المرجعية؟ واسألوا أهالي الناصرية هل كانوا يأخذون مواقفهم من غير الشيخ محمد حسن الخضري (أبو عفاف) وكيل المرجعية؟ وهكذا في كل المحافظات.. فلست أدري عن أي (استجابة واسعة من المؤمنين) يتكلم الموقع !!
الشاهد السادس: (الشيخ وأرعاب النظام).
وجاء في الموقع ذاته : (كما كان سماحة المرجع يتصدى لبيان الموقف الديني من القضايا المهمة كموقفه الحازم ضد قرار الحكومة بمنع التقاط الطالبات صوراً بالحجاب الشرعي في الهويات التعريفية ونال صدى واسعاً فاضطر النظام لإلغائه)
بالله؟ أصحيح ما يقول هؤلاء الإخوة ؟ إنني أمسك قلمي عن التعليق باستخفاف.. ولكن حجم المبالغة لا يطاق!!
أساساً كانت هذه الحركة من سلطة البعث مجرد مناورة للإيحاء بأن صدام (القائد المؤمن) فأصدروا قراراً بالتصوير بلا حجاب.. ثم تدخل الوجهاء من السنة.. ورأينا مشايخ الحملة الإيمانية يناشدون (السيد الرئيس) للتدخل.. وقام صدام بإلغاء القرار ليهلل له مشايخه ويصفوه بظل الله في الأرض.
والله لقد عشنا تلك السنوات بحذافيرها وشاهدنا وسمعنا.. فما رأينا أثراً للشيخ ولا عرفنا من يتحرك استجابة له شخصياً.. بل كنا نعرف وجود صدريين فقط.. وعندما سقط صدام شاهدنا 90٪ منهم التحقوا بالسيد مقتدى الصدر.. فلا أدري ما معنى هذه المبالغات والحديث عن الشيخ وكأنه صاحب الكلمة العليا في المجتمع !! ويشهد الله أن ذلك لا يضرنا بشيء.. لكن ليته كان حقيقياً.
وهناك أمر أجده في غاية التناقض.. وأوجه كلامي للشيخ اليعقوبي:
سماحتكم قلتكم في تسجيل منشور على قناة النعيم الفضائية ضمن حديثكم عن علاقتكم بالسيد الشهيد.. بأنه كان يثني عليكم كثيراً وأنتم قلتم له: ( سيدنا أنت تقول بحقي هذه الكلمات وعيون القوم متربصة بنا فالتركيز عليّ بهذه الكلمات ضمن الأجواء التي تعلمونها وقضية هروبي من الخدمة العسكرية.. ولو لم يريدوا أن يثيروا علي إلا هذه القضية ويقلبون أوراقي ويجدونني هارباً .. فالأفضل أن لا تركزوا علي) وهذا كلامكم المنشور بصوتكم وصورتكم.
ولكن في الشواهد أعلاه نجد الحديث عن نفس الفترة الزمنية بشكل مختلف.. وأن مواقفكم تلقى استجابة (واسعة).. وأن موقفكم من الاحتلال أصبح موقف الشعب العراقي حتى مقلدي بقية المراجع.. وأن النظام اضطر للتراجع عن بعض قراراته بسبب رفضكم.. بل قلتم بالحرف الواحد أنكم أربكتم النظام.. وجاء على لسانكم شخصياً في مقابلة مع مراسل نيوزيوك الأمريكية قولكم:
(وبعد استشهاد السيد الصدر عام 1999 و إغلاق مكتبه بحادثة مفتعلة أعدت النشاط الاجتماعي و التدريس و اللقاء بالناس في مسجد الرأس الشريف المجاور للصحن الحيدري حتى أصبح مركز إدارة وقيادة أتباع السيد الشهيد الصدر الثاني والحركة الإسلامية المتصاعدة مما أربك النظام وجعلني تحت المراقبة المكثفة).
فلا أدري يا شيخنا بماذا نأخذ الآن؟ هل بقولكم أنكم كنتم تتجنبون التركيز وتحذرون من معرفة النظام بقضية هروبكم.. أم بقولكم أنكم كنتم شوكة في عين النظام ومصدر قلقه الأول؟ الجواب برسم سماحتكم.. هل حصل ترتيب معين؟ أم ماذا؟
الشاهد التاسع: (إما أن تذعن أو أنت سيء التوفيق).
فيديو منشور للشيخ يخاطب فيه بعض أتباعه: (صح لا يطيعونني كل هؤلاء الموجودين، لذلك الذين قرؤوا صحيفة الصادقين قرؤوا استشهادي بالآية (اللهم (توهم ويقصد رب) إني لا أملك إلا نفسي وأخي) وأقصد بأخي المجموع أنتم وليس شخصاً واحداً، أقصد أخي هؤلاء الشباب الواعين الرساليين الذين يطيعونني لا أملك غيرهم، الأخرين لا يطيعونني ولا يذعنون لتوجيهاتي، وهذا من تقصيرهم وسوء توفيقهم، لأنهم يتخبطون إذا لم يستجيبوا، مالي أمر عليهم لكني بفضل الله أستطيع أن أتخذ قرارات أجبرهم على أن يتحركوا بالاتجاه الذي أريده...).
ولعلك أيها القارئ الكريم بدأت تعتاد على هذه اللهجة في احتقار الأخرين واستعبادهم.. فلا أعلق.
أخيراً.. هذه الشواهد التسعة قطرة من بحر المبالغات والنرجسية.. ومثيلاتها كثير.. لكني لست في صدد الإحصاء.. وأكله إلى من قال (ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد).
السؤال (17): لماذا تفترض أن هناك مبالغات في كلام الشيخ؟ ألا يمكن أن تكون زاوية النظر مختلفة، وتكون أنت الغائب عن الساحة ولا تعرف حجم تأثيره؟!.
الجواب:
من المتوقع جداً (والمقبول كذلك).. أن شباب العشرين الذين لم يعيشوا تلك المرحلة.. لن يصدقوا كاتباً يستتر خلف اسم مستعار في مقابل كلام الشيخ وموقعه الرسمي.. وهذا من حقكم وأرفع يدي مسلماً ومستسلما.
ولكن سأعطيكم نماذج تستطيعون من خلالها معرفة حجم تأثير الشيخ بعيداً عن دعوانا ودعوى الشيخ وأتباعه.. وتتأكدون أن هذا الكلام الذي يقال عن دوره ومحوريته هل له واقع.. أم مجرد مبالغة!
أنا والله شاهد على قولي.. لا أشك أبداً بصدقهم مع أنفسهم وقناعتهم عندما يطلقون هذه المبالغات العجيبة.. ولكن أفهم جيداً أن سبب ذلك هو عيشهم ضمن هذه الدائرة النرجسية وعدم قدرتهم على رؤية الواقع خارجها.
بعض إخوتنا من مقلدي المراجع لكرام أيضاً يقعون أحياناً ضمن هذه الدائرة وتعجبهم المبالغات.. فيقول أحدهم مثلاً أن السيد السيستاني إذا قال كلمة سيقف العالم على رجل واحدة !! ونحن بالعادة نشرح لهم الأهمية العالمية لمرجعية السيد السيستاني دام ظله.. وكيف يقصده كبار قادة العالم في زقاقه الضيق.. لكن قصة الرجل الواحدة هذه فيها إساءة أكثر من المدح لأن العالم أكبر مما تظنون.. وكأننا نستخف بسيف ذي الفقار عندما نقول أن ضربة واحدة منه تحدث دماراً أكبر من قنبلة هيروشيما!
مثل هذه المبالغات موجودة في كل مكان.. لكنها -مادامت القيادة لا تشجعها- ستبقى مطوقة ومنحصرة بطيف من الناس تتفق طبيعتهم النفسية مع هذه الطريقة.. اللهم إلا أن يكون القائد هو من يمارسها بنفسه.. فتهون لدى أتباعه وتصبح ثقافة.
وكيفما كان.. نرجع إلى النماذج التي وعدنا بها.. وهي تعرض مواقف صدرت من الشيخ في آخر عشر سنوات.. وكانت مواقفه تخاطب الرأي العام.. وليس أتباعه فقط.
وهنا ويمكن للجيل الحالي الذي يعايش هذه المرحلة أو قريب منها.. استخدام هذه النماذج كوحدة قياس على ما مضى.. حيث يمكن قياس الأثر للمواقف الحالية وهل أحدثت تأثيراً في الشارع؟ أم مرت مرور الكرام بدون أن تلقى أذناً مصغية من الشارع؟.
لا ننسى أن المواقف السابقة التي تحدث عنها الشيخ وموقعه الرسمي كانت قبل إعلان اجتهاده أصلاً.. حيث كانت حركته محدودة.. ما بين جامع الرأس وجامعة الصدر الدينية.. ولم يكن مضى عليه في الحوزة أكثر من عشر سنوات.
فما بالك بمواقف اليوم.. بعد إعلان الاجتهاد ثم المرجعية ثم الأعلمية وولاية أمر الأمة.. وبعد الإمساك بوزارتين وعدة هيئات.. والتمثيل البرلماني لعقدين.. ووجود حزب سياسي منظم.. وإذاعات وفضائيات.. ونشرات ومكاتب ومدارس في عموم العراق وبعض مدن العالم.
فمن المفروض بعد هذا كله أن يكون حجم تأثير المواقف اللاحقة بألف ضعف.. بالقياس إلى المواقف السابقة.
مع ذلك دعونا نرى.. فإذا كانت المواقف اللاحقة قد أحدثت تغييراً ملحوظاً أو استجابة واسعة كما يعبرون.. فقد صدقوا في وصف المواقف السابقة أيضاً.
وإن كانت لم تترك أثراً يُذكر خارج دائرة أتباع الشيخ.. فقد تبين حجم المبالغة في المواقف السابقة.. والمأمول منهم أن يخرجوا من هذه الدائرة النرجسية.. ويكونوا واقعيين في وصف مسيرة الشيخ ومنجزاته.. ولا يتكرر الحديث عن (خدمة الاستكبار العالمي) لأنه أمر محرج للغاية.
الموقف الأول: (هل سمعتم بالجيش الرديف قبل الحشد الشعبي)؟.
يرى الشيخ اليعقوبي نفسه بأنه هو أول من سبق الجميع في الدعوة إلى تشكيلات مسلحة لمساندة الجيش بعد سقوط الموصل.. وسماها (الجيش الرديف).
وظهر الشيخ في مقطع فيديو في شهر 12 سنة 2014 .. أي بعد ستة أشهر من الفتوى.. يتكلم عن تجاوزات المتطوعين والمسلحين (بمعنى أنه يقصد الحشد وليس كائنات من الفضاء) حيث تكلم وهو ينتقد ويهاجم - كالعادة- طريقة السيد السيستاني في كل شيء يفعله سماحة السيد.. قائلاً:
( تسمعون وسائل الإعلام تنقل الكثير عن حالات الخطف والقتل والسرقة والابتزاز والاعتقال هذا لماذا حصل؟ لأنه لم تدار العملية بشكل صحيح !! نحن اشترطنا من أول يوم ودعونا إلى الجيش الرديف قبل أن يدعو أي أحد آخر إلى جهاد أو حشد شعبي أو إلى أي شيء من هذه المصطلحات).
والمؤسف أنه قال هذا الكلام بينما كان أولادنا يتساقطون كالنجوم والدماء تنزف في أراضي أخوتنا السنة دفاعاً عنهم.. ثم يأتي الشيخ ويؤيد وسائل الإعلام المعادية والمحرضة.. ويستشهد بكلامها.. لمجرد أن الحشد محسوب على السيستاني وكان نتاج فتواه!!.
طبعاً كان هذا قبل أن تتبدل مواقف الشيخ ويسير في ركب المجاملة لأن الحشد أصبح (مقدساً) ولم يعد من السهولة أن تهاجمه دون أن تخسر قواعدك!!
والذي يقصده الشيخ في قضية الجيش الرديف هو قوله في بيان أصدره مساء يوم 11/ 6/ 2014 ( وإننا نثق بقدرة قواتنا المسلّحة على فرض الأمن في ربوع الوطن ولكننا نرى إنّ التحدّيات الراهنة تستدعي تشكيل جيش رديف للقوات المسلّحة وساندٍ لها في عملياتها، يكون له قادة مهنيون وأكفاء ويزوّد بتجهيزات متطوّرة ويحظى بتدريب عالٍ ويستوعب الشباب العقائديين المتحمسين للدفاع عن أهلهم ووطنهم ومقدّساتهم ويوفّر لهم البديل عن الانخراط في الميليشيات والمجاميع المسلّحة...).
نعم.. بالتأكيد كان هذا سابقاً لفتوى المرجع الأعلى دام ظله بحدود (40 ساعة) حيث صدرت فتوى سماحته دام ظله في منتصف نهار (13/ 6) في الصحن الحسيني المقدس.. ومن هنا تجد جميع المواقع الإعلامية التابعة للشيخ اليعقوبي.. تدخل في حملة تذكير وتنبيه.. بأننا سبقناكم بفكرة تأسيس الحشد.. وكأننا في منافسة أطفال ومن يسبق الآخر!!
على كل حال.. لن أدخل في هذه اللعبة التافهة.. ولكن يمكن لأي شخص عاقل أن يذهب لمسؤولي العتبتين المقدستين في كربلاء ويسأل (منذ متى وردتكم المعلومات الأمنية وباشرتم بالاستعداد وتدريب منتسبيكم على القتال ؟؟) وسيعرف عندها من يستحق هدية الأطفال الموجودة في نهاية المسابقة.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ونعود لشاهدنا.. فقد كان هذا أحد مواقف الشيخ العامة.. فهل رأيتم أي أثر له في الشارع؟ أم كان الأثر للزلزال الذي أتى بعده بأربعين ساعة؟ وأورثه حسرة جعلته يهاجم السيد وفتواه ومتطوعيه ويتهمنا بالاحتراب الطائفي بينما كان دماؤنا تسيل؟
الموقف الثاني:( هل سمعتم بمبادرة الشيخ للحل)؟.
ما أسموه (مبادرة المرجعية للحل بإذن الله) وصدرت المبادرة في شهر 10 / 2019.. وكانت تظاهرات تشرين في تصاعد.. وجاء في هذه المبادرة:
(وتتضمن المبادرة المقترحة عدة نقاط قابلة للاضافة والتعديل:
1.يقدم السيد عادل عبد المهدي استقالة حكومته ثمناً رخيصاً لدماء المئات من الشهداء والآلاف من الجرحى الذين خرجوا للاحتجاج وبذلك تستعيد العملية السياسية بعض ثقة الجماهير...
2. يكلف رئيس الجمهورية السيد عادل عبد المهدي من جديد او البديل المتفق عليه بتشكيل الحكومة باعتباره مرشح أكثر الكتل البرلمانية وأكبرها...)
وهنا أسأل الجيل الحالي المحتار في تصديق من؟.. هل سمعتم بشيء من مبادرة الشيخ يدور الحديث عنه في ساحات التظاهر لدقيقة واحدة؟ وهل شاهدنا ولو مجموعة من عشرة أشخاص رفعوا شعار التأييد لهذه المبادرة؟ وهل استقالة عبد المهدي حصلت بسبب هذه المبادرة ؟ أم بعدها بشهرين بسبب خطبة المرجعية العليا التي ألقاها السيد الصافي؟ وهل أعيد تكليفه كما طلب الشيخ؟ وهل سمعتم أساساً بهذه المبادرة؟
أترك الجواب لإهل الإنصاف.. وأخشى لو أن هذه المبادرة كانت قبل 20 سنة حيث لم تولدوا بعد أو كنتم أطفالاً.. لقال مكتب الشيخ أن استقالة عبد المهدي كانت استجابة لمبادرة الشيخ.. وأنه هو المعني بقول عبد المهدي بعد استقالته (يا أبت أفعل ما تؤمر)!!
الموقف الثالث: (هل انقطعت زيارة الأربعين في جنوب العراق)؟.
في شهر محرم من هذا العام 1446 هـ .. وجه الشيخ اليعقوبي نصيحة إلى المؤمنين بأن يجعلوا انطلاق مسيرتهم الراجلة في زيارة الأربعين من النجف الأشرف.. وليس من محافظاتهم ومدنهم.. نظراً للجو الحار.. وجاء في جواب استفتاءه حول هذا الموضوع (إن ما صدر لم يكن نهياً ولا تشكيكاً في فضل المشي حتى يرد عليه بمثل هذه الروايات الشريفة وإنما كان نصيحةً، وقد ذكر سماحة المرجع أنها من منطلق الشفقة والمحبة والحرص، وإن من صفات قادة الأمة أن يكونوا كما وصف الله تعالى نبيه الكريم (حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ).
وبقطع النظر عن دقة وحكمة الموقف.. لكننا هنا نتكلم عن الأثر.. فهل من أثر ملحوظ شاهده أحد الزوار؟ هل من همسة واحدة حول تغير الأوضاع في هذه السنة؟ أم كل شيء جرى بشكل طبيعي؟
هذا ما أريد قوله من البداية.. يشهد الله أن كل المواقف التي ذكرها الموقع وبالغ في أنها زلزلت الأوضاع في العراق ولقيت استجابة واسعة ووو.. كان حالها حال هذه المواقف وأقل بكثير.. وبعضها لم أكن أعلم أساساً أنها صدرت من الشيخ حتى رأيت الموقع وتعجبت!!
شكر الله الخالص من سعي أتباعه لخدمة الدين.. وأكرر والله آخذ بناصيتي.. أني لا أقصد توهين الشيخ أو التهكم حول كثرة أو قلة أتباعه.. فهذا أمر لا تفاخر فيه لأحد.. وما ضره إن كان على الحق أن تكون مواقفه بلا أثر!! ولكن الاستمرار على هذا الأسلوب من المبالغة وتضخيم الأمور والنظر إلى النفس بهذه النرجسية وكأن الشيخ هو محور الكون.. سينتهي إلى تشويه المعالم الأخلاقية في أعراف الحوزة ونفوس طلابها.
السؤال (18): على ذكر المعالم الأخلاقية في أعراف الحوزة.. لاحظنا طيلة هذا الحوار أنك تحاول رسم صورة وردية وجميلة ومقدسة عن الحوزة.. وكأنها المدينة الفاضلة.. ومكان يخلو من النوازع النفسية السيئة.. بينما نسمع الكثير من الكلام عن التصرفات العنصرية والتفاوت الطبقي والعائلي.. وهناك من المواقف التي تخالف الشرع ما يملأ الكتب.. وكلها حصلت في الحوزة.. فكيف تفسر ذلك؟
الجواب:
من الطبيعي أن تجدني مدافعاً.. ومن المنطقي أن تراني أقدس المكان الذي وهبته كل عمري ولا عمر لي غيره.. فالحوزة هي شرفنا وكرامتنا وديننا وهي حريم صاحب الزمان أرواحنا فداه.
ولكن ثمة سؤالان نستطيع بحسب جوابهما الرد على استفهامكم أعلاه:
الأول: ماهي الحوزة؟
الثاني: ماهو الخطأ والصواب في الحوزة؟
أولاً: ما هي الحوزة؟
يوجد لدينا شكلان يمكن تصورهما للحوزة:
الشكل الأول: هو شكل مؤسسة هرمية مقفلة ومتساوية الأطراف.. فلا يدخل أحد أو يخرج إلا بموافقة وبنظام وإلزام قانوني.. فمن أساء من الداخل فكأنما أساءت الحوزة كلها.. لأنها هي التي قبلته وأعطته الشرعية.. ويجب عليها سلب هذه الشرعية وطرده من صفوفها وأجباره على خلع عمامته.
بعبارة هندسية - بما أن جو الهندسة محبوب لدى الإخوة أتباع الشيخ - هل الحوزة شكل هندسي تناظري انعكاسي؟ بحيث لو رسمت خطاً للتناظر في المنتصف سيتطابق الجانبان.. وتجد أطرافهما متساوية ومتشابهة.
إن كان هذا هو التصور عن الحوزة.. وكل داخل إليها صار ممثلاً عنها لأنه متناظر مع البقية وانعكاس لهم.. فنعم.. الحوزة ليست بخير.. وهي مكان مظلم وليس وردي.. وما أبعدها عن الله.. وتستحق كل الهجومات التي يشنها الشيخ اليعقوبي وغيره.
لدينا معمم أصيب بالجنون.. وذبح ابن المرجع السيد الأصفهاني في الصحن العلوي الشريف!!
لدينا معمم صار بعثياً من شدة خوفه من السلطة!!
لدينا معمم يكره الايرانيين وينادي بالقومية التي لا تجد لها أثراً في دين الله!!
لدينا معمم غير مذهبه وصار وهابياً في طرحه بل أسوأ من الوهابي!!
لدينا معمم يستحل الحقوق الشرعية!!
لدينا معمم يرى نفسه الوحيد الممثل للمعصوم!!
لدينا معمم يكذب كذباً صريحاً ليحقق غاياته!!
وهكذا.. ترى أن الحوزة ليست بمنأى عن الاستهداف بالنماذج السيئة.. فإذا كان كل خطأ من هذه النماذج يحسب بشكل انعكاسي تناظري على الطرف المقابل من الحوزة.. فلا قداسة ولا وردية في الحوزة.. بل هي أسوأ مكان في العالم.. وأسوأ حتى من عصابات المافيا.
الشكل الثاني: هو شكل مساحة دراسية مفتوحة.. يدخلها من وجد في نفسه الكفاءة.. ومن أوقد الله في قلبه شعلة حب العلم.. ومن شد الله أركانه لخدمة الدين.. ووفقه بلقمة حلال ليكون مرشداً لعباد الله.. يدلهم على طريق النجاة في آخرتهم.. وسط الوديان السحيقة المهلكة.
وقد يدخلها متفوق في دراسته الأكاديمية.. لأنه يحب جمع العلمين.. الأديان والأبدان.. فيتكامل عقله.. وتتسامى روحه.
ثم.. قد يدخلها باحث عن شهرة أو مال.. أو مجند لسلطة.. أو عنصر لجهة.. تريد اختراق هذه الحوزة الطاهرة.. والاحتفاظ فيها بموطئ قدم.. إلى يوم الحاجة.
فالحوزة باب مفتوح .. ولا قوة تنفيذية عندها من الجيش والشرطة لتمنع من تشاء وتقبل من تشاء.. وهنا يأتي سر الحوزة وقوتها في نفس الوقت.. وهو الذي قدمناه في أول هذه الأوراق عندما شرحنا كيفية تكوين المجتهد.. وقلنا أن معاشرته للدوائر الثلاث .. وبالأخص (الأساتذة والزملاء) هي من تحدد لك ماهيته وطبيعة التعامل معه.
وطالما بقي المجتمع قريباً من الحوزة .. ومهتماً بمن يأخذ منه معالم دينه.. سيكون قادراً على التمييز بكل وضوح.
ولكي أشرح لك الأمر بطريقة أخرى.. سأقتبس من دراسة سابقة غير منشورة كنت قد كتبتها كرسالة لشخص ظهر في فيديو يتكلم بأمور غير دقيقة عن الحوزة العلمية.. وأقول فيها:
((عدم مأسسة الحوزة لا يعني وجود فراغ إداري كما قد يبدو .. ففي هيكلها الداخلي هناك هرمية وضوابط والتزامات صارمة للغاية ويعرفها كل الطلبة .. وما يبدو من الخارج أنه حالة هلامية .. هو في داخل الحوزة هيكل منتظم يصعب التلاعب به .. بدليل أنك منذ الدقيقة الأولى في الفيديو طرحت ثلاثة أسماء مرفوضة من قبل الحوزة (الكاتب والحيدري والغزي) فكيف صار من الواضح والمعلوم عندك وعند المشاهدين أنها أسماء مرفوضة حوزوياً ؟ وكيف تم إخراجهم تماماً من النسيج الحوزوي من دون إصدار بيان واحد حولهم في النجف ؟
ولا ننسى أن بريطانيا "العظمى" حكمت ما بين المشرق والمغرب من دون دستور مكتوب لأن الحكماء يعرفون أن الالتزام الصارم بالضوابط المتعارفة والمتناقلة .. والدراسة اللحظية والموضوعية للظروف .. أهم من الحبر على الورق (رغم أهميته في مجالات أخرى).
وبهذا الشكل الثاني الذي شرحناه.. فالحوزة شبكة علاقات تشبه الشكل الهندسي للدماغ.. حيث تراه متداخلاً أيما تداخل.. وكأنه عقدة من الخيوط المتشابكة لا رأس لها ولا ذيل.. لكنه في الواقع يعمل بكفاءة عالية وإيعازاته تنتقل بأفضل حال.
هذا هو الشكل الطبيعي للحوزة.. ومن هنا فالحالات الشاذة والمنحرفة والسيئة لن تستطيع فرض نفسها على الحوزة لأنها لا تشبه البقية ولا تناظرهم.. وعاجلاً أم آجلاً لن يستطيع هؤلاء التعايش مع اتفاق الحوزة وإجماعها على نبذهم وعزلهم دون النطق بكلمة واحدة.. وسيخرجون لاعنين للحوزة مهاجمين لها.. ويفضحون أنفسهم بأنفسهم كالأسماء المذكورة أعلاه.
وهنا يأتي الحديث عن الصورة الوردية وغير الوردية.. فالمنبوذ من الحوزة هو من جعلك تتصور أنها سيئة.. ولكن قربك منها ومعرفتك التفصيلية برجالاتها الفضلاء ستمنحك فرصة لرؤية جمالها..
سترى نقاء روح الشهداء وتضحياتهم كالشيخ مشتاق الزيدي والشيخ جعفر المظفر وبقية قافلة النور.
سترى زهد الكثيرين ونكرانهم للدنيا وتعاليهم عليها.
سترى ورع الكثيرين ودقتهم الشرعية في صرف الأموال.. وصرف الأقوال.. وصرف الأوقات.
وعندها ستعرف أن هذا الجانب مقدس ووردي.. وكله نقاء وفضيلة.
وخلاصة جواب السؤال الأول - ولا أدري إلى أي مدى اتضح حديثي عن شكل الحوزة - أنه:
يوجد شكلان متصوران للحوزة..
شكل نرفضه ولا نقر به.. وهو الشكل تناظري انعكاسي يجعل كل جزء فيها مرتبطاً بالأخر.. وإذا انثلم جزء أضر بالآخر المناظر له.. ولا شأن لنا بما لو أحسن أحدهما من باب (النتيجة تتبع أخس المقدمتين).
وشكل نقبله ونقول به.. وهو شكل الدماغ.. فهو يبدو معقداً لكن متكاملاً وفعالاً في نقل الإيعازات العصبية والتباني على الأمور.. وإن ثمة ورم دماغي يزعجه ويربك عمله قليلاً.. فسرعان ما يتم استئصاله.. والحمد لله أن الورم لم يسيطر على الدماغ طيلة تاريخ الحوزة.
الثاني: ماهو الخطأ والصواب في الحوزة؟
وبعبارة أخرى.. إن الكثير مما يعيبونه على الحوزة هو عين الصواب وتمام الحق.. ومن هنا فليست هي ملزمة باللون الأسود أو الوردي الذي تراه فيها.. ما دامت تقوم بتكليفها المطلوب.
مثلاً.. بعض الناس يريد الجهاد كل يوم.. والحوزة ترى أن له وقتاً وظروفاً خاصة.. فالحوزة عند هذا البعض سوداء.. وعندنا وردية.
ومثال آخر.. قوم من الناس يعيبون اعتماد المرجع على ولده ويخافون أن تكون مقدمة توريث.. والحوزة ترى أن من وجدت فيه الكفاءة لتقديم خدمة للدين فليقدمها سواء ابن المرجع أو غيره. فلماذا نحرمه تقديم الخدمة مع وجود الكفاءة وفهمه لوالده وإعداده على يديه؟
فكم من الناس يرى هذه سوداء لأنه لا يرى إلا الاستحواذ.. ولا يفهم شيئاً من تاريخ هؤلاء الأبناء وكيف أفنوا أعمارهم في خدمة الدين تحت ظل آبائهم.. وأنا والله أراها وردية..
من الشيخ جعفر كاشف الغطاء وولده الشيخ موسى.. وما تحمله في صد الوهابية.
إلى الشيخ صاحب الجواهر وولده الذي فجع به الشيخ محمد.. وكان يلقبه من فرط حبه (حُمَيّدْ).
إلى السيد المجدد الشيرازي وولده الميرزا محمد.. وما تحمله في سامراء من أذى الناس لوالده.
إلى الشيخ الآخوند الخراساني وولده الشيخ مهدي.. وما تحمله من البلاء الذي أحاط بوالده.
إلى السيد اليزدي وولده السيد محمد.. وما تحمله في صد عدوان الإنگليز.
إلى السيد الأصفهاني وولده الذبيح السيد محمد.. وما تحمله في رد كيد الإنكليز.
إلى السيد الحكيم وولده السيد يوسف.. وما تحمله مع والده لدفع الشيوعية والبعثية.
إلى السيد الخوئي وولده السيد محمد تقي.. وما تحمله من بلاء البعثيين الذي انتهى بقتله.
إلى السيد السيستاني.. وولده السيد محمد رضا.. ومن تكبده من عناء الأمريكان والطائفية وداعش والحكومة الفاشلة.. وهذا التعقيد في المشهد وسفك الدماء الذي نعيشه لحظة بلحظة.
ألا يرى مرضى النفوس.. فضيلة أن يتقدم ولدك ويعينك على إدارة المهام؟ ألا يفهمون كيف تقر عين الأب بأن ينعم بزرع يديه الذي رباه عبر السنين.. فلا يظن به عن خدمة الدين؟
وقبل أن تثنى للمرجع وسادة المرجعية.. ألم يكن ولده يحلم باستمرار درسه وأن لا يشغله شيء عنه؟ فهل يظن عاقل أن كل هذه الأسماء التي ذكرناها من الذرية الطيبة.. سارعت متلهفة إلى الإمساك بمكاتب الآباء طلباً للسلطة؟
أليس وردياً أن مراجعنا كلهم استخدموا أولادهم في خدمة عباد الله.. ولم يتجرأ أحدٌ من الأولاد عبر التاريخ على استغلال هذه المكانة وادعاء ما ليس له؟
ومثال ثالث.. أكثر الناس لا يستوعبون الاختلاف بين العلماء في رؤية الهلال ولا يطيقونه.. ويظنون لو أن الحوزة اتفقت على رأي مجتهد واحد لكان خيراً لها.. ولا يدرون أن هذا هو يوم موت الحوزة وفنائها.
فهم يرونها صورة سوداء.. وواقعها عند الله وعند حكماء الناس وردية وجميلة.
فخلاصة السؤال حول أنني أرى الحوزة وردية.. هو سؤال معاكس: ولماذا لا تراها أنت وردية كما أراها؟ ثق أن ذلك لأحد سببين.. إما أنك لا تعرف شكلها.. أو لا تفهم تصرفاتها.
سؤال (19): ذكرتم أن الشيخ بشخصه تجاوز وأساء كثيراً للمرجعية الدينية العليا وشخص السيد السيستاني دام ظله.. فهل لديكم ما يثبت ذلك؟
الجواب:
ثمة ثلاث مقدمات هنا.. يلزمنا التعرض لها قبل الإجابة:
المقدمة الأولى: (مبدأ احترام الأستاذ في الحوزة).
أن من أجمل وأقدس العلاقات في الحوزة العلمية هي علاقة الطالب بالأستاذ.. وصفاء العلاقة بينهما مؤشر على حالة الإخلاص لله.. والتربية الصحيحة على روايات أهل البيت عليهم السلام.. وأعني بالتربية على الروايات.. تلك الروايات الحاثة على تواضع الأستاذ لتلميذه من جهة.. واحترام التلميذ لأستاذه من جهة أخرى.
ونظراً لكثرة الروايات وتظافرها بهذا المعنى.. سأكتفي ببيان كلتا الجهتين من نص مبارك واحد وهو رسالة الحقوق لمولانا الإمام زين العابدين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آبائه الطاهرين.
فعن تواضع الأستاذ في نفسه.. وشفقته على تلميذه.. يقول عليه السلام:
(وأما حق رعيتك بالعلم فأن تعلم أن الله قد جعلك لهم قيماً فيما آتاك من العلم وولاك من خزانة الحكمة فان أحسنت فيما ولاك الله من ذلك وقمت به لهم مقام الخازن الشفيق الناصح لمولاه في عبيده الصابر المحتسب الذي إذا رأى ذا حاجة أخرج له من الأموال التي في يديه راشداً وكنت لذلك آملاً معتقداً، وإلا كنت له خائناً..).
ونحن نسأل الشيخ اليعقوبي عن السنوات الأربع التي حضر فيها -حسب قوله- لدى السيد السيستاني دام ظله .. هل وجده خائناً والعياذ بالله؟.. مقصراً في بيان العلم؟.. بخيلاً في النصيحة حاشاه؟
لا أظن الشيخ سيجانب الإنصاف في جواب هذا السؤال.
وحول احترام وتعظيم التلميذ للأستاذ.. يقول عليه السلام:
(وأما حق سائسك بالعلم فالتعظيم له، والتوقير لمجلسه، وحسن الاستماع إليه والاقبال عليه، والمعونة له على نفسك فيما لا غنى بك عنه من العلم، بأن تفرغ له عقلك، وتحضره فهمك، وتذكي له قلبك وتجلي له بصرك بترك اللذات، ونقض الشهوات).
وهذا من أعجب الوصايا.. فالإمام عليه السلام يقرر في كلامه أن المطلوب منك إعانة الأستاذ على الشرح بعدم إتعابه.. وذلك بالتركيز على درسه!!
ثم يكمل عليه السلام.. بتقرير حقيقة لها كل التقديس والاحترام في الحوزة العلمية.. وهي أن على الطالب أن يبيض وجه أستاذه بجودة النقل عنه.. ويظهر فضله بحسن استعراض آرائه.. فيقول عليه السلام:
(وأن تعلم أنك فيما ألقى، رسوله إلى من لقيك من أهل الجهل فلزمك حسن التأدية عنه إليهم، ولا تخنه في تأدية رسالته، والقيام بها عنه، إذا تقلدتها، ولا حول ولا قوة إلا بالله).
وهذا بحمد الله أمر قائم في الحوزة ومن أركان أخلاقها.. فالتلميذ يبذل جهده في احترام استاذه.. و تقرير درسه بأحسن صورة ممكنة.. والأدب في مناقشته.. وكم رأيت - واهٍ وألف واهٍ - أفاضل أساتذتنا الذين كنا نشعر بالأرض ترتجف تحت خطواتهم هيبة لهم.. إذا ما تلاقوا مع أساتذهم خضعوا وتواضعوا.. فتخال أحدهم كالقرطاس الملقى على الطريق!!
وإليك صوراً متناثرة أيها القارئ الكريم.. من حالات تعظيم الأستاذ للتلميذ.. ولا نملك إحصاءها على كثرتها:
منها.. يقول الاصفي قدس سره في مذكراته ( كان الشهيد الصدر إنساناً بغاية الأدب، إذ عندما كان يطرح أشكالاً على أستاذه آية الله السيد الخوئي ويسمع جواباً منه لا يستمر بالنقاش معه حتى لو لم يقتنع، قل ما رأيت أحداً يراعى هذا المستوى من الأدب، كان يتعامل بسلوك مؤدب جداً ولربما كان أدبه هذا مع أساتذته من أسباب البركة الإلهية في عمره مؤلفاته وطلبته).
ومنها.. المعروف أن السيد الشهيد محمد باقر الصدر قدس سره.. بأنه كان يقول: (إن مقام ثبـوت السـيد الأسـتاذ الإمـام الخـوئي طاب ثراه علميـاً ونظرياً أقوى وأكبر من مقام إثباته، ويظهر ذلك بوضـوح لكـل طالـبٍ في مقام التباحث مع سماحته طاب ثراه، شريطة أن يكون أهـلاً لـذلك)
وقـال أيضاً في وصف علاقته بأستاذه.. رداً على الأصوات المريضة التي تبحث عن الأزمات دوماً في الحوزة.. وقد أشاعوا أن هناك أزمة بين الأستاذ والتلميذ.. فكتب السيد الصدر:
(إن من أشرف وأطهر وأقـدس العلاقـات فـي حياتي وهي علاقتي بسيدنا وأستاذنا وسندنا وسـنادنا آيـة االله العظمـى الإمام الخوئي (دام ظله الوارف) هذا الأستاذ الذي أبصرت نور العلم في حوزته وذقت طعم المعرفة على يده وإن من أعظم ما يـنعم االله بـه على الإنسان بعد الإيمان العلم ولأن كنت قد حصلت على شـيء مـن هذه النعمة فـإن فضـل ذلـك يعـود إليـه فلسـت إلا ثمـرة مـن ثمـرات وجوده وفيضه الشريف وولد من أولاده الروحيين).
ومنها.. محاورة جميلة .. وعبارة بديعة.. تنتظرك أثناء دراسة كتاب الكفاية للآخوند الخراساني قدس سره.. لتخفف عنك تعب المصارعة مع عبارات هذا الكتاب ومطالبه الدقيقة.. حيث يناقش الشيخ الآخوند موضوع (ترجيح أحد الدليلين المتعارضين).. فيذكر رأياً لأستاذه الشيخ الأعظم مرتضى الأنصاري قدس سره.. ثم يذكر اعتراضاً على رأي الأستاذ.. لزميله الكبير صاحب كتاب بدائع الأفكار..الميرزا حبيب الله الرشتي قدست نفسه.. الذي كان مثل الأخوند من أقرب تلامذة الشيخ الأعظم إليه.
فلاحظ كيف يعظم الشيخ الأخوند زميله الرشتي ويسميه من أعاظم تلاميذ الأنصاري.. فيقول: (وقد أورد بعض أعاظم تلاميذه عليه بانتقاضه بالمتكافئين من حيث الصدور...)
ثم لاحظ كيف يعظم الميرزا الرشتي أستاذه الأنصاري.. بحث يهاجم رأيه العلمي بقوة وشراسة.. مع المزيد من التعظيم والإجلال لشخصه.. حتى أعجب الشيخ الآخوند بطريقة زميله مع الأستاذ.. ونقل العبارات مفسحاً له المجال وهو يردد.. ثم قال.. ثم قال.
(ثم قال: فاحتمال تقديم المرجحات السندية على مخالفة العامة، مع نص الامام - عليه السلام - على طرح موافقهم، من العجائب والغرائب التي لم يعهد صدورها من ذي مسكة، فضلا عمن هو تالي العصمة علماً وعملا.
ثم قال: وليت شعري، إن هذه الغفلة الواضحة كيف صدرت منه؟ مع أنه في جودة النظر يأتي بما يقرب من شق القمر. وأنت خبير بوضوح فساد برهانه....)
هكذا وصف الرشتي أستاذه.. بأنه يأتي بعد المعصوم في علمه وعمله.. وأن أفكاره معجزات كشق القمر.. مع ذلك لم يتردد التلميذ في مناقشة رأي أستاذه بقوة.. كما علمه الأستاذ نفسه.
هذه هي الروح الحقيقة للحوزة العلمية.. كلها إخلاص ومحبة وصدق.. ولا غاية وراء المدح والثناء أو النقاش المحتدم وتضارب الآراء.. إلا وجه الله تعالى.
ومنها.. الطريقة المعروفة لدى الشيخ الأيرواني دام ظله.. في مناقشة أراء العلماء الآخرين.. فإن للشيخ بصمة تربوية صارت معلومة لدى الطلبة.. فهو عندما يمر برأي لأحد العلماء.. يتغير صوته وتختلف عباراته وكأنه يشتاق إلى عزيز فقده.. ويعلم الله أنه قد اختنق بعبرته في أكثر من مرة.. فيبدأ ببيان فضائله ويعطيك معلومات عامة عنه حتى لو لم تكن مرتبطة بالموضوع.. كل هذا ليمنحك شعوراً بالتعظيم لهذا العظيم.. فإذا استكمل هذا التمهيد النفسي.. وزرع المهابة في نفوس الطلبة لذلك العالم المذكور.. هجم على رأيه كهجوم الأسد.. وضربه بأقوى ما يستطيع.
حتى أن طلبة الشيخ يقولون: ندعوا الله أن لا يمر يوم دون أن نرى الأستاذ يناقش رأياً لأحد الأعلام ويختلف معه.. لأنه سيعطينا حينها درساً في الأخلاق.. ورحلةً ممتعة في المعلومات.. وحديثاً عن ماضي النجف.. كل هذا يمر في الأثناء.. ودون الخروج عن جو البحث والإشكالات العلمية.
ومن أبسط وأخف هذه الحالات.. أنه تعرض يوماً لرأي من آراء الميرزا على الأيرواني قدس سره.. صاحب الحاشية على الكفاية وتلميذ الشيخ الأخوند.
فتغير صوته وقال ما مضمونه: ( الله .. رضوان الله عليه.. شيخ علي.. كان عبقرياً .. كان نابغة.. وهو من أذكى تلامذة الأخوند.. هنا مدفون .. بهاي الحجرة بالصحن.. ولمن كنا صغار ونجي نلعب بالصحن كنا ندخل على حجرته ونشوف صورته.. شكله مهيب عمامته ولحيته.. تشوفه تگول إبن سبعين ثمانين سنة.. بينما هو توفه زغير ثنين وخمسين سنه فقط.. رحمة الله عليه.. ثم قال مازحاً: الحمد لله مات من وكت.. وإلا لكان يبتلعنا كلنا ويتعبنا بنبوغه وعبقريته وشيخلصنا بعد من تحقيقاته وكتبه) فضحك الطلبة لهذه الطريقة في بيان فضل هذا العالم.. ثم عاد الشيخ مهاجماً رأي الشيخ علي الأيرواني بقوة ودون تردد.
وحتى الشيخ اليعقوبي نفسه في بداية مشواره العلمي كان قد صدر منه هذا التعظيم للأساتذة حتى مع انتقاده لهم.. فيقول في مقدمة كتابه الرياضيات للفقيه: (ومن المؤسف أن تجد علماءنا وهم غرة جبين الدهر في الفقه والاصول دون المستوى المطلوب عندما يصل الحديث في المسألة الفقهية إلى أحد الجوانب العلمية المتخصصة...).
ومع تحفظي على دعواه بأنهم دون المستوى المطلوب في طريقة تعاطيهم مع القضايا العلمية التخصصية.. وهذا محل نقاش في فرصة أخرى.. لكن اللهجة كانت أفضل وأكثر توقيرا.. وليت شعري أين شط به النوى!!
المقدمة الثانية: (رفع لواء التشيع أم كسره)؟.
لا يخفى على الجميع أن لواء التشيع اليوم معقود بيد المرجع الأعلى للطائفة، سماحة السيد السيستاني دام ظله الشريف.
ومن الواضح إلى حد البداهة.. أن إضعافه هو إضعاف للحالة العامة والوجود الشيعي عموماً في هذه الفترة.. ولست أدري إن كان الشيخ أو الإخوة من جماعته يناقشون في هذه البديهية أم لا.
ومن المعلوم بالبداهة أيضاً.. أنه لم يمر زمان كانت فيه مرجعية علياً تُثنى لها الوسادة.. إلا وكان لبعض العلماء والفضلاء المحترمين ملاحظات على قرار هنا أو موقف هناك لهذه المرجعية العليا.
فإذا كان الإمام المعصوم قست عليه الظروف.. حتى صار يسمع النقد والملاحظات من أصحابه بل من بعض كبار صحابته.. كالإمام الحسن في صلحه.. والحسين في خروجه.. والصادق في سكوته.. سلام الله عليهم أجمعين.. فما ظنك بالظروف مع خدم المعصومين عليهم السلام.. علمائنا الكرام.. وهم لا عصمة لهم ولا علم لدني.. وما رأس مالهم إلا الكد والتعب في ذات الله.. على أمل إصابة الواقع.. وتسديد صاحب الأمر.
ولكن رغم ذلك كله.. لم نعهد من أحدهم.. أن تكلم أو تصرف بشكل يوجب إضعاف عالم أخر.. فضلاً عن المرجع الأعلى.
فهل من المعقول أنه لم تكن للخميني ملاحظات على بعض مواقف البروجردي؟
أو تكون للگلبايگاني ملاحظات على بعض مواقف الخميني؟
أو تكون لباقر الصدر ملاحظات على بعض مواقف الخوئي؟
أو تكون للسيستاني ملاحظات على بعض مواقف الحكيم (المحسن)؟
أو تكون للحكيم (السعيد) ملاحظات على بعض مواقف السيستاني؟
بلى.. لا شك ولا ريب بوجود جملة من الملاحظات في كل زمن.. فإن تعقيد الظروف وتداخلها ينتج بالضرورة تفاوتاً في أنماط إدارة الأزمة.. كما أن هذه الاستقلالية في التفكير بين العلماء.. هي النتاج الطبيعي للمسيرة الدراسية النقدية والاجتهادية.. لتصل إلى أعلى ذروتها وأجلى مظاهرها بحرمة تقليد المجتهد لغيره.. ووجوب أن يعمل باجتهاد نفسه.
إن من يدقق في تاريخ التحديات السابقة.. ويضيف إليها مشاهدات اليوم.. يخرج بنتائج عجيبة.
كيف تماسكت طائفة ليس لها (رأس محدد) في زمن الغيبة؟
كيف استطاع علماء.. لكل منهم رأيه المستقل واجتهاده الخاص.. أن يظهروا أمام العدو والصديق متفاهمين متلاحمين؟!
كيف يمكنهم إدارة الواقع العلمي الاجتهادي.. والواقع العملي الاجتماعي.. بإدارتين منفصلتين وربما متضادتين.
حتى أنك لا تكاد تجد لأي اختلاف مشهور عبر التاريخ بين مراجع الشيعة الكبار.. أي أثر في كلماتهم ومواقفهم الواضحة.. وتجده منحصراً في كلمات ومواقف الأتباع بالدرجة الأساس.
الحوزة لا تخلو من الاختلاف المقنن.
ربما يبدو لك أيها القارئ الكريم أني بالغت في رسم هذه الصورة التلاحمية.. وتغافلت عن اختلافات كثيرة وقعت بين الأعلام.. وهذا التصور غير صحيح.
إن الاختلافات بينهم طالما حكمتها ثلاثة عوامل:
الأول: أن لا يفسح أحدهما المجال لأتباعه بالتطاول على العالم الأخر.. وينهرهم عن ذلك في محضره مهما وسعه ذلك.
الثاني: أن لا يزحف الخلاف إلى مساحة شخصية بينهما بل يبقى محصوراً في دوافعه الدينية.
الثالث: أن لا يبادر أحدهما بإظهار المعارضة للأخر إن كان ذاك الأخر في خضم مواجهة مع أعداء الدين.
أمسك هذه المحددات الثلاثة بيدك.. وأعطني اسمي مرجعين عادلين صادقين مشهود لهما.. قد تجاوز الخلاف بينهما هذه الدوائر الثلاث؟! ووقع بينهما شخصياً بشكل علني.. وأضمن أنك لن تجد.. وستبقى هذه الصورة التلاحمية في مخيلتك دون خدش.. اللهم إلا لو كان أحدهما يرى أن الآخر يسير بالأمة نحو الهلاك.. فعندها يستدير الفلك.. ولا يبقى حجر على حجر.
ولكن تذكر.. أن ثمان سنوات من جريان الدم في ما يسمى ((قادسية صدام)) يصاحبها جريان لدماء الحوزة بسبب ضغط الطاغية وإصراره على استصدار موقف من العلماء يدين السيد الخميني.. لم يفلح في انتزاع كلمة واحدة من السيد الخوئي قدس سره.. الذي فقد خيرة تلاميذه وتساقطوا أمام عينيه ثمناً لهذا الموقف.. فوالله لو كان جبلاً لزال من مكانه.
الأردبيلي لم يضعف راية البهائي.
ومن المناسب هنا نقل قصة مفيدة حصلت بين الشيخين الأردبيلي والبهائي قدس الله سرهما.. وقد طالعتها في بعض الكتب قديماً.. ولكني لن أعيد كتابتها بل سأنقلها نصاً كما نشرت في موقع رياض العلماء الذي يديره أحد الأصدقاء الأعزاء والثقات:
(إنّ علاّمة دهره، ونابغة عصره الشيخ البهائي (قدس سره) جاء بصحبة الملك الصفوي إلى النجف الأشرف، واتّفق أن اجتمع بالمقدّس الأردبيلي (قدس سره) وجرى بينهما بحث علمي بحضور من الملك، وبعد نقاش طويل أخيراً كان الغلب ظاهراً للشيخ البهائي ولمّا انفضّ المجلس وأراد العلمان الافتراق، أخذ المقدّس الأردبيلي بيد الشيخ البهائي وإنتحى به ناحية البيت، وأورد على مطالبه بما بيّن له خطأه وسقم نظره، وذلك بكلّ قوّة ومتانة.
عندها قال له الشيخ البهائي: فلماذا لم تبيّن هذه المطالب والإيرادات في المجلس وبحضور الملك؟
قال المقدّس الأردبيلي: لأنّك شيخ الإسلام في إيران وينظر إليك الملك نظر إكبار وعظمة، فإذا غلبتك أمامه، سقطت من عين الملك وذهب بهاؤك عنده، أمّا إذا غلبتني فإنّ ذلك موجب لعظمتك في عين الملك أكثر من ذي قبل، ممّا ينتهي بالأخرة إلى عزّة العلم وأهله وإجلال العلماء وإكرامهم، بينما لم يكن عليّ بأس، أن اُغلب أمامه، فإنما أنا طالب من طلاّب النجف الأشرف، ورفعة مقامي العلمي وضعته لا تنتجان أمراً، ولذا لم أبيّن ما يرد على كلامك أمام الملك وإنّما بيّنت لك الآن المطلب لإظهار الحقّ).
حتى الآن كانت هذه المقدمة الثانية.. وخلصنا إلى أمرين من المقدمتين.. الأول أن الأدب مع الأستاذ هو ركن أركان الأخلاق الحوزوية.. ودون هذا الأدب والشعور بالوفاء للأستاذ.. لن ينفع التلميذ شيء من مقامات الدنيا الظاهرية.. وسيكون محروماً من التوفيق.
والمقدمة الثانية أن العلماء حكماء في إخفاء ملاحظاتهم.. أو التعبير عنها بطريقة لا تصنع الشروخ في جسد الطائفة.
وكان الحديث في كلتا المقدمتين عن العلماء الحقيقيين.. لا عن الصرخي والبديري والحيدري وأمثالهم من عثرات الدهر.
المقدمة الثالثة: (كلام ما قبل الفتوى وما بعدها).
إن كل ما سأذكره من كلمات للشيخ اليعقوبي.. ويمكن وصفها كإساءة صريحة لشخص المرجع الأعلى دام ظله.. كانت الغالبية منها قد صدرت قبل صدور فتوى الدفاع الكفائي في شهر 6 سنة 2014 ومن بعد هذا التاريخ وبسبب حساسية المزاج العام من الإساءة لسماحة السيد.. لم يصدر من الشيخ شيء بهذه الصراحة.. وصار الكلام أكثر مناورة وغموضاً.
وأما ما يردده الإخوة من أتباع الشيخ بأنه لا يقصد بهذه المواقف سماحة السيد السيستاني دام ظله.. فنقول لهم: يوجد كائن خيالي اسمه طائر العنقاء.. فإن كان الشيخ لا يقصد السيد.. فالأقرب للاحتمال أنه يقصد طائر العنقاء.. وإلا فارحموا عقولنا رحمكم الله.
دعها تمدُ كما تريدُ شباكَها فلربما علِقت بها العَنقاءُ
أتحطُ قدري الحادثاتُ وهمتي مِن دونَها المَريخُ والجوزاءُ
وبعض الإخوة من أتباع الشيخ يحاولون دون جدوى لي عنق الكلام.. وتغطية الشمس بالظلام.. فتراهم يقولون عن فتوى الشيخ الفياض الصريحة بحرمة تقليد الشيخ اليعقوبي.. بأنها لا تعني أنه غير مجتهد بل تعني أن الفياض يرى نفسه أعلم ولا يجوز تقليد غيره!! ولا أدري في أي فقه هذا؟!
ثم في قضية منع النساء من الزيارة.. تملصوا بعدة طرق وصلت إلى تعديل البيان المنشور على الموقع ولم تفلح.. فالرجل منع صراحة وبلا شك.. وفي مواقف كثيرة هذا حالهم.
فلا غرابة في التنصل عن الإساءات الموجهة إلى المرجع الإعلى.. فالقوم كانوا يظنونه عقبة تسهل إزالتها واكتشفوا متأخرين أن الأمر أصعب.
وعلى كل حال.. لدينا حل يحسم هذا النقاش.. وهو أن يطل علينا الشيخ بفيديو لمحاضرة أو لقاء.. ويشير في الاثناء وبعشر ثواني.. بأن (كل مرجعية لم أسمها فلا اقصد بها السيد السيستاني فهو أستاذي وكيف ينتقص التلميذ من أستاذه)؟!! وكل هذا دفعاً للفتنة.. ولن نحرج الشيخ بعدها بالسؤال عن المرجعية المقصودة.. ما دام مقام المرجع الأعلى محفوظاً وبعيداً عن الإساءة.
لعلك تراني أتكلم بسخافة وإسفاف أيها القارئ العزيز.. ويعلم الله أني أزدري نفسي وقد سببت لك هذا الشعور.. ولكن ماذا أصنع وبأي لغة أتكلم؟!.. إن كان المكتب الخاص للشيخ.. هو بنفسه المغذي الأول لعقول أتباعه بالإسفاف وتسخيف الأمور!!
ألم يقترح مكتب الشيخ في هجمته الأخيرة على مكتب سماحة السيد دام ظله.. أن يذهب وفد محايد ليزور سماحة السيد ويتأكد هل صدر النفي منه أم من المكتب؟! أي إسفاف وتسخيف بعد هذا؟! وهم يروجون للشباب المساكين بفكرة هوليودية وكأن السيد مد ظله في المعتقل؟! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
وبعد هذه المقدمات الثلاث.. أذكر 3 شواهد.. من مسلسل إساءات الشيخ للمرجع الأعلى دام ظله.. رغم اعتقادي أنها زائدة ولا حاجة لها.. فما تقدم من الإساءات في ثنايا الكلام السابق يكفي.. ولكن للتأكد إليك هذه الثلاث:
الإساءة الأولى: (المرجعية تجامل على حساب الحق).
ضمن حملته للترويج لحزب الفضيلة في انتخابات 2014.. قال في حديثه مع أساتذة وطلبة جامعة الصدر الدينية يوم الثلاثاء 15/ 4/ 2014 .. أي قبل الانتخابات بـ (15) يوماً.. وقبل فتوى السيد السيستاني بمواجهة داعش بـ (57) يوماً.. قال في الفقرة الأولى:
( وعلى هذا فقد سجّلت اعتراضي على المقولة المتداولة على ألسنة بعض المتصدين (إن المرجعية تقف على مسافة واحدة من الجميع) فهذا موقف المداهن والمجامل على حساب الحق ويخالف المبادئ القرآنية (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ) (السجدة/18) (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (الزمر/9) (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى) (يونس/35) .
وأكمل في الفقرة الثانية قائلاً:
(فلابد أن تمتلك المرجعية الدينية من الشعور بالمسؤولية والشجاعة وقوة القلب ما يكفيها لتحمل المسؤولية وإرشاد الناس لما فيه صلاحهم، أمّا دفع الناس إلى الانتخابات من دون الإشارة إلى البديل الصالح فهذا مكر بهم وظلم لهم إذ أنهم يؤدّون ما عليهم ويدلون بأصواتهم استجابة لنداء المرجعية من دون أن تعطيهم الالتزام المقابل والضمان بل تتنصّل من المسؤولية وتلقيها عليهم وتقول لهم أنّهم لم يحسنوا التصويت، وان شرائح كثيرة من الشعب لا تمتلك الرؤية الناضجة والتحليل الدقيق ازاء هذه القضايا المعقدة)
وكيف أنت مع هذا الرشق العشوائي؟ أيقصد بذلك طائر العنقاء؟
طائر العنقاء هذا مداهن.. مجامل على حساب الحق.. مخالف للمبادئ القرآنية.. ضعيف ولا قوة قلب لديه.. لايشعر بالمسؤولية.. ماكر بالمؤمنين.. ظالم لهم.. متنصل عن الالتزام.
ملاحظة: الخطاب أعلاه.. منشور في الموقع سنة 2019 بالمعلومات التالية:
17/12/2019 01:16:00 | 20/ربيع الثاني/1441|عدد القراءات : 1391
وبعد الاعتراض على الإساءة الواضحة لسماحة المرجع الأعلى.. قام الموقع بإعادة نشر نفس الكلمة في 2023 خالية من هذه العبارة.. (اقتطعها) وهي موجودة بالمعلومات التالية:
07/12/2023 11:44:00 | 22/جمادى الأول/1445|عدد القراءات 4611
وربما نسي حذفها من المنشور الأول.. وهي موجودة حتى كتابة هذه الأوراق.
لكن.. أتدري أيها القارئ الكريم أين شر البلية المضحك المبكي؟ أن هناك رجلاً واحداً تصدى للدفاع عن المرجعية الدينية.. فقال في خطاب طويل أقتبس بعض الجمل منه:
(إننا نريد من الأمة أن تتحمل مسؤوليتها في اختيار قادتها من دون توسط المرجعية الدينية ليكون هؤلاء القادة مسؤولين أمامها مباشرة وحريصين على تحقيق مطلبها والفوز برضاها، أما تصدي المرجعية لتحديد الأسماء فإنه يجعل المرجعية بين المطرقة والسندان فمن جهة لا ترضى على الكثير من أداء المتصدين للحكومة ولا تستطيع الدفاع عنهم أمام استياء الناس وإلحاحهم في قضاء مطالبهم، ومن جهة لا نستطيع رفع اليد عن دعم المتصدين لأهمية المرحلة التي ذكرتها فيقع العبء والحرج على المرجعية...)
وفي النهاية بعد هذا الأخذ والجذب.. وهذا الكلام الطويل.. لم يقم هذا المتكلم بتسمية قائمة معينة واكتفى بالتلميحات فقال ( وفي ضوء هذا نقول إننا يجب أن ننتخب كتلة صالحة قوية لا تقل المقاعد التي تحصل عليها بإذن الله تعالى عن (92) مقعداً) ولم يسم الكتلة في النهاية.
أتعلمون من هذا المتكلم؟ إنه الشيخ اليعقوبي نفسه.. قال ذلك في خطاب المرحلة (97) !! وهكذا انتصر (طائر العنقاء).
الإساءة الثانية: (السيد السيستاني حالة فرعونية).
في فيديو منشور ومشهور سنة 2014 .. وصف الشيخ اليعقوبي شخصاً لا نعرفه (ولعله طائر العنقاء) بأنه مثل فرعون.. وقال:
(يقول تعالى قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الْأَرْضِ فَمَنْ يَنْصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ) وهذا (لا أريكم إلا ما أرى) مبتلين بي حتى بالحوزة العلمية، يا الرجل الفلاني، المراجع كلهم أجمعوا على أن هذا القانون لازم يمشي.. وفيه مصلحة للمذهب والعلماء كلها أيدت والأساتذة كلها أيدت، إلا شخص واحد (ما أريكم إلا ما أرى) شنو هالاستخفاف هذا بهالعلماء ؟ شنو الاستخفاف هذا بالمراجع هذا؟ شنو هالاستخفاف بالمذهب بجعفر الصادق ؟ ما أدري بيمن يستخف هذا الرجل؟ هالعقلية الفرعونية هاي موجودة، يقرؤون القرآن لكن ما يفهمونه).
ولتفهم خلفيات الموضوع وهذا الهجوم العنيف ومن المقصود به..إليك هذه النقاط الثلاث:
1. في سنة 2013 تبنى الشيخ اليعقوبي عندما كان حزب الفضيلة على رأس وزارة العدل قانونين.. أحدهما تأسيس محكمة جعفرية والأخر قانون الأحوال الشخصية الجعفري.. وأخذ حسن الشمري وزير العدل يدور بالمسودات على الجهات العلمائية في النجف وكربلاء وبغداد.. وكان ويصرح وينشر في موقع وزارة العدل مدعياً أن جميع المراجع والعلماء أيدوا القانون.. وبلغ الحماس ذروته بأن بدأ مكتب الشيخ اليعقوبي يعلن عن افتتاح (معهد القضاء الشرعي) ويدعو طلبة الحوزة للانضمام له ليكونوا قضاة في المحكمة الجعفرية.. الموازية للمحكمة المدنية.
2. ومع بداية سنة 2014 بدأت التحركات الرسمية الفعلية.. وأصر حزب الفضيلة على تقديم القانون للتصويت قبل شهرين فقط من موعد الانتخابات البرلمانية.. وفي نفس المرحلة حاول الشمري زيارة المرجع الأعلى الذي كان مقاطعاً لزيارة المسؤولين.. فتم الاعتذار منه.. ولم يتدخل مكتب المرجع الأعلى باكثر من ذلك.
وكانت في البرلمان مجموعة من القرارات المعطلة بسبب التنافس الانتخابي.. مما جعل التهمة الثابتة بحق الفضيلة أنه قدم القانون كدعاية انتخابية وحاول الحزب الدفاع عن نفسه.. والنتيجة الطبيعية لهذا الجو المشحون أن قرر البرلمان تأجيل هذين القانونين إلى الدورة اللاحق.. مضافاً إلى وضع شرط موافقة المرجع الأعلى أولاً.. وهنا قامت قيامة الشيخ اليعقوبي.. لما في الأمر من تجاهل صريح لجهوده في تبني المشروع.
3. بعد أيام ظهر الشيخ اليعقوبي في فيديو وهو يدعي أن التأجيل حصل بسبب المرجع الأعلى وأنه هو من تواصل مع البرلمان وطلب منهم التأجيل!! ولم يقدم الشيخ أي دليل على هذا المدعى.. لكن لهجة الخطاب وكثافة الاتهامات كانت تدل على انهيار عصبي يمر به!!
وسأعرض عليك جواب مكتب السيد على هذا الاتهام.. وما لا يعلمه كثير من الشباب.. أن هناك تكذيبين رسميين صدرا من مكتب سماحة السيد السيستاني دام ظله بحق الشيخ اليعقوبي:
الأول.. عام 2014 هو الذي سننقله الآن.. ويتضمن تكذيب ما ادعاه الشيخ اليعقوبي من تدخل المرجع الأعلى في مسألة التصويت.
والثاني.. سنة 2025 وهو الذي كتبنا لأجله هذه الأوراق.. وهو تكذيب القصة المنسوبة إلى السيد السيستاني دام ظله.. بأنه قال بشّر الشيخ اليعقوبي بمستقبل مثيل لمستقبل الشيخ الأعظم قدس سره.. وقد مر التعليق على هذه القصة.
وإلى هنا أترككم مع استفتاء 2014 المقدم إلى مكتب سماحة المرجع الأعلى دام ظله.. وجواب المكتب عليه:
(ادعى الشيخ محمد اليعقوبي في شريط مسجل له موجود في موقع يوتوب بالرابط التالي (...) ان (المرجعية الفلانية) و يقصد مرجعية السيد السيستاني، بعثت برسالة الى وزراء الحكومة بأن لا يمرروا قانون الاحوال الشخصية الجعفري و نص كلامه:
(بالتالي باجتماع الحكومة بالاسبوع الماضي يتعبون ناس و يهيئون قانون الأحوال الشخصية حتى تصحح للناس مواريثهم وطلاقهم وزواجهم.. و اذا يأتيك الاعتراض من نفس مذهب أهل البيت مو من الوزراء لا .. لا، ينقلون رسالة من المرجعية الفلانية بانه تقول لكم لا تمشوا هذا القانون.. تأتيهم رسالة: هذا القانون اوقفوه.. خل الناس طلاقه باطل.. زواجه باطل)
فهل هذا الكلام صحيح و أن مرجعية السيد السيستاني بعثت برسالة الى الوزراء لئلا يمرروا القانون)؟
بسم الله الرحمن الرحيم
(هذا الكلام كذب محض ، اذ لم يكن هنالك اي تواصل بين مكتب سماحة السيد دام ظله والوزراء بشان القانون المذكور قبل جلسة مجلس الوزراء في يوم الثلاثاء 12/3 حيث صوتوا فيها على تاجيل اقرار القانون الى ما بعد الانتخابات القادمة من دون ان يستفسروا عن راي المرجعية الدينية العليا بشانه).
ورغم أن الشيخ اليعقوبي كان يقصد طائر العنقاء.. بأنه صاحب عقلية فرعونية.. ويستخف بالإمام الصادق عليه السلام.. وهو الوحيد القادر على منع التصويت.. مع ذلك فمكتب السيد السيستاني اعتبر نفسه المقصود بهذا الكلام!!
لاحظ عزيزي القارئ واحدة من مضحكات الدهر.. فالمادة الدستورية التي يمكن أن يبنى عليها قانون الأحوال الجعفري هي المادة 41 من الدستور.. وهي المادة التي تحولت فيها جهود المرجعية إلى ملحمة حقيقية لأجل تثبيتها رغم معارضة الجميع.
وبعد أن وضعت الحرب أوزارها بثمان سنوات.. يأتي الشيخ وكادره ويبنون بناءهم على بركة هذه المادة.. ثم يتهمون من قاتل لأجل تثبيتها بأنه يريد أن يبقى زواج الناس وطلاقهم باطلاً!!
الإساءة الثالثة: ( المرجعية العليا خافت على موقعها فتكلمت).
صدرت من المرجعية العليا مجموعة من التوجيهات لزوار الأربعين الكرام سنة 2013.. فظهر الشيخ اليعقوبي في فيديو بعد الزيارة وهو يطلق النار عشوائياً على المرجعية بدون توقف.. وكان مما قال:
( المعلم الخامس من معالم النجاح في هذه الزيارة المليونية هو ارتفاع مستوى الوعي لدى الأمة في أحراج المرجعية الساكتة، والضغط عليها لكي تقدم شيئاً، ليس من المعقول أن تكون الأمة في هذا المستوى من الحركة والتضحية والعطاء والمرجعية ساكتة، لا تقدم نصيحة، لا تقدم توجيهاً، لا تشيد بموقف، هذا ليس معقولاً، هذا ارتفاع مستوى الوعي لدى الأمة والضغط الذي مورس على المرجعية الساكتة، بحيث شعرت بالحرج إذا لم تقدم شيئاً، بحيث هذه الأمة ستخلف هذه المرجعيات وراء ظهورها، وتصبح شيئاً من الماضي، وطبعاً هم أكيد لا يسمحون بزوال مواقعهم، فلذلك اضطروا تحت هذا الضغط من التوعية اضطروا إلى أن يتحركوا حركة ولو محدودة...).
فالمرجعية في نظره إنما أصدرت تلك التوجيهات حرصاً على الموقع والمنصب وشعوراً بالضغط وخوفاً من أن تخلفها الأمة وراء ظهرها وتتوجه للمرجعية الرسالة الحركية المتمثلة بالشيخ!! فتخيل معي أين وصل سوء الظن بالرجل.. وأكله حتى لم يبق منه باقية!! وإنا لله وأنا إليه راجعون.
هذا نزر قليل من الإساءات التي صدرت من الشيخ بحق المرجعية العليا.. التي كتب في موقعه الرسمي أنه درس تحت منبرها.. وإن أنت تمعنت في المقدمتين المذكورتين لهذا السؤال.. ستبكي على حالنا.. وتسأل الله حسن العاقبة.
من الذي يلاحق الآخر بالإساءة؟.
ومن هنا تكتشف عمق التغذية العكسية التي يتعرض لها الجمهور من أتباع الشيخ.. فهم يرون أن الشيخ مظلوم وهو من يتعرض لهجمات متتالية من قبل أعدائه.. ويقولون باستمرار ماذا تريدون من الشيخ؟ هلا تركتموه بحاله وككفتم عنه؟!!
فما أعجب قلب الحقائق!! فمن الذي يلاحق الآخر ؟ ومن الذي عليه أن يكف عن الآخر؟!
منذ ظهوره على الساحة حتى اليوم.. بنى الشيخ اليعقوبي قائمة طويلة من الاساءات لمراجع النجف كافة لا سيما السيد السيستاني دام ظله الشريف.. وكلها صدرت منه شخصياً فضلاً عن الإساءات المستمرة من الإخوة أتباعه..
بالنسبة لي ولأمثالي.. نرى أن السيد السيستاني ولي من أولياء الله.. والله تعالى يقول في حديث قدسي (من أهان لي ولياً فقد بارزني بالمحاربة)!! فماذا يراه الإخوة؟
ثم هم يقولون.. أن (مكتب المرجع الأعلى) يجيش بعض الأقلام (ومنها المتكلم) للإساءة للشيخ نيابة عن شخص السيد أو شخص ولده السيد محمد رضا دامت بركاته.. وأقول لهم هذا ظنكم بالمكتب وبتربية العلماء.. ولعله ظنكم بما تفعلونه أنتم !! فلن أستدعي أمثال أهلنا كقولهم (كلمن يشوف الناس بعين طبعه) بل أذكركم بما روي عن أمير المؤمنين عليه السلام.. (الرجل السوء لا يظن بأحد خيرا، لأنه لا يراه إلا بوصف نفسه) وقوله عليه السلام: (الشرير لا يظن بأحد خيرا، لأنه لا يراه إلا بطبع نفسه).
هؤلاء الذين يرددون ليل نهار أن مكتب سماحة السيد وولده هو من يدفع باتجاه الإساءة للشيخ.. لو أخذتهم من أيديهم ووضعتها على كتاب الله أو شباك أبي الفضل العباس عليه السلام.. وقلت له: أقسم! هل سيقسم؟ وعلى ماذا يقسم؟ على بينة شرعية روت له ذلك؟ على أمر شاهده بعينه؟ أم مجرد تخمينات؟
لاحظتم أني طيلة الحديث في هذه الأوراق لم أتعرض للتهم الكثيرة التي تحيط بالشيخ اليعقوبي حول مصادر تمويله من الوزارات وارتباطاته السابقة بالأمن الصدامي ووووو.. لأنني ببساطة لست متأكداً من صحة الوثائق التي اطلعت عليها.. لذلك اكتفيت بما ورد على لسانه وما ذكر في موقعه الرسمي.
فإذا كان الإخوة على يقين من تحريض المكتب فأهلاً بحجتهم.. وإلا فمن يكيل الاتهامات لا يعدو قول أمير المؤمنين عليه السلام: (شر الناس من لا يثق بأحد لسوء ظنه، ولا يثق به أحد لسوء فعله).
في الختام.. ربما لا يعرف هذا الجيل الجديد شخصاً يسمى (عباس الزيدي) صاحب كتاب (السفير الخامس) الذي يكشف الوجه الحقيقي لنظرة هذا وأمثاله لسماحة المرجع الأعلى دام ظله.. فالكتاب كله عبارة عن محاولة لإثبات أن رأس الكفر والنفاق هو المرجع الأعلى حاشاه.. وقد ساق من القصص الخيالية والأكاذيب.. ما سيجده حاضراً يوم القيامة حرفاً بحرف.. ولا يظلم ربك أحدا.
وتكفيك صورة واحدة لبيان حقده على المرجعية العليا.. لما أراد أن يدعو على أحد محاوريه بالسوء حيث قال له منفعلاً (الله يحشرك مع السيستاني) !!
هذا الشخص هو وكيل الشيخ اليعقوبي حتى اليوم.. وهل يستطيع شخص ما.. أن يخرج لنا موقفاً من الشيخ بالبراءة من هذا الرجل وهتكه المستمر للعلماء؟
سؤال (20) فلنفترض أننا سلمنا بكل ما تقدم، لكن حتى لو كانت مرجعية الشيخ غير مقبولة لديكم.. ما ضركم بأن يبقى في طريقه وأنتم في طريقكم؟ ما دام لم يجلب عليكم انحرافاً عقائدياً ولا تهديداً أمنياً.. فهلا تركتم الرجل لآخرته؟!
الجواب:
يقول السيد الشهيد الصدر في أحد التسجيلات الصوتية المنشورة (التصرف الفردي والاجتماعي بدون اجتهاد، شر في الدنيا كما هو شر في الآخرة، أو هو شر في الدنيا قبل أن يكون شراً في الآخرة..).
وهذا الكلام من السيد يعني أن من يتصدى لقيادة المجتمع دون أن يكون مؤهلاً علمياً.. ودون حجة شرعية لاجتهاده.. فضرره لن يتوقف على الآخرة فحسب.. بل سيصيب الدنيا.
أنا أكتب (رغم كراهتي للكتابة في هذا الموضوع) وأصرف هذا الوقت المبارك كله من هذا الشهر الفضيل.. لقناعتي أن بعض الأخطاء إذا تم السكوت عنها ستجرنا إلى مصائب اجتماعية كبيرة.
مثلاً.. نحن نرى المرجعية قد تترك اسماعيل مصبح الوائلي لآخرته.. وتترك سليم الحسني لآخرته.. وتترك معمماً أخرق مثل صلاح لآخرته.. وتترك جيشاً من الأقلام والألسن التي تتطاول على سماحة السيد لآخرتها.. لأن حيفها وظلمها كله يقع على شخص سماحة المرجع الأعلى وولده المبتلى.
لكن عندما يتعلق الأمر بالإضرار بالجانب الاجتماعي والسياقات المتبعة في التعاطي مع مقام المرجعية الذي سيتحكم بمصير الناس.. فالأمر مختلف.
وللتذكير والتأكيد راجع ما قلناه في السؤال (14) حول قول سماحته: (وليحذر المؤمنون من الاغترار بمثل هذه الدعاوى).
وأراك هنا ستسألني: وما هو خطر الشيخ اليعقوبي على دنيا المجتمع؟ وهل قاد حركة عقائدية منحرفة؟ هل يشكل تهديداً أمنياً؟ هل لديه تحالفات سياسية مع العدو؟!
وأقول.. لا يتطلب الأمر ذلك كله.. بل تكفينا العودة إلى ما ذكره الشهيد الصدر.. فكل حركة بدون اجتهاد تضع القيادة في خطر دنيوي واجتماعي على الناس.. والشيخ ليس مجتهداً.. ولذا صدرت منه مواقف كثيرة منافية للحكمة!!
وهنا سأعطيك مجموعة مواقف اتخذها الشيخ اليعقوبي منذ تصديه للمرجعية حتى اليوم.. ومن ثم اسأل نفسك ماذا لو كانت هذه المواقف تمثل الرأي العام للدين وملزمة لكل المؤمنين؟.. فكيف سيكون حال المؤمنين عندها؟
الموقف الأول: (توظيف عنوان المرجعية في خدمة الحزب).
تبنيه المطلق لحزب الفضيلة.. والاستماتة في الدعوة إليه في كل خطاب يلقيه في تلك المرحلة.. وإشرافه حتى على كتابة نظامه الداخلي وبرنامجه السياسي.. مع ما يعرفه الجميع من أداء الحزب في المفاصل التي أمسك بها من الوزارات إلى المحافظات إلى الهيئات.
فتخيل كيف تم استخدام موقع المرجعية في الترويج لهذا الحزب.. وماذا لو كان جميع المؤمنين ملزمين باتباعه؟
وتخيل أن الشيخ اليعقوبي في 2006 استغل خلاف حزبي المجلس الأعلى والدعوة حول المرشح لرئاسة الوزراء (وهو خلاف معروف) وقام بتقديم نديم الجابري أمين عام حزب الفضيلة كمرشح للمنصب.. وبعد سنة واحدة فقط قام بعزله من منصب الأمانة بعد خلاف بينهما!! وهذا الكلام بعينه مذكور في موقعه الرسمي.. ولكن بطريقة أكثر لطفاً وتبريراً..
بمعنى أن الشيخ بعد دفعه الشديد لانتخاب الحزب.. وملامته المستمرة للعلماء لأنهم لا يتنبنون نخباً معينة.. قام هو بنفسه بفصل زعيم حزبه على أثر خلاف بينهما!!
لا نختلف أن الكثير من المرجعيات الدينية دعمت التجربة في بدايتها وحثت الناس على انتخاب القائمة 169 لأنها لم تكن قائمة حكومية بل جمعية وطنية لكتابة الدستور وهو ما كان يشغل اهتمام العلماء.. وهو وجود قانون يحافظ على الدين.
لكن أحداً منهم لم يستقطع لنفسه حزباً ويسابق الآخرين به.. وينافسهم على المناصب حاله حال البقية.. بل كان حرصهم الأول هو الحفاظ على الحالة الأبوية للمرجعية الدينية.
بينما كان الشيخ اليعقوبي في ذلك الوقت.. يستخدم الموقع الروحي لحشد الناس إلى حزب الفضيلة حصراً.. رغم أن قائمته لمجلس المحافظة كانت قائمة حكومية!!
وتجد في موقعه الرسمي خبراً يقول: ( وحث سماحة الشيخ الفضلاء على عدم ادخار الجهد في توجيه الناس الى انتخاب القائمة ( 169 ) للجمعية الوطنية والقائمة ( 309 ) في مجلس المحافظة باعتبارها القائمة التي وضعت تحت نظر المرجعية ، وبين لهم سماحة الشيخ عناصر القوة في حزب الفضيلة كونه يمتلك غطاءً ودعماً مرجعياً وقاعدة جماهيرية واسعة).
وأين انتهى حزب الفضيلة بعد ذلك؟ انتهى إلى الاستئثار بالوزارات وجعل الأولوية في التعيين لأفراد الحزب.. ولعلك تفكر أن هذا اتهام مني.. ولكن هذا باعتراف الشيخ نفسه وموقعه.
ستجد على موقع الشيخ خبراً منشوراً في 2005 بعنوان (سماحة الشيخ يثني على جهود أبناء الفضيلة في ضبط توزيع المنتجات النفطية) وجاء فيه: ( أبدى سماحة آية الله الشيخ اليعقوبي ( دامت تأييداته) خلال لقاءه بعدد من مدراء حماية المنشآت النفطية في محافظات كربلاء وبابل والنجف والقادسية رضاه على ما يسعه من أخبار طيبة عن نجاح كثير من أبناء الفضيلة الذين عينوا مشرفين على تجهيز المواطنين بالمشتقات النفطية في ضبط هذه العملية ومنع التجاوزات...).
وستجد الشيخ مدافعاً عن حزب الفضيلة في فيديو منشور عام 2006 وهو يقدم مبرراً لإمساكه بوزارة النفط قائلاً: (إلى الآن أسمع من إخواننا في أروقة الائتلاف أنهم يحاولون بشتى الطرق أن يسلبوا وزارة النفط من اخوانكم في الفضيلة، قسم منهم متعمدين يريدون أن يأتوا بشخص مستقل ما عنده أذرع يكعدونه بغرفة الوزير ويغلقون عليه الباب ويعيثون فساداً ويسرقون قوت الشعب, أما أن يأتي إلى وزارة النفط كيان مثلكم ممتد من الوزارة في بغداد إلى أم قصر، هذا معناه راح يقطع أيدي المفسدين، وراه مرجعية مراقبة، وراه مرجعية تقيم، وراه مرجعية شجاعة).
وهو تبرير جيد من الشيخ.. ولكن هل حصل فعلاً قطع لأيدي المفسدين بعد كل هذا الدعم للحزب؟ أترك الجواب للمنصفين وللتاريخ.
المراجع لا يأخذون حصصاً..
فهل التصرف كزعيم حزب ينظر لمصالح حزبه أولاً.. بحيث يتم التعيين في الوزارات بحسب الانتماء للحزب وشيخه.. أمر معهود لدى مراجع الدين؟ وتخيل معي لو كان هو الممثل الوحيد للدين وأخطأ الحزب بعد ذلك.. ألن يسود وجه الدين بين العالمين؟!
هذه خطورة أن لا تكون مجتهداً.. لأنك لن تستنبط من مواقف المعصومين والعلماء السابقين بشكل صحيح.
يحاول بعض الإخوة من أتباعه تبرير هذا الدخول في المنافسة السياسية بأنه لخدمة الدين.. وهنا يذكرون قول أمير المؤمنين عليه السلام: (اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شئ من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك).
ولكن بعد متابعة الأداء الذي قدمه الحزب في وزارتي العدل والنفط .. وفي محافظات مثل البصرة والديوانية والسماوة وغيرها.. هل نجامل ونقول أن هؤلاء الممسكون بمفاصل المسؤولية يمكنهم (رد المعالم من دينك وإظهار الإصلاح في بلادك)؟.
كلا.. لا تنطبق الرواية أعلاه على تبني الشيخ للحزب وسعيه المستمر للمناصب.. لكن إذا لاحظنا كيف يستغل الشيخ مقام المرجعية لحث أتباعه على انتخاب الحزب.. وكيف يوظف الآيات والروايات في دعم مشروعه السياسي والحكومي.. وكيف يغوص في حالة استعداء دائم للمرجعية العليا لعدم تسميتها للقوائم التي يشارك فيها حزبه.. فربما يكون الأقرب عندها تطبيق رواية الإمام الصادق عليه السلام: (إذا رأيتم العالم محباً للدنيا فاتهموه على دينكم، فإن كل محب يحوط بما أحب).
أو رواية عيسى المسيح عليه السلام: (الدينار داء الدين، والعالم طبيب الدين، فإذا رأيتم الطبيب يجر الداء إلى نفسه فاتهموه، واعلموا أنه غير ناصح لغيره).
الموقف الثاني: (توظيف النصوص الدينية لخدمة المواقف السياسة).
فما أكثر توظيف الخطاب الديني لعدة مرات في مآرب سياسية.
فمنها.. الموقف المعروف الذي سبب هجوماً على الشيخ.. واضطر للتوضيح أكثر من مرة.. ولكن هيهات فقد وقع الخطأ بسبب العجلة أو الحماس لدعم حزب الفضيلة.
حيث أجاب الشيخ على استفتاء مقدم له سنة 2004 (بعد إعلان اجتهاده ومرجعيته بسنة واحدة فقط) فقال ما نصه (بسمه تعالى : يجب على كل عراقي ان يشارك في هذه الانتخابات اذا كان مؤهلا للاشتراك وقد ذكرت في بيان (65) من سلسلة خطاب المرحلة مناشئ اهمية المشاركة وقلت ان هذا الوجوب كوجوب الصلاة والصوم، بل هو أهم لان هذه الفرائض فردية تتعلق بالفرد وخالقه اما هذه الفريضة فتتعلق بمصير الامة)
إن القول بأهمية الانتخابات على الصلاة والصوم مما لا يمكن لفقيه الالتزام به.. وقد أثار هذا الرأي المبالغ به سخط العلماء في حينها.. وكان من الواضح أن الرجل رهين الدعم المطلق لحزبه الذي جعله يصل إلى هذه الدرجة من استنزاف الخطاب الديني في أول سنة من تصديه.
وقد استغرق الشيخ فترة في محاولة التبرير لهذا القول الغريب.. ومما قاله في استفتاء آخر في نفس العام بعنوان خطاب المرحلة (97): ( أنها الوسيلة المتيسرة لتعيين القيادات الصالحة للأمة (...) بوصول الثلة الصالحة تحفظ الصلاة والصيام وسائر الشعائر المقدسة وأحكام الدين بالمقدار المتيسر وبوصول غيرهم تهدم هذه المعالم وحفظها واجب. نعم، قد يحصل خطأ في التطبيق بمعنى عدم كفاءة بعض العناصر المختارة أو تقصيرها أو سوء تصرفها أو عدم الدقة في اختيارها لكن هذا خطأ في التطبيق ولا يجوز أن ينعكس على أصل الوجوب).
وكما تلاحظ إن كنت قد درست الفقه.. فالكلام يهدم آخره أوله.. فإذا كان موضوع القيادات الصالحة منتفياً بمزاحمة المقصرين والسيئين ووو.. فبأي شيء يتعلق الوجوب؟
فتخيل لو كانت الحوزة بأجمعها أخذت المجتمع بفكرة أن الانتخابات أوجب من الصلاة والصوم.. ثم كانت هذه نتائج الأداء الفاشل لهذه الطبقة.. فما سيكون موقفه من الصلاة والصوم في هذه الحالة؟
نرقعُ دنيانا بتمزيق ديننا.. فلا ديننا يبقى ولا ما نرقعُ
ومنها.. قوله السابق في كلمته أمام جامعة الصدر الدينية: ( وعلى هذا فقد سجّلت اعتراضي على المقولة المتداولة على ألسنة بعض المتصدين (إن المرجعية تقف على مسافة واحدة من الجميع) فهذا موقف المداهن والمجامل على حساب الحق ويخالف المبادئ القرآنية (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ) (السجدة/18) (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (الزمر/9) (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى) (يونس/35) .
وقد ذكرنا سوء تجاوزه على سماحة المرجع الأعلى واتهامه بأنه مجامل على حساب الحق.. ولكن الكارثة الأكبر هي استشهاده بالآيات القرانية!!
فمن هي يا شيخنا الأسماء المرشحة التي تطالبون سماحة السيد بتسميتها؟.. وهي مقدسة في نظركم إلى درجة أن تطبقوا عليها (أفمن كان مؤمناً)! و (الذين يعلمون)! و (يهدي إلى الحق)! من هؤلاء بربكم؟ لعلكم تقصدون أنهم حزب الفضيلة؟!
وأستحلفكم بالله.. ما ظنكم بالناس لو سمعت مرجعاً يستخدم هذا الأسلوب والخطاب في التعاطي مع الملف السياسي؟
وهل الاستدلال بالآيات أعلاه لإثبات المخالفة للحق.. صحيح على الموازين الفقهية؟ تالله ما عشت أراك الدهر عجبا.
ومنها.. دعوته الناخبين لنصرته باعتباره ولي الأمر.. حيث ذكر وجوهاً فقهية توجب على الناس المشاركة في الانتخابات شرعاً.. وقال في الوجه الثالث: (ما ذهب إليه مشهور علماء الإمامية من وجوب نصرة الأمة للفقيه الجامع للشرائط القائل بالولاية حتى يمكّن له في الأرض ويفعّل ولايته ويقيم شرع الله تعالى بمقدار ما يتيسّر له أي لتحقيق الآية الشريفة (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ) (الحج/41) ونصرته تكون بنصرة أتباعه الذين يعملون بتوجيهاته وينفذون مشاريعه على ارض الواقع..).
فهو يطلب التمكين في الأرض بوصفه ولياً.. ونصرته بنصرة حزب الفضيلة.. ولكن عندما تمكن حزب الفضيلة في الأرض رأينا ما فعل.. وكل هذا محسوب على موقع المرجعية الذي ادعاه الشيخ .. والخطاب الديني الذي يستخدمه بالجملة.
الموقف الثالث:(الإضرار بزيارة الحسين عليه السلام).
دعوته سنة 2012 إلى عدم خروج النساء إلى زيارة الأربعين.. وما استخدمه من أدلة غريبة لا يمكن لفقيه أن يستدل بها.. وقد ناقشتُ ذلك مفصلاً في بحث نشر في نفس السنة.. وهو موجود على قناتي (Ailia Emame) بعنوان ( منع النساء من الزيارة) وسيجد القارئ وجوه الضعف في استدلالات الشيخ بما لا يترك مجالاً للشك أن الرجل يذكر النصوص بطريقة سردية إنشائية ويستدل بها.. وليس هو من الاستدلال الفقهي التخصصي في شيء.
كما نوهتُ في القناة إلى حصول تعديلات وإضافات على التصريح الأول.. تم دسها فيما بعد لتبدو وكأنها ضمن النص الأصلي.. وفيها نوع من التراجع والتبرير بعد هجومه الصادم على خدمة الحسين عليه السلام والتشكيك بنزاهتهم.. وقد أثبتُّ وجود هذا التلاعب بلقطات شاشة مصورة وموجودة ضمن البحث المشار إليه في القناة.. فراجع.
فتصور معي لو أن الشيخ كان هو الممسك بزمام الطائفة.. ويصدر منه هكذا منع للنساء من الزيارة.. ألا يؤدي ذلك إلى مصيبتين.. مصيبة مخالفة النصوص والخطأ في الاستدلال.. ومصيبة العصيان الأجتماعي وكسر هيبة المرجعية والحوزة في نفوس الناس؟
ألم يقل المولى أمير المؤمنين عليه السلام فيما نسب إليه (إذا أردت أن تُطاع فاسأل ما يُستطاع) وليس الأمر حتمياً ولا يتوقف عليه مصير الدين حتى يضع نفسه في مواجهة المجتمع ثم يقول (لا رأي لمن لا يُطاع)!! بالعكس.. ما طرحه من وجوه واضحة البطلان يضر أكثر مما ينفع.
ثم أين القراءة الاجتماعية لطبيعة الجماهير؟ أين الحكمة في التعاطي مع الناس وهو يتهم أصحاب المواكب بأنهم تحصل لديهم ريبة إذا باتت النساء في بيوتهم؟ هل يصدر هذا من مرجع يلحظ تربص الأعداء بنا؟
ومما يثبت خطأ هذا التصرف في وقتها.. ما جره علينا من إزعاجات وتوتر في أوساط المؤمنين لم يكن لها أي ضرورة.. فالملا باسم الكربلائي كان حينها يقرأ في حسينية داوور العاشور في البصرة واعتبر الأمر تحدياً للشعائر فلم يسكت.. وقرأ قصيدة (إلا أوصل كربله.. وأشتكي لحسين) وقال فيها:
يالي تطعن بالشعائر أصلك نعرفه
والله لو ردنه نكشفه أمرك نكشفه
إحنه معروفين تدري بساعة الكلفة
الدفع لحسين دمه والدفع چفه
يالتجامل قاتله .. أشتكي لحسين
وفي الليلة التالية خرجت مجاميع من أتباع الشيخ اليعقوبي وحاولوا اقتحام حسينية داوور العاشور وهم يرددون (تاج تاج على الراس محمد اليعقوبي) و ( نگص ايده المس الشيخ)
على العموم لا أطيل الكلام أكثر في هذا الموضوع.. وأحيل القارئ الكريم إلى البحث المنشور على القناة.
أضف إليه ما ذكرناه قبل وريقات (سؤال 16/ الموقف الثالث) من نصحه للزوار بالركوب إلى النجف والانطلاق منها إلى كربلاء.. فهو يطلب من الناس أن تترك الجنوب وتفرغه تماماً من الخدمة الحسينية.. فهل يوجد مرجع يضع كلمته تحت أقدام الناس ويجبرهم على عصيانه بهذه الطريقة؟!! و من دون أي مبرر ولا مصلحة دينية.. إلا (الشفقة عليهم من حرارة الجو)!!!
الموقف الرابع: (إرتباك المرجعية الشيعية أمام ممثلة).
إن عدم الوقار في التصرف الذي صدر في ذلك الموقف.. مما لا يمكن أن يُنسى.
هناك ممثلة تلفزيونية معروفة اسمها (شذى سالم) شاركت في عشرات الأفلام والمسلسلات على تلفزيون العراق دون حجاب.. وما تزال حتى اليوم دون حجاب رغم تقدمها في العمر.. بين رقص وغناء ومشاهد.. لا يليق بمؤمن ورع مشاهدتها.. فضلاً عن مرجع ديني تأتمنه الناس على دينها وتوقره
ولكن هذه الممثلة في إحدى السنوات قررت زيارة الشيخ بما أنه يوجد (مرجع ديني) في النجف يستقبل الممثلات!! فأحبت أن تخوض التجربة.. فلبست العباءة لمرة واحدة في حياتها.. وذهبت لزيارة الشيخ (ومن طيبة قلب محبي الشيخ تصوروا في وقتها أنها تابت على يديه وروجوا لذلك وبعد سنة ظهرت في مسلسل آخر وهي سافرة.. فخجلوا وسكتوا).
المهم.. حتى الآن كل شيء له تبرير وفيه مسامحة.. لكن الصدمة هي عندما كان الشيخ واقفاً على الباب يستقبل الوفد واضعاً يده على صدره.. ودخلت شذى سالم.. فقال معرف الوفد مخاطباً الشيخ: شيخنا الفنانة شذى سالم.
فابتسم الشيخ ابتسامة عريضة وقال: (أعرفها أكثر مما تعرفني).
الفيديو موجود لمن أحب مشاهدته.. وأقسم بالله أن شذى سالم بدت في تلك المحاورة أكثر وقاراً من الشيخ نفسه.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
على كل حال.. تألمت في وقتها عندما رأيت الفيديو.. وقلت: هذا الرجل عندما يقول أعرفها أكثر مما تعرفني فهو بالتأكيد يقصد أنه تابع مسلسلاتها.. وإلا فلا توجد عندنا دراسات أكاديمية وشهادات دكتوراه تتكلم عن شذى سالم.. فكيف يعرفها !! طيب ألا يحسب هذا الرجل حساب الناس المعتقدة به وما قد تسببه هذه المجاملة من تشجيعهم على مشاهدة المسلسلات وهي فيها ما فيها ؟
وتذكرت حينها تشدد السيد محمد الصدر في متابعة المسلسلات وقوله (إذا أقشمر نفسي لمشاهدة المسلسلات في التلفاز وأقول أنا لا أنظر بشهوة فأنا عبد من عبيد الشيطان، مجرد ظهور الرجل في مشهد وانت بانتظار ظهور الممثلة في المشهد التالي هو نظر بشهوة) والشيخ يقول أعرفها أكثر مما تعرفني!!
الموقف الخامس: (إرسال الشباب إلى المتاهات الفكرية).
طالما تساءلت في نفسي عن مقولة الشيخ المشهورة (الإسلام محتاج إلى جميع أبنائه) وشعرت أني قرأتها أو قرأت مضموناً قريباً منها جداً في مكان ما قبل أن تشتهر عن الشيخ.. وأسأل نفسي أين قرأتها؟ .. أين؟ .. أين؟ ثم تذكرت أن أقرب طريقة تتفق مع هذه المقولة بحسب مطالعتي هي لواحد من اثنين.. إما جمال الدين الأفغاني.. أو حسن البنا.
ثم تأكدت أن هذه المقولة مقتبسة من بعض كلمات حسن البنا المشهورة بهذا المعنى.. ومنها كلمتان:
الأولى.. في رسالته (دعوتنا) حيث قال (كل فرد منا مسؤول عن الاسلام).
والثانية.. ينسبها المؤلف المصري الشهير عبد الحليم أبو شقة.. للبنا ويقول فيها: (كان البنا يقول أن إنقاذ الإسلام لا يكون إلا بجهود كل أبنائه).
وأعطاني هذا التقارب في الطرح لمحة من الظن والاحتمال.. بأن الشيخ ربما يكون متأثراً بأدبيات الإخوان المسلمين مثل حسن البنا وسيد قطب.. ولكني لم أركز على الموضوع لعدم وجود دليل على ذلك.. ومع كثرة الانشغالات.. تركته ليذهب إلى وادي النسيان.
ثم صدر مؤخراً تحذير المرجع الأعلى دام ظله للمؤمنين.. وعدت مرة أخرى لمطالعة مقولات الشيخ وسبرها.. وعاد موضوعه إلى واجهة اهتمامي .. فكانت صدمتي بأن ما كنت توقعته سابقاً ثبتت صحته!!
لقد رأيت - ويا للصدمة - أن رجلاً يعد نفسه مرجعاً للشيعة.. يحث شباب الشيعة على قراءة أفكار مالك بن نبي وسيد قطب وشريعتي .. لا بوصفها قراءة نقدية كما نفعل كلنا.. بل بوصفها جهوداً فكرية حافظت على عقيدة الشباب من الانحراف!!
جاء في موقعه الرسمي في بعنوان (الشيخ اليعقوبي يوجه الشباب الرسالي لأخذ دورهم الريادي في العمل الإسلامي) قوله: (ثم ذكرهم برجال من غير الحوزويين اثروا في الشباب وساهموا في جذبهم الى الإسلام وصيانة أفكارهم وعقائدهم من الانحراف كالشهيد الدكتور علي شريعتي والشهيد سيد قطب ومالك بن نبي والمرحوم احمد امين صحب كتاب التكامل في الاسلام..).
بالله؟! أمتأكدون أنتم يا شيخنا أنكم قرأتم مؤلفات هذه الأسماء واختبرتم أقلامها؟ هل أنتم واثقون من معرفتكم بأفكارهم؟
لا أدري كيف تقدمون هذه الأقلام إلى الشباب البسطاء من زواركم.. بعنوان أنهم حفظوا الناس من الانحراف!!.. ثم تقدمون قلم الشيخ مرتضى مطهري بنفس العنوان.. وهو مناقض لأفكارهم تماماً.. وعاش دهراً من الرد عليهم؟
هذه الخلطة السحرية التي يوصي بها الشيخ.. تفسيرها الوحيد أنه لا يعرف مكونات الخلطة!!
الخلاصة: أنا حينما أعدد هذه المواقف الخاطئة.. لا اقصد منها -وأشهد الله على ما في نفسي- أن أوجه إهانة للشيخ أو أقلل من قيمته.. فأي مصلحة للدين في ذلك؟
يكذب على نفسه من يقول (نسقطه حتى يتركه أتباعه) لأن أتباعه إذا قرروا تركه فرضاً.. فلن تكون أنت ومرجعيتك البديل أيها المسقط له.. بل سيتركون الدين والتدين كله.. لأنهم لا يرون الدين إلا بطريقته هو.. وبطعم مرجعيته هو.. وخير لنا أن يبقى أتباعه معه عن أن يتركوا الدين.
إن كنت تضع ورقة وقلماً وتحاول اصطياد بعض أتباع الشيخ وتريد التأثير فيهم.. فهذا شغل الفارغين.
العامل الحقيقي لله تعالى.. يسعى بكل قوته لبيان معالم الدين.. والتنبيه على الأخطاء.. ويترك الأمر لله ولاختيار الناس.. سواء أكانوا مقلدين للمراجع الحقيقيين.. أم لمدعي الاجتهاد.. لأنه لن يأخذ دور الله تعالى في عطف القلوب لهذا وتنفيرها من ذاك.. بل عليه بيان الحق.. والسلام.
إذاً ما أريد قوله: أنه ومع كل هذه المواقف التي تبدو انفعالية وغير مدروسة.. ولا تنم عن تاريخ طويل من الحكمة والتبصر بالأمر وكثرة التجارب.. فكيف يقال أن أمر الشيخ متعلق بالآخرة فقط؟! ولا خطر في الدنيا على أتباعه المساكين؟ إذا كانت مواقفه ارتجالية إلى هذا الحد؟! أن بيان الحقيقة يقتضي التنبيه على الأخطاء التي تصدر تحت هذا العنوان المقدس.
السؤال (21): هل من الصحيح استخدام كلمة (متمرجع) في حق الشيخ؟ ألا يؤدي ذلك إلى هتك حرمة العلماء؟ ألا يؤدي استخدام هذا المصطلح في حق أي شخص يرى نفسه مجتهداً إلى تراجع الحالة العلمية في الحوزة؟
الجواب:
أنا شخصياً لا أستخدم هذه الكلمة.. وطيلة حديثي في هذه الأوراق لم أستخدمها.. وأفضل استخدام مصطلح (مدعي الاجتهاد) ولكن لا اعتراض عندي على من يستخدم كلمة متمرجع.. وذلك لأسباب:
أولاً: من الناحية الأدبية فهذه الكلمة لا يختلف اشتقاقها كثيراً.. عن كلمات أخرى موجودة في أدبياتنا الدينية.. وهذه طريقة معروفة وطالما استخدمت للتعبير عن الشخص المتقمص لما ليس له.. حتى كلمة متقمص على وزن متفعّل من الثلاثي المزيد.
فعلى صيغة (متفعل) ورد (المتقول) في قوله تعالى (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥)
وعلى الصيغة ذاتها وردت كلمة (متصنع) عن الإمام صاحب العصر أرواحنا فداه.. في قوله الذي سبق ذكره (احذروا الصوفي المتصنع).
وعلى صيغة (متفيعل) جاءت كلمة (المتفيقه) على لسان النبي صلى الله عليه وآله: (إن أبغضكم إلي الثرثارون المتفيقهون المتشدقون وإن أبغض الناس إلى الله من اتقاه الناس للسانه).
وهذا أمر موجود ومعروف حتى لدى العامة.. وأذكر لك من باب محض النظر إلى ما عند غيرنا لا من باب الاحتجاج به.. أنهم يقولون لمتقمص المقام متشيخ أو متمشيخ.
قال ابن اعربي في الفتوحات المكية: (وقد رأينا من ادعى ذلك من المتشيخين المتطفلين على الطريقة فصاحب هذه الدعوى إذا لم يكن صادقا يكون سريع الفضيحة..)
وقال الشعراني في العهود المحمدية: (وإياك والاقتداء بأهل هذا الزمان المتمشيخين بأنفسهم فإنك ربما هلكت).
وأما كلمة متمرجع من تمرجع .. فعلى وزن (تمفعل متمفعل) مثل تمسكن متمسكن وتمنطق متمنطق وتمندل متمندل.. وقيل أنه من شواذ التصريف.
ثانياً: القول أن هذه الكلمة هتك لحرمة العلماء غير دقيق.. فإذا رأينا شخصاً لا يعتقد باجتهاد ومرجعية الشيخ اليعقوبي.. ويستخدم كلمة (متمرجع) فالأولى مناقشته في اعتقاده وليس في استخدامه للكلمة.. لأن استخدامها نتيجة طبيعية لاعتقاده.. ومنسجم مع أدبيات الدين.. وهو لا يرى كلامه هتكاً لحرمة العلماء.. بل على العكس يرى ذلك حماية للمراجع الحقيقيين.
ثالثاً: القول أنها كلمة تؤدي الى تراجع الحالة العلمية.. لأن من يرى نفسه مجتهداً سيحجم خوفاً من استخدام هذه الكلمة بحقه!! غير صحيح أيضاً.. بل على العكس.. هذه الكلمة تؤدي لتراجع المتطفلين.. أما المجتهد واقعاً فهو محمي ومحصن ومدعوم من الوسط العلمي.. الذي قلنا وكررنا أنه يدعم من بهم الكفاية لخدمة الحوزة وتقر عينه بالمؤهلين.. والحوزة لا تستبدل العالِم بالعالَم .
ولن يحتاج المجتهد فعلاً -الذي أثبت ذلك بدرسه وآرائه ومناقشاته- إلى الدفاع عن اجتهاده بنفسه وبألف طريقة كما يفعل الشيخ اليعقوبي.. بل الحوزة ستكفيه هذه المؤونة.. فهل رأيت الشيخ الأيرواني أو الشيخ هادي آل راضي أو السيد منير الخباز دافعوا عن اجتهادهم أو كلفوا أنفسهم عناء حرف واحد؟
والخلاصة.. أنك إذا قصدت حلقات البحث الكبرى وسألت الأساتذة.. هل هو مرجع حقاً أم لا؟ فإذا كان جوابهم (لا) .. فهذه الـ (لا) .. لا فرق في أن تقولها بطريقة (ليس مرجعاً) أو تقولها بطريقة (متمرجع) وينبغي أن لا ينزعج الإخوة من الكلمة ذاتها ويدخلونا في نزاع لفظي.. بقدر انزعاجهم من عدم القدرة على إثبات اجتهاد الشيخ.
نعم.. هو (متمرجع حتى يرجع) ونسأل الله لنا وله ولجميع شيعة أمير المؤمنين عليه السلام.. الورع في أمور ديننا.. والبصيرة بحقيقة دنيانا.. والحذر من عواقب أمورنا.. والوجل من آخرتنا.
وقد فرغت من كتابة هذه الأوراق على عجالة من الوقت.. وإعراض من النفس.. في الثاني من شهر شوال المكرم لعام 1446هـ .. مصلياً مسلماً على المصطفى محمد وآله الطاهرين.
وأنا خادم العترة المتسمي اعتباراً بـ (إيليا إمامي) المتلبس بها حقيقة إن شاء الله.. المتشرف بخدمة تراب قدمي مولاي أمير المؤمنين عليه السلام في جواره المقدس.. والحمد لله رب العالمين.
سؤال (20) فلنفترض أننا سلمنا بكل ما تقدم، لكن حتى لو كانت مرجعية الشيخ غير مقبولة لديكم.. ما ضركم بأن يبقى في طريقه وأنتم في طريقكم؟ ما دام لم يجلب عليكم انحرافاً عقائدياً ولا تهديداً أمنياً.. فهلا تركتم الرجل لآخرته؟!
الجواب:
يقول السيد الشهيد الصدر في أحد التسجيلات الصوتية المنشورة (التصرف الفردي والاجتماعي بدون اجتهاد، شر في الدنيا كما هو شر في الآخرة، أو هو شر في الدنيا قبل أن يكون شراً في الآخرة..).
وهذا الكلام من السيد يعني أن من يتصدى لقيادة المجتمع دون أن يكون مؤهلاً علمياً.. ودون حجة شرعية لاجتهاده.. فضرره لن يتوقف على الآخرة فحسب.. بل سيصيب الدنيا.
أنا أكتب (رغم كراهتي للكتابة في هذا الموضوع) وأصرف هذا الوقت المبارك كله من هذا الشهر الفضيل.. لقناعتي أن بعض الأخطاء إذا تم السكوت عنها ستجرنا إلى مصائب اجتماعية كبيرة.
مثلاً.. نحن نرى المرجعية قد تترك اسماعيل مصبح الوائلي لآخرته.. وتترك سليم الحسني لآخرته.. وتترك معمماً أخرق مثل صلاح لآخرته.. وتترك جيشاً من الأقلام والألسن التي تتطاول على سماحة السيد لآخرتها.. لأن حيفها وظلمها كله يقع على شخص سماحة المرجع الأعلى وولده المبتلى.
لكن عندما يتعلق الأمر بالإضرار بالجانب الاجتماعي والسياقات المتبعة في التعاطي مع مقام المرجعية الذي سيتحكم بمصير الناس.. فالأمر مختلف.
وللتذكير والتأكيد راجع ما قلناه في السؤال (14) حول قول سماحته: (وليحذر المؤمنون من الاغترار بمثل هذه الدعاوى).
وأراك هنا ستسألني: وما هو خطر الشيخ اليعقوبي على دنيا المجتمع؟ وهل قاد حركة عقائدية منحرفة؟ هل يشكل تهديداً أمنياً؟ هل لديه تحالفات سياسية مع العدو؟!
وأقول.. لا يتطلب الأمر ذلك كله.. بل تكفينا العودة إلى ما ذكره الشهيد الصدر.. فكل حركة بدون اجتهاد تضع القيادة في خطر دنيوي واجتماعي على الناس.. والشيخ ليس مجتهداً.. ولذا صدرت منه مواقف كثيرة منافية للحكمة!!
وهنا سأعطيك مجموعة مواقف اتخذها الشيخ اليعقوبي منذ تصديه للمرجعية حتى اليوم.. ومن ثم اسأل نفسك ماذا لو كانت هذه المواقف تمثل الرأي العام للدين وملزمة لكل المؤمنين؟.. فكيف سيكون حال المؤمنين عندها؟
الموقف الأول: (توظيف عنوان المرجعية في خدمة الحزب).
تبنيه المطلق لحزب الفضيلة.. والاستماتة في الدعوة إليه في كل خطاب يلقيه في تلك المرحلة.. وإشرافه حتى على كتابة نظامه الداخلي وبرنامجه السياسي.. مع ما يعرفه الجميع من أداء الحزب في المفاصل التي أمسك بها من الوزارات إلى المحافظات إلى الهيئات.
فتخيل كيف تم استخدام موقع المرجعية في الترويج لهذا الحزب.. وماذا لو كان جميع المؤمنين ملزمين باتباعه؟
وتخيل أن الشيخ اليعقوبي في 2006 استغل خلاف حزبي المجلس الأعلى والدعوة حول المرشح لرئاسة الوزراء (وهو خلاف معروف) وقام بتقديم نديم الجابري أمين عام حزب الفضيلة كمرشح للمنصب.. وبعد سنة واحدة فقط قام بعزله من منصب الأمانة بعد خلاف بينهما!! وهذا الكلام بعينه مذكور في موقعه الرسمي.. ولكن بطريقة أكثر لطفاً وتبريراً..
بمعنى أن الشيخ بعد دفعه الشديد لانتخاب الحزب.. وملامته المستمرة للعلماء لأنهم لا يتنبنون نخباً معينة.. قام هو بنفسه بفصل زعيم حزبه على أثر خلاف بينهما!!
لا نختلف أن الكثير من المرجعيات الدينية دعمت التجربة في بدايتها وحثت الناس على انتخاب القائمة 169 لأنها لم تكن قائمة حكومية بل جمعية وطنية لكتابة الدستور وهو ما كان يشغل اهتمام العلماء.. وهو وجود قانون يحافظ على الدين.
لكن أحداً منهم لم يستقطع لنفسه حزباً ويسابق الآخرين به.. وينافسهم على المناصب حاله حال البقية.. بل كان حرصهم الأول هو الحفاظ على الحالة الأبوية للمرجعية الدينية.
بينما كان الشيخ اليعقوبي في ذلك الوقت.. يستخدم الموقع الروحي لحشد الناس إلى حزب الفضيلة حصراً.. رغم أن قائمته لمجلس المحافظة كانت قائمة حكومية!!
وتجد في موقعه الرسمي خبراً يقول: ( وحث سماحة الشيخ الفضلاء على عدم ادخار الجهد في توجيه الناس الى انتخاب القائمة ( 169 ) للجمعية الوطنية والقائمة ( 309 ) في مجلس المحافظة باعتبارها القائمة التي وضعت تحت نظر المرجعية ، وبين لهم سماحة الشيخ عناصر القوة في حزب الفضيلة كونه يمتلك غطاءً ودعماً مرجعياً وقاعدة جماهيرية واسعة).
وأين انتهى حزب الفضيلة بعد ذلك؟ انتهى إلى الاستئثار بالوزارات وجعل الأولوية في التعيين لأفراد الحزب.. ولعلك تفكر أن هذا اتهام مني.. ولكن هذا باعتراف الشيخ نفسه وموقعه.
ستجد على موقع الشيخ خبراً منشوراً في 2005 بعنوان (سماحة الشيخ يثني على جهود أبناء الفضيلة في ضبط توزيع المنتجات النفطية) وجاء فيه: ( أبدى سماحة آية الله الشيخ اليعقوبي ( دامت تأييداته) خلال لقاءه بعدد من مدراء حماية المنشآت النفطية في محافظات كربلاء وبابل والنجف والقادسية رضاه على ما يسعه من أخبار طيبة عن نجاح كثير من أبناء الفضيلة الذين عينوا مشرفين على تجهيز المواطنين بالمشتقات النفطية في ضبط هذه العملية ومنع التجاوزات...).
وستجد الشيخ مدافعاً عن حزب الفضيلة في فيديو منشور عام 2006 وهو يقدم مبرراً لإمساكه بوزارة النفط قائلاً: (إلى الآن أسمع من إخواننا في أروقة الائتلاف أنهم يحاولون بشتى الطرق أن يسلبوا وزارة النفط من اخوانكم في الفضيلة، قسم منهم متعمدين يريدون أن يأتوا بشخص مستقل ما عنده أذرع يكعدونه بغرفة الوزير ويغلقون عليه الباب ويعيثون فساداً ويسرقون قوت الشعب, أما أن يأتي إلى وزارة النفط كيان مثلكم ممتد من الوزارة في بغداد إلى أم قصر، هذا معناه راح يقطع أيدي المفسدين، وراه مرجعية مراقبة، وراه مرجعية تقيم، وراه مرجعية شجاعة).
وهو تبرير جيد من الشيخ.. ولكن هل حصل فعلاً قطع لأيدي المفسدين بعد كل هذا الدعم للحزب؟ أترك الجواب للمنصفين وللتاريخ.
المراجع لا يأخذون حصصاً..
فهل التصرف كزعيم حزب ينظر لمصالح حزبه أولاً.. بحيث يتم التعيين في الوزارات بحسب الانتماء للحزب وشيخه.. أمر معهود لدى مراجع الدين؟ وتخيل معي لو كان هو الممثل الوحيد للدين وأخطأ الحزب بعد ذلك.. ألن يسود وجه الدين بين العالمين؟!
هذه خطورة أن لا تكون مجتهداً.. لأنك لن تستنبط من مواقف المعصومين والعلماء السابقين بشكل صحيح.
يحاول بعض الإخوة من أتباعه تبرير هذا الدخول في المنافسة السياسية بأنه لخدمة الدين.. وهنا يذكرون قول أمير المؤمنين عليه السلام: (اللهم إنك تعلم أنه لم يكن الذي كان منا منافسة في سلطان، ولا التماس شئ من فضول الحطام، ولكن لنرد المعالم من دينك، ونظهر الإصلاح في بلادك، فيأمن المظلومون من عبادك، وتقام المعطلة من حدودك).
ولكن بعد متابعة الأداء الذي قدمه الحزب في وزارتي العدل والنفط .. وفي محافظات مثل البصرة والديوانية والسماوة وغيرها.. هل نجامل ونقول أن هؤلاء الممسكون بمفاصل المسؤولية يمكنهم (رد المعالم من دينك وإظهار الإصلاح في بلادك)؟.
كلا.. لا تنطبق الرواية أعلاه على تبني الشيخ للحزب وسعيه المستمر للمناصب.. لكن إذا لاحظنا كيف يستغل الشيخ مقام المرجعية لحث أتباعه على انتخاب الحزب.. وكيف يوظف الآيات والروايات في دعم مشروعه السياسي والحكومي.. وكيف يغوص في حالة استعداء دائم للمرجعية العليا لعدم تسميتها للقوائم التي يشارك فيها حزبه.. فربما يكون الأقرب عندها تطبيق رواية الإمام الصادق عليه السلام: (إذا رأيتم العالم محباً للدنيا فاتهموه على دينكم، فإن كل محب يحوط بما أحب).
أو رواية عيسى المسيح عليه السلام: (الدينار داء الدين، والعالم طبيب الدين، فإذا رأيتم الطبيب يجر الداء إلى نفسه فاتهموه، واعلموا أنه غير ناصح لغيره).
الموقف الثاني: (توظيف النصوص الدينية لخدمة المواقف السياسة).
فما أكثر توظيف الخطاب الديني لعدة مرات في مآرب سياسية.
فمنها.. الموقف المعروف الذي سبب هجوماً على الشيخ.. واضطر للتوضيح أكثر من مرة.. ولكن هيهات فقد وقع الخطأ بسبب العجلة أو الحماس لدعم حزب الفضيلة.
حيث أجاب الشيخ على استفتاء مقدم له سنة 2004 (بعد إعلان اجتهاده ومرجعيته بسنة واحدة فقط) فقال ما نصه (بسمه تعالى : يجب على كل عراقي ان يشارك في هذه الانتخابات اذا كان مؤهلا للاشتراك وقد ذكرت في بيان (65) من سلسلة خطاب المرحلة مناشئ اهمية المشاركة وقلت ان هذا الوجوب كوجوب الصلاة والصوم، بل هو أهم لان هذه الفرائض فردية تتعلق بالفرد وخالقه اما هذه الفريضة فتتعلق بمصير الامة)
إن القول بأهمية الانتخابات على الصلاة والصوم مما لا يمكن لفقيه الالتزام به.. وقد أثار هذا الرأي المبالغ به سخط العلماء في حينها.. وكان من الواضح أن الرجل رهين الدعم المطلق لحزبه الذي جعله يصل إلى هذه الدرجة من استنزاف الخطاب الديني في أول سنة من تصديه.
وقد استغرق الشيخ فترة في محاولة التبرير لهذا القول الغريب.. ومما قاله في استفتاء آخر في نفس العام بعنوان خطاب المرحلة (97): ( أنها الوسيلة المتيسرة لتعيين القيادات الصالحة للأمة (...) بوصول الثلة الصالحة تحفظ الصلاة والصيام وسائر الشعائر المقدسة وأحكام الدين بالمقدار المتيسر وبوصول غيرهم تهدم هذه المعالم وحفظها واجب. نعم، قد يحصل خطأ في التطبيق بمعنى عدم كفاءة بعض العناصر المختارة أو تقصيرها أو سوء تصرفها أو عدم الدقة في اختيارها لكن هذا خطأ في التطبيق ولا يجوز أن ينعكس على أصل الوجوب).
وكما تلاحظ إن كنت قد درست الفقه.. فالكلام يهدم آخره أوله.. فإذا كان موضوع القيادات الصالحة منتفياً بمزاحمة المقصرين والسيئين ووو.. فبأي شيء يتعلق الوجوب؟
فتخيل لو كانت الحوزة بأجمعها أخذت المجتمع بفكرة أن الانتخابات أوجب من الصلاة والصوم.. ثم كانت هذه نتائج الأداء الفاشل لهذه الطبقة.. فما سيكون موقفه من الصلاة والصوم في هذه الحالة؟
نرقعُ دنيانا بتمزيق ديننا.. فلا ديننا يبقى ولا ما نرقعُ
ومنها.. قوله السابق في كلمته أمام جامعة الصدر الدينية: ( وعلى هذا فقد سجّلت اعتراضي على المقولة المتداولة على ألسنة بعض المتصدين (إن المرجعية تقف على مسافة واحدة من الجميع) فهذا موقف المداهن والمجامل على حساب الحق ويخالف المبادئ القرآنية (أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لَّا يَسْتَوُونَ) (السجدة/18) (هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) (الزمر/9) (أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لاَّ يَهِدِّيَ إِلاَّ أَن يُهْدَى) (يونس/35) .
وقد ذكرنا سوء تجاوزه على سماحة المرجع الأعلى واتهامه بأنه مجامل على حساب الحق.. ولكن الكارثة الأكبر هي استشهاده بالآيات القرانية!!
فمن هي يا شيخنا الأسماء المرشحة التي تطالبون سماحة السيد بتسميتها؟.. وهي مقدسة في نظركم إلى درجة أن تطبقوا عليها (أفمن كان مؤمناً)! و (الذين يعلمون)! و (يهدي إلى الحق)! من هؤلاء بربكم؟ لعلكم تقصدون أنهم حزب الفضيلة؟!
وأستحلفكم بالله.. ما ظنكم بالناس لو سمعت مرجعاً يستخدم هذا الأسلوب والخطاب في التعاطي مع الملف السياسي؟
وهل الاستدلال بالآيات أعلاه لإثبات المخالفة للحق.. صحيح على الموازين الفقهية؟ تالله ما عشت أراك الدهر عجبا.
ومنها.. دعوته الناخبين لنصرته باعتباره ولي الأمر.. حيث ذكر وجوهاً فقهية توجب على الناس المشاركة في الانتخابات شرعاً.. وقال في الوجه الثالث: (ما ذهب إليه مشهور علماء الإمامية من وجوب نصرة الأمة للفقيه الجامع للشرائط القائل بالولاية حتى يمكّن له في الأرض ويفعّل ولايته ويقيم شرع الله تعالى بمقدار ما يتيسّر له أي لتحقيق الآية الشريفة (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ) (الحج/41) ونصرته تكون بنصرة أتباعه الذين يعملون بتوجيهاته وينفذون مشاريعه على ارض الواقع..).
فهو يطلب التمكين في الأرض بوصفه ولياً.. ونصرته بنصرة حزب الفضيلة.. ولكن عندما تمكن حزب الفضيلة في الأرض رأينا ما فعل.. وكل هذا محسوب على موقع المرجعية الذي ادعاه الشيخ .. والخطاب الديني الذي يستخدمه بالجملة.
الموقف الثالث:(الإضرار بزيارة الحسين عليه السلام).
دعوته سنة 2012 إلى عدم خروج النساء إلى زيارة الأربعين.. وما استخدمه من أدلة غريبة لا يمكن لفقيه أن يستدل بها.. وقد ناقشتُ ذلك مفصلاً في بحث نشر في نفس السنة.. وهو موجود على قناتي (Ailia Emame) بعنوان ( منع النساء من الزيارة) وسيجد القارئ وجوه الضعف في استدلالات الشيخ بما لا يترك مجالاً للشك أن الرجل يذكر النصوص بطريقة سردية إنشائية ويستدل بها.. وليس هو من الاستدلال الفقهي التخصصي في شيء.
كما نوهتُ في القناة إلى حصول تعديلات وإضافات على التصريح الأول.. تم دسها فيما بعد لتبدو وكأنها ضمن النص الأصلي.. وفيها نوع من التراجع والتبرير بعد هجومه الصادم على خدمة الحسين عليه السلام والتشكيك بنزاهتهم.. وقد أثبتُّ وجود هذا التلاعب بلقطات شاشة مصورة وموجودة ضمن البحث المشار إليه في القناة.. فراجع.
فتصور معي لو أن الشيخ كان هو الممسك بزمام الطائفة.. ويصدر منه هكذا منع للنساء من الزيارة.. ألا يؤدي ذلك إلى مصيبتين.. مصيبة مخالفة النصوص والخطأ في الاستدلال.. ومصيبة العصيان الأجتماعي وكسر هيبة المرجعية والحوزة في نفوس الناس؟
ألم يقل المولى أمير المؤمنين عليه السلام فيما نسب إليه (إذا أردت أن تُطاع فاسأل ما يُستطاع) وليس الأمر حتمياً ولا يتوقف عليه مصير الدين حتى يضع نفسه في مواجهة المجتمع ثم يقول (لا رأي لمن لا يُطاع)!! بالعكس.. ما طرحه من وجوه واضحة البطلان يضر أكثر مما ينفع.
ثم أين القراءة الاجتماعية لطبيعة الجماهير؟ أين الحكمة في التعاطي مع الناس وهو يتهم أصحاب المواكب بأنهم تحصل لديهم ريبة إذا باتت النساء في بيوتهم؟ هل يصدر هذا من مرجع يلحظ تربص الأعداء بنا؟
ومما يثبت خطأ هذا التصرف في وقتها.. ما جره علينا من إزعاجات وتوتر في أوساط المؤمنين لم يكن لها أي ضرورة.. فالملا باسم الكربلائي كان حينها يقرأ في حسينية داوور العاشور في البصرة واعتبر الأمر تحدياً للشعائر فلم يسكت.. وقرأ قصيدة (إلا أوصل كربله.. وأشتكي لحسين) وقال فيها:
يالي تطعن بالشعائر أصلك نعرفه
والله لو ردنه نكشفه أمرك نكشفه
إحنه معروفين تدري بساعة الكلفة
الدفع لحسين دمه والدفع چفه
يالتجامل قاتله .. أشتكي لحسين
وفي الليلة التالية خرجت مجاميع من أتباع الشيخ اليعقوبي وحاولوا اقتحام حسينية داوور العاشور وهم يرددون (تاج تاج على الراس محمد اليعقوبي) و ( نگص ايده المس الشيخ)
على العموم لا أطيل الكلام أكثر في هذا الموضوع.. وأحيل القارئ الكريم إلى البحث المنشور على القناة.
أضف إليه ما ذكرناه قبل وريقات (سؤال 16/ الموقف الثالث) من نصحه للزوار بالركوب إلى النجف والانطلاق منها إلى كربلاء.. فهو يطلب من الناس أن تترك الجنوب وتفرغه تماماً من الخدمة الحسينية.. فهل يوجد مرجع يضع كلمته تحت أقدام الناس ويجبرهم على عصيانه بهذه الطريقة؟!! و من دون أي مبرر ولا مصلحة دينية.. إلا (الشفقة عليهم من حرارة الجو)!!!
الموقف الرابع: (إرتباك المرجعية الشيعية أمام ممثلة).
إن عدم الوقار في التصرف الذي صدر في ذلك الموقف.. مما لا يمكن أن يُنسى.
هناك ممثلة تلفزيونية معروفة اسمها (شذى سالم) شاركت في عشرات الأفلام والمسلسلات على تلفزيون العراق دون حجاب.. وما تزال حتى اليوم دون حجاب رغم تقدمها في العمر.. بين رقص وغناء ومشاهد.. لا يليق بمؤمن ورع مشاهدتها.. فضلاً عن مرجع ديني تأتمنه الناس على دينها وتوقره
ولكن هذه الممثلة في إحدى السنوات قررت زيارة الشيخ بما أنه يوجد (مرجع ديني) في النجف يستقبل الممثلات!! فأحبت أن تخوض التجربة.. فلبست العباءة لمرة واحدة في حياتها.. وذهبت لزيارة الشيخ (ومن طيبة قلب محبي الشيخ تصوروا في وقتها أنها تابت على يديه وروجوا لذلك وبعد سنة ظهرت في مسلسل آخر وهي سافرة.. فخجلوا وسكتوا).
المهم.. حتى الآن كل شيء له تبرير وفيه مسامحة.. لكن الصدمة هي عندما كان الشيخ واقفاً على الباب يستقبل الوفد واضعاً يده على صدره.. ودخلت شذى سالم.. فقال معرف الوفد مخاطباً الشيخ: شيخنا الفنانة شذى سالم.
فابتسم الشيخ ابتسامة عريضة وقال: (أعرفها أكثر مما تعرفني).
الفيديو موجود لمن أحب مشاهدته.. وأقسم بالله أن شذى سالم بدت في تلك المحاورة أكثر وقاراً من الشيخ نفسه.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.
على كل حال.. تألمت في وقتها عندما رأيت الفيديو.. وقلت: هذا الرجل عندما يقول أعرفها أكثر مما تعرفني فهو بالتأكيد يقصد أنه تابع مسلسلاتها.. وإلا فلا توجد عندنا دراسات أكاديمية وشهادات دكتوراه تتكلم عن شذى سالم.. فكيف يعرفها !! طيب ألا يحسب هذا الرجل حساب الناس المعتقدة به وما قد تسببه هذه المجاملة من تشجيعهم على مشاهدة المسلسلات وهي فيها ما فيها ؟
وتذكرت حينها تشدد السيد محمد الصدر في متابعة المسلسلات وقوله (إذا أقشمر نفسي لمشاهدة المسلسلات في التلفاز وأقول أنا لا أنظر بشهوة فأنا عبد من عبيد الشيطان، مجرد ظهور الرجل في مشهد وانت بانتظار ظهور الممثلة في المشهد التالي هو نظر بشهوة) والشيخ يقول أعرفها أكثر مما تعرفني!!
الموقف الخامس: (إرسال الشباب إلى المتاهات الفكرية).
طالما تساءلت في نفسي عن مقولة الشيخ المشهورة (الإسلام محتاج إلى جميع أبنائه) وشعرت أني قرأتها أو قرأت مضموناً قريباً منها جداً في مكان ما قبل أن تشتهر عن الشيخ.. وأسأل نفسي أين قرأتها؟ .. أين؟ .. أين؟ ثم تذكرت أن أقرب طريقة تتفق مع هذه المقولة بحسب مطالعتي هي لواحد من اثنين.. إما جمال الدين الأفغاني.. أو حسن البنا.
ثم تأكدت أن هذه المقولة مقتبسة من بعض كلمات حسن البنا المشهورة بهذا المعنى.. ومنها كلمتان:
الأولى.. في رسالته (دعوتنا) حيث قال (كل فرد منا مسؤول عن الاسلام).
والثانية.. ينسبها المؤلف المصري الشهير عبد الحليم أبو شقة.. للبنا ويقول فيها: (كان البنا يقول أن إنقاذ الإسلام لا يكون إلا بجهود كل أبنائه).
وأعطاني هذا التقارب في الطرح لمحة من الظن والاحتمال.. بأن الشيخ ربما يكون متأثراً بأدبيات الإخوان المسلمين مثل حسن البنا وسيد قطب.. ولكني لم أركز على الموضوع لعدم وجود دليل على ذلك.. ومع كثرة الانشغالات.. تركته ليذهب إلى وادي النسيان.
ثم صدر مؤخراً تحذير المرجع الأعلى دام ظله للمؤمنين.. وعدت مرة أخرى لمطالعة مقولات الشيخ وسبرها.. وعاد موضوعه إلى واجهة اهتمامي .. فكانت صدمتي بأن ما كنت توقعته سابقاً ثبتت صحته!!
لقد رأيت - ويا للصدمة - أن رجلاً يعد نفسه مرجعاً للشيعة.. يحث شباب الشيعة على قراءة أفكار مالك بن نبي وسيد قطب وشريعتي .. لا بوصفها قراءة نقدية كما نفعل كلنا.. بل بوصفها جهوداً فكرية حافظت على عقيدة الشباب من الانحراف!!
جاء في موقعه الرسمي في بعنوان (الشيخ اليعقوبي يوجه الشباب الرسالي لأخذ دورهم الريادي في العمل الإسلامي) قوله: (ثم ذكرهم برجال من غير الحوزويين اثروا في الشباب وساهموا في جذبهم الى الإسلام وصيانة أفكارهم وعقائدهم من الانحراف كالشهيد الدكتور علي شريعتي والشهيد سيد قطب ومالك بن نبي والمرحوم احمد امين صحب كتاب التكامل في الاسلام..).
بالله؟! أمتأكدون أنتم يا شيخنا أنكم قرأتم مؤلفات هذه الأسماء واختبرتم أقلامها؟ هل أنتم واثقون من معرفتكم بأفكارهم؟
لا أدري كيف تقدمون هذه الأقلام إلى الشباب البسطاء من زواركم.. بعنوان أنهم حفظوا الناس من الانحراف!!.. ثم تقدمون قلم الشيخ مرتضى مطهري بنفس العنوان.. وهو مناقض لأفكارهم تماماً.. وعاش دهراً من الرد عليهم؟
هذه الخلطة السحرية التي يوصي بها الشيخ.. تفسيرها الوحيد أنه لا يعرف مكونات الخلطة!!
الخلاصة: أنا حينما أعدد هذه المواقف الخاطئة.. لا اقصد منها -وأشهد الله على ما في نفسي- أن أوجه إهانة للشيخ أو أقلل من قيمته.. فأي مصلحة للدين في ذلك؟
يكذب على نفسه من يقول (نسقطه حتى يتركه أتباعه) لأن أتباعه إذا قرروا تركه فرضاً.. فلن تكون أنت ومرجعيتك البديل أيها المسقط له.. بل سيتركون الدين والتدين كله.. لأنهم لا يرون الدين إلا بطريقته هو.. وبطعم مرجعيته هو.. وخير لنا أن يبقى أتباعه معه عن أن يتركوا الدين.
إن كنت تضع ورقة وقلماً وتحاول اصطياد بعض أتباع الشيخ وتريد التأثير فيهم.. فهذا شغل الفارغين.
العامل الحقيقي لله تعالى.. يسعى بكل قوته لبيان معالم الدين.. والتنبيه على الأخطاء.. ويترك الأمر لله ولاختيار الناس.. سواء أكانوا مقلدين للمراجع الحقيقيين.. أم لمدعي الاجتهاد.. لأنه لن يأخذ دور الله تعالى في عطف القلوب لهذا وتنفيرها من ذاك.. بل عليه بيان الحق.. والسلام.
إذاً ما أريد قوله: أنه ومع كل هذه المواقف التي تبدو انفعالية وغير مدروسة.. ولا تنم عن تاريخ طويل من الحكمة والتبصر بالأمر وكثرة التجارب.. فكيف يقال أن أمر الشيخ متعلق بالآخرة فقط؟! ولا خطر في الدنيا على أتباعه المساكين؟ إذا كانت مواقفه ارتجالية إلى هذا الحد؟! أن بيان الحقيقة يقتضي التنبيه على الأخطاء التي تصدر تحت هذا العنوان المقدس.
السؤال (21): هل من الصحيح استخدام كلمة (متمرجع) في حق الشيخ؟ ألا يؤدي ذلك إلى هتك حرمة العلماء؟ ألا يؤدي استخدام هذا المصطلح في حق أي شخص يرى نفسه مجتهداً إلى تراجع الحالة العلمية في الحوزة؟
الجواب:
أنا شخصياً لا أستخدم هذه الكلمة.. وطيلة حديثي في هذه الأوراق لم أستخدمها.. وأفضل استخدام مصطلح (مدعي الاجتهاد) ولكن لا اعتراض عندي على من يستخدم كلمة متمرجع.. وذلك لأسباب:
أولاً: من الناحية الأدبية فهذه الكلمة لا يختلف اشتقاقها كثيراً.. عن كلمات أخرى موجودة في أدبياتنا الدينية.. وهذه طريقة معروفة وطالما استخدمت للتعبير عن الشخص المتقمص لما ليس له.. حتى كلمة متقمص على وزن متفعّل من الثلاثي المزيد.
فعلى صيغة (متفعل) ورد (المتقول) في قوله تعالى (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ (٤٤) لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ (٤٥)
وعلى الصيغة ذاتها وردت كلمة (متصنع) عن الإمام صاحب العصر أرواحنا فداه.. في قوله الذي سبق ذكره (احذروا الصوفي المتصنع).
وعلى صيغة (متفيعل) جاءت كلمة (المتفيقه) على لسان النبي صلى الله عليه وآله: (إن أبغضكم إلي الثرثارون المتفيقهون المتشدقون وإن أبغض الناس إلى الله من اتقاه الناس للسانه).
وهذا أمر موجود ومعروف حتى لدى العامة.. وأذكر لك من باب محض النظر إلى ما عند غيرنا لا من باب الاحتجاج به.. أنهم يقولون لمتقمص المقام متشيخ أو متمشيخ.
قال ابن اعربي في الفتوحات المكية: (وقد رأينا من ادعى ذلك من المتشيخين المتطفلين على الطريقة فصاحب هذه الدعوى إذا لم يكن صادقا يكون سريع الفضيحة..)
وقال الشعراني في العهود المحمدية: (وإياك والاقتداء بأهل هذا الزمان المتمشيخين بأنفسهم فإنك ربما هلكت).
وأما كلمة متمرجع من تمرجع .. فعلى وزن (تمفعل متمفعل) مثل تمسكن متمسكن وتمنطق متمنطق وتمندل متمندل.. وقيل أنه من شواذ التصريف.
ثانياً: القول أن هذه الكلمة هتك لحرمة العلماء غير دقيق.. فإذا رأينا شخصاً لا يعتقد باجتهاد ومرجعية الشيخ اليعقوبي.. ويستخدم كلمة (متمرجع) فالأولى مناقشته في اعتقاده وليس في استخدامه للكلمة.. لأن استخدامها نتيجة طبيعية لاعتقاده.. ومنسجم مع أدبيات الدين.. وهو لا يرى كلامه هتكاً لحرمة العلماء.. بل على العكس يرى ذلك حماية للمراجع الحقيقيين.
ثالثاً: القول أنها كلمة تؤدي الى تراجع الحالة العلمية.. لأن من يرى نفسه مجتهداً سيحجم خوفاً من استخدام هذه الكلمة بحقه!! غير صحيح أيضاً.. بل على العكس.. هذه الكلمة تؤدي لتراجع المتطفلين.. أما المجتهد واقعاً فهو محمي ومحصن ومدعوم من الوسط العلمي.. الذي قلنا وكررنا أنه يدعم من بهم الكفاية لخدمة الحوزة وتقر عينه بالمؤهلين.. والحوزة لا تستبدل العالِم بالعالَم .
ولن يحتاج المجتهد فعلاً -الذي أثبت ذلك بدرسه وآرائه ومناقشاته- إلى الدفاع عن اجتهاده بنفسه وبألف طريقة كما يفعل الشيخ اليعقوبي.. بل الحوزة ستكفيه هذه المؤونة.. فهل رأيت الشيخ الأيرواني أو الشيخ هادي آل راضي أو السيد منير الخباز دافعوا عن اجتهادهم أو كلفوا أنفسهم عناء حرف واحد؟
والخلاصة.. أنك إذا قصدت حلقات البحث الكبرى وسألت الأساتذة.. هل هو مرجع حقاً أم لا؟ فإذا كان جوابهم (لا) .. فهذه الـ (لا) .. لا فرق في أن تقولها بطريقة (ليس مرجعاً) أو تقولها بطريقة (متمرجع) وينبغي أن لا ينزعج الإخوة من الكلمة ذاتها ويدخلونا في نزاع لفظي.. بقدر انزعاجهم من عدم القدرة على إثبات اجتهاد الشيخ.
نعم.. هو (متمرجع حتى يرجع) ونسأل الله لنا وله ولجميع شيعة أمير المؤمنين عليه السلام.. الورع في أمور ديننا.. والبصيرة بحقيقة دنيانا.. والحذر من عواقب أمورنا.. والوجل من آخرتنا.
وقد فرغت من كتابة هذه الأوراق على عجالة من الوقت.. وإعراض من النفس.. في الثاني من شهر شوال المكرم لعام 1446هـ .. مصلياً مسلماً على المصطفى محمد وآله الطاهرين.
وأنا خادم العترة المتسمي اعتباراً بـ (إيليا إمامي) المتلبس بها حقيقة إن شاء الله.. المتشرف بخدمة تراب قدمي مولاي أمير المؤمنين عليه السلام في جواره المقدس.. والحمد لله رب العالمين.
تعليقات
إرسال تعليق