الدورات الصيفية، بنت المواكب، وأم فتوى الجهاد. الكاتب #Ailia_Emame


 

الدورات الصيفية، بنت المواكب، وأم فتوى الجهاد.

الكاتب #Ailia_Emame


* لو نظرت إلى مجتمعنا الشيعي .. وسألتني عن أدهى خسارة للفرص .. وأشد تضييع للنعم .. لقلت لك بلا تردد .. أنها خسارة من كان لديه مسجد أو حسينية أو موكب .. ولم يجمع أطفال منطقته في دورة صيفية !!.


* وأعيدها بتاء التأنيث أيضاً : أنها خسارة من كانت لديها حسينية أو بيت .. ولم تجمع فيها بنات منطقتها في دورة صيفية !!.


* نعم .. سيبدو لك أن الكلام أعلاه مجرد مبالغة من الكاتب .. ولكن مع التأمل في أثر هذه الدورات وانعكاساتها خلال السنوات اللاحقة .. وما يمكن أن تتركه من أثر اجتماعي واقتصادي .. كن على ثقة .. أنك ستوافقني .. ولكي يتجلى لك الأمر بشكل أوضح .. رافقني في السطور القادمة.


* كانت الأعوام من  2005 إلى 2008 .. أكثر الأعوام نشاطاً بالنسبة لي في موضوع الدورات الصيفية للأطفال والناشئة .. حيث شرفني الله تعالى بتدريس العشرات منهم _ إن لم يكن المئات _ في مواضيع عدة ( فقهية وعقائدية وقرآنية وتاريخية ).. ثم تشرفت بعدها بواجبات أخرى.


* وخلال السنوات العشر التالية .. كنت أراقب التغيرات الجوهرية في شخصيات هؤلاء الأطفال .. وهم يبلغون سن الشباب .. وأسأل نفسي : كيف سيتصرفون مع عوامل التغيير؟!


تلك العوامل الحادة .. التي مر بها جيلهم .. جيل المرحلة الانتقالية نحو الانفتاح بما تحمله من فخاخ صعبة ( سهولة العلاقات الغرامية العبثية .. البحث عن الترفيه بدون ضوابط .. الهجمات العنيفة على المرجعية ورمزية رجل الدين .. الأنترنيت والزخم الهائل من الأفكار والمواضيع المتناقضة .. الواقع الاجتماعي والسياسي المتراجع .. البطالة وضبابية المستقبل .. وانتهاء بقتل الذات _ المخدرات_ ).


* كل هذه عوامل ضيعت الكثير من الشباب الذين نراهم اليوم .. فارغين من الداخل .. مهشمين ومهمشين .. وكنت أخشى على (تلاميذي) من هذه الدوامة.


* ويمكنني اليوم _ أيها القارئ الكريم _ أن أعطيك خلاصة متواضعة عن تجربتي خلال 17 عام في هذا المجال .. تتلخص في أن هذه الدورات تصنع ثلاثية مميزة لمستقبل هؤلاء الأطفال .. وهي ثلاثية ( الانتماء / الوعي / المبادرة ).


١)) الانتماء :


* رأيت بالتجربة .. أن هذه المفاهيم البسيطة التي نزرعها فيهم .. والأجواء التعليمية المتواضعة التي يعيشونها في طفولتهم .. تخفف جداً من قوة انحدارهم نحو الضياع .. نعم قد يسقطون .. وقد يجرفهم موج الانحرافات .. لكن جذراً عميقاً في النفس يبقى يسحبهم نحو الاستقامة والعودة إلى رشدهم .. وأغلبهم يعودون بعد سكرة أو غفلة.


* طالما كنت ولا زلت أقارن .. وأراهن على صحة المقارنة .. بين شاب عاش هذه الأجواء في طفولته .. واختزن ذكرياتها في أعماق نفسه .. وآخر قضى طفولته لا يرتاد حسينية أو مسجداً أو موكبا .. ولا يدفعه أهله للمشاركة في أي نشاط ديني .. متنقلاً بين أماكن الترفيه وثقافة الأنترنيت ( وأغلبها ثقافة غربية ) ..


فالأول مهما ابتعد وانحرف .. ومهما ضمرت أو تلاشت المعلومات التي تلقاها في طفولته .. ستظل جذورها كامنة في أعماق نفسه .. ويبقى شعوره بالانتماء لتلك الأجواء الدينية .. يسحبه إلى الدين.


* وأما الثاني الذي تلقى مفاهيمها من غيرنا .. وتمت صياغته على يد آخرين .. فسيكون منتمياً لهم ولو تربى في وسط بيوتنا.


* هذه هي المسابقة مع الوقت ومع الثقافات الأخرى .. التي أشار إليها الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بقوله ( الإمام علي عليه السلام : ( علموا صبيانكم من علمنا ما ينفعهم الله به، لا تغلب عليهم المرجئة برأيها )


فهو يريد منا أن نسبق المرجئة في صياغة مفاهيم الطفل .. ولا نتأخر أو نتكاسل لأن النتائج ستكون وخيمة.


* وأما المرجئة .. فهم من ذكرهم رسول الله صلى الله عليه وآله بقوله : ( لعنت المرجئة على لسان سبعين نبيا، الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل ). وهم اليوم جماعة ( خلي يشرب أو يركص براحته أهم شي گلبه نظيف ).


٢)) الوعي.


* وقد رأيت بالتجربة أيضاً .. أن الشاب الذي تعلم في صغره تكون المفاهيم واضحة في ذهنه .. ولديه حصانة أكبر أمام التلاعب بالعقول.


* قد يبدو لك أن تدريس كتاب الوجيز في الفقه أو عقائد الإمامية شيء بسيط .. لكن هذا التوضيح لمفاهيم الدين عن طريق ( الكتب ) وعن طريق ( التعليم ) .. لا يقارن بمعلومات عشوائية مبعثرة يحصل عليها شاب آخر لم يحضر هذه الدورات .. وتربى على طريقة الاستعراض السطحية .. تجعله سطحياً مبعثراً في فهم أحكام الدين إلى بقية عمره !!


* فعن النبي الأعظم صلى الله عليه وآله : ( مثل الذي يتعلم في صغره كالنقش في الحجر، ومثل الذي يتعلم في كبره كالذي يكتب على الماء ).


* وعن لقمان الحكيم عليه السلام يوصي ولده : لابنه ( يا بني إن تأدبت صغيراً انتفعت به كبيرا).



٣)) المبادرة.


* إنها التجربة مرة أخرى .. ففي كل تحدياتنا السابقة .. فتوى الجهاد .. فتوى التكافل .. خدمة المواكب .. رأيتهم حاضرين.


* من كبروا في دوراتنا ومواكبنا هم من أمسكوا سواترنا ..


من تعلموا في حلقاتنا الدينية هم من كانوا يسألوننا كل يوم قبل أن يدخلوا بيوت الأهالي ويستخدموها طيلة الحرب .. وهم من كانوا يسألون عن الحكم الشرعي حتى تحت اشتباك الرصاص.


* إن هذه الروح الوثابة التي زرعت فيهم كانت بنت تلك المواكب التي جمعتهم ومنحتنا الفرصة لتعليمهم .. وصارت أم فتوى الجهاد التي حملوها على أكتافهم.


* هذه هي الثلاثية .. التي أزعم أن الدورات الصيفية ستحققها .. مهما كانت الخسائر في صفوف الشباب الذين نعلمهم.


وختاماً .. أضع هذا الحديث المبارك بين يدي الأهالي الذين ربما يتكاسلون في إرسال أولادهم إلى هذه الدورات :


عن الإمام الصادق عليه السلام : ( لا يزال المؤمن يورث أهل بيته العلم والأدب الصالح حتى يدخلهم الجنة جميعا حتى لا يفقد فيها منهم صغيراً ولا كبيراً ولا خادماً ولا جارا، ولا يزال العبد العاصي يورث أهل بيته الأدب السئ حتى يدخلهم النار جميعاً حتى لا يفقد فيها منهم صغيراً ولا كبيراً ولا خادماً ولا جارا ).



https://t.me/AiliaEmame1185

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

عشرون سؤالا عن الشيخ محمد اليعقوبي

ملف زيارة البابا |ايليا امامي

جولة في رأس سياسي عراقي. الكاتب #Ailia_Emame